|
مراكز الطاقة
في الإنسان
نبيل
محسن
يقف
الإنسان اليوم على عتبة مرحلة تاريخية جديدة
من نوعها، وقد بلغ مستوى رفيعاً من العلوم
والخبرات التقنية والإنسانية... ذلك أن
المرحلة الماضية, بما اشتملت عليه من أخطار
وتناقضات, أكسبته وعياً جديداً يليق بالأيام
التالية. فقد
شهد الإنسان انقسام عالمه الصغير إلى تكتلات
تتسابق بشكل محموم على التسلح, وشهد بلوغ تلوث
البيئة حداً ينبئ بكارثة خطيرة, ورأى كيف
يتعارض احتكار مصادر الطاقة والمواد الأولية
مع أهداف التنمية المعلَنة، ورأى كيف اقتصر
التقدم العلمي على خدمة مصالح أنانية ضيقة.
وقد ولَّد كل ذلك خوفاً كبيراً, عزَّزه تعدد
مصادر الخطر وتدهور المسيرة التنموية
والمعرفية والحضارية. فكان لابد من نشوء وعي
جديد يتغلَّب على النزعة التشاؤمية ويكشف
مكامن العلَّة ويعيد قضية الإنسان إلى نصابها,
من أجل تثبيت قدم الإنسان من جديد والتسامي
بوجوده. والحق
أن الكثير من المفكرين والعلماء القلقين فيما
يخص مصير الأرض ومستقبل الإنسان عليها ساهموا،
ويساهمون، في بزوغ هذا الوعي من خلال
لقاءاتهم وكتاباتهم. كما أن تطور وسائل
الاتصال ساعد على التقاء الحضارات والثقافات
من كل جهات الأرض, وتلاقحها في إطار عالمي
شامل, من أجل تشكيل ثقافة إنسانية تستقطب وعي
الإنسان وتؤكد وحدة الجوهر ووحدة الغاية. وكان
من الطبيعي أن تقوم الحكمة الشرقية بدورها
الإنساني في هذا الإطار، فتبعث رَوْحَنَة
جديدة في مفاهيم العصر وعلومه, خاصة وأن الشرق
الذي عَنِي عناية عظيمة بدراسة الذات
الإنسانية يعتبر أن تحقيق الإنسان لذاته هو
أساس وغاية كل صرح حضاري. والحكمة الشرقية
التي تؤكد وحدة النسيج الكوني، إذ تدعو
الإنسان لاكتشاف عالمه الداخلي, تدعو لرأب
الشرخ الحاصل بين الإنسان وكل ما حوله, حتى
يستعيد وحدته مع نفسه ومع الآخرين ومع كل ما
في الطبيعة والكون, منطلقاً نحو آفاق إنسانية
رحبة. لقد
عجز التقدم العلمي وحده عن تأمين خلاص
الإنسان, وذلك لانكفاء القيم القادرة على
مواكبة العلم والتسامي به. كما أن انكفاء هذه
القيم رافقه إحساسٌ مرضٍ للإنسان بمركزيَّته
أعاقه عن تفهُّم المعنى العميق للنظام الكوني
والبعد المقدس الذي يخفق في داخله وفي داخل
الأشياء من حوله. فكان لابد من تلقيح العلم
بروح الشرق من أجل خلق حياة جديدة ووعي جديد. الذات
الإنسانية والمعرفة
لقد
جزَّأ العلم جسم الإنسان إلى أجهزة وأعضاء
وأنسجة وخلايا وجزيئات, ووضع العلماء كثيراً
من المصنفات في تشريح هذه الأجزاء وفي دراسة
فسيولوجيَّتها وكيميائها الخ، متجاهلين، في
كثير من الأحيان، عظمة الوحدة والانسجام
القائمين في ذلك التنوع كلِّه. وتوقف العلماء
أيضاً أمام الذات الإنسانية، وتخبَّطوا في
محاولة اختبارها والكشف عن طبيعتها، وفشلوا
في تعيين مركز للوعي في مكان محدد من الجسم
بعد أن سعوا لذلك طويلاً. فلربما يمكننا القول,
بعد كل ذلك, أن إنسان اليوم لا يعرف نفسه جيداً، وهو قد نسي كيف يميز مختلف مكوِّنات
وجوده وخصائص هذه المكوِّنات، لأن معرفته
لم تتجاوز فهمه ورؤيته العقلية للأمور. ويختلف
الأمر في الشرق, حيث يشكل الانتباه لعظمة
الإنسان وتعقيد طبيعته أحد المبادئ الأساسية
للفلسفات الشرقية, إضافة إلى الاهتمام بدراسة
القوى المختلفة التي تحرك الإنسان في محاولة
لاكتساب ثقافة مفيدة ومعرفة موجَّهة.[1]
ولقد استعان حكماء وفلاسفة الشرق بالعقل
للكشف عن هذه الحقائق، لكنهم أفسحوا المجال
بالدرجة الأولى للإشراق والاستنارة والتجربة
الروحية, وكل نتيجة فكرية متعارضة مع هذا
المرجع الأعلى كانت تُعتبَر ناقصة. يضاف إلى
ذلك أن حكماء الشرق كانوا يحصِّنون أنفسهم
بطريق عملي يساعد على الوصول للحالات العليا
للوعي، مما كان يؤمن ديناميَّة واستمرارية
للكشف الروحي. إن
الطريق العملي, الذي تعتمده المعرفة العلمية
غالباً, هو التجربة الموضوعية القائمة على
ثنائية وهمية أساسها خلق عالمين من عالم واحد،[2]
أحدهما يرصُد والآخر موضوع الرصد. ومن
الطبيعي أن تنجم عن هذا الفصل التعسفي معرفة
وهمية, لأنها معرفة يقوم بنيانها على تصدُّع
كبير في الحقيقة الأساسية. إضافة إلى ذلك، فإن
كل ما أثبتته الفيزياء الحديثة وفلسفة العلوم
يُظهِر ويؤكد أن العلم ليس حالة لحقيقة
الأشياء،[3]
وإنما هو لغة رمزية اصطلاحية تعبِّر عن
تجربتنا وتعاملنا مع موضوع التجربة في ظروف
محددة، وفق مقاييس مفترَضة. وقد انتبه العديد
من العلماء، منذ أوائل هذا القرن، إلى أن نمط
المعرفة الثنائية لم يعد وافياً وملائماً وأن
عليهم البحث عن نمط آخر من المعرفة يُسقِط هذه
الثنائية.[4] والحق
أن ما أشاروا إليه يتفق إلى حد بعيد مع نمط
المعرفة السائد في الشرق, سواء في البوذية أو
الهندوسية أو الطاوية. ذلك أن حكماء الشرق لم
يقعوا في فخ الثنائية والتشعب، وحافظوا على
لحمة الكون ككل، وكانت التجربة الروحية
طريقهم لاختبار هذه اللحمة. فجاءت حصيلة هذه
التجربة معرفة صميمية يتواحد فيها المراقِب
مع المراقَب، والفكر مع الموضوع، والوعي مع
المادة. وما
يصرِّح به حكماء الشرق من وجود مراكز للطاقة
الكامنة في الإنسان يقع مباشرة في هذا السياق.
ولكن هذه الفكرة أصبحت، لما فيها من خصوصية
إنسانية, فكرة عالمية يسعى الكثيرون, في كل
أرجاء الأرض, لفهم سياقها ودراستها واختبارها. الشرق
وفكرة مراكز الطاقة في الإنسان
تشير
الكتب الشرقية إلى وجود قدرات كامنة في
الإنسان، وتشدِّد على أهمية التحقيق الروحي
لهذه القدرات، على اعتبار أن كل ما في الإنسان
مقدس ويجب أن يخضع لفعل الرَوْحَنة. وقد
اختطَّت كل مدرسة لنفسها طريقاً عملياً
يهيِّئ المتأمِّل للوصول للحالات العليا
للوعي. ونجد أن عدداً من هذه المدارس يلتقي
على ذكر طاقة كامنة بالقرب من قاعدة النخاع
الشوكي تدعى كونداليني kundalini,
وهي كلمة تعني "الملتف على شكل لولبي"،
بما يرمز للحالة الجنينية غير المتفتِّحة.
إضافة إلى ذكر وجود ستة مراكز على طول العمود
الفقري (رسم 1). وهي بمثابة مراكز للقدرة أو
للطاقة الكامنة في الإنسان،[5]
أو كما يعتبرها بعضهم مراكز للوعي.[6]
وتسمى هذه المراكز بحسب المأثور الهندي تشاكرا
chakra
والتي تعني حرفياً "الدائرة" أو"الدولاب"
أو"الإعصار". في
التيبت أيضاً توجد منظومة مشابهة مؤلفة من
خمسة مراكز للطاقة تدعى خُرلوkhorlo
يعلِّق عليها حكماء التيبت أهمية كبرى (رسم 2).[7]
كما نجد حضوراً قوياً لهذه الفكرة في اليابان
من خلال بوذية الزن[8]
التي يذكر معلِّموها وجود ستة مراكز للطاقة
تدعى مراكز الطاقة الحيوية. وسنقوم بتتبع
ودراسة ما يرد في التراث الهندي عن خصائص هذه
المراكز ومواضعها. الكتب
الدينية الهندية
يرتكز
التفكير الفلسفي والديني للهند على مجموعة من
النصوص المقدسة تدعى الفيدا، وهي نصوص
نُقِلت، ما بين القرن الثامن والقرن الرابع ق
م، عن نصوص تعود على الأغلب للغزوات الآرية في
القرن الثاني ق م. إلى الفيدا تضاف الأوبنشاد،
وهي شروح على الفيدا تعود النصوص الأساسية
منها لفترة تقع بين القرنين الثالث والسادس
للميلاد. وتشكل الأوبنشاد الأسس الفلسفية
الأولى للتراث الفلسفي الهندي. وعلى الرغم من
غزارة هذه الكتابات وغناها، لم يلاحظ
الباحثون أي ذكر للـتشاكرا فيها، ولا حتى
في النصوص التي تعالج الأجسام الثلاثة:
الفيزيائي والحاذق أو اللطيف والعلِّي.[9] الطب
ومراكز الطاقة
لا
حضور للتشاكرا في الطب الهندي القديم, كما أن
النصوص الكلاسية التي تعود للقرن الأول
للميلاد، أو حتى النصوص والإضافات التالية،
لا تذكر أي شيء عن التشاكرا، سواء كحقيقة
تشريحية أو فسيولوجية.[10]
ويعلَّل صمت النصوص الطبية بما يعتقده حكماء
الهند من أن الشأن الطبي يتعلق بالفرد العضوي
الواعي لذاته Self-conscious organic individual - Purusha الذي يتألف من اتحاد
النفس مع العناصر المادية الخمسة الأساسية:
الماء والتراب والهواء والنار والأثير؛ كما
يعتقدون بأن لا علاقة للطب بالذات Self-Jeevatma،
أي المبدأ الدائم الموجود فوق كل اهتمام،
الذي لا يمكن أن يصاب بالمرض. إذاً يرتبط
المرض والعلاج بما هو شخصي ولا علاقة لهما
بالمبدأ المتسامي. إضافة إلى ذلك, تُصِرُّ
نصوص الفيدا الطبية Ayurveda
على الأساليب التي يجب على الطبيب احترامها،
وأهمها المراقبة والاستنباط والاستناد إلى
خبرات المعلِّمين. وهي ترفض منهج المقايسات Analogies
والتقابلات الذي يسير عليه اليوغاني رفضاً
قاطعاً.[11] اليوغا
والتشاكرا
لقد
نشأت فكرة التشاكرا وتطورت في اليوغا, وخاصة
اليوغا التَنْتري tantra.
والتانترا كتابات باطنية ظهرت ابتداء من
القرن الخامس، وتطورت بين القرنين التاسع
والثاني عشر للميلاد خاصة.[12]
ونحن نعلم أن اليوغا وثيق الصلة بحياة الهند.
فهو أحد أكبر المنظومات في الفلسفة الهندية,
وهو يعلِّم فنون تحرر الوعي من إشراطاته
وقيوده المادية, ويهيِّئ الوعي الإنساني
للاتحاد مع الوعي الكوني. واليوغا، قبل كل
شيء، مقاربة صوفية, تتجاوز فكرة مسايرة
الموروث الاجتماعي أو الطقس الديني. فهي
استكشاف جسور للعالم الداخلي بغية الوصول
للحالات العليا للوعي. أما
ما يقال عن ممارسة اليوغا لأسباب علاجية، أو
بغرض إعادة التوازن للجسم، فبعيد عن طرح
اليوغا, لأن هذا الطرح يعني استمرار التعلق
الذهني والعقلي. إن انعكاسات اليوغا
الإيجابية على الصحة هي نتائج جانبية؛ إذ
تفرِّق نصوص الفيدا بشكل واضح بين ما يتعلق
بالجسم العضوي من جهة وما يتعلق بالذات من جهة
أخرى. والميزة
الكبرى لليوغا هي أن التحقيق لا يتم إلا في
الجسم، وعن طريق الجسم. فالجسم بالنسبة
لليوغانيين هو امتداد للكوسموس، أو صورة
مصغرة له, وفسيولوجيا الجسم الإنساني تحاكي
وتعيد تشكيل ولادة الكون.[13]
إن فكرة البحث في جسم الإنسان عن مطابِقات
نسقية مع الماكروكوسموس هي المذهب الخاص
باليوغانيين, وطريقة تفكيرهم هذه تفترض أن كل
ما يوجد في الخارج له ما يقابله في الداخل؛
أي أن كل عنصر من العالم الروحي يجب أن يكون له
صداه في العالم المادي. وهذا يفسر إمكانية
وجود تطور روحي يتم من خلال الجسم، كما يفسر
سير هذه الأفكار والممارسات نحو الباطنية في
اليوغا التنتري. التنترا
التنترا
كتابات باطنية تعلق أهمية كبيرة على عبادة
شكتي وشيفا: شكتي هي الطاقة الأولية أو المبدأ
المؤنث، وشيفا هو الوعي المطلق أو المبدأ
المذكر. وتشير الميتافيزياء التنترية إلى أن
شيفا وشكتي في عناق دائم. وبحسب هذا العناق
فإن فناء شكتي–الطاقة في شيفا يشكل الوعي
الصافي؛ أما امتصاص الطاقة للوعي بشكل كامل
فينتج جسماً بلا حياة.[14]
ويرد في أحد نصوص التنترا الكشميري الذي يعود
للقرن الرابع الميلادي: "كلما التقى شيفا
وشكتي ولم يعد بينهما مسافة لشعرة واحدة،
تختفي مجرة ما في مكان ما في العالم. وكلما
ابتعدا شعرة واحدة تُبعَث مجرة جديدة."[15]
وهكذا فإن كل ما نعرفه نحن عن المادة والوعي
هو،
بحسب المنقول التنتري،
حالات خاصة لالتقاء شيفا وشكتي, الوعي
والطاقة, إذ يقتربان واحدهما من الآخر بحيث لا
يمكن التفريق بينهما، أو يبتعدان بحيث إن
رؤية أحدهما تحول دون رؤية الآخر. في
اليوغا التنتري يصبح جسم اليوغاني الهيكل
والآلهة، أي يتحول إلى مكان يشبه الأمكنة
التي يمارس فيها الإنسان شعائره في عبادة
القوى التي يعتقدها خارجة عنه, فيكتشف
اليوغاني بذلك في أعضائه ووظائف جسمه كل
عناصر الكون وكل القوى الفاعلة فيه.[16] وإذا
كانت التنترية تشكل حركة ضد أحادية سلطة رجال
الدين البراهمة وشكليَّاتهم، فهي تبقى
تعليماً نخبوياً وباطنياً يتطلب من مريديه
درجة عالية من التطور والنضج الشخصيين، كما
يتطلب إشراف المعلِّم على تقدم المريد. أما
التعقيد والإبهام السائدان في الكتب
التنترية البوذية والشيفاوية، فيهدفان لتجنب
كل محاولة فردية لمقاربة هذه التعاليم دون
إرشادات المعلِّم لما في مثل هذه المحاولة من
خطورة،[17]
خاصة وأن الكتب لا تعدو كونها مفكرة للمريد
الذي تم تلقينه في مرحلة سابقة. كونداليني
إن
المبدأ الأساسي لليوغا التانتري هو إيقاظ كونداليني
التي ترمز لشكتي، الطاقة المؤنثة الملتفة على
نفسها ثلاث مرات ونصف، والقابعة كالأفعى عند
قاعدة النخاع الشوكي. ويسعى اليوغاني في
المدرسة التنترية لإيقاظ كونداليني حتى تصعد
وتتحد فوق قمة الرأس مع شيفا. إن اتحاد شكتي
وشيفا، أي اتحاد الأرضي والعلوي، أو الأنثوي
والذكري، يعني فناء التجلِّي المادي للطاقة،[18]
وإلغاء للثنائية واستعادة الإنسان لوحدته.[19]
ويطلَق على هذه الممارسة اسم كونداليني يوغا
أو لايايوغا، حيث كلمة لايا تعني
التحلل أو الفناء. إن
إيضاح فكرة الطاقة الكامنة يتطلب الاستعانة
بالفيزياء التي تعلِّمنا وجود شكلين من
الطاقة يرتبطان بكل جسم مادي: الطاقة الكامنة،
والطاقة الحركية. والطاقة الحركية ليست
إلا جزءاً من الطاقة الكلِّية، يتعلق بحركة
أو فعل المادة. أما الطاقة الكامنة فنأخذ
مثالاً عليها طاقة الذرة التي تفيض عندما
يحدث الانشطار. وبحسب التنترا، تُعتبَر
كونداليني شكلاً من الطاقة الكونية الموجودة
في كل شيء, حتى في قسيم صغير من المادة.[20]
ويشارك جزء من الطاقة الكونية في الطاقة
الفاعلة على شكل طاقة حركية، بينما تبقى كمية
كبيرة من الطاقة على شكل طاقة كامنة ملتفة على
نفسها وغير مستثمَرة في الجذر القاعدي
الأساسي. كونداليني
الملتفة على نفسها هي المحور الذي تدور
وتتحرك عليه كلِّية التركيبة المعقدة للجسم
والوعي.[21]
وإن نسبة الطاقة الفاعلة إلى الطاقة الكلِّية
تحدد وضع وتصرف الجهاز البدني والنفسي؛ وأي
تبدل في الفعالية يتطلب تبدلاً في هذه النسبة
حتى يتسامى كل عنصر في العنصر الأدق. وهكذا
فإن الغاية من الممارسة الروحية هي تصعيد
كونداليني من المراكز السفلى إلى المراكز
العليا على طول العمود الفقري، حتى تصل إلى
المركز السادس، فتخرج من الجسم وتتحد مع
المبدأ المذكر شيفا. التشاكرا
تسير
الطاقة الفاعلة في الحياة في قناتين تتوضعان
على جانبي العمود الفقري، هما بنغلا وإيدا،
حيث تقع إيدا على يسار العمود الفقري،
وتسري فيها طاقة أرضية، وهي ذات قطبانية
مؤنثة؛ وبنغلا الموجودة على يمين العمود
الفقري، وتسري فيها طاقة علوية، وهي ذات
قطبانية مذكرة. وتتقاطع إيدا وبنغلا علي طول
العمود الفقري في نقاط متعددة هي مراكز
الطاقة أو التشاكرا (راجع الرسم 11). إضافة
للقناتين الجانبيتين، توجد قناة مركزية
دقيقة ضمن النخاع الشوكي، تدعى سوشومنا؛
وهي مسدودة في القاعدة بمركز الحوض، إضافة
لوجود المراكز غير المتفتحة على طول العمود
الفقري.[22] وبما أن
سوشومنا مسدودة فإن الحيوية التي تعطيها شكتي
للجسم تسير في إيدا وبنغلا، اللتين تصعدان في الكوندا،
أي مقعد كونداليني، وتتشعبان إلى القنوات الـ
72000 الأصغر في الجسم (الرسم 3).[23] إن
معظم المدارس التنترية تتفق على أن عدد مراكز
الطاقة في الإنسان هو ستة مراكز، هي من الأسفل
إلى الأعلى: 1.
مركز أسفل النخاع الشوكي؛ 2.
مركز الحوض؛ 3.
مركز السرة؛ 4.
مركز القلب؛ 5.
مركز الحنجرة؛ 6.
مركز بين الحاجبين. ويشير
بعضهم إلى أن عدد المراكز هو سبعة، مضيفين إلى
المراكز الستة السابقة المركز التاجي،[24]
وهو مركز له وضع خاص، كما سنرى. إن
كل مركز من هذه المراكز هو التقاء خاص لشيفا
وشكتي في الإنسان, إذ يمر شيفا وشكتي أثناء
عناقهما المستمر بمراحل مختلفة، فيتلوَّن
الوعي الكوني بدرجات مختلفة تبعاً لتبدل
النشوة التي يتقاسمها الشريكان. وتشكل هذه
التلوُّنات عدة حقول من الوعي يلتقي كل منها
مع حقل من الطاقة تسارع شكتي إلى بثِّه بما
يحقِّقها على الفور في العالم الحسِّي.
ولتقريب ذلك للفهم، نقول إن هذا يشبه، إلى حد
بعيد، الآلية النفسية الجسدية psychosomatic
للجسم الإنساني, حيث تتجلَّى كل حالة نفسية
تجلِّياً خاصاً في الجسم أو في جزء منه. وهكذا
فإن العالم الظاهراتي الحسِّي هو تجسيد مستمر
لوعي شيفا من خلال النسيج الفسيولوجي لشكتي.[25]
وكل مركز للطاقة أو تشاكرا هو حالة خاصة
يتقاسمها شيفا وشكتي في الإنسان؛ وبالتالي
فإن كل تشاكرا يدل على حالة خاصة من التزامن
والتعايش.[26] تستيقظ
كونداليني بعد ممارسات طويلة ومتأنِّية،
وتصعد عندئذ في قناة سوشومنا المركزية
الدقيقة المتوضعة ضمن النخاع الشوكي. وما إن
تسري كونداليني في سوشومنا وتلامس المراكز
حتى تتفتح هذه المراكز كالأزهار المكتملة
التفتح.[27]
وتبدأ المراكز بالدوران مع شعور بالحرارة
والنَمَل في جسم المتأمِّل.[28]
وهذا ما دعا إلى تسمية هذه المراكز بالتشاكرا. ونشدد
هنا على أن مرور كونداليني في سوشومنا ودوران
مراكز الطاقة لا يتم إلا بعد تحرير القناة
والمراكز من العقد التي تسدُّها.[29]
وهذا يتطلب، كما أشرنا، ممارسات طويلة
ومتأنِّية تحت إشراف المعلم. والإنسان
المتعمد إيقاظ كونداليني يشبَّه بالعابث مع
أفعى راقدة، مما يشكل خطراً كبيراً.[30]
كما أن الاضطرابات الخطيرة التي يمكن أن تظهر
لدى المتأمل خلال تفتح المراكز تعود لتفعيل
بقايا الحيوات السابقة،[31]
حيث يكون انبعاثها عامل خطورة واضطراب, خاصة
إذا كان الإنسان غير مهيَّأ له، ولا يملك
الوسائل التي تمكِّنه من دمجه في تجربة حياته
المعيشة. في
التعاليم التنترية لا تشكِّل التشاكرا حقيقة
تشريحية، وإنما تُعتبَر كمراكز طاقة لما
يسميه المأثور الهندي منذ زمن بعيد بالجسم
اللطيف والجسم العِلِّي causal
body. ولكي لا نفصل هذه
التعابير عن سياقها التصوري نقول إن الجسم
اللطيف هو المعني بنقل الانطباعات
والاحساسات والتشكلات الخافية إلى الجسم
العِلِّي في كل تجسُّد, والجسم العِلِّي هو
الجسم المتسامي على كل حقيقة فردية، مشكلاً
المحرِّك الأساسي للعود للتجسد أي سببه.[32] إن
الانتباه لوجود هذه المراكز والسعي لتفعيلها
يساعد الإنسان على تفهُّم ذاته بصورة حاذقة،
ويقوده تدريجياً لتحقيق جسمه السببي أو
العِلِّي، محوِّلاً إيَّاه إلى قناة للوعي
المتسامي. التشاكرا
والتفكير القياسي
اجتهدت
التعاليم التنترية لوضع التشاكرا على توافق
مع العناصر الأساسية لولادة الكون Cosmogony.
كما اعتُبِرت التشاكرا نقطة التَمَفْصُل بين
الميكروكوسموس والماكروكوسموس.[33]
ولذا كان من الطبيعي أن نجد في الكتب التي
تتحدث عن التشاكرا قوائم كثيرة وجداول غنية
بالمقايسات والتقابلات. ومن
أهم المقايسات تلك القائمة بين الكون
والإنسان. ويشير الحكماء إلى أن الكون ينتج من
اتحاد عدد من المبادئ الأساسية (بهوتا bhuta).
والبهوتا عنصر أو حالة للمادة. وتتناضد هذه
العناصر بعضها فوق بعض، من الأكثف صعوداً نحو
الألطف. وحيث إن الكون والإنسان مؤلَّفان من
العناصر ذاتها فإن التطور الروحي، كما يُنظَر
إليه في التنترا، يتم من مراكز الطاقة السفلى
إلى العليا. وبما أن كل تشاكرا ينتمي لعنصر من
عناصر الكون، فإن كل عنصر يتسامى على الآخر
بالانتقال من تشاكرا أدنى إلى تشاكرا أعلى. إن
التفكير القياسي المتَّبع في قراءة التشاكرا
يوجِّه نحو الحقيقة اعتماداً على منظومة من
المقايسات الفيزيائية والرمزية. والبحث عن
هذه المقايسات يسمح بتقابل أنساق مختلفة
والتقائها. وهذا المنهاج يمكن أن يشكِّل
فتحاً لعصر ثقافي جديد تتقارب فيه الأنساق
والأفكار والمذاهب. إن المقايسة لا تعني
التماثل. وهي يمكن أن تشكل نقطة وصل بين
مستويين مختلفين للواقع، وتؤدي بذلك المعنى
المطلوب. وإظهار التشابهات بين أنساق مختلفة
يسمح بالانتقال من حالة معنوية إلى أخرى،
موفراً حركيَّة المعنى. والحق أن هذه الطريقة
لا تؤدي المعنى فقط، وإنما تخلقه في داخلنا. رموز
التشاكرا أو العناصر المرئية والمسموعة
يمتلك
المتأمِّل مجموعة كبيرة من المقايسات
والرموز تساعده في مساعيه الروحية. وهي
بتشكيلها حلقة متكاملة ومترقِّية من العناصر
المرئية والمسموعة، تشكل درجات السلَّم الذي
يجب على المريد ارتقاؤه في سعيه للانتقال من
مستوى إلى مستوى آخر أرفع. ويُرمَز
لكل تشاكرا بمندل mandala
تحيط به دائرة ذات عدد معين من البتلات؛ وفي
داخله تُكتَب لفظة هي بمثابة مفتاح لذكر
الألوهة الكامنة في كل مركز. ولكل مندل لون
خاص، كما أن اللفظة تُكتَب ممتطيةً حيواناً
معيناً يشير لعنصر من عناصر الكون؛ إلا في
حالة المركز بين الحاجبين. كذلك يُعتَبر كل
مركز مقعداً لألوهة مذكَّرة ترافقه إلهة
مؤنثة. والمراكز،
كما تظهر من الأسفل إلى الأعلى (الرسمان 1 و 11)،
هي: 1. مركز القاعدة: أربع بتلات؛ في داخل الدائرة مربع أصفر؛ اللفظة الخاصة هي لام، تُرسَم داخل المربع وهي تمتطي فيلاً؛ العنصر الذي يقابل هذا المركز هو التراب (الرسم 4).
2. مركز الحوض: ست بتلات؛ في داخل الدائرة هلال أبيض؛ اللفظة هي فام؛ الحيوان هو السمكة؛ العنصر هو الماء (الرسم 5). 3. مركز السرة: عشر بتلات؛ الدائرة تحوي مثلثاً أحمر اللون؛ اللفظة هي رام؛ تُرسَم ممتطية كبشاً؛ العنصر هو النار (الرسم 6).
4. مركز القلب: 12 بتلة؛ داخل الدائرة مضلع سداسي أزرق؛ اللفظة هي يام؛ وهي تمتطي ظبياً؛ العنصر هو الهواء (الرسم 7).
5. مركز الحنجرة: 16 بتلة؛ دائرة بيضاء؛ اللفظة هي هام؛ تمتطي فيلاً أبيض؛ العنصر المقابل هو الأثير (الرسم 8).
6.
المركز بين الحاجبين:
له بتلتان؛ اللفظة هي أوم؛ وهذه اللفظة
على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تستعمل في
بداية كل المساعي الروحية، وترمز الحروف
الثلاثة على التوالي إلى الجسم والنفس
والروح، وتشتمل عليها.
التشاكرا بين الحاجبين هو آخر المراكز الستة، ولكنه ليس ختام رحلة كونداليني. فهناك مركز التاج. وهو على الرغم من اعتباره تشاكرا، فإنه
لا ينتمي إلى السلسة لأن هذا المركز هو خاتمة
مطاف رحلة كونداليني، حيث التقاء شكتي بشيفا.
وبالتالي، فإنه لا يقع في الجسم الإنساني
لأنه موجود في الكل, في الواحد: إنه نقطة
الانفصال ونقطة العودة.[34] إن وجوده
يفترض اكتمال التطور الروحي. وهذا يثبت أن
التشاكرا هي المراحل المجسِّدة لتطور روحي
يتم عبرها.[35]
التشاكرا والفقراتيقع
كل تشاكرا في مكان ما على طول النخاع الشوكي.
وقد يختلف بعض الحكماء حول عدد التشاكر، كما
قد يختلفون في تحديد أماكنها؛ وكل ذلك يعود
للطبيعة الحاذقة للتشاكرا، أي عدم قدرة
الإنسان على إدراكها إلا بالتصوُّر الحاذق.
وحيث إن معظم الكتب تذكر ستة مراكز، فقد أصبح
من السهل ربط هذه المراكز بالجمجمة وبالعمود
الفقري، من حيث تعلق كل مركز بمنطقة ما من
العمود الفقري، وتعلق المركز السادس
بالجمجمة: 1.
المركز الأول، أو مركز
القاعدة: يرتبط بالفقرات العصعصية، وهي
أربع فقرات. 2.
المركز الثاني، أو مركز
الحوض: يرتبط بالفقرات العجزية، وهي خمس
فقرات. 3.
المركز الثالث، أو مركز
السرة: يرتبط بالفقرات القطنية، وهي خمس
فقرات. 4.
المركز الرابع، أو مركز
القلب: يرتبط بالفقرات الظهرية، وهي اثنتا
عشرة فقرة. 5.
المركز الخامس، أو مركز
الحنجرة: يرتبط بالفقرات الرقبية، وهي سبع
فقرات. 6.
المركز السادس، أو المركز
الجبهي: يتعلق بالجمجمة. التشاكرا والجهاز العصبيلا
بد من التذكير والتشديد على أن اليوغانيين
يتجاهلون التفاصيل التشريحية. وعلى الرغم من
ذلك، فقد سعى العديد من الباحثين، وعلى رأسهم
الدكتور فازنت ريل، إلى التوحيد بين التشاكرا
والضفائر العصبية للمبهم الأيمن، أي الضفائر
الحوضية والخثلية والشمسية والبلعومية
الكهفية.[36]
ووضع هذه المحاولة أو غيرها في إطارها الصحيح
يتطلب استعراض بنية الجهاز العصبي الإنساني
الذي ينقسم، بشكل رئيسي، إلى جهاز عصبي مخي
شوكي وجهاز عصبي ذاتي. أ.
الجهازالعصبي المخي الشوكي:
يتألف من الدماغ والنخاع الشوكي *
النخاع الشوكي: حبل أبيض طوله حوالى 50 سم. وهو
يتوضع في القناة الفقارية التي تنتهي عند
الفقرة العصعصية الأولى. وإذا عزلنا النخاع
الشوكي عن الجسم يكون النخاع شبيهاً بحية
تقيم توازنها على ذنبها. وهذا هو أحد الأسباب
الذي دعا الأقدمين إلى اعتناق الحية كرمز
للحكمة.[37] إن
النخاع الشوكي الأفقي عند الحيوان يشير إلى
حالة من اللاوعي، تعبِّر عن نفسها بالغريزة.
أما النخاع الشوكي العمودي عند الإنسان، فهو
العمود الذي يدعم الذات اليقِظة, أو الوعي
المتفرد الذي يستطيع أن يعبر عن نفسه بكلمة
"أنا".[38]
وبتفعيل هذه الخصوصية للنخاع الشوكي يصبح
الإنسان "أنيَّة" واعية، قادرة على تصور
الأعالي والغوص إلى الأعماق. * المادة البيضاء
المحيطية: تتألف من ألياف محورية تؤمن انتقال
السيالة العصبية بين مختلف أقسام النخاع
ومراكز الدماغ. ونذكر هنا أن الطرق الحركية
ذات اتجاه هابط، في حين أن الطرق الحسية صاعدة. المادة
الرمادية المركزية تحتوي على الخلايا
العصبية التي تجتمع وتشكل نقاط التساقي synapse
التي تشكل وصلات قصيرة بين العصبونات (الخلايا
العصبية) الحسية والحركية لتأمين المنعكسات
النخاعينية. وفي المركز توجد القناة
المركزية، أو قناة البطانة المركزية (رسم 12).
وإن وجود هذه القناة يلتقي، إلى حد
بعيد، مع ما تشير إليه تجربة اليوغانيين من
وجود قناة دقيقة في النخاع الشوكي يطلقون
عليها اسم سوشومنا. *
الأعصاب المحيطية: يوجد 37 زوجاً من الأعصاب
الشوكية التي تتألف من اتحاد الجذر الأمامي
والجذر الخلفي الناشئين من النخاع. إضافة إلى
12 زوجاً من الأعصاب القحفية. ب.
الجهاز العصبي الذاتي: الجهاز العصبي
الذاتي ليس ذاتياً بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ميِّزته أنه يتعلق إلى حد ما بالإرادة. يحتوي
الجهاز العصبي الذاتي طرقاً ومراكز يتصل
بعضها ببعض بواسطة الجهاز العصبي النخاعي
الشوكي. لذلك لا تُعتبَر كلمة "ذاتي"
صحيحة تماماً.[39]
ويتألف الجهاز العصبي الذاتي من الجهاز الودي
والجهاز نظير الودي. 1ً.
الجهاز الودي: الوسيط الكيمائي الساري
فيه هو الأدرينالين. يتصل بالجهاز العصبي
المركزي بواسطة المادة الرمادية الموجودة في
النخاع الشوكي بين الفقرة الرقبية الثامنة
والفقرة القطنية الثانية. تتصل العصبونات في
عقد السلسلة الودية الجانبفقارية، وفي العقد
الأمامفقارية التي تتجمع في ضفائر (قلبية–شمسية–مساريقية–خثلية).
والسلسلتان تتحدان نهائياً في منطقة الحوض.
يضع الجهاز الودي الجسم في حالة صرف للطاقة من
أجل تأمين الاستجابة المثلى لمتطلبات المحيط
(رسم 13). 2ً.
الجهاز نظير الودي: الوسط الكيميائي
الساري فيه هو الأستيل كولين. يتصل بالجهاز
العصبي المركزي بواسطة نويَّات موجودة في
الجذع الدماغي، أو في القسم الانتهائي من
النخاع، فوق أو تحت المراكز الودية. الألياف
نظيرة الودية تلتقي في عقد خاصة أو في خلايا
عقدية موجودة في الأحشاء. إنه نظام خفض
استهلاك الجسم للطاقة، ويوجِّه نحو تراكم
المدَّخرات (رسم 14). وإذا
كانت سوشومنا
تقابل القناة المركزية في
النخاع الشوكي أو المحور الدماغي الشوكي، فإن
القناتين الجانبيتين إيدا وبنغلا تشيران إلى
الأعصاب المحيطية والجهاز العصبي الذاتي. وإن
اتحاد إيدا وبنغلا بعد تحضيرات طويلة، يليها
استيقاظ كونداليني وصعودها في سوشومنا، يشير
إلى تخلص الإنسان من جذب المحيط، وتركيز طاقة
الجسم في مراكز محددة موجودة على محوره
المركزي. أي أنها عودة من المحيط إلى المحور
المركزي العمودي المهيَّأ لاستجماع طاقات
الإنسان والتسامي بها. وإذا كان بعضهم يشير
إلى التشاكرا على أنها عقد ودية أو ضفائر
عصبية، فإن الأجدر اعتبارها
سُلَّماً من مراكز يُعتبَر كل منها مسؤولاً
عن طاقة مستوى معين من الجسم أو عن وظيفة
حيوية محددة. والباحثون
اللذين يدرسون هذه المراكز فسيولوجياً
يقسمونها إلى مجموعتين: ثلاثة مراكز تحت
الحجاب وثلاثة فوقه.[40] المراكز
الثلاثة تحت الحجاب الحاجز: 1.
مركز القاعدة: هو مركز
الحياة الفيزيائية, مقعد كونداليني، وهو
المركز الذي يحمل ويدعم كل المراكز الأخرى. 2.
مركز الحوض: يتعلق أيضاً
بالحياة الفيزيائية. 3.
مركز السرة: هو مركز الحياة
العاطفية الذي يضعنا على مستوى المشاعر
والأحاسيس والرغبات بتماسٍ مباشر مع العالم. المراكز
الثلاثة فوق الحجاب الحاجز: 4.
مركز القلب: مقرُّ الحب
الحقيقي, مقعد الروح, مستقرُّ الفهم الداخلي
أو الحدس. 5.
مركز الحنجرة: هو مركز
القدرة الإنسانية الخلاقة. 6.
المركز بين الحاجبين:
المحرر لطاقات الشخصية الإنسانية الكلِّية. وبعد
دراسة التشاكرا تشريحياً وفسيولوجياً، نقتطف
بعض ما يذكره ليدبيتر في هذا الخصوص. يقول
ليدبيتر: "اليوغانيون الهندوس, الذين
كُتِبت الأعمال التي وصلتنا من أجلهم, لم
يهتموا بفسيولوجيا وتشريح الجسم بشكل حصراً...
لقد كان هدفهم ممارسة التأمل وإيقاظ
كونداليني للتسامي بالوعي وبلوغ المستويات
العليا... وفي بعض الحالات فإننا نتأمل في بعض
المبادئ التي تتعلق بهذه المنطقة أو تلك من
الجسم لأسباب تذكيرية بحتة دون وجود أي نية
للتأثير على هذه المناطق."[41]
بالنسبة للمأثور لا يتعلق الأمر بفسيولوجيا
بالمعنى الاعتيادي وإنما بفسيولوجيا
سرَّانية. وقد ذكرنا في مكان سابق إلى أن
مراكز الطاقة هي مراكز لما يسميه المأثور
الهندي الجسم اللطيف. خاتمة
قد
يعود بعضهم بعد كل ذلك إلى التشريح أو
الفيزياء أو الكيمياء بحثاً عن التشاكرا وقد
يرفضها بعضهم إذا لم يستطع أن يراها أو يلمسها,
ذلك أن التشاكرا تتطلب تجربة من نوع آخر,
تجربة يصبح فيها الإنسان موضوع الاختبار
إضافة إلى كونه المختبِر. هكذا يتسع تصوُّر
التجربة ليضم, كما عند برغسون, التجربة
النفسية والصوفية إلى جانب التجربة الحسية
والعلمية.[42]
ويشير الحكماء إلى أن المراكز لا تكون متفتحة
إلا عند اليوغاني، وهي ليست كذلك عند الأشخاص
العاديين؛ وبالتالي، فلا عجب في أن يعبِّر
بعضهم عن عدم اقتناعهم بها أو رفضهم لها. ربما
يكون فهم السياق الذي انبثقت عنه فكرة مراكز
الطاقة أهم من الاعتقاد بوجودها أو عدم
وجودها. ذلك أن مراكز الطاقة لا توجد إلا بقدر
ما يجتهد المتأمِّل لتفعيلها، مستخدماً في
ذلك الصفات والخصائص التي تعلَّمها عن كل
مركز من المراكز. إن مراكز الطاقة توجد فعلاً،
وتقوم بدورها في تسريع الانتقال إلى حالات
الوعي الأعلى ابتداء من الوقت الذي ندخل فيه
إلى تصوراتنا الواعية الصفات والخصائص
العائدة لمعناها العميق ولرمزيَّتها النفسية
والجمالية والروحية.[43]
المنطق
في التشاكرا هو منطق مشتقٌّ من معرفة حدسية
للكون ومقايساته في الإنسان. وهي تكشف عن قدرة
الإنسان على وضع العالم في صورة تعبِّر عن
تصوِّره له، أو عن الحالة التي يرغب أن يراه
فيها. لقد
أشرنا منذ البداية إلى أن المعرفة العلمية
تقوم على الثنائية والتشعب. أما التشاكرا
فتعود لمعرفة موحِّدة متسامية. وإذا كان عالم
الرياضيات والفيلسوف ألفرد نورث وايتهد يصر
على أن نوازع الوعي الروحي لها من الصدق مثل
ما لإدراك العالم الخارجي الذي يتولاه العلم،[44]
فإن عالم النفس كارل غوستاف يونغ يقول في معرض
تعليقه على أحد نصوص الطاو الصينية: "صحيح
أن العلم ليس بالأداة الكاملة ولكنه أداة
فائقة ولا غنى عنها, ولا ضرَّ منه إلا عندما
نعتبره غاية في ذاته." ويتابع: "المنهج
العلمي يجب أن يخدمنا ولكنه يضلُّ عندما
يغتصب العرش. إنه جزء لا يتجزأ من معرفتنا،
وهو لا يُعمي بصيرتنا إلا عندما نعتقد أن
الفهم الذي أمَدَّنا به هو الفهم الوحيد
الموجود. أما الشرق فقد علَّمنا فهماً آخر
وفهماً أوسع وأعمق وأعلى مرتبة, أعني به الفهم
من خلال الحياة."[45] *** *** *** [1]
Sri
Aurobindo, Letters on Yoga, vol. I, Sri Aurobindo Ashram,
Pondicherry, 1979, p. 159. [2]
ندره اليازجي،
المعرفة، دمشق، عدد 332، 1991، ص 16. [3]
Sri Aurobindo, Letters on Yoga, vol. I, p.
369. [4]
ندره اليازجي، المعرفة، عدد 332، 1991، ص 15. [5]
C.W. Leadbeater, The Chakras, Quest Books,
TPH, Wheaton, Ill., 1990. [6]
Sri Aurobindo, Ibid.,
p. 364. [7]
Lucien Tenembaum, 3e Millénaire. No. 18,
1990. [8]
Trevor Legget, First Zen Reader,
Tokyo, 1975, p. 216. [9] Lucien Tenembaum, 3e Millénaire. No. 18, 1990, p. 31. [10]
Ibidem. [11]
Ibidem. [12]
Ibid., p. 32. [13]
Ibidem. [14]
Jean Letschert, 3e Millénaire, No.18, p.
53. [15]
Ibidem. [16] Lucien Tenembaum, 3e Millénaire, No.18, p. 32. [17]
Ibid., p. 33. [18]
Ibidem. [19]
Ibidem. [20]
Swami Nikhilananda, Hinduism, World Perspectives, Harper, New York,
1958, p. 152. [21] Ibid., p. 153. [22] Lucien Tenembaum, 3e Millénaire, No. 18, 1990, p. 33. [23]
إرنست
وود، اليوغا: فلسفة الانعتاق والاتحاد،
بترجمة ديمتري أفييرينوس، دار الغربال،
دمشق 1986، ص 256. [24]
Sri Aurobindo, Letters on Yoga, vol. I, p. 364. [25]
Jean Letschert, 3e Millénaire, No. 18, p.
56. [26]
Ibid., p. 56. [27]
Swami Nikhilananda, Hinduism, p. 154. [28]
Lucien Tenembraum, 3e Millénaire., No. 18, p.
33. [29]
Ibid., p. 38. [30]
Ibidem. [31]
Ibid., p. 34 [32] Ibidem. [33] Ibid.,
p. 34. [34]
Ibid., p. 35. [35] Ibidem. [36]
ندره
اليازجي، المادة والروح، ص 52. [37]
ندره
اليازجي، المادة والروح، ص 49. [38] Alexandre Ruperti, 3e Millénaire, No. 18, p. 66. [39]
Anatomie, Faculté de Médecine de Montpellier, AAMM, 1981-1982, p.
65. [40]
Alexandre Ruperti, 3e Millénaire, No. 18,
p. 67. [41] C. Leadbeater, The Chakras, Op. cit. [42]
صلاح
قنصوه، فلسفة العلم، دار التنوير،
بيروت 1983، ص 222. [43]
Jean Letschert, 3e Millénaire, No. 18, p.
57. [44]
صلاح
قنصوه، فلسفة العلم، ص 222. [45]
كارل
غوستاف يونغ، سر الزهرة الذهبية، بترجمة
نهاد خياطة، دار الحوار، اللاذقية 1986، ص 10.
|
|
|