التوازن النفسي في

الطب الصيني

 

قيصر زحكا

 

إن العلم الصيني القديم، المختص بالمعالجات الجسمية والنفسية للإنسان، ما هو إلا فرع واحد من فروع العلوم الصينية القديمة المترابطة. فهناك علم صيني مختص بدراسة الرياح، وآخر بدراسة المياه، وآخر بطرق المواصلات العمرانية، وآخر بالممارسات الرياضية، وآخر بالتوازن الغذائي، وعلوم أخرى تتناول الرياضيات الروحية، والعلوم الفلكية، إلخ. وإن الميِّزات التي تمتَّع بها الصينيون، دون غيرهم من شعوب الأرض، هي أنهم استقوا جميع هذه العلوم من مصدر واحد شامل قادر على تفسير وتبيان الترابط بين العناصر المختلفة لجميع العلوم، ناهيك أنهم حافظوا عليها – ومازالوا – في شكل منظومة معلومات متكاملة (علم بالمعنى الأكاديمي للكلمة). ومن أبرز ما حافظوا عليه منها الطبُّ الصيني الذي يدرَّس اليوم في جامعاتهم، بالإضافة إلى أهميته المتزايدة في الدول الغربية، وبخاصة الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وهولندا وفرنسا، وحتى في العالم العربي، وبشكل خاص في دول الخليج.

تعود أسباب هذا الاهتمام المتزايد إلى أن الطب الصيني أثبت – ومايزال يثبت – جدارته في علاج كثير من الأمراض المعروفة بالأمراض المزمنة، من مفصلية وعصبية ونفسية وصدرية وهضمية إلخ، في الوقت الذي عجز فيه الطب الغربي عن تقديم مساعدة تُذكَر حيالها. وكان أبرز جوانبه أيضًا استعمالُه في مجال التخدير. وثاني هذه الأسباب أن التأثيرات الجانبية لهذا الطب نادرة جدًا، أو بالأحرى شبه معدومة، إذا استثنينا طبعًا إهمال الطبيب وعدم استعماله الطرق الصحيحة للعلاج. وثالث هذه الأسباب قلَّة تكاليف هذا الطب بالمقارنة مع التكاليف الباهظة للطب الغربي، وكذلك قرب الطبيب من المريض والجانب الإنساني للعلاقة بينهما.

ورابع هذه الأسباب، كما ذكرت أعلاه، أن هذا الطب، بخلاف أنواع الطب التقليدية القديمة الأخرى، حافظ على نفسه خلال خمسة آلاف سنة، واستمرَّ في التطور، كما عبَّر عن مفهوم شعب راقٍ تجاه الطبيعة والكون والحياة اليومية والاجتماعية والدينية تعبيرًا بالغ الصدق. لقد كان تلاحم وانسجام هذه العناصر المختلفة عند الصينيين السببَ الأكبر في عدم تزعزع هذه المبادئ أمام الأفكار والمبادئ التي دخلت عليهم من الخارج، مثل الديانة البوذية وديانات الشرق الأوسط، وكذلك التأثيرات الشيوعية في القرن العشرين، والتأثيرات الغربية في أيامنا هذه؛ بل على العكس، استطاع الصينيون إدخال هذه المبادئ الجديدة ضمن مفاهيمهم الأصلية وتطويرها بما يتلاءم مع روح العصر، دون أي انتقاص من أيٍّ منها، وخلق الانسجام من جديد.

تقوم المدرسة العلمية والطبية الغربية على المبدأ التحليلي والتقليصي للأشياء، الذي أسَّسه عالم الرياضيات الفرنسي المشهور رونيه ديكارت الذي، مع اعتقاده باحتمال وجود حقيقة شاملة مطلقة، إلا أنه رأى أن على الإنسان التركيز على الحقائق المعروفة التي لا تقبل الشك، ونظر إلى الإنسان والعالم بأكمله على أنه آلة كبيرة مكوَّنة من أجزاء عديدة، لا يوجد فارق بين الآلات التي يصنعها الإنسان وبين الأجسام التي كوَّنتها الطبيعة. وعليه، تقوم المدرسة الغربية على النظر إلى الإنسان على أنه آلة ضخمة. وما علينا فعله هو إزالة انسداد معين، أو تعويض جزء معين، أو ترميم ما تلف، أو استئصاله لأنه يُحدِث خللاً كبيرًا. ويكون هدف الطب الغربي، بالدرجة الأولى، هو إطالة أجَلِ الحياة؛ والموت هو العدو الذي يجب مجابهته: فالحياة والموت ليسا بحلقة واحدة مستمرة.

على العكس من ذلك، تعتمد الفلسفة والحكمة الصينيتان، وبالتالي الطب الصيني، على المبدأ التكاملي الكلِّي، وتنظران للإنسان على أنه مختصر جامع للكون Microcosm أو كون صغير: فهو كشجرة تضرب بجذورها عميقًا في الأرض وترتفع فروعها (أي يدا الإنسان) نحو السماء، وبالتالي يحصل على الطاقة من الأسفل والأعلى، من عالم المادة ومن عالم الروح؛ وبذلك لا ينفصل عن الطبيعة، وتصير الأمور نسبية لا مطلقة. فالشيء الجيد والشيء السيئ أمران نسبيان، كما أن الحياة والموت يوازنان بعضهما بعضًا. وعندما يكون الناس كالحدائق، يكون الطبيب كالبستاني. أما الطبيب الغربي فهو أشبه بالميكانيكي!

بدأ امتزاج الطب الغربي بالطب الصيني في العام 1605 عندما انتقل كتاب طب صيني نباتي إلى أيدي بعض الأطباء الألمان. وبعد قرنين من الزمان، كان الطبيب الفرنسي Louis Berlioz يعالج حالات من منشأ عصبي بنجاح كبير بواسطة الإبر الصينية. وفي العام 1929 قام الدكتور Soulié de Morant (وكان آنذاك قنصل فرنسا في الصين) بترجمة كتاب صيني، مما فتح مجالات أكبر لممارسة الطب الصيني في فرنسا.

كذلك هاجر الكثير من الصينيين إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر ليعملوا في بناء السكك الحديدية وفي مناجم الذهب. وكان الطب الصيني يمارَس خاصة بين الجماعات الصينية، ولكنه امتدَّ إلى السكان الآخرين في مدينة John Day بولاية Oregon ومدينة Boise بولاية Idaho. وأظهرت الممارسة أن الأطباء الصينيين عالجوا بمهارة عددًا من الأمراض التنفسية والهضمية والتناسلية، بالإضافة إلى التهابات المفاصل والأمراض القلبية والعقم.

وفي الوقت نفسه، قامت البعثات التبشيرية الأوروبية والأمريكية بإدخال وسائل الطب الغربي إلى الصين، وبُهِرَ الصينيون بالتقنيات الجراحية واللقاحات والوسائل الصحية الغربية ووسائل التعقيم التي استطاعت الحدَّ من الأمراض الإنتانية وتقيحات الجروح ونسبة الوفيات عند النساء بعد الولادة.

المبادئ الفلسفية للطب الصيني

يقول العلم حاليًا بنظرية الانفطار العظيم Big Bang كتعليل لخلق الكون. وعلى نحو مشابه وموازٍ، قيل، في الاصطلاح الباطني، بوجود طاقة إلهية ناجمة عن تعبير معيَّن لهذه الطاقة. فعندما تقوم هذه الطاقة بالتشكُّل يتكوَّن قطبان تعبيريان هما علَّة الثنائية الموجودة في هذا الكون. وهذان القطبان هما:

1.    الروح Spirit أو "الأب"

2.    المادة Matter أو "الأم"

وينشأ عن اتحاد المادة بالروح النفس Soul أو "الابن".

ومادامت النفس قد نشأت عن اتحاد المادة بالروح، تكون، في النهاية، انعكاسًا للطاقة الحياتية الطبيعية البدئية. من الواحد نشأ الاثنان، ومن الاثنين نشأت الثلاثة، وهما معًا تجلِّيان للواحد (الرسم 1).

 

يعبِّر كلٌّ من جوهري الأب والأم عن مظاهر مختلفة من العقل الإلهي: فجوهر الأب أو الروح (أو الينغ Yang في الفلسفة الصينية) يولِّد مفاهيم الإيجابية، الذكورة، السيطرة، الحركة النابذة أو المتجهة للخارج، المنطق، وهو بذلك يمثل إرادة الخلق والنمو؛ أما جوهر الأم أو المادة (أو الين Yin في الفلسفة الصينية) فيولِّد مفاهيم السلبية، الأنوثة، الاستقبال، الحركة الجاذبة أو المتجهة للداخل، الحساسية والرعاية، وهو تمثل بذلك حكمة جمع كل ما هو ضروري لرعاية بذور الخالق المؤدية للولادة الجديدة ولاستمرار الحياة.

هنا يحصل الاتحاد بواسطة قوة الانجذاب أو المحبة التي تتجلَّى في جوهر الابن أو النفس. وهكذا يجوز لنا القول إن طاقة الإرادة قدرة كهربائية سلبية أو إيجابية، كما ذكرنا عن جوهر الأب أو الأم؛ أما طاقة المحبة فهي طاقة مغناطيسية تجذب الأب نحو الأم، أو الذكورة نحو الأنوثة، أو الينغ نحو الين، وبالعكس؛ ومن اجتماع المحبة مع الإرادة تتولد طاقة كهرطيسية.

ومن خلال هذه المصطلحات الإنسانية نقول إن الأب يعطي بذور تولُّد الطفل وتكوُّنه، بينما تقدِّم الأم الخواص الاستقبالية للرحم لكي ينمو الطفل، وبواسطة حكمتها، تستعمل المواد التي يعطيها الأب للحصول على أفضل شروط نمو الطفل؛ وكلاهما يشارك، بالأهمية نفسها، في تكوين الطفل (أو النفس) التي تعبِّر عن قوة محبتهما.

يتكوَّن كل شيء حيٍّ من التداخل بين المادة والروح. ولذلك كان لكلِّ شيء حيٍّ نفسٌ، بدءًا من الذرة حتى المجرَّة. وفي كثير من الحالات قد تكون النفس جمعية؛ أي أن نفسًا واحدة تخصُّ مجموعة من العناصر، كما هي حال معظم عناصر الطبيعة، باستثناء الإنسان، حيث توجد نفس واحدة مميِّزة لكلِّ إنسان. وهذا ما يعطيه الوعي المتميز والتنوع الهائل الذي تُعتبَر بصمات الأصابع من أبسط الأمثلة عليه.

يحوي كلٌّ من الروح والمادة مستوى فطريًا من العقل والإبداع من جراء انبثاقه من القدرة الإلهية الأصلية. وباتحادهما، تتكوَّن النفس كمستوى من الوعي والإدراك الحاصلين من التقاء هذين العنصرين. وتبعًا لدرجة اللقاء أو الاتحاد الحاصل بينهما تكون درجة الوعي النفسي، أو ما يسمى Shen في الفلسفة الصينية. فدرجة وعي خلية تختلف عن درجة وعي نبات أو حيوان أو إنسان، كما أنها تختلف من إنسان لآخر (الرسم 2-1).

وإن غاية الحياة هي زيادة درجة الوعي عن طريق زيادة تداخل المادة بالروح، حتى لا يكون هناك في النهاية أيُّ افتراق بين هذين القطبين؛ وبذلك يكون وعي وإدراك النفس متطابقًا مع الوعي الكلِّي الأصلي (الرسمان 2-2، 3).

 

إذًا يمكننا القول إن مسيرة الإنسان تقتضي أن يصبح مدركًا أو واعيًا لنفسه، أو بالأحرى، أن يعرف نفسه. وهذا طبعًا لا يحصل بين ليلة وضحاها، بل هو مسيرة تطورية يصبح فيها الإنسان قادرًا على رؤية نفسه مستقلاً عن جسمه ومشاعره وأفكاره أو ما يسميه بشخصيته (الرسم 3).

 

وبنمو هذا الوعي، يزداد حضور العالم الروحي في ذلك الشخص، ويدرك الدور الصغير – لكن المهم جدًا – للإنسان في هذه الخطة الكونية العظيمة (الرسم 4).

 

وبالطبع ندرك أن قدرة الإنسان على تمييز النفس عن الشخصية قد خلقت قطبين جديدين لا بدَّ من اتحادهما من جديد قبل أن نستطيع القول إن هذا الإنسان قد أصبح كائنًا روحيًا. لذلك، بعد إدراك النفس بأنها شيء مستقل عن الشخصية، لا بدَّ لنا أن نستنزلها، أي نستحضرها في الأفكار والمشاعر والجسم الفيزيائي، لكي تصبح إرادة النفس والشخصية واحدة. وفقط عندئذٍ تصبح النفس منغمسة تمامًا في الشكل الجسماني، وتستطيع طاقة Kundalini (حسب مصطلح الهنود) التصاعد بشكل طبيعي، دونما أيِّ إكراه (الرسمان 5-1 و 5-2).

 

مبدآ الين والينغ

يطلق الصينيون على الثنائية المذكورة سابقًا تسميتي الين والينغ، ويطلقون على المصدر الكلِّي الموحِّد اسم الـTao. وكلٌّ من حدَّي هذه الثنائية لا يوجد دون الآخر: فلا يمكننا معرفة الليل دون معرفة النهار، أو معرفة الشهيق دون الزفير، أو الذكر دون الأنثى، إلخ؛ وكلٌّ منهما يحمل معه قدرة التحوُّل نحو الآخر.

 

يوصف الين بأنه بارد، هادئ، ساكن، معتم، متجاوب، متناقص، ومتَّجه نحو الداخل؛ أما الينغ فحارٌّ، متحرك، فعَّال، مشرق، محرِّض، متزايد، ومتَّجه نحو الخارج. ويمكن التعبير عن الين والينغ من خلال الرمز الطاوي المعروف (الرسمان 6 و7-1).

يقول Lao-tzu، شيخ حكماء الطاوية:

الانحناء هو الاستقامة.

الفراغ هو الامتلاء.

الاهتراء هو التجدد.

امتلاك القليل هو حقُّ الامتلاك.

كما يقول Chuang-tzu، وهو حكيم طاوي آخر:

مادامت هناك حياة يوجد موت، ومادام هناك موت توجد حياة. بسبب وجود ما هو صحيح يوجد ما هو عليل، وبسبب وجود ما هو عليل يوجد ما هو صحيح. هذا هو ذاك، وذاك هو هذا أيضًا. هل يوجد فعلاً فارق بين هذا وذاك؟ عندما ينعدم التضاد بين هذا وذاك نصل إلى التاو.

إذًا الين يُحدِث الينغ، والينغ يُحدِث الين، وكلٌّ منهما يفضي إلى الآخر؛ وكلٌّ منهما، في المآل، هو الآخر.

 

يبيِّن الخط الفاصل المتلوِّي في الرسم 7-1 أن هذين القطبين دائما التداخل واحدهما في الآخر، وتُظهِر الدائرة الصغيرة ضمن كلٍّ منهما إمكان التحوُّل من الواحد للآخر: تقول الفلسفة الصينية بأنه من المتعذر أن يلبث الإنسان في جزء معين وينسى الجزء الآخر، كما تقول بوجود قانون التوازن، ومفاده أن أيَّ ازدياد في أحد الجزئين نحو أقصاه يجعل الجزء الآخر يعود للظهور من أجل إعادة توازن الحالة إلى نصابه. وقد يكون الكثير من الأمراض محاولة الطبيعة لإصلاح عدم توازن معين عن طريق الجسم، وبالتالي يجب ألا يُنظَر إليها كعدوٍّ بل كصديق: فالمرض ليس دومًا قصاصًا أو علامة ضعف، بل هو منهج طبيعي لإعادة التوازن.

يجب ألا ننسى أن الثنائية موجودة أيضًا في كلِّ جزء من الأجزاء المنقسمة. بمعنى آخر فإن الين نفسه ينقسم إلى جزء أكثر ذكورة وجزء أكثر أنوثة؛ وكذلك يفعل الينغ الشيء نفسه. وتكون قابلية التحوُّل والتداخل بين جزء وآخر موجودة دائمًا؛ وعليه، يتكون عدد لا يحصى من التجلِّيات نتيجة الانقسام والتداخل المتكرِّرين. وهذا ما يعطي التنوع الهائل والرائع في الطبيعة وفي كل ما حولنا. فجذر النبات هو أكثر أقسام النبات ثباتًا وتماسكًا وقساوة؛ وعليه، يكون أكثرها ذكورة (ينغ). ولكنه، في الوقت نفسه، معتم ومتَّجه نحو الداخل، وبالتالي، يتصف بصفات الين أيضًا. ثم تأتي الساق والأغصان والتفرعات الأدقُّ والأوراق والأزهار والثمار وأخيرًا البذور التي تُعتبَر أكثر الأقسام أنوثة (ين) لأنها تختزن كلَّ العناصر الأساسية لإنشاء النبات من جديد. فهي تدخل في مرحلة كمون لتعطي بعد ذلك نباتًا يفوقها أضعافًا في الحجم، وتدخل بذلك في الطور الذكري (طور الينغ). ولكن البذرة، مثلاً، سهلة التدحرج والحركة والنمو نحو الخارج؛ فهي تتصف أيضًا بصفات الينغ. لنأخذ، مثلاً، قطعة الطبشور: هل هي ينغ أم ين؟ إنها، من حيث الجفاف، ينغ، ومن حيث البرودة، ين؛ وبما أنها تتناقص حجمًا مع الوقت فهي ين؛ وبما أن لها سطح خارجي ظاهر وداخل باطن فالظاهر هو الينغ والباطن هو الين، إلخ.

وهكذا ينظر فلسفة الطب الصيني إلى كلِّ شيء في الوجود على أنه امتزاج للينغ بالين؛ وقد يميل الشيء نحو أحدهما أكثر من الآخر. وكذلك تقوم كلُّ مبادئ الحكمة الصينية وعلم النفس والتغذية والرياضة الجسدية والروحية الصينية على هذا المبدأ عينه. فلقد أبدع الصينيون، على سبيل المثال، مجموعة من الرياضات الجسمانية والروحية من أجل الحفاظ على حياة سليمة صحيحة، متناغمة مع الطبيعة ومع مبدأ الينغ–ين، صُنِّفَت إلى تمارين أعنف وأسرع، مثل Tai-ji-quen، وتمارين أهدأ مثل Qi-gong؛ ولكن في الوقت نفسه، يحتوي الـTai-ji-quen على مدارس متعددة، منها ما هو أعنف (ينغ)، ومنها أهدأ (ين). وفي الوقت نفسه فإن الـQi-gong (الذي يُعتبَر ين بالمقارنة مع Tai-ji-quen) قد اشتُقَّ منه الـGong-fu والـTae-kuan-do اللذين يعتبران ينغ نسبيًا؛ وكذلك، فإن الـQi-qong، في مجال التطبيب، يُعتبَر ينغ بالمقارنة مع المعالجات الأكثر نعومة، مثل الـDo-in الذي يُعتبَر ين نسبيًا.

وعليه، أعيد وأكرر أن كلَّ شيء في هذا الكون هو مزيج من الينغ والين، وكل مظهر منهما قادر على التحوُّل إلى المظهر الآخر. ولا نستطيع القول إن هذا الشيء ينغ تمامًا أو ين تمامًا، ما لم نقارنه مع شيء آخر، وما لم نقل إنه، في مرحلة زمنية معينة، ينغ، وفي مرحلة أخرى، ين.

فعلى سبيل المثال، الشمس أكبر وأشد نورًا وسخونة من الأرض؛ فهي ينغ والأرض ين. ولكن الأرض، بالمقارنة مع القمر، ينغ؛ والشمس نفسها تتحول إلى ين في وقت ما، عندما تنتهي تفاعلاتها الكيميائية. عندما تسطع الشمس على جهة من الجبل فهذا الجزء ينغ، أما الجزء الآخر من الجبل فهو ين؛ ولكن بعد الظهر تنقلب الآية ويصير الينغ ين والين ينغ؛ وعندما يأتي الليل يمسي الجبل كلُّه مظلمًا وباردًا وهادئًا ويسطع القمر. فهنا يصبح ضوء القمر ينغ (مع أن القمر ين بالنسبة للشمس مثلاً) وسط ظلام الليل (ين).

لا يهتم الصينيون بمن أتى أولاً، البيضة أم الدجاجة. فالدجاجة تضع البيضة، أي أن الينغ يصنع الين؛ ولكن الدجاجة أيضًا تأتي من البيضة، أي أن الين يصنع الينغ. المهم بنظر الصينيين هو التداخل بينهما وليس الأسبق فيهما. فالنهار لا يسبِّب الليل، والولادة لا تسبِّب الموت، والصيف لا يسبِّب الشتاء، وإنما يتتابعان إلى الأبد. وفي الطب الصيني لا نهتم بالسبب والنتيجة، بل بما يحصل أمامنا من عدم توازن، إذ يتعين علينا إعادة التوازن إلى نصابه من جديد.

تبدأ مراحل الحياة بالمرحلة الجنينية، فالولادة، فالنمو المضطَّرد، فالتراجُع، فالموت. وتكون مرحلة شبابنا كالأرنب، سريعة، هوائية، متقلبة المزاج وخفيفة (ينغ)، بينما تكون سنوات شيخوختنا كالسلحفاة، بطيئة، متأنِّية، قريرة وهادئة (ين).

عندما نقوم بالشهيق ونملأ صدورنا بالهواء فنحن في مرحلة ينغ؛ وعندما نقوم بالزفير وإفراغ رئتينا من الهواء فنحن في المرحلة التقلصية للين. وفي فترة الصحو نحن في مرحلة ينغ، وخلال النوم نحن في مرحلة ين. ولكن النوم نفسه له عدة مراحل، منها مراحل أهدأ (ين)، ومنها أخرى أكثر سطحية (ينغ)؛ وكذلك حال الصحو.

يقدِّم الين القاعدة المادية للطاقة المتحوِّلة إلى ينغ. فالطعام – وهو هنا ين – يتحوَّل إلى مواد أقل تكثفًا وإلى طاقة – وهي هنا ينغ. كما تمتزج النطفة – وهي ينغ – مع البويضة – وهي ين – لتتكون حياة جديدة من امتزاجهما، وبهذا تقوم النطفة بتحريك وتحويل المواد التي تقدِّمها البويضة.

تُعتبَر أحشاء الإنسان المحمية من العوامل الخارجية أعضاء ين، بالمقارنة مع الجلد والعضلات التي تُعتبَر ينغ. كذلك يُعتبَر النصف السفلي من الجسم، المماس للأرض، ين، يُعتبَر بينما النصف العلوي ينغ. كما أن القسم الأمامي من الجسم، الذي نقدر على حمايته بالذراعين والقدمين، ين؛ أما القسم الخلفي فهو ينغ.

كما تُصنَّف الأحشاء نفسها إلى أعضاء جوفاء، كالمعدة والمصران والمثانة، التي تقوم بأعمال التحويل والتصريف، وتُعتبَر ينغ، وإلى أعضاء غير جوفاء، كالكبد والطحال والرئة، التي تقوم بأعمال التركيب والتخزين، وتُعتبَر ين؛ ولكن، في الوقت نفسه، يقوم القلب – وهو عضو ين – بوظيفة تقلصية بدفع الدم، وهذا من صفات الينغ (الجدول رقم 1).

 

الجدول 1

علاقة الين بالينغ

Yang

Yin

الموضوع

الشمس

القمر

السماء

منتصف النهار

منتصف الليل

الوقت

صيف

شتاء

الفصل

سخونة

برودة

الحرارة

جفاف

رطوبة

التميُّه

منير

معتم

المجال الضوئي

منكشفة

مستترة

الحقيقة

طري

قاسٍ

التركيب

خفيف

ثقيل

الكتلة

التحول Transforming

التشكل Forming

المرحلة

الطاقة

الطبيعة المادية

الطبيعة المتشكلة

على مستوى الإنسان Human Microcosm

الارتكاس والتعبير

المشاعر والأفكار

الأبعاد

السطح (خارج الجسم)، أعلى السرة، الجانب الأيسر

اللب (داخل الجسم)، تحت السرة، الجانب الأيمن

الموضع

المرارة، المصران الدقيق، المعدة، المصران الغليظ، المثانة

الكبد، القلب، الطحال، الرئة والكلية

الأحشاء

التشي والحرارة الاستقلابية (جوهر الينغ)

الدم والسوائل الخلوية (جوهر الين)

المكوِّنات

تقويض النسج Catabolism

بناء النسج Anabolism

الوظيفة

سخونة

برودة

الحرارة

الولادة/النمو/النضج

التراجع/الموت/الحمل

مراحل الحياة

 

الخلاصات الأساسية

أولاً. التشي:

لا تستطيع أية كلمة في اللغتين الإنكليزية أو العربية الإيحاء بدقة بالمعنى المقصود بالتشي في التراث الصيني. والمشكلة الأكبر أن الصينيين لا يميِّزون أصلاً بين المادة والطاقة، كما أن فكرة تعريف مفهوم بحدِّ ذاته فكرة غريبة في نظرهم، على العكس تمامًا من الغربيين. يمكننا القول – تجاوزًا – إن التشي هي المادة على تخوم تحولها إلى طاقة، أو الطاقة في نقطة تحولها إلى مادة. وتسهيلاً للبحث فقط سنسمِّي التشي أحيانًا بالطاقة.

هناك ثلاثة مصادر للتشي: الأول هو التشي الأصلية أو الولادية Yuan-qi، التي تنتقل للأطفال من خلال أبويهم؛ وهي مسؤولة، إلى حدٍّ ما، عن بنية هذا الشخص، وتُختزَن في الكلية، بحسب الصينيين. المصدر الثاني للتشي يأتي من الغذاء Gu-qi. ويأتي المصدر الثالث من التنفس Kong-qi. ومن هذه المصادر الثلاثة تتكوَّن التشي التي تتخلل الجسم. ولها خمس وظائف رئيسية:

أولاها، أنها مسؤولة عن سائر حركات الجسم. وهي عمليًّا ترافق كافة الحركات ولا تنفصل عنها؛ فهي تسير مع الدم عند جريانه، وهي مسؤولة عن نموِّ الجسم، ولكنها تنمو أيضًا بنمو الجسم. وعليه، تتم الوظيفة الفسيولوجية الطبيعية للجسم من خلال حركة التشي الحرة المتناغمة في جميع الاتجاهات.

ثانيتها، أنها تحمي الجسم من العوامل المحرضة الخارجية. ويقول كتاب الإمبراطور الأصغر الشهير جدًّا Nei-jing بأنه إذا استطاعت العوامل المُمْرِضة اجتياح الجسم فهذا معناه وجود نقص في التشي.

ثالثًا: تكون التشي مسؤولة عن تحول العناصر بعضها إلى بعض. فالغذاء يتحول إلى دم وتشي ودموع وعرق وبول إلخ.

رابعًا: تقوم التشي بالمحافظة على ما في داخل الجسم وتحميه من الضياع الزائد للسوائل والعرق واللعاب مثلاً.

خامسًا: تدفئ التشي الجسم. تُعتبَر التشي، بحدِّ ذاتها، ينغ بالنسبة للدم. ولكن وظائف التشي نفسها قد تكون ينغ، مثل وظائف الحماية والتدفئة والحركة، أو ين، عندما تدعم مكونات الجسم والدم.

ثانيًا. الدم:

لا يعني الدم في الصينية تمامًا مفهوم الدم في الطب الغربي. فهو لا يجري فقط في الأوعية الدموية حسب اعتقادهم، بل يجري أيضًا في أقنية الأعضاء (والوظيفة المعطاة للشيء في الطب الصيني أهم بكثير من محاولة تحديد موقعه التشريحي فقط). يأتي الدم من التمثُّل الغذائي، وتعمل تشي الطحال على نقله للأعلى نحو الرئة (ما يشبه تقريبًا مفهوم القناة الصدرية في الطب الغربي)؛ وهناك تقوم التشي الغذائية بتحويل الخلاصة الغذائية إلى دم.

وبحسب الطب الصيني، يقوم القلب بضخ الدم، والكبد بخزن الدم، والطحال بإبقائه ضمن الأوعية. ونوضح هنا أن الدم، بحدِّ ذاته، يُعتبَر ين، أما حركته فتُعتبَر ينغ؛ يُعتبَر المخاط والبول والعرق ين، أما عملية إفرازها وحركتها فتُعتبَر ينغ؛ فيما تُعتبَر المواد الغذائية ين، وعملية هضمها ينغ. لا يمكن فصل الدم عن التشي؛ وعندما يحدث مثل هذا الانفصال لا يتحرك الدم ولا تعود للطاقة أو التشي أية قاعدة واقعية وتتوقف الحياة.

ثالثًا. الندى Moisture:

كما أن الينغ والين، أو الروح والمادة، يلتحمان لينجم عن اتحادهما الابن أو النفس، كذلك ينشأ الندى من امتزاج التشي بالدم؛ أو، بتعبير آخر، هو الحالة المتوسطة بينهما. ويؤدي الاستلقاء الطويل إلى ركودة الدم والندى، وبالتالي إلى موت الخلايا واستحالتها.

رابعًا. الجوهر Jing:

وهو، بحسب المفهوم الصيني، العنصر المسبِّب لكلِّ ما يتعلق بالحياة العضوية التي يُنظَر إليها كمادة سائلة تقريبًا؛ وهي داعمة ومغذية وأساس التكاثر والنمو. للجوهر مصدران: الأول هو الجوهر الخَلقي الموروث عن الوالدين – ولكلِّ شخص جوهر فريد يحدِّد طريقة نمو هذا الشخص، ويكون الجوهر الخَلقي متحدِّدًا عند الولادة، وتناقصُه المستمر، ثم زواله، ينهي الحياة العضوية. ويحدِّد الجوهر الخَلقي، بالاشتراك مع التشي الأصلية، بنية الشخص وتركيبه. الثاني هو الجوهر المكتسَب، ويأتي من العناصر المنقاة من الطعام.

تشكل التشي المظاهر الخارجية للحركة؛ بينما يكون الجينغ (الجوهر) أهدأ، وهو يعكس الجوهر الداخلي للنمو والتراجع. تنبعث التشي من الجوهر، لأن الجوهر الخَلقي هو قاعدة الحياة، كما تساعد التشي في تحويل الطعام إلى جوهر مكتسَب. بالمقارنة مع التشي، يُعتبَر الجوهر ين؛ أما بالمقارنة مع الدم فيُعتبَر ينغ.

خامسًا. الوعي الإنساني Shen:

قد يترجم أيضًا بكلمة "روح"، لكنها ليست كلمة دقيقة، لأن Shen تخصُّ الإنسان وحده دون سائر الكائنات الأخرى؛ فهي تعكس الوعي الإنساني وقابلية التطوير والاختيار والتمييز. يساعد كلٌّ من الأبوين أيضًا في تكوين الوعي الإنساني للطفل؛ ولكنه يتطور باستمرار بعد الولادة بواسطة التنفس والرياضات الروحية. في الإنسان الصحيح، يُعتبَر الوعي الإنساني قدرة الشخص على التفكير والمحاكمة ورغبة الشخص في الحياة. يظهر اضطراب الـShen ببطء تفكير الشخص والنسيان والأرق أو الكلام غير المترابط، وقد تؤدي الاضطرابات الشديدة إلى سبات أو جنون مرضي. ويُعتبَر الوعي الإنساني ينغ.

العناصر والطبائع الخمس:

كما أن الطبيعة الأساسية غير المنقسمة، الموسومة بالتاو، قد تجلَّتْ في مظهري الينغ والين، كذلك كلٌّ من المظهرين ينقسم من جديد. يولِّد الينغ، في تصاعده، طبيعة الريح وعنصر الخشب؛ وعند بلوغه الذروة، يولِّد طبيعة النار وعنصر الحرارة. ويكون الأول مرتبطًا بفصل الربيع والثاني بفصل الصيف. ونصل الآن إلى المرحلة التي ينقلب فيها الينغ إلى ين؛ وهنا تتولد طبيعة الرطوبة وعنصر الأرض، كما في نهاية الصيف.

عند تصاعد الين، تتولَّد طبيعة الجفاف وعنصر المعدن وفصل الخريف؛ ثم يصل الين لذروته، فتتولَّد طبيعة البرودة وعنصر الماء وفصل الشتاء (الرسم 7-3).

تتكرر هذه السلسلة في دوران مستمر. ويمكن تشبيهها بمراحل الحياة: فالطفولة تكون فترة نمو جسمي ونفسي سريع في كل الاتجاهات، كما هي طبيعة الريح وكما ينمو النبات في فصل الربيع؛ وتشكل فترة المراهقة قمة الاندفاع العاطفي والهيجان، كما هي طبيعة النار وفصل الصيف؛ وتكون فترة النضوج والكهولة، مثل عنصر الأرض وطبيعة الرطوبة ونهاية الصيف، فترة انتقال من نموِّ إلى تراجع، ومن هيجان إلى هدوء، ومن حرارة إلى برودة؛ ثم تأتي مرحلة الشيخوخة، وتكون، مثل طبيعة البرودة وعنصر الماء وفصل الشتاء، فترة ساكنة هادئة، تهيِّئ بذور الدورة الجديدة.

جدير بالذكر أن المفاهيم الصينية السابقة الذكر لا تتنافى مع المفاهيم الإغريقية والعربية ومعظم مفاهيم الشعوب الأخرى (كالهنود الحمر) حول الطبائع. فطبيعة الريح الصينية هي الطبيعة الهوائية، وطبيعة النار هي الطبيعة النارية، وطبيعة الجفاف أو المعدن هي الطبيعة الترابية، وطبيعة البرودة أو الماء هي الطبيعة المائية. ما يميِّز طب الصينيين هو أنه أتاح توازنًا أعمق بكثير مما قام به الإغريق والعرب، من خلال مفهوم طبيعة الرطوبة أو الأرض – وهي حالة التوازن بين الطبائع الذكرية والأنثوية – إذ جعلوها موجودة في صميم العضوية (الرسم 8-1).

وهكذا، تكون طاقة الريح طاقة توسعية حركية، وتكون طاقة النار طاقة متأججة اتحادية إتمامية، تكمن فيها ذروة تأجج الينغ؛ وتبدأ بعدها كفة الميزان بالاعتدال والاتجاه نحو الين. وهنا تأتي طاقة الرطوبة والأرض – وهي طاقة تسعى إلى الاعتدال والتوازن – فترجح كفة الميزان نحو الين، وتبدأ الطاقة التقلصية للمعدن بالعمل. وأخيرًا يأتي دور الماء ليعمل على تصليب الخميرة الناتجة وتوطيدها.

 

وكما أن كلَّ ما في الوجود هو امتزاج للينغ بالين، وتعبير عن نِسَبٍ مختلفة لامتزاجات مختلفة، كذلك يخضع كلُّ شيء في الوجود لنظرية العناصر الخمسة والطبائع الخمس: فهناك فصل لكلِّ طبيعة، وهناك اتجاه لكلِّ طبيعة، وهناك فترة زمنية يومية ومرحلة حياتية لكلِّ طبيعة، وصوت ورائحة لكلِّ طبيعة (الجدول 2). وما ينطبق على العالم الخارجي، أو ما يدعى بالكون الأكبر Macrocosm، ينطبق أيضًا على العالم الداخلي للإنسان، أو ما يدعى بالكون الأصغر Microcosm.

 

الجدول 2

الماء

البرودة

المعدن

الجفاف

الأرض

الرطوبة

النار

الحرارة

الخشب

الريح

التصنيف

على مستوى الطبيعة Macrocosm

توطيد

تقلص

تحوُّل

إتمام

توسُّع

الطاقة المعطاة

شتاء

خريف

آخر الصيف

صيف

ربيع

الفصل

شمال

غرب

مركز

جنوب

شرق

الاتجاه

منتصف الليل

غروب

بعد الظهر

ظهر

فجر

الوقت

الوفاة/التبذير

التراجع

النضج

النمو

الولادة

مرحلة الحياة

العفنة

الزنخة (السمكية)

العبقة، الفواحة

القارصة

النمسة (السمن)

الرائحة

مالح

حار

حلو

مر

حامض

المذاق

الامتصاص

التصدُّع

الدويُّ

الزمجرة

الارتطام

الصوت

على مستوى الكائن البشري Human Microcosm

الوعي الأولي

Zhi

الوعي البسيط

Po

الوعي المنفعل Yi

الوعي المتسامي

Shen

الوعي الفاعل

Hun

مستوى الوعي

حفظ الذات

Self-preserving

تحديد الذات

Self-defining

تركيز الذات

Self-locating

انحلال الذات

Self-dissolving

خدمة الذات

Self- serving

الدافع الأساسي

غريزي

استدلالي

متأمل

حسَّاس

مثير للعواطف

الميزة

تصفُّحية

تحليلية

استيعابية

حدسية

تنفيذية

الفعالية

خوف

أسى

إعمال التفكير

فرط استثارة

غضب

التعبير

عزلة

تثبُّط

توازن

استثارة

تنبُّه

الحالة الظاهرة

البول

المخاط

اللعاب

العرق

الدمع

السائل المستخلص

أنين

نشيج

تهدُّج (ارتعاش)

قهقهة

صياح

الصوت

شبكة الكلية

الأذن الداخلية، العظام، الأسنان، شعر الرأس والعانة، نقي العظم، أعضاء التناسل، الشرج

شبكة الرئة

الجلد، أشعار الجسم، الأوعية اللمفاوية والأوردة

شبكة الطحال

الفم، الشفاه، العضلات، شحم الكولاجين

شبكة القلب

الأذن الخارجية، اللسان، الشرايين

شبكة الكبد

العين، الأظافر، الأربطة، الأعصاب

الأعضاء

 

هذا المبدأ واحد من أهم ما توصل إليه الصينيون من خلال الحكمة الطاوية. فأيُّ خلل في توازن الطبيعة يُحدِث خللاً في الإنسان؛ والعوامل نفسها التي تلعب دورًا في الطبيعة تتشابه مع عوامل تلعب دورًا في الإنسان.

تتقابل العناصر الخمسة في الإنسان مع خمسة أعضاء ين وخمسة أعضاء ينغ. يقال عن العضو إنه ين عندما يقوم باختزان الطاقة أو الجوهر الأكثر شفافية من المادة؛ بينما يقال عن العضو بأنه ينغ عندما يقوم بتحويل المادة من شكل لآخر، من شكل مادي إلى شكل أكثر لطافة وشفافية. وعليه، تكون أعضاء الين أكثر استقرارًا وثباتًا، وهي تشكل الآليات الديناميَّة التي تنظم الضغط والحرارة والاستقلاب وغيرها، وإذا حدثت إصابة ما أو مرض، تكون أكثر عمقًا وخطورة؛ وعلى العكس من ذلك، تكون أعضاء الينغ أكثر فعالية وعدم استقرار، وهي التي تقوم بأعمال الهضم والتحويل والإفراغ.

أعضاء الين الخمسة هي الكبد (يقابل الخشب)، القلب (يقابل النار)، الطحال (يقابل الأرض)، الرئة (تقابل المعدن)، والكلية (تقابل الماء). وأعضاء الينغ الخمسة هي المرارة، وهي عضو الينغ المقابل للكبد، المصران الدقيق يقابل القلب، المعدة تقابل الطحال، المصران الغليظ يقابل الرئة، والمثانة تقابل الكلية. فكلُّ عضو ينغ يرتبط بعضوين كثنائية. يقابل كل عضو سائلاً مستخلصًا، وحالة تعبيرية معينة، وصوتًا معينًا، ودافعًا، ومستوى وعي معين (الجدول 2).

تدخل هذه الأعضاء الخمسة في متوالية داعمة Supporting sequence على شكل دارة متصلة: فالخشب يدعم النار، والنار تدعم التراب، والتراب يدعم المعدن، والمعدن يدعم الماء، والماء يدعم الخشب. كذلك، تدخل في دارة محدِّدة: فالخشب يحدِّد التراب، والتراب يحدِّد الماء، والماء يحدِّد النار، والنار تحدِّد المعدن، والمعدن يحدِّد الخشب (الرسمان 8-2 و8-3).

ينشأ عن هاتين الدارتين توازنٌ خلاق، بحيث إن اختلال أيِّ عامل أو عضو، على شكل زيادة أو نقصان، سيؤدي إلى سلسلة تفاعلات مستمرة تؤدي في النهاية إلى إعادة التوازن إلى نصابه.

ترتبط بكل عضو شبكة طويلة تسري فيها الطاقة؛ وتتصل تلك الشبكات بعضها ببعض اتصالاً وثيقًا، مما يسمح بتوازن أعظمي. تضاف للقنوات العشر قناة ين أخرى متصلة بالتأمور Pericardium، وقناة ينغ تابعة لما يسمى بالمحرق الثلاثي؛ وعليه، تتشكل اثنتا عشرة قناة رئيسية، تضاف إليها ثماني أقنية أخرى: تسمى الأولى بالقناة الحاكمة Du-mai, Governing channel، وهي تسيطر على جميع أقنية الينغ؛ والثانية قناة الحمل Ren-mai, Conception channel، وتسيطر على جميع أقنية الين؛ ثم تأتي القناة الحيوية Chong-mai، وهي أول قناة تتشكل عند الجنين وتسيطر على توازن الطاقة والدم في كل الأقنية الأساسية، ولها علاقة كبيرة بالطمث؛ ثم قناة الحزام Dai-mai التي تربط كلَّ أقنية الجسم بعضها ببعض وتحمي الجنين؛ ثم تأتي القناتان الرشيقتان Yang-qiao وYin-qiao اللتان تعملان على ربط قنوات الينغ والين بين النصفين الأيمن والأيسر للجسم؛ وأخيرًا، القناتان الجامعتان Yin-wei وYang-wei، ولهما دور كبير في ربط قنوات الينغ بعضها ببعض وقنوات الين بعضها ببعض.

الطاقات النفسية الخمس والمشاعر الخمس:

كما أن الينغ، في تصاعده، يولد طبيعة الريح وعنصر الخشب اللذين يرتبطان بالكبد، كذلك تتولد على المستوى النفسي طاقة الـHun؛ وهي كالريح فعالة سريعة متجهة نحو الأعلى، تسمح للشخص برغبة تحدِّي الظروف، ودفع نفسه إلى أقصى الحدود؛ ويشعر الشخص بالرغبة بالعمل في الظروف الصعبة، ويكون حامل هذه الطاقة راغبًا بالسرعة والتجديد، ويعشق المغامرات والحركة المستمرة، ويريد أن يكون الأول والأفضل والمتميز (الجدول 2).

عند تجاوز هذه الطاقة إلى حدٍّ ما تتحوَّل إلى نفاد صبر، وعدم تحمُّل، ومشاعر متضاربة، وآراء جديَّة؛ والانفعال الرئيسي الضار بهذه الطاقة هو الغضب. وعلى مستوى الجسم، يتجلَّى الاضطراب بالصداع الوعائي وارتفاع ضغط الدم والآلام المتنقلة والتشنجات العضلية ويعرِّض صاحبه لإدمان المنشطات والمهدئات Stimulants and tranquilizers.

عندما يبلغ الينغ ذروته يتولد عنصر النار وطبيعة الحرارة التي ترتبط بالقلب، فتتولد على المستوى النفسي طاقة الـShen التي تكون قوية وشديدة التأثير، باستطاعتها قلب كيان الشخص بأكمله، كما تفعل النار، خلال ثوانٍ، كما يحدث في فترة المراهقة؛ وهي تسمح للشخص بالاستثارة والغبطة، وتسمح للرغبات والبهجة بالتفتح، ويعشق صاحبها العلاقات الحميمة والمشاعر، ويكون دافئًا وحيويًا وذكيًا.

عندما تتجاوز هذه الطاقة حدَّها تتحوَّل إلى هياج وقلق وأرق وانهيار عصبي وإهلاسات حسية مختلفة؛ والانفعال المرتبط بهذه الطاقة هو الهوس. وعلى مستوى الجسم، يتجلَّى الاضطراب بفرط تعرُّق وهبوط سكر الدم وطفح جلدي وتسرُّع قلب، ويعرِّض صاحبه لإدمان المهلِّسات Hallucinogens.

يبدأ بعد ذلك طور الاعتدال، وتظهر طبيعة الرطوبة وعنصر الأرض وطاقة الـYi التي تكون متوازنة، عملية، تسمح للتحول الحاصل بين الينغ والين بأن يكون سلسًا وهادئًا؛ ولها دور كبير في اتخاذ القرارات وتنظيمها حسب أولويتها. يكون صاحب هذه الطاقة لطيفًا، محبوبًا، يريد أن يساهم في كلِّ شيء، ويشعر بالارتياح عندما يكون مرغوبًا فيه، ويبحث عن الانسجام والألفة وتوحيد الصفوف، ويصرُّ على الوفاء والأمان.

عندما تضطرب هذه الطاقة يصير الشخص كثير التفكك والشك بنفسه ويقلق كثيرًا؛ ويرتبط انفعال الوسواس بهذه الطاقة. وعلى المستوى الجسماني، يعاني الشخص من عسرة هضم وشهية متبدلة وحبس للسوائل في الجسم وآلام عضلية ونعاس وتوقعات غير واقعية وإحباطات متكررة.

يتصاعد الين فتتولد طبيعة الجفاف وعنصر المعدن وطاقة الـPo التي تسمح بالاستقرار والهدوء والرعاية وبناء أساسيات الحياة، كما يحصل في سنَّي النضج والكهولة. يكون صاحب هذه الطاقة محبًّا للقواعد والمنهجية والتعريف والبناء، ويحترم الفضيلة والسلطة، ويبغي العيش بحسب ما يمليه المنطق والمبادئ، ويريد الوصول بنفسه وبالآخرين إلى أفضل مستوى، كما أنه يعبد الجمال والأناقة والتفنن والدقة المتناهية.

عندما تتجاوز طاقة الـPo حدَّها الأقصى، يصاب الشخص باللامبالاة والتثبيط، أو على العكس، بالحزم الشديد وعدم الليونة والجدية المفرطة والابتعاد عن الآخرين، ويصير الاكتئاب هو الانفعال المسيطر على المستوى الجسماني؛ ويعاني الشخص من قساوة المفاصل والعضلات، ومن جفاف الشعر والأشعار، ومن التنفس السطحي، ومن بطء في الدوران المحيطي، ومن الدوالي والأعراض الصدرية.

لطاقة الـPo دورٌ كبير في مواجهة العالم الخارجي، وفي الشجاعة والشعور بالأمان. وقد يفسِّر هذا ما يحدث عند الأطفال الذين نشأوا في السنوات الأولى من حياتهم في جوٍّ غير آمِن، فيكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وخاصة التي لها علاقة بالقصبات والرئة كالربو.

يبلغ الين ذروته، فتتولِّد طبيعة البرودة وعنصر الماء. وهنا يأتي دور الكلية وطاقة الـZhi التي لها علاقة كبيرة بقوة الإرادة، وتسمح لصاحبها بالقدرة على التأمل الداخلي واستنباط الأمور؛ ويكون صاحبها قادرًا على الاكتفاء بذاته، ومع هذا يندمج بسهولة مع الآخرين ويبحث عن الفهم والمعرفة ويفضِّل البقاء بعيدًا عن الأضواء.

عند اضطراب هذه الطاقة، يميل صاحبنا إلى العزلة والوحدة وعدم التواصل العاطفي والتعبيري، ولا يغفر بسهولة، ويصير متشككًا؛ والانفعال الغالب هو الخوف. وعلى المستوى الجسماني، يصاب الشخص بتصلُّب الشرايين وتخلخل الأسنان والعظام وسوء وضع اللثة وآلام الظهر والبرودة وفقدان الرغبة الجنسية.

مستويات الوعي الخمسة:

كذلك يربط الطب الصيني كلَّ طاقة من الطاقات بنمط معين من الوعي. تكون أولى درجات الوعي هي:

الوعي البدئي أو الأولي Primal awareness، وهو أول وعي يتكون في الخلايا الحية؛ ونراه بدءًا من وحيدات الخلية حتى الإنسان، وهدفه الحفاظ على العضوية Self-preservation وتجنب ما قد يؤذيها من عوامل خارجية، وله علاقة وثيقة بالغرائز الأساسية وطاقة الـZhi المرتبطة بالكلية؛ وهو الغالب في السنتين الأوليتين من حياة الطفل.

ثم يأتي الوعي البسيط Simple awareness، وهدفه تحديد العضوية Self-definition وأجزاءها وتمييزها عما يحيط بها؛ ويوجد في النصف الأرقى من الحيوانات. وعبر هذا الوعي، يستطيع الحيوان أو الإنسان معرفة أن هذا الطرف جزء منه وأن هذا حجر وهذه شجرة إلخ؛ وهو الوعي الغالب عند الطفل بعد السنة الثانية؛ وله علاقة بالغرائز الأكثر تطورًا من الغرائز الأساسية للحياة وبطاقة الـPo المرتبطة بالرئة.

ويأتي بعد ذلك دور الوعي المنفعل Passive awareness، وهدفه وضع العضوية في مكانها الصحيح، والقيام بالأعمال اليومية، والقدرة على اتخاذ القرارات وترتيب الأولويات؛ وهذا الوعي موجود فقط عند الإنسان، ويظهر خلال مراحل الطفولة المتأخرة والمراهقة؛ وله علاقة بطاقة الـYi المرتبطة بالطحال.

ثم يظهر الوعي الفاعل Active awareness، ويهدف إلى تأمين ما يحتاجه الإنسان في المستقبل، وإلى تحقيق الآمال والأهداف التي يسعى إليها الإنسان؛ ويظهر هذا الوعي في فترة البلوغ؛ وله علاقة بطاقة الـHun المرتبطة بالكبد.

يمكن القول – تجاوزًا – إن مجموع الوعي المنفعل والفاعل يشكلان ما يسمى وعي الذات Self-consciousness، الموجود فقط عند الإنسان. وعبر هذا الوعي لا يكون الإنسان قادرًا على تمييز ما حوله، من أشجار وحجارة وغيرها، وعلى تمييز أجزاء جسمه، وحسب، بل أيضًا قادر على التعامل مع أفكاره والحالات العقلية المختلفة. فالحيوان، مثلاً، يكون غارقًا في وعيه كسمكة في البحر، ولا يستطيع، حتى بخياله، النظر إلى أفكاره من الخارج، وإنْ للحظة؛ أما الإنسان فقادر على الحكم على أفكاره وقراراته، فيقول لنفسه: "أنا أعرف أن هذا صحيح، وأنا أعرف أني أعرف أن هذا صحيح."

وكختام مسك، يأتي الوعي المتسامي أو المتعالي أو الكوني Cosmic or transcendental consciousness الذي له علاقة بطاقة الروح Shen المرتبطة بالقلب، ويهدف إلى ذوبان العضوية Self-dissolution في الكون الأعظم والحقيقة الإلهية العظمى. وهنا يعني الإنسان أنه، رغم انفصاله الظاهري عما حوله، إلا أن هناك وحدة تامة في الوجود وحقيقة عظمى انبثق عنها كل شيء. وهذا ما سماه الصينيون بالتاو Tao. ويشعر ذلك الإنسان، من خلال هذا الوعي، باتصاله بكلِّ شيء حوله. وليس هذا الوعي على درجة التفتح نفسها عند كل الناس.

كيفية إقامة التوازن:

نظر الصينيون إلى الإنسان على أنه كون صغير Microcosm، واهتموا بالعلاقة بين الإنسان وما حوله. فالإنسان لا يعيش في فراغ، بل، على العكس، يؤثر ويتأثر بكلِّ ما يجري من حوله في الكون. الحياة والموت ليسا إلا صورة مصغرة عما يجري في الكون والطبيعة، والقوانين التي تحكم حياة الإنسان وموته هي نفسها التي تحكم الكون بأسره والتي هي التوازن المتغير باستمرار والمتتابع بين الينغ والين. وعليه، فالإنسان عرضة لتغيرات الينغ والين على كافة الأصعدة: الطقس، الموقع الجغرافي، الفصول، درجة الحرارة، الألوان، الروائح، المذاقات المختلفة، وطبعًا العواطف المختلفة؛ وبعبارة مختصرة فإن أجسامنا تتأثر بكل مظهر من مظاهر الطبيعة.

 

الجدول 3

قوى الأنماط الخمس

الماء

البرودة

المعدن

الجفاف

الأرض

الرطوبة

النار

الحرارة

الخشب

الريح

التصنيف

التصلب

التقلص

الاعتدال

الاتحاد

التوسع

القوة

فيلسوف

خيميائي

صانع سلام

ساخر

رائد

النمط الفردي

إندونيسي

جرماني

صيني

لاتيني

أمريكي

النمط القومي

الحقيقة

النظام

الترابط

الإنجاز

الهدف

الرغبة في

الأحجية، الخلوة، الاستمرار، الصيانة، الاكتفاء الذاتي

المجتمع، المنطق، الجماليات، التعريف، البساطة، المعايير، الجودة

المجتمع، العائلة، الانسجام، التشارك المتبادل، الالتزام

المودة، العفوية، التعبير، الإحساس، الاستثارة

العمل، التحدي، الاستقلال،

التفرُّد، السرعة

ما يسعى إليه

الخداع، الجهل، المشاركة، الإيمان، السطحية

العفوية، التعقيد، اللامبالاة، القرب الشديد، الهراء، الإبهام

العزلة، الانفصال، التنازع، التغيير وعدم الثبات، الجشع، عدم الأمان

الحدود، العزل، القساوة، الشك، التشوش، التبلُّد، الشيء المألوف

السلطة، البطء، الإحباط، التدخل، الخضوع، التقييد، التسوية

ما يخاف منه

الصدق

التصرف الصحيح

الوفاء

الفتنة

الحماس

الفضيلة

المعرفة

الضبط

الخدمة

التعاطف

الفعل

الطريقة

الاستمرار

النقاء والجودة

الانسجام

الحدس

الفائدة العملية

قيمة الشيء

الخيال

التمييز

التفاوض

التواصل

المبادرة

الموهبة

الأصل والقدر:

ما هو ماضيَّ

ومستقبلي؟

الحدود:

ما هو أنا وما هو ليس أنا؟

التوجه:

ما هو دوري؟

أين أنا؟

الأبعاد:

ما هو مجال عملي؟

الهدف:

ماذا أفعل؟

كيف أفعل؟

موضوع البحث الحياتي

الزمن

الشكل

الموقع الزماني والمكاني

الفراغ

الحركة

الأبعاد

بالبرد

بالجفاف

بالرطوبة

بالحرارة

بالريح

عرضة للإصابة

المسارَرة واكتشاف الأسرار

الطقس الجنسي المقدس

العناق

التواصل

الرعشة Orgasm

الاتحاد

أكثر، أفضل، أطول

المعايير الجنسية

 

من أين يأتي عدم التوازن؟

لما كان الإنسان يخضع لكلِّ هذه التغيرات من حوله فمن الطبيعي أن تقابلها تغيراتٌ في داخله. وعليه فإن كل طبيعة من الطبائع الخمس حوله تقابلها طبيعة معينة في داخله وعضو معين كما أسلفنا الذكر. يأتي عدم التوازن من تأثير العوامل الخارجية المؤذية، من ريح وبرودة، بسبب وجود خلل أصلاً في هذا الإنسان بين العناصر المختلفة داخله. كذلك يأتي عدم التوازن من السماح لانفعال معين (نظر الصينيون إلى الانفعالات كعوامل مُمْرِضَة) بالتغلب على الانفعالات الأخرى والتغلغل إلى الداخل والسيطرة على كيان الإنسان، سواء أكان هذا خوفًا أو كآبة أو غضبًا أو فرط سرور أو تهيجًا أو وسواسًا. وكذلك يأتي عدم التوازن من الاعتماد على أطعمة معينة ذات طبيعة معينة، أو عدم القيام بالتمارين الرياضية والحركة، أو عدم القيام بالتنفس الصحيح الذي هو مصدر هام للتشي، كالطعام سواء بسواء.

وكما أن الورق يتساقط في الخريف، وتميل الغيوم للاسوداد، وتغلب طبيعة معينة على هذا الفصل بكامله، إلا أن بذور الفصول الأخرى تكون موجودة في حالة كمون لتستعد للتعبير عن نفسها حين يحين الأوان، كذلك تغلب على كلِّ إنسان فينا طبيعة أو طبيعتان خلال حياة معينة، إلا أن الطبائع الأخرى تكون موجودة ولا بدَّ لها من التعبير عن نفسها، من وقت لآخر، حتى يحدث التوازن المطلوب؛ فتكون طبيعة معينة هي المحور الذي تدور حوله الطبائع الأخرى.

على الإنسان أن يفهم نقاط القوة في طبيعته ونقاط الضعف فيها ويعدِّلها باستمرار بما يستمدُّه من الطبائع الأخرى. والاستقرار التام لا يحصل ما لم يتم الاتحاد المستمر بالتاو من خلال فهم الطبائع الخمسة والارتقاء بها نحو الين والينغ، ومن بعدُ تجاوز هذه الثنائية وفهمها كظاهرتين مختلفتين لجوهر واحد هو التاو.

الجدول رقم 4

اضطرابات الأنماط الخمسة

الماء

المعدن

الأرض

النار

الخشب

 

إبطال

تحديد

إعاقة

تضحية

سيطرة

تضخم الطاقة

تحجُّر

انكماش

ركود

عدم تكامل

انضغاط

تداعي الطاقة

الأسرار

المنهج

التفاصيل

الإثارة

العمل

الاهتمام الأساسي

أفضل معلِّم

أفضل نظام

أفضل عائلة

أفضل حبيب

أفضل سبب

يبحث عن

الألغاز،

الحقائق،

مواجهة الموت

الكمال،

النظام،

الفروق

إرضاء الآخرين،

الأمان،

التفاوض

السعادة،

العلاقات،

الحميمة

الحلول، التغيير، الاستقلال

الهواجس الأساسية

البحث عن

العزلة،

تجنب التعرض

البحث عن النظام الأفضل، الحكم على الأشياء

البحث عن

الراحة، تجنب

العزلة

الإثارة،

العلاقات

المخاطرة،

دوام الحركة

الميل الطبيعي نحو

الموت/التعرض،

التشويش،

انحلال الشيء

العفوية،

التلوث،

العجز

التغيير،

الانتقال،

الاستقلال

الانفصال،

الملل،

الألم

الضعف،

الروابط،

الاتكال

يكره

الرؤى،

التوقعات

الأعراف والتقاليد،

المعايير

الأدوار،

الولاء

الحاجات،

الرغبات

الأهداف،

الاختيارات

يكره تصارع

ما هو أصلي؟

ما هو الصحيح؟

ما هو دوري؟

كيف أعبر عن نفسي؟

ما هو هدفي؟

التساؤل الحياتي

أن يكون في أمان

أن يكون على صواب

أن يحتاجه الناس

أن يقع في شباك الحب

أن يكون نشيطًا

الإدمان العاطفي

التدخل

الزحام

البلادة

التثبيت

التقييد

الهلع من

أن يكون فانيًا

أن يكون فاسدًا

أن يكون ضائعًا

أن يكون معزولاً

أن يكون عاجزًا

الهلع النفسي

 

على سبيل المثال، تكمن قوة أشخاص من عنصر الأرض في قدرتهم على الربط بين الجهات المختلفة وإقامة الانسجام، فيشعرون دائمًا بالرغبة في أن يكون لهم دور في كلِّ شيء، وأن يساهموا في جميع الأمور، وأن يكونوا محبوبين ومرغوبًا فيهم؛ ولكن عليهم إعطاء بعض الوقت الحر لأنفسهم، بعيدًا عن الآخرين، والسماح بالتعبير عن أنفسهم بعيدًا عما يريده الآخرون منهم. كذلك تكمن قوة أشخاص عنصر المعدن في قدرتهم على التحسين والتفنن والتعريف؛ ولكن عليهم أن يعدِّلوا من دقتهم اللامتناهية والمنطق المحدَّد وضبطهم لأنفسهم بأن يسمحوا ببعض العفوية والمشاركة الاجتماعية والمشاعر العاطفية.

تساعد التمارين الرياضية والروحية التي أبدعها الصينيون مساعدة جمَّة في إحداث التعديل والتوازن المطلوبين. يقوم المنهج الفيزيائي لتمارين Tai-ji-quan، مثلاً، على نفس الفلسفة التي قام عليها كلٌّ من الطب الصيني والحكمة الطاوية والكونفوشية والمطبخ الصيني إلخ. وتحتاج هذه التمارين إلى اتزان جسدي وتحكُّم عظيم بالجسم. وتكون الحركات دائرية وبطيئة ومتناظرة ومتناغمة؛ وقد شُبِّهَتْ بالغيوم: فهي تتغير باستمرار دون أن تبدي أنها تتغير.

كذلك يقوم المطبخ الصيني (الرسم 9) على اختيار ألوان مختلفة من الطعام مناسِبة لكلِّ طبيعة، وعلى طرق مختلفة للطهي. تقوم الحمية الغذائية اليابانية المدعوَّة في الغرب بـMacrobiotic بالاعتماد على المواد الغذائية المتوازنة بين الينغ والين، وتقول بأن 60-70% من الطعام الذي يتناوله الإنسان يجب أن يكون من الحبوب والبقول و15% من جذور النباتات والخضراوات. وتشكل الفواكه نسبة أقل واللحوم نسبة أقل أيضًا؛ إذ إن الحبوب والبقول أقلُّها انحرافًا نحو الينغ أو الين.

 

فالتوازن النفسي يعتمد على اختيار الأطعمة المناسبة والاهتمام بالتنفس الجيد والتمارين الرياضية المناسبة والنوم الجيد وعدم الإسراف في تناول ما هو ضار. كذلك يعتقد الصينيون أن فرط ممارسة الجنس عن الحدِّ المقبول يؤدي إلى سرعة ضياع في الجوهر والتشي؛ وكذلك يفعل تعدُّد الحمول عند المرأة.

كذلك تلعب الإبر الصينية والعلاج بالأعشاب الصينية والمَسَّاج الصيني والمَسَّاج الذاتي لنقاط الأقنية (الـDo-in) دورًا في إعادة التوازن أيضًا والوصول إلى مستويات أعلى من التوازن. يأتي هنا دور التمارين الروحية المدعوة بالـQi-gong في الوصول إلى هذا الهدف.*

*** *** ***

تنضيد: نبيل سلامة

 

المراجع

-          BEINFIELD, Harriet & Efrem KORNGOLD, Between Heaven & Earth.

-          BUCKE, R.M., Cosmic Consciousness.

-          EISENBERG, David, Encounters with Qi.

-          KAPTCHUK, Ted, The Web that Has No Weaver.

-          PAGE, Dr Christine, Frontiers of Health.

-          QIN Yueren, Canon of Medicine.

-          SU Jing, Chinese Materia Medica.

-          ZHANG Enqin, Basic theory of TCM.

-         ZHANG Enqin, Chinese Acupunture & Moxibustion.

-         ZHANG Enqin, Chinese Gigong.


* للتوسع في الاطلاع على هذه الرياضات يمكن مراجعة دراسة د. قيصر زحكا "الانسجام مع الطاقة الكونية من أجل حياة أفضل" المنشورة في الإصدار السابع من معابر. (المحرر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود