|
الــراحــل
مات؟ لا. لم يمت، بل رحل. رحل إلى عالمه الجديد بعيدًا عن الصخب ورؤية مشاهد قتل الإنسان في الإنسان، وهناك وجد راحته حيث الهدوء الساحر وهمسات أوراق الربيع على أغصانها الخضراء، لا كالربيع على أرضنا الحبيبة الذي لم يثمر حتى زهرة واحدة تبشِّرنا بأمل ولادة حديقة أزهار. رحل الصديق الغالي الأستاذ أكرم أنطاكي مبكرًا، مبكرًا، ملوِّحًا بيديه أنْ سأكون بينكم بما تركته لديكم بصمات يدي هاتين على الورق. وفي ذات الوقت كان ثمة، تحت جفنيه، تندرج قطرة بعد قطرة من دمع طالما أرَّق عينيه وهما تشاهدان ما لم يكن متخيلاً أو متوقعًا فقط لديه. رحل مخلفًا وراءه سيدة عظيمة كانت ملهمته وقد أثرت فكره بوفائها لدوره في خدمة الكلمة، وشدَّت من أزره في أوقات الشدائد: المهم أن يرتاح الوطن قبل راحتنا. لقد ازددت معرفة بالصديق الراحل، عندما اكتشفت فيه الإنسان أولاً قبل المفكر. وانطلاقًا من هذه النقطة–العتبة، كان لي، بناء على رغبته بلهجته الدمثة التي عرف بها، حضور متواضع، وسيبقى، في الموقع الذي ساهم في تأسيسه، أعني به معابر. ولأن للمعابر مفاهيم عدة للدخول إلى عوالم لا أبعاد لها، أحاط هذا الموقع العتيد بأطراف المعرفة من نواحيها كافة، تاريخًا وفلسفة وعلمًا وأدبًا وفنًا، فكان بحق النافذة التي يطل منها الباحث عن المعرفة الشمولية على عالم زاخر بكل أطياف هذه المعرفة، فضلاً عن قيم فلسفة اللاعنف التي كان الراحل من حاملي رايتها وفي مقدمة الداعين إليها في عالمنا العربي وفي ذات الوقت مذكرًا بأعلامها في العالم. إنها بحق الخسارة ألمت بساحتنا الثقافية في سورية تحديدًا، ومن دون توقُّع، برحيل الصديق الأستاذ أكرم أنطاكي بعد أن أتعبه الملل من انتظار ما هو آت، فآثر الرحيل وفي قلبه الإيمان بأن ما هو آت لا بدَّ سيحمل الإجابة عن السؤال: كيف ومتى ولماذا؟ ولأن الراحل لم يجب عن هكذا سؤال قبل الرحيل أترك لقارئ السؤال أن يجيب عنه بديلاً عن الراحل. رحمك الله أيها الصديق أكرم. دمشق، 24-4-2013 *** *** *** |
|
|