رحلة بين فنائين

 

سومر إجليقين

 

إلى الروح الصوفي الأستاذ نهاد خياطة

 

ذي ترتيلةٌ من مقام الفناء والحب...

من نزوح الحب يتقفَّى آثار الأشياء على نفسها...

من رفعة الحب وقدرته فوق ذهنيَّة الفكر اللابدة في وهم الغاية والخلاصة.

رحلة في مجاهل فناء عابر يستطيل الزمن فيه بلا ذاكرة، ولا يشي بصورة

قادمٍ أو آتٍ.

تدور الكلمة على نفسها، فلا خلاص لها، منجذبة إلى نقطة البدء والانتهاء…

إلى نقطة الفناء...

 

لن تكون هذه الرحلة محمولة على تجربة شعرية تختبر اللغة في صعودها درج الكلام. إنها حضور الشعر في تهويم المتصوِّف تمامًا، دون أن تكون للُّغة وساطتها المعرفية والدلالية بقدر حضورها كائنًا منفلتًا عن ركامه، مندغمًا في تجربته هو.

وبهذا المعنى تتأسَّس ثنائية فكرية ضمن هذه القصيدة، لينفرط عقدها لحظة الاختبار والتخلُّق. فلا الراعي متملِّك لماشيته، ولا روحه الداخلي يلتفت إلى صورته الآدمية. حتى ضمائر اللغة تحضر فيها مفتَّتة إلى وحداتها الأولى، فتخوض حروفُها رحلة التحوُّل الرمزية تلك، ثم تنبعث هي ذاتها إلى حضور تذوب صورُه ومسافاتُه في كلٍّ سديمي. فلا الأنا أنا، ولا الأنت أنت.

هي رحلة الصوفي في تهمائه تحدوه لغةٌ شاعرة في رحلتها تلك.

تلك هي إبداعية هذه النصوص التي تتخلَّق في مستويات المعرفة والخبرة المختلفة.

فلا هوية في تلك التجربة، بل فناء في تماسٍ مع مطلق المقدَّس أو مطلق الحقيقة. تلاشٍ لا يقوى على استجلاء "أينه" و"متاه"، بل يستمرُّ في عَوْدٍ متجدِّد ليؤكِّد انبعاثه من دارة فنائه مرة أخرى.

قد تتقعَّر اللغة، وتتحدَّب، في هذا النص. سوى أنها، في تصوُّفها ذاك، ذاتٌ وموضوعٌ بكران، يبدأان دورة الموت والحياة. فهي ليست بمنأى عن التغيُّر والتحول بكينونة تتفتَّح على وجود منفتح بدوره عليها.

***

 

إني رثاؤك هل تكون عزائي؟

يا أيَّها المدفونُ تحتَ ردائي

خضَّبتُ زرقةَ نرجسي في مائي

أسرجتُ ليلي واحتملتُ متاهتي

مثلَ المرايا صورتي وطلائي

بي منكَ بعضٌ والبقيةُ سُمِّرتْ

فتحًا وأطلقُ في المدى أسمائي

بي منكَ بعضٌ هل أردِّدُ خطوتي

والماءُ يرسمني بلون الماءِ

راعٍ وعشبٌ أخضرُ يجتاحني

للحلمِ أشرعةٌ بلا إرساءِ

حقلي المدى ومسافةٌ ورديةٌ

فكرةٌ بَدئيةٌ للخَلق والإنشاءِ

دربي ارتحالٌ نحوَ ذاتي

يرفو بلألئِها السكونُ مسائي

لي أغنياتٌ فوقَه منثورةٌ

والتيهُ يحدوني إلى تَهمائي

جاء المخاضُ فأنجبتني تائهًا

في بوتقي كالخمرةِ الصهباءِ

أستولدُ الأفكارَ ثمَّ أريقُها

أصبحتُ ينسيني القصيدُ مسائي

إن أسكرتْني في المساءِ قصيدةٌ

صوفيةٍ دارتْ على الندماءِ

ذا من نشيدِ الوجدِ أو من حضرةٍ

من زعفرانِ الكرْمِ والحِنَّاءِ

وقرعتُ كأسًا للحبيب مزيجةً

ما صمتُ عنها أو قطعتُ دعائي

صفراءُ في غسقٍ يمورُ مسيلُها

ولها المعنَّى في الهوى ورجائي

فلها الوجيبُ المستجابُ رجاؤه

طفقتْ تدورُ بقصعةٍ وإناءِ

حتَّى إذا شبَّتْ وخرتُ صريعَها

مثلَ الندى يهمي على استحياءِ

لهجتْ بها نفسي فدمعٌ حائرٌ

منْ يجرِ مفتونًا إلى الإفشاءِ

أخفيتُ هائجتي فليسَ بعاشقٍ

منهُ الخلائقُ غذَّ بالإخفاءِ

فالبوحُ رجْعٌ للحقيقةِ إنْ دنتْ

في عاصفيه: الموجِ والأنواءِ

الحبُّ ينشِلُني فأهرِقُ طالعي

يدنو لمعرفةِ الجمالِ النائي

مثلي فرَاشٌ عابثٌ حول الضيا

و يظلُّ محتجِبًا عنِ الإنباءِ

ينأى فيدنو أو يذوب فيمَّحى

فإذا انتفى يسمو عنِ الخيلاءِ

فأنايَ أينٌ حاضرٌ في خلقهِ

لكنَّها نفيٌ إلى أجزاءِ

ألفٌ تغرِّبُ نحوَ نونٍ عارضٍ

عَوْدٌ بهيٌّ غامضُ الإيحاءِ

فيميِّزُها بعدَ الحضورِ بنونِها

ما مثلُنا منْ مُحدَثِ الأشياءِ

فأنا وأنتَ المبعدانِ ضمائرَ

فيكونُ صوتُكَ في ضجيجِ ندائي

نونٌ تفتَّحُ في حضورِ ذواتِنا

أنتَ المَشوَّق إليَّ في العلياءِ

فأنا المُرجَّى إذْ أجبتُكَ طائِعًا

أني الجنينُ يضجُّ في أحشائي

نورٌ يجلِّلنا فأسطعُ شاهدًا

علِّي أعودُ بجوهرِ الأشياءِ

وأتيهُ في غابي وأرسلُ قانصًا

والسَّهمُ تسطرُ خيبتي وخوائي

فإذا الكنانةُ قد خلتْ أعطافُها

من طيفِ أحلامي ومن أهوائي

بعثرتُ شاتي واستجبتُ لهاتفٍ

جاوزتُها وسريتُ في ظلمائي

فمفازةٌ بينَ الحقيقةِ والحِجَى

فأشقُّ عن موتي حجابَ حيائي

أرتاضُ أسرِّحُ في الخيال عليقتي

وأهيمُ في بِيدٍ عنِ الدهماءِ

مسٌّ يؤرِّقُني فيثلجُ حائري

وصَبِئْتُ مصلوبًا إلى جوزائي

وتركتُ لحني في البسيطةِ هائمًا

وارتدَّ لا يقوى على الإجلاءِ

أحدو السفينَ وكمْ تطوَّفَ طائري

لا أرضَ تقصيني عنِ الأرزاءِ

طوفانُ أحجيتي وعاصفُ فكرتي

وأحارُ مأسيًّا بغيرِ شفاءِ

ذاكَ احتجاجي والحقيقةُ طلبتي

أستافُ من ريحيَ الخلاصَ لدائي

شُقِّي نقابي يا حياةُ فإنني

أكثرتِ حتفي إنْ سفكتِ دمائي

ذرِّي رمالكِ فوقَ باصرتي فما

ملَكتْ عليهِ مقالةُ الجهلاءِ

ذاكَ التوهُّمُ والخبَالُ لعارفٍ

وحُبيتُ دينًا وارتضيتُ سمائي

إني قرأتُ على البريَّةِ شِرعتي

صوتُ الكنيسِ يثورُ في أمدائي

واليومَ أُبعثُ راهبًا في عتمتي

ولزومُ إقبالٍ على الحكماءِ

فاءٌ فخطوٌ أوَّلٌ وطريقةٌ

وأنوسُ بينَ حقيقتي ورِيائي

نونٌ أرومُ العقلَ في هيمائه

لا الفَهمُ فهمي لا البقاءُ بقائي

ألفٌ لأنسى ما سمِيتُ على الورى

أو فلتقلْ: رسمٌ بلا أسماءِ

فكأننا منسيَّةٌ أسماؤُنا

ما جازَ قولي في الدنا ولقائي

الهمْزُ همسٌ لو أتيتُ علامَهُ

حتَّى يفرَّ الظلُّ مِن أرجائي

فكأنني أمشي وأنشِدُ سافرًا

عمامةُ ذي العلا في الجَهْرِ والإخفاءِ

هذي عمامةُ ذي العُلا هذي

لا جَرْمَ أني قد شهدتُ فنائي

إني شهيدُ الحبِّ في سكَراتِه

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود