|
كونشيرتو
11 أيلول 2001 قبل الميلاد
أدونيس
1 توسَّدوا سندسَ الله، أو استسلموا لدولاب الآلة، سوف يَقْتفي، هو الجامحُ، طبقاتِ
التكوين السُّفلى، مزوَّداً بماء يحمل الغواية في كينونة نصفُها رصاصٌ ونصفٌ أسطورة في فيض أشلاء حيث تَشطح العناصرُ وتتهتَّكُ المادة 11 أيلول 2001 قبل الميلاد 11 أيلول 2001 بعد
الميلاد عِلمُ إيقاع آخر للمؤالفة بين الفطرة
والفطْر بين العنق والسيف بين الريح والروح ولكم، أيها الناس، أن تصفِّقوا للدم
الدافق من عِرْق الخير ولكم أن تنحنوا لأقنوم اللذة في هيكل
الشر في سيل عُصاراتٍ معدنية في شلالات نارٍ في سماواتٍ يفترشها الرماد. أبُّوللون، أيها الإله العشيق العاشق، هل تعرف، الآن، أن تميِّز بين الوجه
والعجيزة؟ وأنت ابتهجْ تهلَّلْ، أيها الرجيمُ
المنبوذ الجنة هنا هنالك، تحت قدميك. سوف يقتفي، هو الجامحُ، طبقاتِ التكوين،
ينزل فيها إلى "أسفل سافلين" يكتب تاريخاً آخر للصوت والحرف والكلمة إلى يمينه ناقةٌ كأنها ناقة امرئ القيس وإلى يساره مركبةٌ فضائية. ص صحراء لا تكفُّ عن الصراخ ع عمل الريح في معدة الرمل ح حلم جسم رأى، وهو في المشيمة، كلَّ شيء غ غنَّتِ النجوم ي يخطب القائد الملك: "لا تُصدِّقي ما يُقال أيتها الريح.
كلا، لا أطلب منك إلا الطاعة. وأنتِ، أين كنتِ، لماذا
تباطأتِ، أيتها السماء، عندما دعوتك؟" ن نشيجٌ في ضجره التاريخ، ابْنَ رشدٍ، ديكارت، هيجل أين عقلكم الآن؟ في طبريَّة؟ في الهدسون؟ بينهما في مكُّوكٍ أحمر؟ الحاضرُ مَسْلخٌ والحضارة فرنٌ ذرِّي. وما تقولون في بشرٍ، كلٌّ منهم يعيش داخلَ
كرةٍ من الثلجْ وليس له إلا حلمٌ واحد: أن يتنزه على كوكب الزهرة؟ وقولوا: من يستعمر مخيِّلة الغرب؟ من أين ليد الخيرِ أن تُمسكَ بعصا موسى وتفجِّر حمأة الحرب؟ وكيف تُحَوِّل ألف ليلةٍ وليلةٍ إلى ألف
جيش وجيش؟ وقولوا: من يُصيِّرُ الألوهةَ أُلْهِيةً؟ يقيني مقيمٌ في بيت عنكبوت. وهذا الذي يتفتَّت في هباءِ المجرَّات ليس كوكباً، وليس آلة لغزو الأفلاك، إنه شعر المادة. ما أحوج حواسِّيَ، اليوم، إلى أن تقرأ
الكتب المقدسة بعين الشِّعر سيكون بوذا سعيداً بوذا يقرأ بجسده ويحب الشعر. طبقاتُ التكوين السفلى ك ن المصادفة بيتُ الكائن ولا آخر للكلام ولا خاتمَ للمعرفة. طبقاتُ التكوين السفلى ت س موِّهي أمعاءَكِ، أيتها التقنيةُ، فيما
تزدردين جسدَ الكون. لكن، مهما أوغلتِ، لن تَصِلي إلى مجهول
القلب. وما أشقاكِ، يا نعمة الفن! الريشة تكسر أختها والحبرُ يقاتل الحبر. طبقاتُ التكوين السفلى ق ل غ غوانتانامو سجنٌ تديره الرأسمالية في جزيرة شيوعية فضاء يطفحُ بأبجديات كمثل الطين الذي
جُبِلَ منه آدم ("الأرض عاهرةٌ"، قلتم.
لكن، أليست أماً لجميع الملائكة؟) ش د أشكالٌ آدميةٌ حيوانية من كل نوع تذبَحُ
وتُمَدُّ نيئة على موائد الزمن دمٌ يراق كأنه ينبجسُ من جنائن الله. م المُستبعِد/المُسْتبْعَد تمويهاً أو
تلطيفاً لذلك الثنائي السيد/العبد س ش تقديس الموت الخيِّر الذي هو الشر الشر الذي هو الخير الفكرُ غِسْلينٌ وفي البدء كانت الجريمة. ("وماذا يريد هؤلاء الذين لا يريدون السلام ولا العدالة، ولا يريدون الإرهاب؟" سانت جوست، محوَّراً) هـ (هل هذا الإنسان موجودٌ حقاً في
الإنسان؟) ث لا ثأر بل عدالة: هكذا تكلَّم إسخيلوس. الثأر أولاً: هكذا تتكلَّم نيويورك. أحسنتِ، جيم موريسون، في كلامكِ على "الليل
الأميركيِّ"، امرؤ القيس، المتنبي، المعري قولوا: من يُحسن الكلامَ على كوكبه
التابع "الليل العربيّ"؟ آه، كم هي الأرض مُرهَقة! حقاً، من الصراع بين النون والياء والكافِ وُلِدَت تراجيديا العالم. 2 م موكبٌ يشيِّع نشوءَ القارَّاتِ يجرُّه
نجمٌ في حراسة أرجلٍ يقودُها العَماء حيث نقرأ تاريخ الإنسان في ترجمةٍ أخرى ينقشها على صفحة الذاكرةِ إزميلٌ بلاستيكيُّ. وفي غابة من طحالب اليورانيوم نُنشئ أفراناً تقدم لنا الخبز الجرثومي ليتني أعرف كيف أعقِد العلمَ بخيط الحُلم
إذن لكنت دخلت في فراش صَدَفةٍ أو عاشرتُ
شجرةً اشرحي صدري أين ذراعاكِ يا شجرة
الياسمين؟ وأنتَ، أيها الطائر المهاجر، أولى أن
تُقتنَص في دار هجرتك مِن أن تُخنَق في سرير
أبويك لا تنس أن تُقبِّل باسمي الغُصُنَ الأول
الذي يستقبل جناحيك وسوف أقبِّل باسمك الهواء، لا لشيء إلا لكي أمتحن القيد الذي
يُطبِق على شفتيَّ. 3 ج أجمل ما يميِّز جسدَ البحر أنه أسير
لطيش الأمواج متى وكيف نضعُ خاتمَ الطبيعة في
خُنصر الرب؟ أسأل وأعرف: الجهل، هنا هنالك، مفتاح العِلم. هل أخطئ إن قلت للضرورة: هاتي ثماركِ،
وللمصادفةِ: اقطفيها؟ هل أخطئ إن قلت: صارت الثقافة نفقاً
نتعلَّم فيه كيف نستأهل الحياة، ونبيدُ
الإنسان؟ نمحو اللون ونُثبِتُ مكانَه الوحلَ
نَسجنُ أبجديةَ اللسان ونحرِّر أبجدية القدم
نَنْحَرُ المعرفةَ على مُنحدر تاريخٍ يقطرُ
دماً. هل أخطئ إن قلتُ: الطريقُ إلى الغَدِ جُرح
مفتوح؟ سوف أوضح هذا كلَّه في رسالة أوجِّهها
إلى الشمس. ولا أريد، أيتها الحياة، أن أشكو منكِ،
أو أشكو إليك. لا أريد أن أقول لكِ إلا كلمة واحدة:
أحبُّكِ. كان جلجامش، في ذلك الليل من أيلول 2001 قبل
الميلاد، قد ارتطم بالعشبة التي تغلب الموت
لم يعرف كيف يلتقطها وكانت نبوءات تيريزياس
فيما بعد قد ملأت عينيَّ هوميروس بظلمة تنحدر
مِن أفخاذ آلهة الأولمب فيما كانت ذبابةٌ
لعوليس تحكُّ جلدة الليل، ذلك الليل الذي
يسير برجلٍ واحدة وفيما كانت بينيلوب تستيقظ
صارخة: عالمٌ ذبابٌ في النهار، بعوضٌ في الليل. وقلت لأنابيق تحاوِر المجهرَ أو تسيل في
أنابيب سيميائية حيث للحبِّ شكلُ البويضة
وللشعر سرعةُ الضوء قلت: ما أوْهَنَ بيتاً تعيش فيه حكمةٌ يُمليها حبرُ نيويورك. 4 كان إلهٌ سومريٌّ يُصغي إليَّ فيما
يُبلِّل قدميهِ بالماء الذي يوحِّد بين دجلة
والفرات. هل صحيح، أيها الربُّ الصديق، أنك همست
مرة لزوجتك: "صعب على الربِّ نفسه، في هذا
العالم، أن يكونَ نفسه؟" فجأة، هبط علينا حشدٌ من الملائكة، وأخذ يرجمُ
اللغة. ولئن كان الكلام ناراً، فالصمت أولُ
الجحيم. كنت نسجتُ ثوباً لنيويورك بخيوط هذه
اللغة نفسها، سهرتُ طويلاً فيها بين أثداء بقراتٍ ليست عِجافاً تتراقص حولها نفايات الذرَّة ورأيت
كائنات من الورَق المُقوَّى تصدح بأناشيد
تكتبها ضفادع الهيدروجين. 5 يمكنك، أيها الشاعر، أن تدسَّ أنفك في كل
شيء، وأن تدسَّ ما يعنيك في أنفِ الأزمنة. يُمكنك أن تقيم معسكراتك في جبهة الشمس،
وأن تقولَ لجنودك من الصور والأخيلة أن
يسهروا على حراسة الأرض. لك، إذن، أن تُعلِنَ: الكارثةُ جذرُ
السماء. ولك أن تُشير: يكاد الحجرُ حتى في بغداد
أن يتفطَّر خجلاً. وليس مُستبعداً أن يكون
لدجلةَ الآن لِحيةُ وعُكَّاز، وأن يكونَ الفرات يرتجفُ هلعاً مِن هجومٍ يُهيِّئه طمي التاريخ. ولك ألا تعجبَ، في هذا الأرقِ الذي يزلزل
الكون، إن سمعت هاتفاً يأمرك لا تَخَفْ،
واطربْ عواصم العرب ترقص طرباً: أكد التأويل أن
الكون كله مُسخَّر لها. 6 كنت في غرفتي البائسة في باريس، أحاول أن
أجلس بلادي على ركبتي لا لكي أعالجها كما فعل
رامبو مع الجمال، بل لكي أتنشَّقَ رائحة
خريفٍ يستسترُّ فيها، ولكي أقارنه بوجه
الشاعر وربما لكي أعلنَ حقوقاً أخرى للإنسان
لا أزال أتردد في الجهرِ بها. طرق على الباب. لا سلاح. لا شيء غير الكتب. هَهْ! مَنْ قال الحروف لا تحمل سلاحاً؟ الواقع يشقُّ جدل ماركس، وها هِيَ الطبقة
غيمة ضالة وها هو الخيال يوشوشنا: "أشك في
أننا آخِر الأُفقِ النباتي. وظني أننا حجارة
تُلقى في الماء رجماً لشياطين التراب." غير أنني لا أزال، منذُ ما قبل 11 أيلول 2001
قبل الميلاد، أتعلم كيف ألوِّن حبري بالرفض وكيف أضع
حيدي من النبوءات في جعبة للهواء تحملها
يمامة عاشقة. أذكر لم تكن القناديل تغار من الكواكب
كان الضوء صديقاً لكلِّ شيء وكانت الألوهة
بشرة الكون. ما أحوج شيخوخة الكلام إلى طفولة
الأبجدية. أعطي خصركِ، يا أرضنا، إلى ذراع الفجر. إلى ذلك الوقت، يجلس الكون باكياً يمسح
دموعه بأجساد الموتى. 7 آه، كم هي الأرض مُرهقة صراخ جمهور أخضر، لا تخف، أنت كذلك أيها الوطن. سآخذك إلى
سدرةِ المنتهى، إلى نعيم الخلافة. هنالك
تنتشي وتنسى نفسك في طعم العسل الذي لا يبلى. 8 "اكتمل كل شيء"، يقول الشاهد الذي
يموت. إنه عصرُ الإنسانِ الذي لا يكاد يولدُ حتى يشيخ. الحقيقة وحشية، أوليست إلا طفلةً تولد
ميْتةً: أيها الطفل الذي فيَّ، كرِّر عليَّ حبَّك للخراب الجميل. وقل لي
أيضاً وأيضاً: أن تقرأ هو أن تكتب المستقبل. هكذا، عبْر الحطام والعبث، أرفع إليكَ جسدي، أيها الحب. سلاماً، أيها الأثير الذي لا تقدر أن
تراه إلا عين العاشق. وأنت، أيها الشعر، هل ستواصل عطاياك تأخذنا إلى مصادفات حالاتٍ نعيد فيها رؤية البشر الوجودِ
الأشياءِ الغرائز العقول الكثرة التنوعِ
الفرادة يقظة الطبيعة وسهر المادة؟ هل ستأخذنا حيث نقدر أن نجهر: لم تبقَ نجمةٌ إلا اخترقتْها مخيِّلتك لم تبق سماءٌ إلا نطقتْ باسمكَ؟ هل ستأخذنا إلى أرضنا نفسها، هذه التي
تدور على جراحها، حيث نقدر أن نصرخ: أيها الانفجار الوردي في براكين حياتنا، متى تضع حداً لبؤس هذه الدنيا؟ 9 في ضبابٍ يترنَّح لونُه بين البرتقال
والبن، أحاول أن أسبُرَ هذا القرنَ الطالع، غير أنني لا أجدُ العونَ الجاذبيَّ، مع أنني نقلتُ الأمر إلى كوكب الزهرة، ولوَّحتُ بيديَّ الاثنتين أحيِّي
المريخَ وضيوفه وجيرانه. لا يزال مساريَ محروقاً، ولا أرى، أينما اتَّجهتُ، إلا غلياناً
غامضاً، ولا أجد أية مظلة. وكيف أحذر مما يأتي، والحذرُ نفسُه هو الرعب؟ 10 توسَّدوا سندسَ اللهِ أو استسلموا لدولاب الآلة، سوف يتشرد، هو الجامحُ، بحثاً عن كبد العالم. دروبٌ يشقها دمُ العواصم القدس، والمدنُ تلك التي تبني عروشها على مفاصل الجسد، حيث يقيم الموتى في الكتب والنوافذ، وحيث الأحياء يتطوَّحونَ في الفراغ. يتشرد هو الذي نشأ في الأرض ذاتها حيث
ولدَ المسيح، بين شجرة تكادُ أن تُقتلَعَ، وحَمَلٍ يكاد أن يُساقَ إلى الذبحْ. ومَنْ يكونُ هو الذي يواجه أربعةَ ملياراتٍ وستةً وخمسين مليوناً من دورة الأرضِ حول شمسٍ تُهيِّئُ ثورتها السادسة
والعشرين في محيط المجرة؟ كلا، لا يريد أن يضيءَ إلا خطوته، وليس شاعراً، إنه أدونيس. ألن تُعلِّمه من جديد، أيها
الحبُّ، كيف يمتزجُ بالخلائقِ، وكيف يعزفُ على قيثار الكون؟ 11
إذن، ماذا ستلبسُ، هذه الليلةَ، العاشقةُ الفقيرةُ الأرض، كتَّانَ عشتارَ، أم حريرَ
نيويورك؟ ومع أيِّ سماءٍ تريدين أن ترقصي، أيتها العاشقة؟ *** *** *** باريس، أوائل أيلول 2002
|
|
|