العلوم في الشرق القديم

 

موسى ديب الخوري

 

تتجلَّى لنا حقيقة التاريخ من خلال وجهين اثنين – هما وجها الزمن بشكل عام: الصيرورة المستمرة والمتطورة من خلال العلاقات الناشئة والمنحلَّة على الدوام؛ والحضور الآني، الكلِّي، لكلِّ تجربة على صعيد حقيقة الزمن. وتتم هذه التجربة بدورها وفق مسارين متسايرين: تجربة جماعية طبيعية، وأخرى فردية ذات طابع روحي بحت. ونحن، في دراستنا للتاريخ، نهمل دائماً هذا الحضور الآني لصالح الصيرورة التطورية. ذلك أننا نفهم التاريخ من خلال تتابع الأحداث، ومحاولة تدقيق المعلومات المتسلسلة وترتيبها، ولسنا نتنبَّه للحقيقة اللامتبدِّلة بتبدُّل الحدث، وللتجربة الواحدة، الكلِّية، التي لا تخضع لسياق الزمن، كيف وأنَّى تحققت. في الحالة الأولى، ننظر للتاريخ من الخارج، ولا نستطيع أن نتفاعل معه، ولا أن نفهم الأسباب الحقيقية لأحداثه. وفي الحالة الثانية يمكننا، إذا ما نظرنا إلى التاريخ من الداخل، أن نرنو إلى جوهر التجربة المشتركة للإنسان مع الطبيعة، بل وإلى تجربة الإنسان الفردية التي تميز مقدرته الكلِّية على التطور. في الحالة الأولى، تكون معرفتُنا معرفة جزئية وسطحية للحدث – ولهذا نحاول بلا جدوى سدَّ الثغرات في المعلومات المتوفرة لدينا عن الماضي؛ بينما نحن، في الحالة الثانية، لا نبني معرفتنا على المعلومات فقط، بل وعلى مشاركة حقيقية في صيرورة الماضي.

ينطبق ذلك على مفهومنا للتطور المعرفي للإنسان. فنحن، عندما ندرس تاريخ المعرفة الإنسانية، نولي النصوصَ والأحداثَ الأهميةَ القصوى، ونتجاهل النسق الآخر للتطور المعرفي للبشرية – التطور اللاتاريخي الذي لا تشكل النصوص والأحداث منه غير القشرة السطحية أو البرقع الذي يخفي حقيقته الأعمق. ومع اكتفائنا بالنتائج المباشرة والأولية لدراستنا السطحية للتاريخ، تغيب عنَّا النتائج الأعمق – كوننا أهملنا طرح أسئلة تتعلق مباشرة بجوهر الحضارة البشرية وتطورها. ولعل ذلك ينعكس على إنسان اليوم أكثر من أي وقت مضى. فمع تقدم علومنا وإنجازاتنا ومعارفنا، نشعر بالعجز الكامل عندما يتعلَّق الأمر بطرح أسئلة حول توافق هذا التقدم مع حاجاتنا الحقيقية، حضارية وإنسانية. إننا غير قادرين على الإفادة من تجارب الماضي، ولا على فهم دورنا الحالي في سياق التطور البشري عبر العصور. فإذا كان الأمر على هذا النحو، ألا يحقُّ لنا أن نتساءل عن الفائدة الحقيقة التي نجنيها فعلياً من دراستنا لتاريخ ولآثار الشعوب القديمة؟

إن ما نشير إليه هنا بالتطور المعرفي ليس أبداً التقدم على الصعيد التقني. فنظرتنا التاريخية الحالية إلى الحضارات القديمة على أنها بدائية وأدنى من حضارتنا يُبعِدنا تماماً عن رؤيا تلك الحقيقة الجوهرية. علينا أن ننظر إلى الحضارة القديمة كوجود ثقافي خاص ومميَّز، بحيث تكون لكلِّ عصر قيمتُه الخاصة به. ومن هنا يكون التطور الثقافي تحولاً، وليس تقدماً. إن محاولة ربطنا الأسبابَ التاريخية بالوقائع يقلِّص إلى الحدِّ الأقصى إمكانية إدراك حقيقة التاريخ، المتمثلة بتحقيق كمال الحضارة في عصرها – الأمر الذي لا يمكن لحضارة لاحقة أن تحقِّقه وأن تسبره في اتساعيَّته وفي عمقه. هذا ينطبق، مثلاً، من حيث الإنجازات، على الكاتدرائيات الرومية والقوطية العظيمة، على أهرامات مصر ومعابدها، على الصروح الميغاليثية mégalithiques في أوروبا، على الأبجدية الأوغاريتية، على أنظمة العدِّ السومرية والبابلية والصينية، على رموز وأساطير حضارات المايا والأزتيك والإنكا، على ملاحم الهند الخالدة... فالأمثلة في هذا السياق لا تنتهي لأن كل حضارة عبَّرت عن خصوصية تجربتها ضمن مجال معيَّن. إنما المهم في ذلك هو أن جوهر هذه التجربة مشترك؛ ولهذا يبقى ما يعبِّر عنها ويجسِّدها خالداً في ذاكرة الإنسانية.

فيما يتعلق بالعلوم، علينا، قبل كل شيء، التأكيد على أن علوم عصرنا الحديث تتميز بخصوصيَّتها التي لا يمكن مقارنتها بخصوصية علوم الحضارات القديمة. فالعلوم في العصور القديمة كانت كلاً متكاملاً يتناغم مع نسيج الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في عصرها. فالإنسان القديم كان يستمد معارفه مباشرة من الطبيعة، وكان أقدر على فهم لغتها؛ وكأيِّ عنصر من عناصرها، كان يخضع لقانونها وينسجم معه. ولهذا لم تكن علومه غير شكل فني لهذا التناغم. وقد عكس إنسان اليوم هذه الآية، إذ جعل من الشكل الفني الذي يتبطَّن على المعرفة الكلِّية شكلاً ثانوياً أمام النفعية والاستهلاكية. وانعكس ذلك، دون شك، على نفسيَّة الإنسان المعاصر، فطغى وتجبَّر، وبلغ بصلفه وبغروره مرحلةً باتت أنانيَّتُه تبرِّر معها كلَّ الأذى الذي يُلحِقه بنفسه وبالطبيعة.

إن العلوم الحديثة تتميز بخصوصيتها على المستوى العقلي التجريدي، لكنها فقدت قطعاً، مقابل ذلك، الحساسية تجاه التناغم في الطبيعة. لذا علينا، ونحن نحاول الولوج إلى محراب تاريخ العلوم القديمة، أن نتخلَّى تماماً عن تباهينا بقدراتنا العقلية التي نعتقد أنها متفوِّقة على قدرات أسلافنا القدماء، وأن نتنازل عن نظرتنا الفوقية إلى إنجازات الشعوب القديمة. أليس أننا، حين ندرس هذه الإنجازات، إنما نحاول إخضاعها لمقاييسنا الحديثة تأكيداً منا على تفوُّقنا؟ كيف يمكن لنا أن نفهم أسرار هذه الإنجازات ونحن بعيدون قلباً وقالباً عن روح الشعوب التي أبدعتها وحقَّقتها؟ فلنحنِ إذن رؤوسنا أمام هذي الشعوب، ولنتناسَ – ولو إلى حين – نظرتنا الساخرة إلى مفاهيمها وطرائق تفكيرها، لعلَّ ذلك أن يساعدنا على فهم خصوصيتها بشكل أفضل، وعلى إيقاظ شعلة في قلوبنا تكاد أن تنطفئ.

وحدة الثقافة في الشرق القديم

كان الشرق القديم بؤرة لتلاقي الحضارات ولتفاعلها. لذا يصعب تحديد المساهمات التي قدمها كل شعب بدقة – الأمر الذي يقودنا إلى التركيز على البابليين بشكل خاص، لأنهم كانوا ورثة السومريين، من ناحية، ولأنهم تركوا لنا تراثاً غنياً في معظم الحالات، من ناحية أخرى، ولأن ثقافتهم وعلومهم استمرت من خلال شعوب أخرى في المنطقة، من ناحية ثالثة. وبالمقابل، فإنه مما لا شك فيه أن الآشوريين لم يلعبوا غير دور ثانوي. فقد تأثروا غالباً بالبابليين؛ إلا أن مساهمتهم القيِّمة اقتصرت على النقل وعلى التجميع، بما أن مكتبات ملوكهم، مثل توكولتي نينورتا الأول وتلغات فلصر الأول وآشوربانيبال بخاصة، تركت لنا إرثاً ضخماً لآداب ولعلوم القرون السابقة لهم. كذلك فإن التأثير الحثي أو الحوري لم يكن كبيراً، بل كان هو المتأثر ببلاد الرافدين والشمال السوري. أما عيلام، فقد انفتحت على الثقافة البابلية. ولدينا الكثير من النصوص التي عُثِر عليها في سوسة وتعدُّ دلائل هامة على تطور الثقافة البابلية نفسها. ومن المرجَّح أن العلوم العيلامية كانت انعكاساً للعلوم البابلية في أغلب نواحيها.

هكذا يمكن اعتبار الثقافة العلمية في الشرق القديم ثقافة سومرية–أكادية بجوهرها. ولا شك أن تتبُّع تطور العلوم في هذه المنطقة، ابتداءً من ظهور الحضارة السومرية وانتهاءً بانطفاء الحضارتين الفينيقية والبابلية فيها، يُعدُّ من أصعب الأمور بسبب تداخل وتمازج الحضارات الكثيف والمستمر، مما أعطاها طابعها المتفرد الأصيل. وقد تكون دراسة تاريخ ظهور الأرقام وأنظمة العدِّ في الشرق القديم هي الدراسة الوحيدة التي يمكن أن تُبرِز مساهمات السومريين والساميين بشكل واضح. من ناحية أخرى، لا بدَّ لنا من الاعتراف بأن قسماً كبيراً من الثقافة والعلوم في الشرق القديم ضاع بسبب كونه تراثاً شفهياً، يتم تناقله سراً أو علانية، إلى جانب النصوص المكتوبة، أو لأنه كتب على مواد هشة. وفي كافة الأحوال، يمكننا التأكيد على الوحدة الثقافية التي كانت تشمل المنطقة كلَّها والتي كانت تشع بنورها المتميز على الحضارات العالمية الأخرى.

السحر والتنجيم

يقول رونيه لابا:[1] "إن دراسة العلوم في الشرق الأدنى القديم وفق منظورنا الحالي تجازف بتقديم صورة مشوَّهة عنها. فنحن لا نستطيع، أياً كانت العناصر العقلية والمنطقية التي يمكن أن نجد فيها، عزلها عن إطارها الروحي والديني." ويتابع لابا: "إن الفكر الأكادي السومري، مهما بلغ به القدم، ليس مجرد عقلية بدائية. فعندما نفهمه نجد أنه يملك ماضياً طويلاً من التطور الروحي والفكري، ويُترجَم تفتُّحه من خلال الخصائص العقلية والإنجازات التقنية على حدٍّ سواء." وفي الحقيقة، يصعب علينا تتبُّع أصول التجربة المعرفية عند السومريين، لكننا لا نشك أنها أدَّت، في أحد فروعها الأساسية، إلى ولادة التدوين عبر مخاض طويل. ولسنا نشك أيضاً أن هذه البدايات السحيقة ارتبطت، كما في معظم الحضارات القديمة، بأصول تنجيمية وعرفانية. كذلك، كما شكَّلت كل حضارة كتابتها الخاصة، كذلك أعدَّت نظامها الخاص من الإشارات التنجيمية. وكانت هذه الإشارات تسمح بتصنيف وبتنظيم الوقائع المرصودة، وبالتالي فقد شكلت أولى وسائل تطور المنهج العلمي. وقد صرَّح أوبنهايم إبان المؤتمر الرابع عشر لعلماء الآشوريات الدولي، معتمداً على نصوص التنجيم البابلي: "أعتقد أنني قادر على التأكيد بأن المنجِّم–الفاحص كان عالماً، وأن التنجيم الاستقرائي والمنطقي كان علماً قائماً بذاته."

هذا ولم تكن للسحر المؤذي لدى سكان الشرق القديم أية مكانة، ولم يؤمنوا به يوماً. أما السحر الحقيقي في بلاد الرافدين فكان رسمياً بمؤسَّساته، ودينياً باستلهاماته، وعلمياً بقواعده، وحامياً للإنسان؛ وكان التعزيم أو طرد الشياطين من أهمِّ أشكاله. كان الكون في نظرهم مؤلفاً من آليات محتومة وقَدَرية، ومن قوى يسعى بعضها نحو النظام الإلهي، ويسعى بعضها الآخر نحو الفوضى. وكان الانتصار الآني لهذه القوى الأخيرة يفسِّر كافة اللاتوافقات التي كانت تظهر في النظام الكوني. وكان السومريون يعزون نوبات الفوضى هذه لنوع من القدر الأعمى كلِّي القدرة، كانت الآلهة تعاني منه تماماً كالبشر. أما الساميون فكانوا يرون أنها من تقدير الآلهة التي تجيزها وتريدها؛ ذلك أن مشكلة الشرِّ في العالم كانت تحمل في نظرهم معامِلاً مجهولاً لدى السومريين، ألا وهو مسؤولية الإنسان، مما يحتم تطبيق قانون الثواب والعقاب. وكان الرقَّاء أو المعزِّم هو الوحيد الذي يستطيع أن يتحرك وسط هذي القوى دونما خطر، في حماية الآلهة وبفضل التعليم السِّراني الذي تلقَّاه. وكان اهتمام المعزِّم ينحصر في كشف هذه القوى، وقراءة إشاراتها النذيرة، والتأقلم معها، وتجنب نتائجها أو إبعادها. يقول لابا: "كان السحر في بلاد الرافدين يسلك الطريق والمنهج العلميين. لكن من المهم أن نذكر أنه كان علماً معقداً وكهنوتياً، وكان يشكل مجالاً مغلقاً وسرَّانياً. وكان هذا العلم دقيقاً في مبادئه وفي تطبيقاته ونتائجه."

غير أن الدين لم يكن لدى سكان الشرق القديم مجرَّد فلسفة للعالم، بل مبدأ كوني. ومن هنا، فإن علومهم الأساسية اتخذت شكل الأساطير. وتعلِّمنا إحداها، مثلاً، أن الكون نشأ من مبدأ وحيد، هو المياه. ففي البدء، كانت الفوضى. ومنها جاءت السلالات الإلهية التي تأنْسَنَتْ شيئاً فشيئاً. وبعد صراع طويل استطاع الآلهة الشباب فرض النظام على الكون. وتحدِّثنا أسطورة أخرى عن خلق الإنسانية الجديدة بعد الطوفان، بينما تحاول ثالثة أن تفسر تطور الإنسان الذي مرَّ من الحالة البدائية، شبه الحيوانية، إلى حالة التحضُّر عبر تفتح الوعي. هكذا كانت أساطير الأقدمين تعبيراً عن رؤاهم لقوانين الوجود ولأدواره؛ وهكذا كان مجال التنجيم عندهم غير محدود. فكل ما في الكون يمكن أن يكون إشارة ودلالة. وكان القدر في نظر البابليين مكتوباً في صيرورة شاملة، وكان القانون الأهم في نظر المنجِّم هو الاعتقاد بدورية وبتكرار الظاهرات؛ وبالتالي، كان دور العرَّاف يشتمل على تدوين مختلف عناصر كل قرينة دورية، بحيث يستطيع، مع ظهور هذه الإشارة أو تلك، التنبؤ بباقي مركِّبات المجموعة التي كانت هذه الإشارات جزءاً منها. ولعل أهم هذه الظاهرات، التي تمسُّ مباشرة تطور العلوم، كانت الأفلاك وعوالم السماء.

يتلخص التنجيم البابلي الكلاسي في المؤلَّف الذي يبدأ بعبارة: "عندما آنو، إنليل..." وهو مقسوم إلى أربعة أبواب مخصصة على التوالي للنشاطات النجمية للآلهة: سين (القمر)، وشمش (الشمس)، وعشتار، (الزهرة)، وحدد (إله العاصفة). ويتم استنباط التنبؤات من ظهور أو من حركة النجوم ومن علاقاتها بعضها ببعض ومن الظاهرات السماوية والتقلبات المناخية. وكان البابليون يعلِّقون على هذه الأخيرة أهمية أكبر من القرانات النجمية؛ إنما كانوا يفسرونها من خلال المبادئ ذاتها. وعلى عكس كافة أشكال التنجيم الأخرى، فإن دراسة الأفلاك والأبراج والتنبؤات الفلكية كانت تهم المجتمع ككل. فهي كانت تنبئ بالمجاعات، بالأوبئة، بالجائحات الحيوانية، بالفيضانات، وبالحروب، كما وبالمواسم الوفيرة، وبالفيضانات المنتظمة والموسمية، وبالسلام، وبالازدهار، إلخ. وكانت تهم الملك بشكل خاص، كونه يمثل في نظر الآلهة تجسيداً لشعبه. وهكذا، كانت الإشارات السماوية تعني له المقدرة والنصر وتغيير السلالة والثورة والتعدي على المملكة إلخ. وإضافة إلى الحسابات الفلكية البحتة التي كان يعتمد عليها التنجيم، كان ثمة نقاط علام للآلهة الثلاثة الكبرى تحدِّد طرقاً سماوية، الأول خط الاعتدال السماوي (آنو)، والآخر مدار السرطان (إنليل)، والثالث مدار الجدي (إيا). ومن ناحية أخرى، كان التنبؤ يعتمد على قرانات بين مناطق معينة على الأرض، أو مدن، أو حتى ملوك، وبين مناطق سماوية ونجوم محددة. كذلك كان لِلَمَعان النجم أو خفوت إضاءته معنى خاص؛ هذا ناهيك عن الخسوف والكسوف والتغيرات المناخية وصوت الرعد وغيرها التي كانت تشكل إشارات هامة وتسجَّل وتفسَّر بعناية.

أما فن التنجيم من خلال ملاحظة أحشاء الحيوانات المضحَّى بها خصيصاً لهذا الغرض، فكان حصة طبقة كهنوتية خاصة تدعى بارو bârou، وكان يتم توارث هذا الفن أباً عن جدٍّ. وكانت هذه الطبقة تُرجِع كشف هذا الفن إلى الملك الأسطوري الذي عاش في سيبار قبل الطوفان. وكان هذا الفن منتشراً عند السومريين كما عند الأكاديين منذ أقدم العصور، وكان ذا صبغة علمية من حيث إنه كان يعتمد على مراجع إحصائية وُضِعت بعناية. وكان من شأن التوزع الكمي للمادة المرجعية، التي كان المنجِّم في العصر الآشوري المتأخر يستشيرها، أن يلقي ضوءاً على أهمية هذه المجموعات من الوثائق. فالمؤلَّف الأساسي في التنجيم، الـباروتو، كان يشتمل على عشرة أجزاء، يتألف كل منها من 10 ألواح كتب عليها وسطياً نحو 1000 تنبؤ أو دليل أو نذير، أي نحو 100 تنبؤ في كل لوح. وهكذا كان مجموع القيمة التنبؤية في المؤلف يصل إلى نحو 10000 قرار. وقد أبرزت الأبحاث الحديثة للعالم جان نوغايرول حول التنجيم البابلي الاتساعَ والترتيبَ والتعقيدَ والتنوعَ العظيم لهذا التوثيق المسماري. وهي تُظهِر المكانة الرفيعة التي احتلتها التقنيات التنجيمية خلال ألفي سنة في حضارة الشرق الأدنى القديم، الأمر الذي يتوافق مع حضارات العالم القديم الأخرى. وقد أشار نوغايرول إلى العلاقات الوثيقة بين الكتابة وأنظمة الإشارات التنجيمية بخاصة. ويقول: "كان سكان بلاد الرافدين والشام يدهشون باستمرار للأهمية الحاسمة التي كانت للكتابة في تطوير الثقافة ونشرها. وكانوا يقدِّرون بأن الآلهة – هذه الكائنات العاقلة العليا – كانت تملك من ناحيتها كتابة على مستواها، وكانت تفيد منها عندما تريد نقل قراراتها للبشر. وبالتالي فإن اللوح الإلهي بالنسبة لها لم يكن غير السماء ذات الأبراج، بينما كان الإله الشمس، من ناحيته، يستمر في تدوين إرادته في أحشاء الخروف." ويؤكد نوغايرول أن قراءة الإشارات لم تكن أبداً خاضعة للأهواء وللتفسيرات الفردية، بل كانت تتم بمعرفة المنقول القديم. "فالأمر الجوهري، كما يقول، هو القرار المنقول الموروث [...]، وليس ثمة شيء على الإطلاق يعفي من معرفة المنقول في هذا المجال، أي التجربة القديمة... ." وكانت هذه الميزة الجوهرية للتنجيم الاستقرائي تتطلب تعليماً مسارَرياً initiatique لقراءة النصوص المرجعية. ولما كانت هذه التعاليم السرَّانية لم تُدوَّن فإنه من الصعب اليوم تحديد معاني العبارات التقنية الواردة في النصوص، مثل المظهر السطحي لكبد الخروف أو بعض الظاهرات السماوية.

علم السجلات

لا يتسع المجال هنا للوقوف مطولاً أمام هذه الظاهرة التي تستحق منا دراسة تفصيلية. لقد كان السومريون يدوِّنون الأسماء في سجلات تفصيلية طويلة. غير أن الاسم بالنسبة لهم كان يعني الوجود؛ وتسمية شيء ما كانت تعني خلقه. وبذلك فإن عملهم كان يعني تصنيف الواقع. وهكذا كانت مسائل الكتابة واللغة واتساع عدد المفردات ومعرفة العالم تتقاطع في هذا العلم السومري القديم. ولهذا فقد اشتمل على كافة فروع المعرفة آنذاك: العلوم الطبيعية، في سجلات المعادن والنبات والحيوان؛ العلوم التقنية، في سجلات الملابس والأدوات والبناء والغذاء إلخ؛ العلوم الكونية في سجلات ولوائح الآلهة والنجوم والبلاد والأنهار والجبال؛ وعلوم الإنسان، في لوائح خصائصه الجسمانية وأجزاء جسمه ومهنه وطبقاته الاجتماعية.

غير أن انتقال هذا العلم إلى الأكاديين أفقده معناه الأساسي. فقد بات هدف الأكاديين هدفاً لغوياً بحتاً ينحصر في قواعد اللغة السومرية. لذا فقد هذا العلم صفته القديمة كمعرفة للحقيقي وللواقعي، ولم يعد الاسم، الذي كان يعني للسومريين حقيقة وطبيعة الكائن أو الشيء، غير كلمة غريبة تترجَم إلى اللغة الأكادية. كان السومريون قد وضعوا، فيما يخصُّ التاريخ مثلاً، لوائح أنسابية يرجع بعضها إلى ما قبل الطوفان. وكان تسلسل الأسر الحاكمة يمزج بين التاريخ والأسطورة. فتعاقُب الأسر الملكية، بل والأجناس البشرية، كان يتم في تناوب فترات سعد أو نحس؛ وهي انعكاس أرضي لتغيرات آتية من العالم الإلهي. وكانت هذه التوافقات تتم ضمن أدوار ترتكز على الإيمان بسنة كونية.

الطب

كان البابلي يلجأ إلى أحد رجلين يكمِّل واحدهما الآخر عندما يصاب امرؤ بمرض ما: إما فإما أن يلجأ إلى المعزِّم (أشيبو âshipou)، وإما إلى الطبيب (أسو asoû). ولم يكن المعزِّم يتدخل إلا إذا وجد أن أصل المرض فوقطبيعي. وفي كافة الأحوال الأخرى، كان المعزِّم يوجِّه المريض إلى الطبيب، أو كان يطبِّق بنفسه العلاج الذي يجريه الطبيب في حالة كهذه. هكذا عرفت الحضارة البابلية تطوراً حقيقياً في مجال الطب، من حيث هذا الانفصال بين الحقلين والاعتراف المتبادل بينهما. وقد اشتهر الأطباء البابليون شهرة واسعة في أنحاء الشرق القديم كلِّه؛ إذ نجد ذكراً لهم في مراسلات تل العمارنة. ولا تكشف لنا الوثائق التي تحدِّثنا عنهم عن أي شكل من أشكال السحر أو التعزيم. وقد طرح ذلك مشكلة بالنسبة للباحثين، وبخاصة بعد أن اكتُشِف في نِفَّر Nippur نصٌّ طبي يرجع إلى العصر السومري (نحو عام 2100 ق م). ويعدد هذا اللوح سلسلة من العلاجات لا أثر فيها لأي تعزيم أو سحر أو طقس أو ذكر لآلهة أو لشياطين. وتشير الدقة في النص وفي العقاقير المذكورة إلى تقليد طبي موغل في القدم وأصيل. ويعاكس ذلك التصور العام الذي كان شائعاً بين العلماء بأن الطب نشأ من السحر. ويمكننا أن نفسر الأمر بشكل صحيح إذا ما أخذنا التطور الطبيعي الكلِّي بعين الاعتبار – هذا التطور المشترك للإنسان مع الطبيعة، إضافة إلى قدم المدارس السرَّانية التي كانت تدرِّس، بالإضافة إلى العلوم الروحانية أو الإلهية، الظاهرات الطبيعية وأمراض الإنسان. ونرجِّح أن الأطباء كانوا ينتسبون مع المعزِّمين إلى هذه المدارس. ولعل التفسير الحقيقي لهذا الطب المبكر عند السومريين والبابليين يرجع، بالتالي، إلى الفلسفة الروحية التي كانت تحكمه. فمع بُعده عن السحر، كان هذا الطب يعتمد على فلسفة عملية طبيعية تهتم بعلاج الجسم والنفس، وتربط بين اعتلال الجسم واعتلال النفس. ولعل اللوح الآشوري المنسوب للطبيب الشهير نبو–لي أو Nabou-le oû يقدم لنا نموذجاً هاماً على ذلك. فهو عبارة عن ثلاثة أعمدة تبين نوع النبات–الدواء، والعلة التي يعالجها، وطريقة تحضيره وتناوله. ويعدِّد العمود الأول أكثر من 150 اسماً لأعشاب طبية، ويحدِّد بدقة الجزء الهام من النبتة، كالجذر أو الساق أو البذرة، بل ويشير، عند الاقتضاء، إلى طريقة قطفها بعناية والاحتياطات التي يجب اتخاذها أثناء ذلك. وفي هذا إشارة إلى الدور الهام للتوافقات التي تخلعها هذه الفلسفة على العلاقات بين الكائنات وحساسيتها تجاه بعضها بعضاً. وبالمقابل فإن العمود الثالث مخصَّص لطريقة تحضير الدواء، وهو يذكر درجة الحرارة اللازمة، وخلال أية ساعة من النهار يجب تناوله، وعدد مرات تناوله، كما ويحدِّد بشكل خاص فيما إذا كان هذا المريض يجب أن يكون صائماً أم لا.

غير أن هذه النصوص الطبية الأصيلة قليلة جداً. فبالمقابل، ثمة 40 لوحاً ترجع إلى العصر الكاشي على الأقل، وقد رُقِّمَت وجُمِعَت في خمسة أجزاء، لكلًّ منها عنوان خاص. وهي تقدم لنا وصفاً هاماً لحالات المرض وللعلاج المقابل. غير أن هذه العلاجات غالباً ما تترافق بالسحر والتعزيم. إلا أن أهمية هذا المؤلَّف تكمن في كشفه عن الأقسام الرئيسية في الطب النظري البابلي التي لا نزال نجدها في كتب الطب الحديثة والتي تأسَّست بشكل واضح آنذاك: مبحث الأعراض، وأسباب الأمراض، ثم التشخيص، وبعده مبحث العلاج. ونجد في هذا المبحث الأخير بعض الأمراض التي يُمنَع فيها تدخل الطبيب؛ ويكون فيها الموت المحتوم هو نصيب المريض بسبب عدم معرفة إمكانية العلاج.

علم الفلك

بينت الأبحاث الحديثة أن علم الفلك البابلي لم يكن مجرد رصد بسيط للنجوم، بل علم نظري متكامل، تلعب فيه الرياضيات دوراً من الطراز الأول. وكان هذا العلم هو السند الحقيقي للدراسات التنجيمية الفلكية. وتُقسَم النصوص أو الألواح التي درسها العلماء إلى قسمين: نصوص تنبؤية ونصوص فلكية حصراً؛ وهي عبارة عن أسماء الأبراج والكواكب مع أرقام تشير لحركاتها وأرصاد لشروق الزهرة. وترجع هذه النصوص إلى الفترات التالية:

1.     عصر أمي صدوقا Ammisaduka (نحو عام 1650 ق م)؛ وهي نصوص رصد الزهرة.

2.     العصر الكاشي:

أ‌.        لوح نِفَّر، وهو يطرح رؤية للعالم تشتمل على ثماني كرات متمركزة بحيث تكون الكرة المركزية هي الكرة القمرية.

ب‌.   نص يصف السماء ويقرن الأبراج بأرقام معينة.

ت‌.   ألواح تنبؤية ذات أهمية فلكية بسيطة.

3.     القرنان الثامن والسابع ق م:

أ‌.        ألواح سلسلة Mulapin؛ وهي تلخص المعارف الفلكية في ذلك الوقت.

ب‌.   أرصاد منهجية للخسوف وللكسوف.

أما القسم الثاني من النصوص فأحدث من ذلك؛ إذ يرجع في معظمه إلى العصر السلوقي، أي إلى ما بعد عام 311 ق م. وهذه النصوص ذات سوية علمية رفيعة؛ إذ بلغت قياسات البابليين فيها درجة فائقة من الدقة ومستوى رفيعاً من المعالجة الرياضية. وكان التنجيم هو الهدف الأساسي دون شك من هذه الدقة؛ ذلك أنه كان يرتكز على الاعتقاد بعلاقة وثيقة بين الحياة الإنسانية ومواقع النجوم لحظة الولادة. وكان من الضروري جداً تحديد النجم الذي يشرق لحظة ولادة طفل بدقة تامة لمعرفة قدره.

أما التقويم البابلي فكان قمرياً. وكان يبدأ عموماً مع أول شروق قمري يلي الاعتدال الربيعي. لكن تقاليد وعادات دينية حَفِظت لفترة طويلة ذكرى عصر كانت السنة خلاله تبدأ في الخريف في شهر تشريت Teshrit الذي يعني اسمه أصلاً "البداية". والأشهر القمرية البابلية هي التالية: نيسان، أيار، صيوان، تموز، آب، إيلول، تشريت، أرْهَسَمْنَه Arahsamna، كيسيليمو Kissilimmou، تبت Tebet، شباط، آذار. وكان البابليون يقسمون اليوم إلى 12 قسماً متساوياً تدعى بيرو bêrou، يساوي كل منها ساعتين من ساعاتنا. وكان هذا التقويم يسبب إرباكات كثيرة، أولها تضارب السنتين الفصلية والقمرية، حيث تنقص هذه الأخيرة عن السنة الشمسية نحو 11 يوماً وربع اليوم. لذا كانت تضاف أشهر كاملة لهذه السنة كلما استوجب الأمر ذلك. وكان الملك يصدر مرسوماً بذلك عندما يُرصَد الشروق الشمسي لنجم معين وقد تمَّ في وقت مخالف لموعده.

وقد وضع البابليون تقاويم دقيقة لتحديد أطوال أيام الشهر القمري وبدايته حين تتعذر مراقبة ظهور القمر، كما واستطاعوا رصد الخسوف والكسوف بدقة. ويرجع الفضل للبابليين في تحديد دائرة البروج المعروفة حالياً؛ وقد سبقوا المصريين في ذلك. كما وحصل هؤلاء العلماء على نتائج دقيقة – بل مذهلة – في مراقبة الكواكب، وبخاصة عطارد. ويمكننا القول إنهم عملوا بأسلوب تحليلي. فقد دُرِست الكواكب المنتظمة نسبياً بحركتها، مثل الزهرة، دون تقسيم لمسارها وفق دائرة البروج. أما الكواكب الأكثر تعقيداً في مسارها، مثل المريخ، فكان يتم تقسيم مسارها الظاهري إلى ستة أقسام بحيث يُفترَض أن حركتها منتظمة في كل قسم. وحصل البابليون بهذه الطريقة على نتائج قريبة جداً من النتائج الحالية، وفي بعض الأحيان على نتائج أدق من النتائج المماثلة التي حصل عليها الإغريق فيما بعد. وقد عرف البابليون المِزْوَلة الشمسية، ونوعاً من المرصد الفلكي استخدمه الملك توكولتي نينورتا الأول ( 1260-1232 ق م) عند تجديد بناء قصره في آشور. ولسنا نشك في أن للأبراج وللمعابد القديمة خاصيةً فلكية لم يُكشَف عنها بعد بسبب عدم دراسة توجُّهاتها حتى الآن دراسة جدية، كما حصل في أوروبا وأمريكا ومصر.

الرياضيات

حقق البابليون إنجازات رياضية عظيمة لم يجارِهم فيها إلى حدٍّ ما من شعوب العالم القديم غير الصينيين. فالحضارة البابلية التي تطورت على امتداد حوضي نهري دجلة والفرات هي أقدم الحضارات على الإطلاق التي تركت لنا وثائق رياضية بحتة. ولدينا نحو أكثر من 300 لوح بابلي يختص مباشرة بالرياضيات. وترجع هذه الوثائق بشكل أساسي إلى فترتين رئيسيتين: تمتد الأولى تقريباً بين عامي 1800 و 1600 ق م، ويميِّزها عهد حمورابي؛ والثانية هي الفترة السلوقية، وتمتد على القرون الثلاثة الأخيرة السابقة للميلاد. وكان أو. نوجْباور وف. ثورو–دانجين أول من درسها وفك رموزها المسمارية وقدم لها تفسيرات مختلفة. ولم يلحظ العالمان بين ألواح الفترتين اختلافات تذكر، اللهم إلا أمراً واحداً على غاية من الأهمية، ألا وهو ظهور رمز الصفر في الألواح الحديثة منها. وقد ميزا نوعين من الرقم: الأول هام جداً لأنه يتعلق بمجموعة من الجداول الرياضية (جداول الضرب والنسب ومقلوبات الأرقام، وجداول للمربعات، وللجذور التربيعية، وللمكعبات وللجذور التكعيبية، وجداول لمجموع عدد من التربيعات والتكعيبات الضرورية في حلِّ بعض المسائل والمعادلات)؛ أما المجموعة الثانية من الألواح، فتتعلق بقوائم تتضمن مسائل مختلفة (نحو 200 مسألة للَّوح الواحد) ذات درجات متزايدة في الصعوبة، أو مسائل مطروحة مع حلولها كاملة. ونلاحظ أن نظام العدِّ المستخدم في هذه الألواح هو نظام عدٍّ موضعي يمزج بين النظامين العشري والستيني. وقد بات من الثابت لدينا أن البابليين استخدموا الصفر في هذا النظام في كافة الخانات، بل واستخدموه لتدوين الأرقام العشرية. وكان يمثَّل لكافة الأعداد من خلال تزاوج رمزين اثنين أساسيين، الواحد والعشرة. وكان الجداء أو المضاعفة يتمَّان من خلال الجداول. أما القسمة فكانت تُحوَّل إلى عمليات جداء باستخدام جداول المقلوبات، الأمر الذي يُعَدُّ متقدماً جداً قياساً إلى تطور الفكر الرياضي في ذلك الوقت.

أما المسائل التي كانت غالباً ما تُطرَح في إطار اقتصادي أو هندسي (كالإرث والضريبة والتبادلات التجارية وبناء الأقنية أو المخازن أو تقسيم الأراضي...)، فكانت تُحَلُّ بواسطة معادلات من الدرجة الثانية في أغلب الأحيان. وكان البابليون يتعاملون معها من خلال الجمل والكلمات، أي دون استخدام الرموز. وكان يتم التوصل إلى النتيجة عن طريق قائمة من القواعد والعمليات التي تطبَّق على التسلسل. وكانت هذه الخطوات أو القواعد عبارة عن المراحل المختلفة لحلِّ معادلة من الدرجة الثانية. بل إن البابليين كانوا يعرفون حلَّ معادلتين بمجهولين وحلَّ بعض معادلات الدرجة الثالثة؛ وكانت طريقة عرضها هندسية الشكل في أحيان كثيرة. غير أن معلوماتهم الهندسية، بالمقابل، كانت ضعيفة نسبياً. وقد تبيَّن من خلال أحد الألواح، وقد رُسِمَ عليه مربعٌ مع قطريه، أن البابليين كانوا يعرفون قيمة λ وهي تساوي عندهم 1.414213، وهو أمر مدهش دون شك. أما هندسة الدائرة فلم تكن منتشرة عملياً عندهم، وكانوا يعطون µ قيماً تقديرية تترواح بين 3 و 3 + 1/8. وبات من الثابت أن البابليين عرفوا قانون فيثاغوراس في المثلث القائم. وأظهرت دراسة نوجْباور للوح رقم 322 في مجموعة جامعة كولومبيا (Plimpton) أن معرفة هذه القاعدة قادت البابليين إلى دراسة مسألة نظرية صعبة في الأعداد، وهي مسألة الثلاثيات التي تحقق ب2 = جـ2 + د2. ويؤكد رشدي راشد أن البابليين كانوا يملكون طريقة لاستخراج هذه الثلاثيات، ولم يكونوا يبحثون عنها عشوائياً. ونشير أخيراً إلى أن الرياضيات البابلية كانت ذات طابع جبري غالباً. وقد استدل نوجْباور على أن بعض معادلات الدرجة الثانية، مثلاً، كانت تُختزَل إلى صورة قياسية متزايدة أو متناقصة، وأنه كان يوجد جدول يحتوي على قيم ن3 + ن2 لمثل هذا الغرض؛ كما بيَّن أن البابليين استخدموا المتطابقات التي من الشكل: (س + ع)2 = س2 + 2 س.ع + ع2، وأنهم عرفوا الطريقة الجبرية لإيجاد القيم التقريبية المتتالية للجذور التربيعية؛ بل واستنتج كذلك أنهم لم يخشوا الأعداد السالبة، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الخطوة الجبارة التي استطاع الصينيون القيام بها في هذا المجال.

العلوم والمدارس السرَّانية

انتشرت أيام المسيح، خلال القرون السابقة للميلاد، مدارس سرَّانية كثيرة في الشرق القديم، بين البابليين والكنعان وغيرهم، بل وعند المصريين واليونان وشعوب أخرى كثيرة. وكانت هذه المدارس تحفظ تعاليم حكمة قديمة واحدة يدعونها الحكمة الإلهية أو السرَّانية. وكان أعضاؤها يدعون بتسميات شتى، ومنها "الأدونيون" (نسبة إلى أحد حكمائهم القدماء أدو أو أدونيس). غير أن أكثر تسمياتهم انتشاراً كانت "المندائيون"، وذلك نسبة إلى اسم عضو هذه المدارس، المندائي أو "المنداج" mandaje (وهي كلمة تعني "الغنوصي" أو العارف). ولم يصلنا من أسماء الملل الممثلة لهذه المدارس غير أسماء قليلة نذكر منها: الأوفية Ophites، والنعصينية Naasséniens، والإبيونية Ébionites، والبيراتية Pérates، والسيثية Séthites، والغنوصية الشمسية Héliognostiques، والسامبسية Sampséens... إلا أن هذه المدارس، على اختلاف مناهجها، كانت كلها تعتقد أن النفس الإنسانية مغلَّفة بالظلمة، وأنها لا تخلص إلا بالممارسة التأملية التي تحرض كياناً فاعلاً كان يدعى في المندائية بـ"منداء الحياة"، أي غنوص أو كلمة الحياة Verbe de vie. أما عند جماعات هيبيل–زيوا Hibil-ziwâ ومردوك أو نابو البابلي، فكان على هذا الجوهر أن ينزل من السماء، حاملاً معه مفاتيح الحكمة، ويجتاح العالم بقدرته السحرية، ويغلب الشياطين الساقطين، ويخلِّص النفوس ويقودها إلى النور معلناً نهاية دور. إن التطرق إلى هذه المدارس، وإنْ بلمحة سريعة، يُعدُّ ضرورياً لاستكمال الصورة التي نحاول تقديمها عن العلوم في الشرق القديم. ولعلنا نحاول أيضاً تقديم قناعة خاصة بأن هذه المدارس كانت تشكل الخلفية الأساسية والمحرك الديناميَّ لتطور هذه العلوم. فكما يخبرنا المؤرخ يوسيفوس مثلاً، كان أعضاء هذه المدارس مشهورين (وهو يقصد المدرسة الأسينية تحديداً) بمواهبهم وبمعارفهم في الشفاء، ويقول: "كانوا يبحثون ويدرسون بهدف شفاء الأمراض." هذا فضلاً عن أننا نجد فيها الصورة الأكثر كمالاً وعمقاً للمعارف وللفلسفات الروحية في ذلك الوقت ولتطبيقاتها في آن واحد. ولعل المدرسة الفيثاغورية كانت وريثة هذه المدارس، وآخر المدارس الأصيلة التي مثلت هذا التوجُّه الروحي في العصر القديم.

كان التعليم السرَّاني في بابل القديمة يتم بين المسارَر والمسارَر مباشرة، "وكان الحكيم أو الرائي، المتلقي للوحي من كبار الآلهة، يعلِّم بواسطة اللوح والقلم الابن الذي يحبه أمام شمش وحدد... ."[2] وكان يرافق التعليم المكتوب لديهم تعليمٌ شفهي. وكان هذا التعليم الشفهي محظوراً على غير المسارَرين. وينطبق ذلك على كافة الديانات القديمة التي عرفت، إلى جانب تعاليمها العامة، تعليماً سرياً لا يُعلَن إلا للمؤمنين من خاصة المسارَرين. ويرتبط هذا التعليم المقدس لدى البابليين بشكل أساسي بالخصب الأولي، وبالتعبير عنه في موت تموز وانبعاثه، وفي اتحاده مع الآلهة، إلخ. وكانت هذه الأسطورة التي يتناقلها ويقدسها الشعب تخفي معنى سرَّانياً. وبالمقابل، فإن إرادة الآلهة كانت تشكل الجانب الآخر لهذه السرَّانية – هذه الإرادة التي لم تكن لتترك شيئاً للمصادفة على هذه الأرض. وكان يُعبَّر عن هذه المشيئة بالقرار (بيريشتو pirishtu)، كما كانت تعرف أيضاً بتسمية أكثر سرَّانية: نيسيرتو nisirtu، أي "كنز" أو "معرفة" أو "سر". وكان على الكاهن أن يعرف هذه المشيئة. وقد انعكست هذه التعاليم السرَّانية على أسماء العَلَم التي كانت تُطلَق آنذاك بين العامة مثل بزر عشتار Puzur Ishtar أو بزر شوشِناك Puzur Shushinak – ويمكن ترجمة الاسمين بـ"سر عشتار" وبـ"سر شوشِناك". وتقدم لنا العبارة التي كثيراً ما تتردد في الألواح الدينية حول كتم المعارف صورةً واضحة عن سرية معارف هذه المدارس التي كانت مغلقة أمام العامة. وجاءت هذه العبارة في أحد الأمثلة على الشكل التالي: "إن هذه الطقوس التي سوف تقوم بها يستطيع المبتدئ حديثاً في الرهبنة أو الطقس أن يراها. أما الغريب، غير المنخرط أو غير المرتبط بمعلِّمي الوحي، فيجب ألا يراها. وإلا فليقصُر عدد أيام حياته! فليشرحها المسارَر للمسارَر؛ أما غير المسارَر فيجب ألا يعرفها، وإلا فسيكون ذلك تدنيساً لآنو ولإنليل ولإيا، الآلهة العظام." وتظهر هذه العبارة بشكل خاص في أحد النصوص[3] التي يخرج فيها العالم البابلي لمرة عن حذره، ويفشي المعنى الرمزي للمعادن من خلال علاقتها مع الآلهة؛ وهكذا يخبرنا النص أن الطرفاء (أو الأثل، وهي شجرة أو جنبة نحيلة الأغصان) ترمز لإله السموات، وأن قمة النخيل ترمز لتموز، والذهب والنحاس للبحر، والرصاص للإلهة الأم الكبرى. كما ويذكر النص توافقات بين الثمار وأجزاء الجسم الإنساني، بين الكرمة والعينين، والتين والكليتين، مثلاً. وعلى الرغم من قصر هذا النص، لكنه كافٍ ليؤكد لنا أن البابليين كانوا يأخذون كل شيء بعين الاعتبار ضمن مخططهم السرَّاني، وأن كافة التفصيلات كانت محكومة برمزية فائقة نشعر بها دون أن نستطيع تفسيرها من خلال معطيات بابلية مباشرة.

ومما لا شك فيه أن هذا اللوح، الممثل بجدارة للخيمياء البابلية، كان يُخفى عن أعين الفضوليين. لكن ثمة لوح ترجمه ب. شيل وعلَّق عليه م. ديولافوا[4] يُظهِر جانباً آخر لهذه السرَّانية. فقد عُرِضت فيه مختلف مقاييس وأطوال معبد بابل الكبير: الـ"إيساجيل" ("معبد الرأس العالي") كما كان يدعى بسبب البرج ذي الطبقات الذي كان يزيِّنه. وهذه المقاييس والأبعاد عبارة عن سلسلة من القياسات الفائقة الدقة والصرامة، التي تحدد أبعاد الباحة والمباني والبرج نفسه. وأثناء عرض الناسخ لهذه المعلومات، يضيف اللازمة الشهيرة: "عدم شرح المسارَر لغير المسارَر..."؛ وهذا يعني أن وراء هذه الأرقام كانت توجد معانٍ خفية ترمز لها الأرقام نفسها. ومما يؤيد ذلك أن ديولافوا اكتشف اشتقاقات قياسية مأخوذة عن قياسات الإيساجيل في العديد من المعابد والمباني (هذا دون أن نأخذ بعين الاعتبار القياسات والتشابهات الخارجية الأخرى التي محاها الزمن ولم تبقَ منها غير الأسس العارية). ولا شك أن الدراسات السرَّانية للأرقام ولرموزها عند الشعوب القديمة كانت ذات أهمية فائقة. كذلك يمكننا التأكيد أن البابليين عزوا قيماً رمزية خاصة للأرقام، واستخدموا لغة خاصة بالأرقام على نسق تلك التي نعرفها بأبجد هوز، إنما وفق قواعد مختلفة. ونحن لا نعرف، مع الأسف، مفتاح حلِّها، وليست لدينا غير أمثلة قليلة عليها، مثل العبارة التي دوَّنها صرغون الثاني (ملك آشور، القرن الثامن ق م) ليصف فيها بناء مدينته وقصره في خورساباد: "جعلت من 16,283 أذرع، وهو عدد اسمي، محيط السور في المدينة." ونلاحظ التناسب بين هذا الرقم والعدد الذهبي (= 1,618)؛ فهل هي مجرد مصادفة؟ على أية حال فإن هذه العبارة تؤكد أن الأرقام التي أعطيت لأبعاد الإيساجيل تحتمل تفسيرات كثيرة، كان لها معنى خاص عند للرائين الذين يعرفون أسرارها. نشير في هذا السياق أيضاً إلى أن البابليين أعطوا لآلهتهم أرقاماً خاصة مثل 60 لآنو، أبي الآلهة، و 50 رقم بِلْ، و 40 رقم إيا، و 30رقم سين، إله القمر، و 15 رقم عشتار.

الأبجدية الرقمية

إن حديثنا هذا عن سرَّانية الأرقام يقودنا إلى التطرق بشكل سريع في نهاية هذا البحث إلى مسألة تاريخية هامة قلما عرض لها الباحثون، ألا وهي مسألة أصل الأبجدية الرقمية. تتعلق هذه المسألة مباشرة بالثقافة وبالعلوم الفينيقية. وإغفال دور الفينيقيين عموماً فيما يخص المراجع الأجنبية يرجع لأسباب كثيرة. غير أنني لا أرى في الحجة الشائعة التي تقدَّم عادة بأن الفينيقيين كانوا تجاراً بالدرجة الأولى سبباً حقيقياً يمكن الأخذ به. ذلك أن الفينيقيين كانوا بنائين من طراز رفيع، هذا إضافة إلى معارفهم الأكيدة في الملاحة وبناء السفن. والسبب الأهم دون شك لضياع آثار ثقافتهم هو كتابتهم على مواد هشة، وبخاصة ورق البردى. وباستثناء بعض الكتابات المتناثرة على الحجارة التي لا تحوي أية قيمة علمية، لم تُكتشَف من الثقافة الكنعانية على الساحل السوري غير الثقافة الأوغاريتية. وقد تبنَّى الأوغاريتيون الكتابة على الصلصال بالأشكال المسمارية، مما حفظ الكثير من تراثهم. وقد تأثر أهل أوغاريت بالثقافة البابلية، فاعتمدوا الأرقام البابلية المسمارية والنظام الموضعي العشري؛ لكن ذلك لم يؤثر على شخصيتهم المميزة. وجميعنا يعرف اليوم إنجازهم العظيم في اختراع الأبجدية الأولى. ومع أن تقويمهم كان قمرياً، لكن أسماء الأشهر الأوغاريتية كانت لا تختلف عن مقابلاتها البابلية إلا في اسم أو اسمين.

بيد أن المثير في الأمر فيما يخص الثقافة الفينيقية هو عدم محاولة البحَّاثة تتبُّع استمراريَّتها في ثقافات أخرى تأثرت بها. ومع أن العلماء عادة لا يتركون فرصة، مهما كانت ضئيلة، للإفادة منها في تتبع أثر ثقافة أخرى، لكننا نجدهم، في معظم الأحيان، حين يتعلق الأمر بالفينيقيين، يتجاهلون وجودهم تماماً، بل ويعزون أيَّ أصل ثقافي يرجع إليهم إلى العبرانيين. هكذا يتضح السبب الحقيقي في تغييب الحضارة الفينيقية. ولعل العلامة جورج سارتون كان من القلائل الذين أشاروا إلى هذه النقطة بصدق وبشجاعة. ففي مؤلفه تاريخ العلوم يدحض سارتون الفكرة التي سيطرت على مدى قرون طويلة بين كافة فئات الناس القائلة إن العلوم العبرانية كانت أساس العلوم اليونانية. يقول: "إنه لتشويه غريب للحقيقة أن يزعم زاعم بأن العلوم اليونانية والفلسفة اليونانية يهودية الأصل. ثم إن الذين سبقوا اليونان في العلوم والحكمة لم يكونوا اليهود، بل البابليون والمصريون القدماء."[5]

ونحن، وإن كنا لسنا بصدد تبيان الأصول المزيفة للتاريخ وللثقافة اليهوديين في المنطقة، فيمكن أن نجد أصل هذا الاعتقاد الخاطئ في تقييم الأوروبيين لتاريخ المنطقة في اعتمادهم لفترة طويلة على قراءته من خلال التوراة. غير أن المسألة التي تهمنا هنا هي أصل الأبجدية الرقمية. فاليهود الذين يحاولون طمس حضارتنا الحقيقية ونسبة الاختراعات الأصيلة إليهم، لم يترددوا أن يزعموا أن الفينيقيين أو الآراميين لم يعرفوا الأبجدية الرقمية، وأن العبرانيين كانوا أول من أبدعها ونقلها إلى الإغريق وإلى الشعوب الأخرى! وكانت حجة أحد كتَّابهم في ذلك أن لا وثيقة فينيقية تثبت عكس ذلك. فإن كان المجال لا يتسع لنا هنا للرد على ذلك بشكل مفصَّل، نكتفي بالتأكيد على زيف هذا الادعاء عن طريقين: مطابقتنا لأبجدية رقمية سرِّية ظلت شائعة حتى العهد العثماني على الأبجدية الآرامية القديمة،[6] مما يثبت أن المدارس السرَّانية الآرامية القديمة كانت دون شك تعرف الأبجدية الرقمية، من ناحية؛ واعتماد العبرانيين للأرقام الهيراطيقية المصرية، مما يعني أنهم لم يكونوا بحاجة للأرقام الأبجدية، وأنهم أخذوها عن المدارس الفينيقية السرَّانية الأصيلة في المنطقة عندما أخذوا عنها الثقافة والمعرفة والعلوم، من ناحية أخرى. ويمكننا أن نختم بنص من مؤلَّف رونيه تاتون تاريخ العلوم العام (ص 141): "لم يبدع العبرانيون أبداً في المجال العلمي. وفي هذا المجال، كما في مجالات كثيرة غيره، لم يكن بإمكان هذه الملَّة الصغيرة التي كانت من القبائل الرُحَّل ولم تتحضر إلا خلال فترة متأخرة، إلا أن تتأثر كلياً بالحضارات القديمة، مثل الكنعانية والرافدية والمصرية. ولهذا فإن علومها كلها مستعارة من هذه الحضارات...".

*** *** ***

تتمات

كان رقم إله السموات آنو هو 60، لأنه رمز الكمال في نظام العدِّ الستيني. وكما يشرح ذلك ناسخ لوح عُثِر عليه في مكتبة آشور بانيبال، فإن "آنو هو الإله الأزلي، والد الآلهة الأخرى كلِّها". أما رقم بِلْ، وهو 50، فيعزى غالباً للإله إنليل، إله الأرض، كما هي الحال في اللوح الذي ذكرناه. كذلك الرقم 40، رقم إيا، إله المياه، يمكن أن يستبدل به الرقم 60. أما الإله سين فهو منظم الأشهر، ورقمه 30. ويُرمَز للإله حدد بالرقم 6، وفي أحيان أخرى بالرقم 10، بينما الرقم 10 هو رقم الإله مردوك دوماً. ويشير هذا التغيير في الأرقام إلى تغيرات وتحولات في الأدوار والقوى الإلهية، وفي مراكز الطاقات الكونية. فعلاقات الآلهة بعضها ببعض هي علاقات رمزية في النهاية. إن الإله نينورتا يأخذ رقم أبيه إنليل، أي 50؛ ورقم الإله نرغال هو 14؛ أما الإلهان جِبِل Gibil ونوسكو Nusku فيُرمز لكليهما بالرقم 10، وذلك كما يشرح ناسخ اللوح "لأنهما مرافقي الإله شمش ورقمه 2 Î 10 = 20.

كانت هذه السرَّانية الرقمية تتعلق بالأصول الدينية والأسطورية لهذا الشعب. ففي ملحمة الخلق العظيمة نجد، كما يقول جان بوتيرو، قائمة بأسماء الإله مردوك، وهي صفاته العظيمة التي تؤكد أنه ربُّ مجمع الأرباب البابلي، وأعظمهم ألوهية. وتنقسم هذه اللائحة إلى مجموعتين: تتألف الأولى من 10 أسماء (لأن رقم مردوك 10)، والثانية من 40 اسماً (لأن والد مردوك هو إيا ورقمه 40)، والمجموع بالتالي هو 50 (لأن رقم إنليل هو 50). وغاية الملحمة قبل كل شيء إظهار أن مردوك حلَّ محل إنليل على رأس عالم الآلهة والبشر.

استُخدِم هذا النظام الأبجدي الرقمي لقرون طويلة في مصر وشمال افريقيا وسوريا وتركيا. ونجد أن هذا الانتشار طبيعي ما دامت الأبجدية الآرامية منتشرة انتشاراً واسعاً منذ العصور القديمة. وقد حاول جورج إفرح أن يربط هذه الأبجدية بالعبرية بقوله: "إن لها القيم الرقمية نفسها للأبجدية العربية الشرقية، وإذا قابلناها بالأحرف العبرية والتدمرية، فإننا نلاحظ أنها ليست غير الأبجدية الآرامية القديمة." لكن ليس ثمة أيِّ مبرر كما نلاحظ لإقحام الأبجدية العبرية ههنا، هذا فضلاً عن كونها هي نفسها أبجدية آرامية الأصل. إضافة إلى ذلك، فإن الأبحاث الرياضية المصرية كانت تستخدم هذا النظام الرقمي الأبجدي باسم "الشمسي"، وكانت هذه التسمية شائعة بخصوص كل ما يتعلق بالمشرق السوري. أما الوثائق السورية نفسها فكانت تسمية بـ"التدمري". ونلاحظ أن الذين استخدموا هذا النظام أخذوا الأبجدية الآرامية بأحرفها الـ 22 كما هي. وقد أضاف إليها الأتراك في وقت متأخر ستة أحرف لكي تتوافق مع الأبجدية العربية ومع الترقيم من 1 إلى 1000. وقد استُخدِمَ هذا النظام حتى فترة قريبة، كما يقول دوكوردومانش، ليس كنظام ترقيم فقط، بل وككتابة رقمية سرية.

***

المراجع

مراجع فرنسية:

-          Alleau, René, Histoires des sciences occultes, Lausanne, Rencontre, 1965.

-           Astronomie: l’encyclopédie, « Atlas du ciel », vol. 8, Éditions Atlas, 1985.

-          Contenau, G., La divination chez les Assyriens et le Babyloniens, Payot, Paris, 1940.

-          Daumas, Maurice (sous la direction de), Histoire de la science, Encyclopédie de la Pléiade, Gallimard, Paris, 1957.

-          Encyclopædia Universalis, France, 1985.

-          Grand dictionnaire encyclopédique Larousse, 10 vols., Paris, 1985.

-          Ifrah, Georges, Histoire universelle des chiffres, Seghers, Paris, 1981.

-          Marquès-Rivières, Jean, Histoires des doctrines ésotériques, Payot, Paris, 1940.

-          Les Mathématiques en Méditerranée : des tablettes babyloniennes au théorème de Fremat, Colloque : Aix-en Provence, Musée d’Histoire de Marseille, EDISUD, 1988.

-          Parrot, A., M. H. Chéhab & S. Moscati, Les Phéniciens, Gallimard, Paris, 1975.

-          Reichen, Charles-Albert, Histoire de l’astronomie, Éd. Rencontre & ENI, Suisse, 1964.

-          Taton, René (sous la direction de), Histoire générale des sciences, Tome 1, PUF, Paris, 1957.

-          Taton, René, Histoire du calcul, Coll. « Que sais-je ? » No 198, PUF, Paris, 1948.

مراجع عربية:

-         إدوارد كييرا، كتبوا على الطين، بترجمة محمود حسين الأمين، مكتبة دار المتنبي، بغداد، 1964.

-         جورج سارتون، تاريخ العلم، ستة أجزاء، دار المعارف بمصر، 1957.

-         مرغريت روثن، تاريخ بابل، بترجمة زينة عازار وميشال أبي فاضل، سلسلة "زدني علماً"، دار عويدات، بيروت، 1984.

***


[1] René Labat, in Histoire générale des sciences, p. 78.

[2] F. Martin, Textes religieux, p. 109.

[3] S. Langdon, Museum Journal (Philadelphia), vol. 4, 1918, p.151-156 (Sumerian Liturgies and Psalms, Philadelphie, 1919, University Museum Publ. of the Balylonian Section 5,4), p. 330.

[4] « Esagil, ou le temple de Bêl », in Mardouk à Babylone, Paris, 1913.

[5] جورج سارتون، تاريخ العلم، مجلد 5، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1971، ص 59.

[6] M.-J.-A. Decourdemanche, « Note sur quatre systèmes turcs de notation mumérique secrete », in Le Journal Asiatique, 9e série/14 (1899), p. 258-271.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود