الوثن الأم

عمَّار عبد الحميد

 

الوثن الأم ينادي... هل من مجيب؟ هل من مجيب؟

أما من أحد يفديه... بلعابه على الأقل؟!

 

اصطنعتُ لنفسي وثنًا من رحم أمي

ومن خضالها ابتنيتُ وطني

وصيَّرتُكِ يا سماء لي كفنًا

وصيَّرتُكَ يا كون لي أفقًا

وبيدي قطعتُ حبلي السُّري

*

تقاسيمكِ على تلافيف دماغي

تهدِّئ من روعي

وتلملم أشلائي

انحني، كوني أمي... ردِّي لي تبعية دمائي

تباعيضي لم تعد غريبة عنِّي ولم تعودي

أنتِ الغريبة... بل

روحي

ومائي

*

على صفحة مياهكِ أطلُّ سكرانَ

أبحث عن لحنٍ لقيثارة كبدي... نشوانَ

يا فِلِزَّة الصخر التي أبني عليها كياني

كم كنت سَلوانَ... حين عرفتكِ

كم كنت حيرانَ... حين اتَّخذتكِ

وطنًا وعنوانا

ما معنى معرفتي بكِ إن بتُّ اليوم ندمانَ؟!

*

سفكتُ أمواهي في حقولكِ الجدباء

حرثتُك كيما ينبت الحبُّ قبل الحياة

والطمأنينة قبل الألم

ترى...

هل نجحتُ في مسعاي؟

*

هيلي عليَّ غبار النوم

في صحن داركِ لا جدوى

من اليقظة والصوم

في صحن داركِ أنا في حلم

في صحن داركِ أنا في وهم

في صحن داركِ تفقد الحقائق معناها

ويتناهى العلم

في صحن داركِ أجول منتشيًا

ألملم شظايا اليوم

هيلي عليَّ غبار النوم

هيلي عليَّ غبار النوم

*

لُحيظاتٌ قبل الغروب مرَّتْ

عرفتُ فيها معنى المجد

ومعنى الأفول

خبرتُ فيها الدفء... والبرد

وسكبتُ فيها الدموع

أثلجتُ صدري في طيَّاتها

سعادة

تضوَّع عطرُها في جسدي

كألف عام من الشموع

رأيت فيها الوطن يموت

والانتماء

والوجود

وبقيتِ أنتِ...

...

أنتِ

...

لاموصوفة

لامعلومة

لامُدرَكة

لامتناهية...

...

خبرة أنتِ

خبرة حتى الأعماق

*

بثِّي جذوركِ في متاهات روحي

قوِّميها

اجعلي مني بشرًا سويًا

أعلنيها

حربًا... على طغيان حيرتي

أرديها

صريعة لحبِّكِ... لدفئكِ

أطفئيها

فتنة... اندلعتْ في رأسي... في وجداني

أهرقيها

أمواهًا من لدُنكِ

على نيراني... على شطآني

ابدئيني من جديد

وأنهيها

*

آتيني من لدُنكِ نعمة اللَّمس

يا ذات العين الناعسة

والفرج اليقظ

بالأمس القريب فقط

كانت شهواتنا تتقد

تحت وطأة الغمز والهمس

اكسري الآن حاجز الخوف

ها نحن أخيرًا وحدنا

لا تظلُّنا إلا الشمس

في حدائق رغبة طالَ

تحريمُها

حتى كاد التوق يستبق الأحداث كلَّها

ويُنعِشُ كارثة العجز

اكسري الآن حاجز الخوف

*

وَأَدْتُ نفسي في تراب عينيكِ

كيما أبعَثَ مهاجرًا من جديد

أيا وطنًا لا يمكنه احتوائي

كن لرغبتي زيتًا ووقودا

*

أيا مجدلية الشعر

ضمِّخي جسدي بعطر عينيكِ

واغفري لي خطيئة هجرانكِ

والقي لي مأدبة حب... أخيرة

وقيني عذاب الرحيل

*

مهجري أنا

ومهجري في القلب

أبدًا ترافقني آلام الدرب الذي

لا تنتهي عذاباته ولا هو

ينتهي

*

في صدركِ واريني، يا ممتلئة نقمة

حتى الامتصاص اهصريني، يا عاصرة الغيظ والكرمة

أيا حليبية النهد والفرج معًا

اسقيني من لدُنكِ سمًّا إن شئتِ

وقليلاً من الرحمة

أهرقي عليَّ نيران الرغبة

اجبليني فيكِ حتى الانتماء... حتى السلوى

قيني عذاب الوحدة والقسمة والغربة

آخيني ورحمَكِ من جديد

حنِّي عليَّ... حنِّي عليَّ

التهميني

*

كحلاء العين ثكلى

تسوِّي تجاعيد الأرض

في وطن الموت والمحبة

في قدس الأقداس

في فلسطين

المعول بيد

والكفن بيد

والقلب ممزَّق ما بين الأمل والحنين

ما بين الشوق والشكوى

ما بين الآن والمستقبل

...

أي ذنب جنتْه يداكِ يا أمَّاه حتى استحقيتِ هذا كلَّه؟

أي إثم اقترفتِهِ؟

بحقِّ من؟

بحقِّ من؟!

*

في أشلائكِ زرعتُ كلِّي

في كلِّكِ مزجت أشلائي

يا نياط القلب هل أرعبكِ عوائي؟

هل أرعشتْكِ شدةُ غلوائي؟

لكنْ لا... لا

لا تخافي

لا تهِني

ولا تحزني

واعلمي

أن في بقائكِ بقائي

وأن روحكِ موشومة في أحشائي

وعدًا ما حييت أني

لن أغتسل إلا بمائكِ... ومائي

*

هجيعي إليكِ

ومنكِ الهروب

خطاكِ أقتفي

فلا أجد إلا نفسي

عند الغروب

حنيني إليكِ

وخوفي منكِ

توقي إليكِ

وبُعدي عنكِ

منكِ المآل وإليكِ المصير

*

إليكِ أهدي طواسيني

يا من أوقفتِني بين نهديكِ

وعلَّمتني معنى الرحمة ومعنى الحب

*

أيا ذات الرحم المتَّقد

والعنق المشرئب للِّقاء، فالرحيل

أيا نرجسًا عرف قدر نفسه

فافتتنَ بالعويل

صِليني بين نوبات النحيب

عوِّلي عليَّ... عوِّلي عليَّ

أنا لم أعد ذاك الغريب...

أنا لم أعد ذاك الغريب

*

دثِّريني بعكنكِ

وتدثَّري

بأنفاسي

ذريني أبثُّكِ لهيب

قدَّاسي

وأملأ من خمر مساماتكِ

كاسي

وأشرب نخبَ عُصابِكِ

وهلواسي

وأرقِّص جسدكِ

على أنغام

وسواسي

ذريني

ذريني

دثِّريني

وتدثَّري

*

داريني والجرحَ معًا

آويني والألمَ

أنا يسوعكِ... مريماه

أنا رضيعكِ... أمَّاه

أما عرفتِني؟

أما عرفتِني؟

هل تغيَّرتُ إلى هذا الحد؟

*

سبِّحيني أمي

أَعْليني

على نقصاني

على هجراني

على حنيني

ما لكِ من إله غيري

صدِّقيني... صدِّقيني

كهيعص

* * *

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود