نعم لنداء وقف العمليات...

مع بعض التعديلات!

 

الأب رائد عوض أبو ساحلية

 

لقد طالعتنا جريدة القدس بنداء وقَّع عليه العديد من الشخصيات الوطنية والثقافية، ومفاده ضرورة مراجعة الحسابات بخصوص العمليات التي تستهدف المدنيين. وقد كانت الحجج الرئيسية لهذا النداء أن هذه العمليات تكرِّس البغض والحقد والكراهية بين الشعبين، وتعمِّق الهوة بينهما، وتحطِّم إمكانية العيش بسلام، كما أنها لا تحقق الحرية والاستقلال، بل تعطي المبرِّرات للحكومة الإسرائيلية للردِّ بعنف أكبر واستمرار العدوان على شعبنا... وغيرها من الأسباب المنطقية التي نؤيِّدها بطبيعة الحال.

وعلى الرغم من أن هذا النداء لاقى ترحيباً وتأييداً من أوساط محلِّية وإسرائيلية وعالمية إلا أنه لاقى انتقادات كثيرة، لأنه في الأيام الأولى لنشره كان يوحي بمعارضة المقاومة ويركِّز فقط على العنف الفلسطيني، متجاهلاً العنف الإسرائيلي الذي يولِّد دائرة العنف الحالية الناتجة عن الاحتلال. وقد استُدرِك هذا الأمر بنشر توضيح للنداء يوم الجمعة [21/6/2002] جاء فيه: "غنيٌّ عن القول إن كافة الموقِّعين على هذا النداء يدينون بشدة كافة الإجراءات الإسرائيلية القمعية ضد أبناء شعبنا، بما فيها سياسة الاجتياحات والاغتيالات والحصار، مؤكِّدين أن الاحتلال هو أساس المأساة التي يتعرض لها شعبنا، وأن مقاومته هي حق كما هي واجب."

لقد كان هذا التوضيح ضرورياً؛ ولكني أعتقد بأنه غير كافٍ. فلا يكفي التنديد بالعنف دون طرح رؤية بديلة للخروج من هذه الدوامة التي لا يمكن أن تستمر للأبد. لذلك فنحن نقولها بصراحة: نعم لنداء وقف العمليات... ولكن مع بعض التعديلات!

نعم لوقف العمليات...

قد يرى بعضهم بأن جميع أنواع المقاومة مشروعة. ونحن نقول بأن مقاومة الاحتلال مشروعة؛ ولكن ليس كل أشكال المقاومة مشروعة. فيجب مراعاة الجانب الأخلاقي والديني والإنساني، بالإضافة إلى الهدف الاستراتيجي المبتغى تحقيقه.

نعم إن مثل هذه العمليات قد تكون السلاح الوحيد المتوفر الآن أمام الآلة العسكرية الضخمة لتحقيق "توازن الرعب" أمام "عدم توازن القوة". ولكن هناك أسلحة بديلة، اقترحنا مراراً وتكراراً الأسلحة اللاعنفية والسلمية منها، بحيث يشارك كلُّ أبناء الشعب فيها.

نعم إن الاحتلال بغيض، ولا يرحم، ويبالغ في استخدام القوة. ولكننا يجب ألا ننزل إلى مستواه، لأننا بذلك نصير مثله ونفقد "قوة الحقيقة" المبنية على شرعية قضيتنا وعدالتها. والعمليات ضد المدنيين تُفقِدنا التأييد العالمي وتشوِّه صورتنا في وسائل الإعلام، علماً بأن الرأي العالمي مهم جداً. إذ إننا للأسف أصبحنا المذنبين رغم أننا الضحية، وندعى بـ"الإرهابيين" رغم أننا نقاوم الاحتلال.

نعم إن العمليات قد تشكل نوعاً من الضغط على الحكومة الإسرائيلية؛ إذ إن هذه لا تفهم إلا لغة القوة، ويجب أن تأكلها بجلدها لتحسَّ بظلمها. ولكننا نرى بأن الموقف الإسرائيلي يزداد صلابة وعناداً، لا بل يتجه نحو التطرف. وقد نفقد التأييد القليل الموجود بين بعض حركات السلام التي تتعاطف مع قضيتنا. فمن المهم جداً التأثير إيجابياً على الرأي العام الإسرائيلي وكسبه لصالحنا.

نعم، إننا فقدنا كل شيء، ولا نخشى من فقدان ما يتبقى حفاظاً على الكرامة؛ كما أن الحرية لها ثمن يجب دفعه كضريبة حتمية للاستقلال. ولكن يجب وزن الأمور بميزان الربح والخسارة. فإن الدمار والحصار يُضعِف المقاومة الشعبية، ويفرض ثمناً باهظاً لن يتحمله الشعب إذا استمر الوضع على هذه الحال. كما أن الدعوة إلى تبديل أشكال المقاومة لا يعني إطلاقاً الضعف أو التنازل عن الحق في الأرض والاستقلال والكرامة والحرية، بل بالعكس، الإصرار عليها والمطالبة بها بطرق ذكية.

نعم، إن العالم ما لبث يتفرج علينا، ولا يفهم قضيتنا. ولكننا بهذه الطريقة سنفقده كلِّياً لأننا نرى بوضوح بأن العالم لا ولن يفهم مثل هذه العمليات، وخاصة الاعتداء على المدنيين. فهذه معركة خاسرة "على طول الخط"، وسنحتاج إلى سنوات لتغيير الصورة وتحسين العلاقات، علماً بأننا وجدنا تفهماً وتعاطفاً عالمياً متزايداً في الآونة الأخيرة، بدأ يتلاشى تقريباً بسبب هذه الصورة التي تفلح جيداً وسائلُ الإعلام في نقلها والترويج لها.

من أجل كل هذه الأسباب مجتمعة نقول بصراحة: ينبغي إعادة النظر في الموضوع وتبنِّي استراتيجية بديلة.

اقتراحات لبعض التعديلات

نؤيد النداء، ولكن مع بعض التعديلات التي نراها ضرورية حتى يكون الموقف موضوعياً، معتدلاً، متوازناً ومقبولاً:

لا يكفي التنديد بالعنف وإدانته، بل يجب رسم استراتيجية بديلة، لأن وقف المقاومة دون تحقيق الأهداف المرجوة يمكن أن يفسَّر بالفشل الذريع بعد كل هذه الخسائر الفادحة. ونحن نقترح بأن تتبنى القيادة والقاعدة "استراتيجية غصن الزيتون" كوسيلة مقاومة لاعنفية سلمية خياراً جذرياً ورسمياً. فلا بدَّ من إعلان وقف كل أشكال العنف، حتى ولو من جانب واحد، وإطلاق حملة شعبية جماهيرية لمقاومة الاحتلال، نحافظ فيها على مصداقيتنا، ونحظى بدعم العالم لنا، ونحسِّن صورتنا، ونكسب خصمنا.

بما أن المقاومة ليست هدفاً بحدِّ ذاتها، بل تهدف إلى تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والانعتاق من الاحتلال، وبما أن المستوى السياسي الرسمي لم يطرح بعد خطةَ سلام واضحة المعالم، يمكن للحملة الشعبية أن تطرح تصوراً إبداعياً لخطة سلام مبنية على قرارات الشرعية الدولية، والمبادرة السعودية التي تبنَّتها القمة العربية، بحيث تكون ذات إطار عمل دقيق وجدول زمني محدَّد، لا يتعدى الستة أشهر للمفاوضات والسنة لتنفيذ الاتفاقيات، خوفاً من الوقوع مجدداً في متاهة اتفاقيات أوسلو أو المقترحات الأمريكية المزمع الإعلان عنها بإقامة ما يسمى "دولة مؤقتة"، لأن هذا سيؤدي حتماً إلى تضييع الوقت والتغاضي عن المستحقات والمماطلة في تنفيذ القرارات.

إن "المبادرة الوطنية الفلسطينية"، التي أطلقها في السابع عشر من الشهر الجاري [حزيران 2002] في مؤتمر صحفي عُقِدَ في رام الله كلٌّ من د. حيدر عبد الشافي ود. مصطفى البرغوثي ود. إبراهيم دكاك، يمكن أن تكون قاعدة صلبة لانطلاقة جديدة في العمل الوطني الراشد نحو تحقيق الأهداف المنشودة. لذلك يرجى توحيد الجهود، ودمج كل هذه الأفكار البناءة، واتخاذ الوسائل الفعالة لتحويل الحلم إلى حقيقة، لأن إرادة الشعب تعلو فوق الأصوات الشاذة وتحقق المستحيل. يجب على هذا الشعب أن ينهض من وسط الرماد كطائر الفينيق ويسمو فوق الجراح ويحلِّق من جديد نحو المعالي في مصاف الشعوب التي حققت الاستقلال والحرية. فنحن لسنا أقل قوة أو حظاً أو استحقاقاً من غيرنا.

أعتقد أنه يجب وضع الجماعة الدولية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أمام مسؤوليَّتها للضغط على الطرفين للإسراع في إنهاء العنف، والعودة إلى طاولة المفاوضات، والالتزام بخطة سلام موافقة للشرعية الدولية. وإلا فإننا سنبقى في دائرة التحيز الواضح والأعمى مع الجلاد ضد الضحية.

إن هذا الشعب الذي تألم طويلاً، وما زال، يحتاج إلى رؤية سلام وأفق أمل وشعاع نور في نهاية هذا النفق المظلم؛ وإلا فسيكتوي بنار الحيرة والقلق والتململ، بالإضافة إلى نار الاحتلال والحصار والفقر. لذلك فإننا نأمل بأن يتسع نطاق التأييد لهذا النداء، الذي لا يدل فقط على التعب من الأوضاع المحبطة، ولكن أيضاً على الرغبة الحقيقية في السلام وتحقيق أحلام الاستقلال والحرية، بالإضافة إلى الوعي الأخلاقي والإنساني، بإعادة تقييم المسيرة لتقويمها، واتخاذ الطرق الفعالة، الكفيلة بتحقيق الأهداف الوطنية.

"الاعتراف بالذنب فضيلة". كما أن "الخطأ من الإنسان؛ أما الاستمرار في الخطأ فمن الشيطان".

*** *** ***

عن القدس، الأحد 23/6/2002

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود