الصفحة السابقة

 شكري بك...

الجزء الثاني

 

أكرم أنطاكي

 

4

من الجلاء إلى الانقلاب الأول...

في 26 نيسان 1946، كلَّف الرئيس شكري القوتلي السيد سعد الله الجابري تشكيلَ الوزارة[54]. لكن هذه الوزارة، التي كان من المفترَض أن تتصدى لتركة الانتداب وتشرع في بناء هيكلية الدولة المستقلة العتيدة ومؤسَّساتها، لم تعمِّر طويلاً، لأنها سرعان ما اصطدمت بعدد من العقبات، كانت أهمها الصراعات الداخلية بين الوطنيين، على اختلاف اتجاهاتهم، بسبب عدم وجود رؤية واضحة لما يجب أن يكون مصير البلاد وتوجهاتها؛ الأمر الذي بدا حينذاك وكأنه تنافُس على السلطة والمناصب، على خلفية تأزُّم سياسي، داخلي وعربي ودولي.

-       فعلى الصعيد العربي والدولي، كانت تجاذُبات حادة على مناطق النفوذ في المنطقة بين الدول التي كانت منتدَبة عليها سابقًا (إنكلترا وفرنسا)، من جهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تطل برأسها من خلال شركاتها النفطية، من جهة أخرى؛ و...

-       بدأت "الحرب الباردة" بين الدول الغربية وروسيا (الاتحاد السوڤييتي آنذاك)، التي كانت تبحث، هي الأخرى، عن موطئ قدم لها في المنطقة، من خلال الاستفادة من تناقضات مَن كانوا حلفاءها في الحرب العالمية الثانية؛ و...

-       على الصعيد الإقليمي والمحلِّي، كان الوضعُ في فلسطين يزداد تأزُّمًا بين العرب وبين اليهود الذين ازداد عددُهم نتيجة الهجرة المكثَّفة الناجمة عن الحرب العالمية الثانية، وذلك وسط أجواء قومية ودينية متأجِّجة بين أوساط الجماهير الشعبية العربية الرافضة رفضًا شبه كامل للاستيطان اليهودي ولجميع المشاريع "التوفيقية" الداعية إلى الشراكة و/أو إلى التقسيم. ونشير هنا إلى أن هذه الأجواء التي ساهمت "الكتلة الوطنية" في تصعيدها حين كانت تقارع الانتداب الفرنسي سرعان ما تبنَّاها، وزاد من غلوائها، خصومُها السياسيون في الأحزاب المعارِضة الأكثر راديكالية.

ونتوسع قليلاً في شرح تلك الأجواء وملابساتها، من خلال تسليط بعض الضوء على الحكومة الأخيرة لشريك القوتلي، رئيس الوزراء سعد الله الجابري. فهذا الأخير الذي، كما قال السيد أكرم الحوراني في مذكراته محقًّا، لم يكن يرى ضرورةً ملحَّةً لبناء جيش وطني جرَّار، لأنه كان يعتقد أننا...

لا نحتاج للسلاح ولا للجيش، لأنا مستقلون باعتراف الأمم المتحدة، وفي أطرافنا دول عربية، و[لأن] وضعنا في سورية كوضع سويسرة، نفقاتنا توازي وارداتنا، ونحتاج فقط إلى قوى أمن داخلي رمزية.[55]

فكان مقتنعًا في أعماقه (ربما) بإمكانية قبول تسوية في فلسطين من خلال مشروع مؤاتٍ. وهو، في تقويمه هذا، كان يتفق في الرأي (ربما أيضًا) مع آخرين من زعماء الكتلة الوطنية، ومنهم شكري القوتلي وجميل مردم بك. لكن لم يكن سعد الله الجابري يشاطر القوتلي والعديد من زملائه يومئذٍ القناعةَ بضرورة التمديد للرئيس، الذي ساعده الجميعُ فيما بعد على تحقيق طموحاته، وعلى رأسهم جميل مردم بك. فالقوتلي بدأ يومئذٍ يفكر في التمديد لنفسه؛ وهو، في سبيل تحقيق هذا الهدف، كان في حاجة إلى تعديل الدستور عن طريق المجلس النيابي، ممَّا يجيز له التقدم لولاية رئاسية ثانية.

ونتذكر أنه في تلك الأيام لم تكن الأوضاع العامة في البلاد هادئة ومريحة عمومًا. فقد قمعت الحكومةُ الوطنيةُ تمرد "الرب" سليمان المرشد[56] الذي أقام لنفسه...

[...] دولةً في قرية "جوبة البرغال"، على الرغم من أنه كان نائبًا في البرلمان السوري.[57]

وقد أُعدِمَ هذا الأخير في ساحة المرجة في دمشق[58]. كما كان تأجُّج في الأجواء بسبب تفاعلات القضية الفلسطينية، وصدامات في المجلس النيابي بين نوَّاب العشائر وأكرم الحوراني واغتيال أحد أبرز رؤساء العشائر في المجلس النيابي، الشيخ طراد الملحم، على يد ابن عشيرة منافسة – مما يدل على أن الأوضاع العامة في عموم البلاد كانت متوترة؛ وهذا ما يفسِّر – وإن كان لا يبرِّر – قيام وزير الداخلية السيد صبري العسلي بالتضييق بعض الشيء على الحريات الديموقراطية.

وللمناسبة، نستعيد من تلك الأيام صدور المرسوم رقم 50 الذي طرحتْه وزارةُ الجابري على المجلس النيابي في 12/01/1946 للمصادقة، فنلاحظ كيف لم يكن رئيس الوزراء متحمسًا لذلك المرسوم الصادر عن حكومته، الذي كان يحظى بتأييد الرئيس القوتلي ووزير الداخلية المقرَّب إليه صبري العسلي. ففي تلك الجلسة، وفي آخر خطاب له أمام المجلس النيابي قبل أن يغادر البلاد إلى مصر للعلاج، كان الجابري مؤثرًا وكلامه شبيهًا بنداء الاستغاثة، حين دعا، وإنْ بشكل غير مباشر، إلى رفض ذلك المرسوم، مخاطبًا المجلس قائلاً:

لنتجرَّد قليلاً عن الأشخاص الذين يطبِّقون هذا القيد، ولا تنظروا إلى الماثل أمامكم، هل إنه سيطبِّقها هو أو غيره، بل انظروا إلى الموضوع نفسه على أنه ضرورة من ضرورات حياتنا السياسية في هذه الأيام. أخاف عليكم وعلى البلاد منها. قد يكون في الأسلوب أو الصيغة ما يمكن أن يُعتبَر أنه غلو أو مبالغة أو فيه شيء من القسوة. فالموضوع أمامكم، باستطاعتكم أن تبحثوه وأن تقبلوه وأن تعدِّلوه أو ترفضوه. ونحن لسنا الأشخاص الذين يجعلون العناد أصلاً في العمل ولا الادِّعاء خصائصنا.[59]

ولكن المجلس لم يتفهم يومئذٍ ما أراده رئيس وزرائه، فصادق على القانون وما تضمَّنه من مواد تحدُّ (بعض الشيء) من الحريات الديموقراطية.

ثم جاءت وزارة جميل مردم[60] في 28/12/1946 التي جرت في ظلِّها، في 7 تموز 1947، الانتخابات النيابية الأولى بعد الاستقلال، فنسجِّل أنه...

إبان تلك الفترة، أعاد "الحزب الوطني" تشكيل نفسه كاستمرار لأحد أجنحة "الكتلة الوطنية" التي انشقت إلى "وطنيين" و"شعبيين"؛ وكان هذا الحزب هو "حزب القوتلي"[61]. ثم كانت انتخابات المجلس النيابي التي لم تكن نتائجها مواتية للقوتلي في شكل عام، وخاصة في دمشق[62] وفي حمص، حيث نجحت قائمة الأتاسيين الأقرب إلى حزب الشعب، وفي حلب، حيث نجحت قائمة حزب الشعب بقيادة رشدي الكيخيا، وفي حماه، حيث خرق أكرم الحوراني و"حزب الشباب" القائمة التقليدية لآل العظم، وفي جبل الدروز، حيث فازت قائمةُ الطرشان المناوئة أيضًا للقوتلي. وقد رفض المجلس النيابي المنبثق عن هذه الانتخابات، في دورته العادية الأولى، "مشروع سورية الكبرى" الذي كان مطروحًا على بساط البحث، لكنه أقرَّ في 17 تشرين الثاني 1947، بما يشبه الإجماع، تعديلاً دستوريًّا يسمح بتجديد الولاية لرئيس الجمهورية.

كان هذا التعديل، من وجهة نظري، أيًّا كانت مبرراته، خطيئة كبرى، ليس فقط للقوتلي ومؤيديه، إنما لجميع السياسيين الوطنيين في عهد الاستقلال، لأنهم لم يُظهِروا احترامًا كافيًا لدستور بلادهم، فعدَّلوه في خفَّة، ليس من أجل تحسينه، إنما للسماح لأحدهم بتمديد ولايته – وهذا ما فتح الباب من بعدُ لكلِّ ما سيصيب البلاد ودستورها من انتهاكات.

ثم كانت وزارة جميل مردم الثانية في ظلِّ الاستقلال[63] والأولى في ظلِّ هذا الدور التشريعي الجديد؛ هذه الوزارة التي نستعيد بإيجاز بعض ما جرى خلال عهدها من أحداث جِسام:

-       ففي 29/11/1947، صدر قرارٌ عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بتقسيم فلسطين إلى قسمين أساسيين: الأول "يهودي"، أكثر من 40% من سكانه من العرب، والثاني "عربي" فيه نسبة لا تتجاوز الـ10% من اليهود، إضافة إلى قسم ثالث "دولي" يضم مدينة القدس (أورشليم) وضواحيها، حيث كان من المفترَض أن يتعايش الجميع في سلام في ظلِّ إدارة دولية.

لكن الدول العربية، وعلى رأسها سورية (حيث كان الشارع معبأً لأقصى حد)، رفضت رفضًا كاملاً القرار الدولي الذي وافق عليه الصهاينةُ في المقابل؛ كما أعلنت الدول العربية أنها ستمنع تقسيم فلسطين بالقوة، على الرغم من أن القرار كان يؤكد على ضرورة تجنب أي تهديد للسلام في المنطقة، واصفًا كلَّ تهديد له بأنه "عمل اعتداء بموجب المادة 39" من ميثاق الأمم المتحدة. وحصل ما حصل. فـ...

[...] ما إن أُعلِنَ قرارُ التقسيم حتى اشتعلت البلدانُ العربية بالتظاهرات الصاخبة معلنةً غضبة الجماهير على هذه المؤامرة، ومؤكدةً رفض الأمَّة العربية لقرار التقسيم واستعداد المواطنين للقتال. وكانت هذه التظاهرات تنطلق في وقت واحد، وعلى نفس المستوى من الغضب والحماسة والاستعداد للفداء، في كلِّ مدينة سورية، كبيرة أو صغيرة، وفي مدن لبنان والأردن والعراق ومصر. وفي دمشق كانت غضبة الجماهير هائلة، بينما كان الحزب الشيوعي يجاهر بتأييده قرارَ التقسيم وسياسةَ الاتحاد السوڤييتي، الذي كان لمندوبه في هيئة الأمم المتحدة دورٌ بارزٌ في صدور هذا القرار، فهاجم المتظاهرون مكتب الحزب الشيوعي.[64]

وقد اتخذ شكري القوتلي، ومعه معظم السياسيين السوريين يومئذٍ، مواقف "شعبوية" مؤيِّدةً للتيار السائد الرافض لأية تسوية، داعيةً إلى "استعادة" كامل التراب الفلسطيني عن طريق القتال. فبعيدًا عن العواطف، لم يسعَ أيٌّ من هؤلاء السياسيين، وعلى رأسهم شكري بك، إلى الترويج لحلٍّ سياسي قائم على تسوية ذرائعية تستند إلى دراسة واقعية لموازين القوى الدولية على الأرض وتحاول، بالتالي، التوفيق بين مصلحة البلد، من جهة، ومصالح مختلف الأطراف، بما فيها مصالح الطرف الآخر (المعادي)، من جهة أخرى. وهذه كانت أيضًا، من وجهة نظري اليوم، خطيئتهم الكبرى الثانية بعد خطيئة تعديل الدستور. لكن هل كانت أية سلوكية عقلانية ممكنة في تلك الأيام؟! – حين...

-       تدفَّق المتطوعون العرب إلى فلسطين[65]، وكانت التهيئة (الخطابية) للحرب من قبل جميع الدول العربية المحيطة بها، بينما كانت التهيئة (الفعلية) لها من قبل الصهاينة الذين كانوا يستعدون هم أيضًا، بكلِّ جدية، للمعركة القادمة. و...

-       كان قرار من الجامعة العربية يقضي بدخول الجيوش العربية إلى فلسطين في 15 أيار فور إعلان جلاء الإنكليز عنها.

-       ثم كان الـ15 من أيار 1948 وإعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وإعلان داڤيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل التي اعترف بها، فور قيامها وقبل الجميع، الاتحاد السوڤييتي ثم الولايات المتحدة.

-       تلاه مباشرة، وفي اليوم نفسه، دخول الجيوش العربية إلى فلسطين وبدء الحرب العربية–الإسرائيلية الأولى التي استمرت حتى 19 تموز 1948؛ هذه الحرب التي خسرها العرب في النهاية، وأدت إلى ما عُرِفَ بـ"نكبة" فلسطين وتهجير ما يزيد عن 600000 فلسطيني عن ديارهم.

أما في 17 آب، ووسط مظاهر احتفالية لا تتلاءم على الإطلاق مع الأوضاع العامة المأسوية المحيطة بالبلاد، فقد كان التجديد للرئيس القوتلي، الذي أعلن في الخطاب الأول لرئاسته الثانية:

إنَّ المعركة لم تنتهِ بعد، وهي، وإنْ كانت تجتاز مرحلتها الخطرة الآن، إلاَّ أن الشعب العربي مصمِّم على القتال، وإن النصر لا بدَّ قادم بإذن الله.[66]

وفي 28 آب، قدَّم جميل مردم استقالة وزارته؛ لكن الرئيس القوتلي كلَّفه تشكيل الوزارة من جديد. وقد عكست هذه الوزارة "المردمية" الجديدة في تركيبتها الصراعات والتحالفات بين القوى السياسية الرئيسية في المجلس وفي البلد، وخاصة يومئذٍ تلك العلاقة المعقدة بين الحزب الوطني، المهيمن على الحكومة[67]، وبين حزب الشعب، الذي أصبح منافسه الرئيسي وأقوى أحزاب المجلس النيابي على الإطلاق. وقد استمرت هذه الوزارة حتى نهاية شهر تشرين الثاني 1948 وسط أجواء نيابية وشعبية مناوئة حاولت تحميلها، ومعها مجمل الطبقة السياسية الحاكمة، مسؤوليةَ النكبة الفلسطينية. فكانت...

[...] مظاهرات عارمة في دمشق قادتْها الأحزابُ المعارضةُ في البداية، وانضمت إليها فيما بعد عناصر من مثيري الشغب هاجمت المحالَّ التجارية التي أغلقت أبوابَها خوفًا من النهب والسلب [...] وسعت لاقتحام القلعة، حيث السجن، لإطلاق سراح المسجونين، علمًا بأنهم جميعًا من المجرمين ولا يوجد بينهم سجين سياسي.
[ولما] لم تستطع قوى الأمن الداخلي من الشرطة والدرك استيعاب هذه المظاهرات وعناصر الشغب فيها، اتصل المدير العام للشرطة والأمن العام بالقصر يعرض الموضوع على الرئيس القوتلي الذي طلب عندئذٍ من قائد الجيش التدخل لحفظ الأمن بعد منع التجول.[68]

وقائد الجيش كان يومذاك حسني الزعيم، الذي كان معروفًا بـ"حمقه وتطرفه"[69] والذي كان القوتلي قد عيَّنه في منصبه هذا بعد أن توسَّط له "صديقه" محسن البرازي الذي...

[...] جعله يقسم بالقرآن أمام القوتلي أنه سيكون وفيًّا ومخلصًا مادام حيًّا.[70]

فاستقالت وزارة جميل مردم إثر حوادث الشغب هذه، وكلَّف الرئيس القوتلي الرئيس هاشم الأتاسي ثم السيد عادل أرسلان تشكيلَ الوزارة، لكنهما أخفقا في ذلك؛ مما دفعه إلى تكليف السيد خالد العظم، المعروف بكفاءته، الذي كان يومئذٍ سفيرًا لسورية في باريس. وقد نجح خالد العظم في تشكيل وزارته[71] التي التفتت...

[...] إلى التصدِّي للمشاكل الصعبة والدقيقة [ التي واجهتْها] في الداخل والخارج.
ففي الداخل: كانت قضية التاپلاين وإمرار خطوط أنابيبها لنقل الزيت السعودي من شركة أرامكو
Aramco في الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط عبر السعودية أولاً، ثم الأردن ثم سورية ثم لبنان، إلى مصفاة الزهراني على البحر [...]. في هذه الأثناء، وصل إلى دمشق جيمس منهل، الأمريكي الجنسية من أصل سوري–لبناني، من مدينة رياق، وكان يعمل بالنفط في ولاية إيلينويس، وطلب مقابلة الرئيس القوتلي، ثم شرح له الطريقة المتَّبَعة في الولايات المتحدة عند نقل النفط عبر أكثر من ولاية [...]. فاستدعى القوتلي الوفد السوري المفاوض، وأبلغه هذه الطريقة في حساب العائدات، وبدأ الوفد مفاوضة الشركة على هذا الأساس، ما أزعج الشركة كثيرًا لأنه يحمِّلها مبالغ كبيرة لم تكن تحسب لها هذا الحساب. وخشيت أن ينحو الأردن ولبنان هذا المنحى في حساب العائدات أيضًا، فتعثرت المفاوضات وتوقفت.
وفي الخارج: كانت هناك قضية الهدنة مع إسرائيل. إذ بعد أن وقَّعت كلٌّ من مصر والأردن ولبنان اتفاقية هدنة مع إسرائيل، لم يبقَ سوى سورية لم توقِّع، لأن سورية تمسَّكت بأن حدودها الجنوبية هي الحدود التي وصلت إليها قواتُها، أي إلى سمخ، جنوب بحيرة طبريا. وكانت إسرائيل تصر على أن تكون الحدود بينهما هي الحدود الدولية السابقة. وتوقفت المفاوضات أيضًا.
ثم كانت هنالك الاتفاقية المالية مع فرنسا[72]
[...]

التي كانت المفاوضات حولها أيضًا متوقِّفة. ضمن هذه الظروف الداخلية والخارجية الصعبة، حيث "كانت البلاد هادئة كالهدوء الذي يسبق العاصفة"[73]، جاء انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار 1949 الذي أطاح بالسلطة الشرعية، وكان سببه المباشر خلاف حادٌّ بين هذا الأخير وبين السلطة السياسية برئاسة القوتلي والعظم حول مطالب الجيش، على خلفية فضيحة مؤن وذخائر فاسدة كان حسني الزعيم ومَن حوله متورِّطين فيها على ما يبدو – هذا الانقلاب الذي قال عنه فيما بعد عضو المخابرات المركزية الأمريكية (الـCIA) مايلز كوپلاند إنه كان...

[...] من إعدادنا وتخطيطنا. فقد قام فريق العمل السياسي بإدارة الميجر ميد بإنشاء علاقات صداقة منتظمة مع حسني الزعيم، ومن خلال هذه الصداقة أوحى الميجر ميد لحسني الزعيم بفكرة القيام بانقلاب عسكري وضعت السفارة خطَّته كاملة.[74]

ونتابع، ما جرى بعدئذٍ من أحداث...

5

حين كان القوتلي في المنفى...

فنلاحظ أنه حينذاك لم يكن الوطنيون، في معظمهم، واعين لفداحة ما حصل ولا لخطورة ما كان يحيط بهم من ظروف. لذلك اختلفت تقويماتهم ومواقفهم من هذا الانقلاب الذي لم يعارضه معظمُهم؛ لا بل إن معظمهم وقف منه موقفًا محايدًا و/أو مسايرًا، إن لم نقل إيجابيًّا.

ففي الوقت الذي اعتقل فيه حسني الزعيم رئيسَ الجمهورية شكري القوتلي ورئيسَ الوزراء خالد العظم وأودعهما سجن المزة، فلم يفرج عنهما حتى قدَّما استقالتهما، فغادر بعدها القوتلي البلاد إلى سويسرا، ثم إلى مصر التي قبلتْه لاجئًا سياسيًّا، بينما اعتكف خالد العظم في منزله، لم يتضامن مع القوتلي، إنما كان أول مَن تعاوَن مع الانقلاب، زميلُه وأحد مؤسِّسي الحزب الوطني، السياسي والوطني الكبير فارس الخوري، الذي صرَّح في تلك الأيام لجريدة النهار قائلاً:

لا شكَّ أن الحركة الانقلابية هي غير دستورية، ولكنها وقعت. فلا يصح في الحالة هذه، سواء أكانت حركة حق أو باطل، الوقوف في وجهها أو وضع العراقيل في سبيلها، لئلا تصبح البلاد بحالة فوضى. أما الدستور والحياة الدستورية فحياة الأمَّة فوق الدستور وأشكاله، ويهمُّنا بالدرجة الأولى حياة الأمَّة وبقاء الدولة واستمرارها وحماية الكيان السوري. ولا ريب في أن الرجل الذي يتولَّى زمام الرئاسة في مثل هذه الظروف يجب أن يكون رجلاً مقدامًا صلبًا.[75]

وهو موقف يعتقد الكثيرون اليوم أنه كان خطأً سياسيًّا ومبدئيًّا جسيمًا، أفقده وأفقد الوطنيين بالمجمل مصداقيتهم؛ مما شجَّع منذ ذلك الحين على التطاول على السلطة المدنية الشرعية، خاصةً أنه في تلك الأيام كان من الممكن جدًّا، إن لم نقلْ كان من الواجب، التمسك المبدئي بالشرعية الدستورية ومبادئها ومؤسَّساتها.

كما تعاون مع الزعيم أيضًا، عن وعي و/أو عن غير وعي، العديدُ من السياسيين من مختلف الاتجاهات. كان بعضهم من حزب الشعب، كفيضي الأتاسي، وبعضهم الآخر من المعارضة الشعبوية، كأكرم الحوراني وحزب البعث[76] وسلطان باشا الأطرش إلخ. لكن سرعان ما تمخَّض هذا الانقلاب، الذي حاول الجميع، داخليًّا وخارجيًّا، استيعابَه والاستفادةَ منه، عن ديكتاتورية عسكرية تافهة وغبية خسرت زخم تأييدها "الشعبي" الأولي، حيث نصَّب الزعيم نفسه رئيسًا للبلاد، وشكَّل حكومة من الأمناء العامين في الوزارات برئاسة محسن البرازي؛ حكومة عقدت آنذاك العديد من الاتفاقيات، وأصدرت العديد من المراسيم التي نسجِّل، للأمانة، أن عددًا منها لم يكن سلبيًّا بالمطلق: فقد واجه "صاحبنا" المشايخ ومنع تدخُّلهم في السياسة – وهذا جيد –؛ كما أقرَّ قانون الأحوال الشخصية الذي مازال نافذًا إلى اليوم، وهو قانون لم تتجرأ الحكومات المدنية التي سبقتْه على إقراره خوفًا من إغضاب أولئك المشايخ – وهذا، من منظوري، نقطة إيجابية أخرى تُسجَّل لصالح حسني الزعيم؛ كما أنه وقَّع (بسرعة ربما) على اتفاقية التاپلاين، واتفاقية الهدنة مع إسرائيل، واتفاقية النقد مع فرنسا – لكن هذه الاتفاقيات كان من المفترَض أن توقَّع في جميع الأحوال، بهذا الشكل أو ذاك[77] –؛ وقام حسني الزعيم يومئذٍ أيضًل بتسليم السيد أنطون سعادة، رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي (الذي كان لاجئًا إلى سورية)، إلى الحكومة اللبنانية التي كانت تطارده لأنه وحزبه قاموا بمحاولة انقلابية (ثورة مسلَّحة) هناك. هذه الأمور كلها وغيرها أدَّت إلى أن ينفضَّ من حول الزعيم مَن أيَّدوه في البداية؛ ما جعل حكمه معزولاً، داخليًّا وخارجيًّا، وأوصلنا إلى...

الانقلاب العسكري الثاني في 14 آب 1949 الذي ترأَّسه سامي الحناوي، مساعد حسني الزعيم وشريكه في الانقلاب الأول. وقد شارك في انقلاب الحناوي معظم الضباط الذين أيَّدوا الزعيم في انقلابه. لذلك سرعان ما نُفِّذَ الإعدام بهذا الأخير، ومعه رئيس وزرائه السيد محسن البرازي، بقرار محكمة ميدانية عسكرية برئاسة الحناوي – وهذا، من منظوري اليوم، محاولة فجة لطيِّ صفحة حسني الزعيم والتستُّر على الذين شاركوه ويتحملون معه مسؤولية الانقلاب الأول. وقد عكس الحناوي فعلاً بعضًا من الهلع الذي أصابه وقادة المؤسسة العسكرية يومئذٍ بسبب السياسات غير الشعبية للزعيم، حين استدعى مباشرة قادة الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب الشعب[78]، وطلب منهم...

تشكيل حكومة مدنية تعيد للشعب الأمن والطمأنينة وتضع دستورًا جديدًا للبلاد.[79]

فكان "تكليف" الرئيس هاشم الأتاسي، الذي شكَّل حكومة "وحدة وطنية"، لم يشارك فيها الحزب الوطني[80]، بمباركة من أركان الجيش وبقيادة حزب الشعب[81].

وكان هذا، من منظوري اليوم، خطأً سياسيًّا كبيرًا وقع فيه جميع مَن وافق على هذا الحل من السياسيين الوطنيين الذين لم يصروا يومئذٍ على عودة الشرعية كاملة غير منقوصة؛ مما أدى إلى ما سيُعرَف بعدئذٍ بـ"ازدواجية السلطة"، لأن هذه "الازدواجية"، التي أصبحت من بعدُ سمة من سمات الحكم في سورية،

[...] بدأ[ت] في مطلع عهد الانقلاب الثاني، عندما قبل الأتاسي والكيخيا والخوري والحوراني، أن يتولَّى زعيمُ الانقلاب تعيين الأتاسي رئيسًا للحكومة. فسيطر الجيش منذ تلك الساعة على الحكومة، وصارت لا تبرم أمرًا هامًّا إلاَّ بعد الاتصال بالأركان والحصول على موافقتها.[82]

وقد قامت هذه الحكومة، التي كانت تتمتع بصلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة، بإلغاء بعض التدابير التي اتخذها حسني الزعيم، فعدَّلت قانون الانتخاب[83]، وحددت يوم 5 تشرين الثاني 1949 موعدًا لانتخاب "جمعية تأسيسية" مهمتها الأولى وضع دستور جديد للبلاد – تلك الانتخابات التي جرت في موعدها وسط أجواء خارجية معقدة جدًّا. فقد...

كان مطروحًا على مائدة البحث في تلك الأيام مشروعُ اتحاد بين سورية والعراق؛ وهو مشروع أيَّدته آنذاك معظم الأحزاب الرئيسية في البلاد، كحزب الشعب وحزب البعث (بقيادة ميشيل عفلق)، كما أيَّده أيضًا الحزب الوطني (غير المشارك في الحكومة) والكتلة الدستورية (التي كان منها أكرم الحوراني)، بينما تحفَّظ عليه خالد العظم وبعض مؤيِّديه من المستقلين، كما أيَّدته قيادة الجيش برئاسة الحناوي. ولكن في صفوف الجيش، الذي بدأت تتجاذبه مختلف التوجهات السياسية الفاعلة في البلاد، تشكَّل يومئذٍ ما عُرِفَ بـ"حركة العقداء" بقيادة العقيد أديب الشيشكلي[84]؛ وهذه الحركة سرعان ما أصبحت تستقطب من حولها العديد من صغار الضباط غير الراضين عن أوضاعهم المعيشية الخاصة، وبالتالي عن الأوضاع العامة في البلاد، و/أو غير المتحمِّسين لمشروع الوحدة مع العراق.

وجاءت نتيجة انتخابات "الجمعية التأسيسية" (التي قاطعها الحزب الوطني) لصالح حزب الشعب الذي كان مهيمنًا على الحكومة، فلم ينجح أحد من قادة البعث في دمشق التي فاز فيها بعض الحياديين والشعبيين؛ كما فشلت قائمة الحوراني التي لم ينجح منها في حماه إلاَّ هذا الأخير.

وكان أول ما قامت به "الجمعية التأسيسية" في جلساتها الأولى ما بين 12 و15 كانون الأول 1949 إقرار دستور مؤقت للبلاد وانتخاب السيد هاشم الأتاسي رئيسًا للدولة، كما حددت يوم 19 كانون الأول 1949 موعدًا يؤدي فيه رئيسُ الدولة والنوَّاب اليمين الدستورية. لكن هذه الفرحة لم تكتمل...

لأن "حركة العقداء" بقيادة أديب الشيشكلي قامت في ذلك اليوم، الـ19 من كانون الأول 1949، بـانقلاب عسكري ثالث أزاح سامي الحناوي وجماعته من رئاسة الأركان. وقد جاء في البلاغ الأول لهذا الانقلاب، الذي تعرَّض تعرضًا غير مباشر للسلطة السياسية المدنية القائمة، أنه...

ثبت لدى الجيش أن رئيس الأركان العامة اللواء سامي الحناوي وعديله أسعد طلس وبعض ممتهني السياسة في البلاد يتآمرون على سلامة الجيش وكيان البلاد ونظامها الجمهوري مع بعض الجهات الأجنبية.[85]

ما يعني، بتعبير آخر، أن قيادة أركان الجيش المنبثقة عن هذا الانقلاب صارت مُعارِضة لمشروع الوحدة مع العراق بعد أن كانت مؤيِّدة له؛ وبالتالي، صارت هذه القيادة غير منسجمة مع حزب الشعب الذي كان مؤيدًا لتلك الوحدة ومازال مهيمنًا على الحكومة، الأمر الذي يجعلنا نتفهم لماذا لم تعمِّر أكثر من 24 ساعة يومئذٍ الوزارةُ التي شكَّلها يومئذٍ ناظم القدسي، بتكليف من رئيس الجمهورية، الحائزةُ على تأييد حزب الشعب الذي كان يتمتع بأغلبية أعضاء مجلس النواب، ولماذا كلَّف الرئيس هاشم الأتاسي بعدئذٍ السيد خالد العظم تأليفَ الحكومة. فالجيش أصبح متشككًا في حزب الشعب، والعظم، "الحيادي" والمعارض للوحدة مع العراق، أصبح أكثر السياسيين أهليةً لذلك المنصب. وهذا ما أكَّده هذا الأخير في مذكراته حين سرد بعض ما جرى معه حينذاك قائلاً:

وحين وصلت إلى داري جاءني هاتف بأن العقيد أديب الشيشكلي وبعض الضباط يريدون الاجتماع بي، فدعوتهم إلى الحضور، فجاءوا وأطلعوني على البلاغ الذي أصدروه في غيابي ورووا لي، بدورهم، كيف قاموا بحركتهم. وقالوا إن الحناوي دعاهم وعرض عليهم قبول فكرة الاتحاد. وكانوا شعروا قبل ذهابهم إليه بأنه ينوي اعتقالهم إذا لم يوافقوا على رأيه. فتخلَّف بعضُهم عن الذهاب، واتخذ التدابير لمهاجمة داره واعتقاله. وما إن خرج بعضهم الآخر، حتى عادوا جميعًا بقوة الدبابات واعتقلوا الحناوي، كما اعتقلوا أسعد طلس والضباط الآخرين. [...]
وأخبرني الشيشكلي ورفاقه أنهم اجتمعوا فيما بينهم وقرَّروا أن يطلبوا مني تأليف الحكومة، وأنهم سيدعمون الحكومة التي أؤلِّفها، فقلت لهم إن رئيس الدولة قد عهد إليَّ بذلك، وإني سأقوم بالاستشارات اللازمة، رغبةً في تأليف حكومة لا تجعل الاتحاد مع العراق هدفها. فقالوا إنهم لا يطلبون منِّي سوى ذلك، أما بقية الشؤون فلا دخل لهم فيها أصلاً.[86]

وقد ضمَّت هذه الوزارة، التي صدر مرسومُ تشكيلها في 27 كانون الأول 1949، أربعة وزراء من حزب الشعب، واثنين من الكتلة الدستورية، ووزيرًا واحدًا من "الإخوان المسلمين"، ووزيرين حياديين، إضافة إلى رئيسها[87]، واستمرت حتى أواخر أيار 1950 . وقد قامت إبان تولِّيها الحكم بالتركيز على مشاريع التنمية، فأقرَّت مشروع إنشاء مرفأ اللاذقية وعددًا من مشاريع الري؛ ثم استقالت بعد خمسة أشهر حين تخلَّت قيادة الجيش عن دعمها، مفضِّلةً التعاون المباشر من جديد مع حزب الشعب المسيطر على المجلس النيابي، وسط تصاعُد التجاذبات حول سورية بين محورين: الأول سعودي–مصري يدعو إلى الضمان العربي المشترك، والثاني عراقي يدعو إلى الوحدة بين سورية والعراق. ونتذكر أنه إبان فترة هذه الوزارة صدر تصريحٌ لوزير الاقتصاد معروف الدواليبي، الذي تمايز عن حزب الشعب وأصبح أقرب إلى الإسلاميين، يدعو إلى التعاون مع روسيا السوڤييتية. كما تعاظمت إبان تلك الفترة، من قبل الحزب الوطني ومؤيديه، الحملةُ الداعيةُ إلى عودة الرئيس شكري القوتلي إلى البلاد، حيث سافر وفد يضم 22 شخصية برئاسة صبري العسلي إلى الإسكندرية لزيارته والتعبير عن تضامنها معه[88].

وتلت وزارةَ العظم وزارةُ ناظم القدسي، التي تشكَّلت في 5 حزيران 1950 وكانت، في معظمها، من حزب الشعب[89]، واستمرت حتى 8 أيلول، حيث جاءت بعدها وزارةُ القدسي الثانية[90] التي استمرت حتى 7 آذار 1951. ونسجل أن كلتا الوزارتين لم تضم في صفوفها السيد معروف الدواليبي الذي أضحى معزولاً في حزبه بسبب مواقفه المتمايزة التي أشرنا إليها أعلاه؛ كما نسجل أيضًا أنه إبان تلك الفترة أقرَّ المجلس النيابي في شهر آب 1950 دستورًا جديدًا للبلاد أضحى يُعرَف بـ"دستور 1950". وهذا الدستور، على الرغم من إيجابياته الكثيرة وتقدميته من الناحية الاجتماعية، إلاَّ أنه يُعَدُّ تراجُعًا بالقياس إلى الدستور السابق، وخاصة فيما يتعلق بموضوع أساسي هو عَلمانية الدولة وما تعنيه من مساواة مبدئية بين مواطنيها على اختلاف انتماءاتهم وأديانهم: فقد أصبح دستور البلاد يتضمن منذ ذلك الحين – للأسف الشديد – مادةًّ تنص على أن يكون "دين رئيس الدولة الإسلام"!

ثم استقالت وزارة القدسي الثانية نتيجة تصاعُد الخلاف الذي لم يتوقف بين حزب الشعب وقيادة الجيش؛ الأمر الذي أدى إلى أزمة وزارية حادة، فإلى حكومة جديدة شكَّلها خالد العظم[91] في 27 آذار 1951 ولم يشارك فيها حزب الشعب. وقد استمرت حكومة العظم هذه حتى التاسع من آب 1951.

ونتذكر أنه إبان تلك الفترة، وتحديدًا في 16/07/1951، اغتيل في عمان السيد رياض الصلح، رئيس وزراء لبنان، على يد أحد أعضاء الحزب القومي السوري، الذي بدأ يعتمد (على ما يبدو) الاغتيال السياسي طريقةً للتخلص من خصومه؛ كما اغتيل في 20/07/1951 في عمان ملك الأردن عبد الله على يد أصولي إسلامي. أما في سورية، فقد تشكَّلت في 9 آب 1951 وزارةُ حسن الحكيم التي كانت غالبية أعضائها من حزب الشعب[92]. وقد استمرت وزارة الحكيم حتى 28 آب 1951، ثم استقالت أيضًا نتيجة تفاقُم الصراع بين قيادة الأركان المتمثلة بالشيشكلي وبين حزب الشعب على خلفية خلاف ظاهره "تابعية الدرك"[93]. تلت ذلك أزمةٌ وزاريةٌ جديدة، شكَّل بعدها السيد معروف الدواليبي في31 تشرين الثاني 1951 وزارةً كانت في معظمها من حزب الشعب[94]، ما اعتبره الشيشكلي تحديًا، أدى، في اليوم التالي، الأول من كانون الأول 1951، إلى انقلاب عسكري رابع تسلَّم الشيشكلي بموجبه السلطة مباشرة، فاعتقل أعضاء الحكومة ورئيسها وزجَّهم في السجن.

على إثر ذلك، استقال رئيس الجمهورية [هاشم الأتاسي] وعاد إلى منزله في حمص.
[و] في 2 كانون الأول 1951، تولَّى العقيد أديب الشيشكلي، رئيس الأركان ورئيس المجلس العسكري، مهمات رئيس الدولة، وأصدر مرسومًا بحلِّ مجلس النواب، وكلَّف الأمناء العامين في الوزارات بصلاحيات مجلس الوزراء تحت إشرافه.
وفي 29 حزيران 1952، عيَّن
[الشيشكلي] فوزي السلو رئيسًا للدولة ومنحه السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى سلطات واختصاصات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الوطني، واحتفظ لنفسه برئاسة الأركان للسيطرة على الجيش، بالإضافة إلى منصب نائب لرئيس الوزراء، ووزير للدولة للإشراف على شؤون الدولة!
وشكَّل فوزي السلو وزارة من المستقلين التكنوقراط، استمرت حتى 18 تموز 1953. وبعد أن أجرى الشيشكلي انتخابًا لرئيس الجمهورية كان فيه المرشَّح الوحيد، وفاز بالإجماع، شكَّل وزارة من المستقلين استمرت[95]
[...]

حتى 25 شباط 1954، حين عصف بالشيشكلي انقلاب عسكري خامس بدأه في حلب ضابط شاب من جماعة أكرم الحوراني يُدعى مصطفى حمدون. كان ذلك بعد أن أصبح أديب الشيشكلي معزولاً كحسني الزعيم، وبعد أن تمكَّن معارضوه من مختلف الأحزاب السياسية السورية من الاتحاد فيما بينهم، فلم يبقَ من مؤيِّد له إلاَّ بعض أنصاره المباشرين في الجيش و... "الحزب القومي السوري"، حيث تشكَّلت يومئذٍ "جبهة وطنية" عريضة استفادت من بعض الانفتاح في النظام كي تعقد في حمص، علنًا، اجتماعها الأول، وأعلنت في 17 أيلول 1953 عن ميثاقها. وقد ضمت هذه "الجبهة" حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعث العربي الاشتراكي ومعظم المستقلين. فقامت إثر إعلانها مظاهرات طلابية عامة في البلاد؛ مما دفع بالشيشكلي إلى اعتقال معظم معارضيه والزجِّ بهم في سجن المزة.

ونتذكر أنه إبان تلك الفترة الممتدة من أوائل كانون الأول 1951 حتى الإطاحة بأديب الشيشكلي، جرت بعض الأحداث الهامة التي نرى من الضروري التأكيد عليها نظرًا لأهميتها في خصوص ما سيحصل في البلاد لاحقًا. فقد:

-       عقد "الحزب العربي الاشتراكي" بقيادة أكرم الحوراني مؤتمره الأول في آذار 1950. ثم اتحد هذا الحزب إبان النصف الأول من العام 1952 مع "حزب البعث العربي" بقيادة ميشيل عفلق وصلاح البيطار، ليشكِّلا معًا ما سوف يُعرَف بـ"حزب البعث العربي الاشتراكي". و...

-       في الـ23 من تموز (يوليو) 1952، كان انقلابٌ عسكري بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر واللواء محمد نجيب يُنهي الملكية في مصر.

6

استقطاع للتأمل وللمراجعة

وأتوقف قليلاً للتفكير في خلفية ذلك "الصراع الحاد" بين القادة الوطنيين والجيش منذ السنوات الأولى للاستقلال، فيستوقفني بهذا الخصوص التحليلُ العميق للسيد فيليپ خوري الذي يعيدنا إلى أيام الانتداب الفرنسي، لأنه:

في الواقع، لم يبدأ القادة الوطنيون التفكير بجدية أكبر في مستقبل المؤسَّسات السورية، ومنها مؤسَّسة الجيش، إلاَّ بعد منتصف الثلاثينات، أي عندما تعاظَم إمكانُ حصول سورية على الاستقلال. وعند ذلك فقط، أخذ بعض الوطنيين يشجِّع أبناء النخبة المدينية إلى الانضمام إلى الجيش بالالتحاق بالكلِّية العسكرية في حمص. ولكن على الرغم من أنه كانت هناك زيادة في نسبة عرب المُدُن السنَّة الذين أصبحوا ضباطًا بين عامي 1936 و1945 (وهي نسبة فاقت نسبة الضباط في فترة 1925-1935)، فإن العلاقة بين سلك الضباط والقادة الوطنيين لم تكن طيبة. فقبل كلِّ شيء، جاء أولئك الضباط من فروع متواضعة لأسر مدينية بارزة أو من الطبقات الوسطى الصاعدة، وكانوا ينظرون بامتعاض إلى الزعماء المدينيين الأبرز اجتماعيًّا والأكثر ثراءً. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الامتعاض كان متبادلاً: فالقادة السياسيون السوريون كانوا يحتقرون الجيش، ولم يفارقهم هذا الشعور حتى بعد مغادرة الفرنسيين. وفي معزل عن مشكلة العدالة الاجتماعية، كان القادة الوطنيون لا يثقون بسلك الضباط؛ إذ اتَّهموه بخدمة الفرنسيين صراحة، أو على الأقل بخدمة المصالح الفرنسية، باستنكافه عن النضال الوطني. وبعد مغادرة الفرنسيين عام 1946، كان من الأمور الأولى التي نفذتْها حكومةُ الاستقلال توكيد سيطرتها على الجيش بإخضاعه للسلطة المدنية. وقامت عمليًّا بخفض عدد الجيش [...]. وأدَّى خفض عدد الجيش في الوقت الذي كانت الحرب في فلسطين تلوح واضحة في الأفق، والفضائح شائعة فيما يتعلق بتقصير الحكومة في إعداد الجيش خلال تلك الحرب، إلى تفاقم العلاقات المدنية–العسكرية والمساهمة مباشرة في دخول الجيش الحلبة السياسية السورية بأول انقلاب عسكري عام 1949.[96]

ونتفكر أنه، منذ بداية الاستقلال، بدأت تتشكل في صفوف الجيش "تنظيمات سرية" على علاقة بمختلف الأحزاب السياسية القائمة. وعلى رأس تلك الأحزاب كان "الاشتراكيون العرب" من جماعة أكرم الحوراني، الذين اتحدوا بعدئذٍ مع حزب البعث ليشكِّلوا "حزب البعث العربي الاشتراكي"، و"الحزب القومي السوري". وهذه الأحزاب كانت قوية في أوساط الطبقات الوسطى والفلاحين، كما في أوساط الأقلِّيات في منطقة الساحل. ونتابع مع ما جرى بعدئذٍ في البلاد...

7

من عودة "الازدواجية" إلى الوحدة مع مصر

لأنه بعد سقوط أديب الشيشكلي (الذي فضَّل التسليم بما حصل والمغادرة عوضًا عن أن يعرِّض الجيش والبلاد لصراع ممزِّق ودامٍ) عاد الرئيس هاشم الأتاسي في 01/03/1954 إلى دمشق التي استقبلتْه استقبالاً شعبيًّا حافلاً، وأصدر مساء اليوم نفسه ثلاثة مراسيم:

الأول يقضي بقبول استقالة معروف الدواليبي، والثاني يتضمن تسمية صبري العسلي رئيسًا لمجلس الوزراء، والثالث يتضمن أسماء الوزراء.[97]

لكن هذه الوزارة، المؤلَّفة بشكل أساسي من الحزب الوطني وحزب الشعب والحائزة على ثقة المجلس النيابي السابق الذي عاد إلى الانعقاد، سرعان ما واجهت معارضةً متصاعدةً من "حزب البعث العربي الاشتراكي" الذي استبعدتْه من تشكيلتها. وهكذا أصبح أكرم الحوراني، أحد أبرز زعماء هذا الحزب وصاحب النفوذ الكبير في صفوف الجيش، الموجِّه الفعلي لتلك المعارضة. فكانت مظاهرات طلابية شبه دائمة أمام المجلس النيابي، أسماها الحوراني يومئذٍ بـ"برلمان الشارع"، وكان تذمُّر متصاعد من عدد من ضباط الجيش الذي بدأت قياداتُه تتصل ببعض السياسيين مُعرِبةً لهم عن تحفظاتها وشكوكها تجاه الحكومة القائمة. وقد استمرت هذه الوزارة حتى 19 حزيران 1954، جاءت بعدها حكومةُ سعيد الغزي[98] الحيادية التي في ظلِّها جرت انتخابات 1954.

أما في 7 آب 1954، وعلى الرغم من معارضة قسم من قادة الجيش وبعض السياسيين (كخالد العظم وأكرم الحوراني وجماعته) لعودته، فقد عاد شكري القوتلي إلى دمشق التي استقبلتْه استقبالاً شعبيًّا كي يشارك على رأس حزبه في الانتخابات النيابية القادمة.

وقد أسفرت هذه الانتخابات، الأنزه من نوعها في تاريخ سورية الحديث، التي جرت خلال شهر أيلول 1954 على دورتين، عن مجلس نيابي متوازن من حيث تركيبتُه العامة، مجلس ضمَّ معظم فئات الشعب السوري وتوجهاته، كما يلي: الكتلة الديموقراطية (الأقرب إلى خالد العظم): 38 نائبًا، حزب الشعب: 27 نائبًا، حزب البعث العربي الاشتراكي: 18 نائبًا، كتلة العشائر: 18 نائبًا، الحزب الوطني: 14 نائبًا، مستقلون: 10 نواب، الكتلة الحرة: 6 نواب، الكتلة الإسلامية: 5 نواب، الحزب السوري القومي: نائبان، الحزب التعاوني: نائبان، والحزب الشيوعي: نائب واحد – هذا المجلس الذي استمر حتى قيام الوحدة بين سورية ومصر في 21 شباط 1958 والذي نستعيد فيما يلي بعض ما جرى في أيامه من أحداث جِسام:

-       فبعيد الانتخابات، استقالت وزارة سعيد الغزي، وانتخب المجلس النيابي السيد ناظم القدسي رئيسًا له، كما شكَّل السيد فارس الخوري في 29/10/1954 حكومةً كانت في معظمها من الحزبين الوطني والشعب[99]. وقد فازت هذه الحكومة بثقة المجلس (84 صوتًا مقابل 48) على الرغم من حملات التهويش التي شنَّتْها ضدها قيادةُ الجيش التي بدأت تعمل من وراء الستار، بالتنسيق مع حزب البعث وأكرم الحوراني، الذي عبأ ضدها، كالعادة، مظاهرات طلابية صاخبة أمام المجلس النيابي. واستمرت هذه الوزارة التي صرَّح رئيسُها في بيانه الوزاري أنه...

من جهة الارتباط بتعهدات أو الدخول في التزامات مع دول أجنبية، غربية كانت أم شرقية، فإني أصرِّح من على هذا المنبر بأني عدو لها ولن أوافق عليها مادمت بهذه الوزارة [...]

... حتى 13 شباط 1955. ثم استقالت على خلفية ما كان دائرًا في المنطقة من صراع حول "حلف بغداد" الذي كانت تدعمه بريطانيا، وبسبب معارضة أركان الجيش لسيطرة حزب الشعب، المؤيِّد للوحدة مع العراق، على سياستها الخارجية؛ مما أدى إلى...

[...] تذمر كبار ضباط الجيش وتحرُّك السياسيين بهدف تشكيل وزارة جديدة.[100]

ثم شكَّل السيد صبري العسلي وزارةً استبعدت حزب الشعب، وكانت مؤلَّفة بشكل رئيسي من الحزب الوطني والمستقلين، وضمت وزيرًا بعثيًّا واحدًا هو الدكتور وهيب الغانم[101]. ونسجل أنه إبان فترة هذه الوزارة الممتدة حتى 13 أيلول 1955:

-       اغتيل في 22 نيسان 1955 في الملعب البلدي بدمشق العقيد عدنان المالكي، التقدمي الميول، ابن العائلة الدمشقية السنِّية العريقة، على يد الرقيب يوسف عبد الرحيم الذي كان ينتمي إلى الحزب القومي السوري. فـ...

من التحقيقات الأولية التي جرت، اكتشفت سلطاتُ الأمن أن الحزب القومي السوري هو المدبِّر لهذا الاغتيال [...]. وفي 19 حزيران 1955، نُشِرَ قرار الاتهام الموجَّه ضد 140 عضوًا من أعضاء الحزب القومي السوري [...]. اتهم البيان ثلاثين منهم بجرائم عقوبتها الإعدام، منها جرائم القتل، والاتصال بدولة أجنبية [مما أدى إلى] استئصال الحزب القومي السوري من الحياة العامَّة في سورية.[102]

ومنذ ذلك الحين، بدأ يتشكل في البلاد، وإنْ بشكل غير معلَن، تحالف بين ما أضحى يُعرَف بـ"التجمع القومي" (الذي كان يضم القسم الأكبر من الحزب الوطني بقيادة القوتلي والعسلي، والمستقلين الذين كان أبرزهم خالد العظم، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الشيوعي) وكتلة من أبرز ضباط الأركان ذوي الميول القومية العربية واليسارية. وبدأ هذا التحالف، الذي استفاد تمامًا من الأجواء الشعبية والسياسية المواتية لتوجهاته، يبسط شيئًا فشيئًا سيطرته على مجمل السلطة السياسية في البلاد.

وسط هذه الأجواء، في 18 آب 1955، انتخب المجلس النيابي في الاقتراع الثاني السيد شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية بعد أن فاز على منافسه السيد خالد العظم[103]، فحلَّ بذلك محلَّ السيد هاشم الأتاسي المنتهية ولايته.

 

وفي 6 أيلول 1955، جرى انتقالُ السلطات بين الرئيس هاشم الأتاسي والرئيس شكري القوتلي – للمرة الوحيدة بتاريخ سورية – بشكل دستوري ومنظَّم وأنيق.[104]

وفي 13 أيلول 1955، كلَّف الرئيس القوتلي السيد سعيد الغزي تأليفَ الوزارة الأولى في عهده الجديد، فجاءت على شكل ائتلاف بين الحزب الوطني وحزب الشعب والمستقلين[105]. لكن هذه الوزارة التي...

لم تستطع الوقوف أمام التيار الجديد الذي تميَّز بصفقات السلاح مع الاتحاد السوڤييتي، وبالتوقيع على الميثاق الثلاثي [مع مصر والسعودية]، وإقامة جبهة بين حزبَي البعث والشيوعي، وبدأ الصراع الداخلي بين اليسار واليمين. بينما ناشد الرئيس القوتلي جميع الأحزاب نبذ خلافاتها والانضواء في ظلِّ جبهة وطنية تضم جميع الأحزاب بهدف وضع ميثاق وطني يتضمن مبادئ مقبولة من الجميع ويكون بمثابة مرشد للحكومات المتعاقبة[106] [...]

فاستقالت في 02/06/1956 بعد...

احتلال طلاب الجامعة مكتب وزير الاقتصاد الوطني رزق الله أنطاكي [...] احتجاجًا على تصدير القمح السوري إلى فرنسا.[107]

واستدعى الرئيس القوتلي السيد صبري العسلي الذي تمكَّن في 15/06/1956 من تأليف "وزارة قومية" ضمت التوجهات الرئيسية في المجلس، من وطنيين وشعبيين ومستقلين وإسلاميين، وكانت للبعث فيها هذه المرة وزارتان[108]. ونستعيد فيما يلي بعضًا مما جرى خلال عهدها من أحداث جِسام:

-       ففي 7 تموز 1956، قدَّم رئيس الأركان شوكت شقير استقالته وحلَّ محلَّه اللواء توفيق نظام الدين. و...

-       في 26 تموز 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس؛ فسارعت الحكومة السورية إلى إعلان تأييدها لموقف مصر. وكانت اجتماعات شعبية حاشدة، وتألَّفت قوات المقاومة الشعبية. و...

-       في 30 تشرين الأول 1956، بدأ "العدوان الثلاثي" على مصر باجتياح القوات الإسرائيلية التي اخترقت شبه جزيرة سيناء حتى مشارف قناة السويس. تلا ذلك مباشرة تدخلٌ إنكليزي–فرنسي في منطقة القناة. لكن مصر صمدت في وجه هذا العدوان، الذي سرعان ما توقف بسبب المعارضة الدولية القوية له، وخاصة من القوتين العظميين: الولايات المتحدة وروسيا (السوڤييتية). وهذا ما زاد من شعبية الرئيس جمال عبد الناصر الذي أصبح يُعَد بطلاً قوميًّا على صعيد الشارع العربي.

ونتذكر أنه فور وقوع العدوان، سافر الرئيس شكري القوتلي إلى روسيا السوڤييتية ليستحث دعمها لمصر. وقد فجَّر بعض ضباط الجيش خطوط أنابيب النفط المارة عبر الأراضي السورية والتابعة لشركة نفط العراق. كما شارك الرئيس القوتلي أيضًا، في 13 تشرين الثاني 1956، في مؤتمر القمة العربية المنعقد يومئذٍ في بيروت. وقد صدر عن هذا المؤتمر، الذي تضاربت المواقفُ العربية خلاله مما كان يجري، وبفضل مواقف الرئيس القوتلي الوطنية، المتضامنة بقوة مع مصر والمنسِّقة مع الموقف السعودي، ...

[...] بيان مشترك تضمَّن ضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن انسحاب الجيوش المعتدية من مصر، والحرص على فصل قضية قناة السويس عن الظروف التي رافقت العدوان على مصر واعتبارها قضية مستقلة بذاتها[109] [...]

و...

في 22 تشرين الثاني 1956، اجتمع مجلس النواب السوري في جلسة سرِّية للاستماع إلى بيان رئيس الوزراء حول المؤامرة التي اكتُشِفَتْ[110] [...]

يومئذٍ، مما أدى إلى اعتقال عدد من النواب والضباط ذوي الميول والتوجهات الغربية؛ ما أضحى يُعرَف بـ"المؤامرة العراقية على سورية"[111]. أما في 31 كانون الأول 1956، وبعد نشر قائمة الاتهام بحقِّ 47 اسمًا، كان من بينهم وزراء ونوَّاب وضباط في الجيش السوري، قدَّم السيد صبري العسلي استقالة حكومته. لكن القوتلي كلَّفه تشكيلَ وزارة جديدة استبعد منها حزب الشعب وبعض نواب الحزب الوطني وآخرين ممَّن كانت لتوجهاتهم علاقةٌ بتلك "المؤامرة"[112].

وفي 27 شباط 1957، وفي أثناء وجود الرئيس القوتلي في القاهرة، أصدرت المحكمة العرفية برئاسة اللواء عفيف البزرة أحكامها بإعدام 18 من المتآمرين وأحكامًا أخرى على البقية. ثم استجابة للوساطة العربية، أصدر وزير الدفاع قرارًا باستبدال الأشغال الشاقة المؤبدة بأحكام الإعدام.[113]

وأيضًا، في تلك الأيام...

-       كان مبدأ أيزنهاور الذي تضمنتْه رسالةٌ وجَّهها الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور إلى الكونغرس، مؤكدًا فيها على:

[حق] استخدام الولايات المتحدة جيوشها لحماية أراضي بلدان الشرق الأوسط والدفاع عن استقلالها – في حال طلبها – ضد أيِّ عدوان عليها من قبل جيش مسلَّح من الخارج يستهدف تحقيق السيطرة الشيوعية العالمية على شعب من شعوب الشرق الأوسط.

وقد أيَّد هذا المبدأ العراق ولبنان، ووافقت عليه الأردن ضمنيًّا، بينما استنكفت السعودية عن تأييده، ورفضتْه سورية ومصر. أما...

-       في 17 أيار 1957، فقد جرت في سورية انتخاباتٌ تكميليةٌ في كلٍّ من محافظات دمشق وحمص والسويداء لإشغال المقاعد النيابية الشاغرة للنواب منير العجلاني وعدنان الأتاسي وفضل الله جربوع وهايل سرور المُدانين بتهمة الاشتراك في "المؤامرة العراقية". وقد فاز في هذه الانتخابات التجمع القومي، وتحديدًا حزب البعث، بثلاثة مقاعد من أصل أربعة. و...

-       كانت الاتفاقيات الاقتصادية مع روسيا السوڤييتية وبعض الدول الدائرة في فلكها:

·        ففي شهر آذار 1957، تعاقدت الدولة مع شركة تكنوإكسپورت التشيكية لإنشاء مصفاة للنفط في حمص.

·        وفي 6 آب 1957، تم التوقيع على اتفاق للتعاون الاقتصادي بين سورية وروسيا السوڤييتية.

-       ثم كانت أحداث قطنا وتعيين اللواء عفيف البزرة (ذي الميول الشيوعية) رئيسًا للأركان – تلك الأحداث التي نستعيد بإيجاز بعضًا مما جرى خلالها: ففي مطلع شهر حزيران 1957، قدَّم رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين مشروع مرسوم يقضي بإحداث تنقلات في صفوف ضباط الجيش. وكان أهم ما تضمنته هذه "التنقلات" إبعاد عبد الحميد السراج من رئاسة "المكتب الثاني" (جهاز الاستخبارات). فرفض خالد العظم هذه التنقلات واعترض عليها، بينما أصرَّ رئيسُ الأركان على موقفه؛ ما أدى إلى انقسام الضباط على أنفسهم: السراج، رئيس "المكتب الثاني"، والضباط البعثيين، من جهة، والمقدم أمين النفوري واللواء عفيف البزرة، من جهة أخرى. فأعلنت بعض القطعات العسكرية في قطنا (التي كان يسيطر عليها البعثيون) تمرُّدها، في الوقت الذي أعلنت فيه قطعات حوران عن عزمها على الزحف إلى قطنا لإنهاء التمرد. وكانت اجتماعات رعتْها الحكومة وأدت إلى تسوية قضت بإلغاء التنقلات وصدور قرارات تقضي بتسلم البزرة للشعبة الأولى، وبقاء السراج على رأس الشعبة الثانية، والنفوري على رأس الشعبة الثالثة، وحمدون رئيسًا للشعبة الرابعة. لكن توفيق نظام الدين، الذي كان وراء تلك التنقلات والذي بقي يومئذٍ رئيسًا للأركان، سرعان ما قدَّم في 14 آب 1957 استقالته، فحلَّ محلَّه اللواء عفيف البزرة رئيسًا للأركان؛ ما أكَّد في نظر الجميع سيطرة الضباط الأربعة – المنقسمين على أنفسهم بين أمين النفوري (الذي كان سابقًا من جماعة الشيشكلي) وعفيف البزرة (ذي الميول الشيوعية)، من جهة، وعبد الحميد السراج (ذي الميول الناصرية) ومصطفى حمدون (البعثي الاشتراكي، الأقرب إلى أكرم الحوراني)، من جهة أخرى – على شؤون الجيش[114]. وأيضًا...

-       بعد أسبوع من توقيع الاتفاقيات مع الاتحاد السوڤييتي، في 12/08/1957، أعلنت الحكومة السورية عن تفاصيل مؤامرة جديدة (أمريكية هذه المرة) لقلب نظام الحكم في سورية؛ ما أدى إلى تصعيد التوتر في المنطقة، وفي سورية التي كانت تشكَّلت فيها ما سُمِّيَ بـ"المقاومة الشعبية"، وجرى توزيع السلاح على المتطوعين من مختلف الأحزاب والفئات الشعبية وسط أجواء إعلامية وشعبية تتحدث عن حشود تركية على حدود سورية الشمالية...

وسط هذه الأجواء الملتهبة، كان الرئيس شكري القوتلي يمثِّل الخط الوطني للاعتدال والوسطية – هذا الخط الداعي، عربيًّا، إلى الاتحاد والتضامن الكامل مع مصر والتنسيق معها ومع السعودية، ما أضحى، حتى الأمس القريب، خطًّا ثابتًا للسياسة السورية. وعلى الصعيد الدولي، كان الرئيس القوتلي يدعو إلى الحياد الإيجابي القاضي بالتعاون مع السوڤييت، من جهة، مع السعي، في الوقت نفسه، إلى تهدئة الأجواء وعدم الوصول إلى حال قطيعة مع الغرب، من جهة أخرى. كذلك الأمر على الصعيد الداخلي، حيث كان يناقش الجميع، فيجتمع بخالد بكداش الشيوعي ويتبادل الرأي معه حول موضوع الوحدة[115]، من جهة، ويسعى، في الوقت نفسه، إلى تبريد الأجواء الداخلية وعدم تسعير الخلافات بين الساسة الوطنيين، من جهة أخرى. وهذا ما دفعه إلى الضغط من أجل تخفيف الأحكام الصادرة بحقِّ زملائه السابقين في النضال الوطني من الليبراليين ذوي الميول والتوجهات الغربية الذين اتُّهِموا يومئذٍ بالاشتراك في مؤامرات تهدف إلى قلب الأوضاع القائمة، كميخائيل ليان وبدوي الجبل (أحمد سليمان الأحمد)، اللذين كانا من حزبه، وحسن الأطرش (ابن سلطان باشا الأطرش) وعدنان الأتاسي (ابن رئيس الجمهورية الأسبق هاشم الأتاسي)، اللذين كانا من معارضيه.

وسط هذه الأجواء الملتهبة، نقول، جاءت الوحدة السورية–المصرية التي تمَّت بالسرعة الكلِّية، دون أية دراسة أو تهيئة جديتين، لأن هذه الوحدة "الاندماجية" بين بلدين عربيين، لا حدود مشتركة بينهما، ويحكمهما نظامان مختلفان[116]، قد فرضَها فرضًا، وعلى الجميع، أولئك الضباط "الوطنيون" المتناحرون أنفسهم الذين كانوا يسيطرون على قيادة الجيش.

ففي 2 كانون الثاني 1958، ومن دون علم من الحكومة، سافر إلى القاهرة وفدٌ من مجلس قيادة الجيش، يرافقه الملحق العسكري المصري في دمشق، السيد محسن أبو النور، ليعرض الوحدة على الرئيس عبد الناصر. وقد قرَّر مجلس القيادة في الاجتماع الذي عقده عشية سفر ذلك الوفد إرسال مذكرة...

[...] سُلِّمتْ إلى السيد أمين النفوري ليسلِّمها بدوره إلى رئيس الجمهورية وأركان النظام يُعلِمُهم فيها بسفر أعضاء مجلس القيادة إلى مصر، وليذكِّر الحكومة بالعهد الذي قطعتْه على نفسها بالعمل على تحقيق الوحدة بين البلدين، وفيها تحذير واضح بالنتائج التي قد تترتَّب على الحكومة في حال تقاعُسها أو تجاهُلها لهذه المذكرة.[117]

ويتابع أكرم الحوراني واصفًا ما حدث يومئذٍ فيقول:

تلقيت المذكرة من أمين النفوري دون أيِّ تعليق عليها. وفي عصر ذلك اليوم تلفن لي الرئيس القوتلي، فاجتمعت به في منزله، فسألني إذا كنت قد استلمت مذكرة من الزعيم أمين النفوري، فرويت له ما جرى، فقال لي إنه تسلَّم مذكرة مماثلة، وسألني عن رأيي في الأسلوب الذي اتَّبعه العسكريون في سفرهم إلى القاهرة دون إطلاع الحكومة فقلت له: "إنها مبادرة خاطئة وغير مشروعة، لأنه لا يجوز للعسكريين أن يتصرفوا من أنفسهم هذا التصرف." فبدا الارتياح على وجهه، وسألني: "كيف يمكن لنا أن نعالج الموضوع؟" فقلت له: "إن سبيل معالجته هو إسراع الحكومة بإرسال وزير الخارجية فورًا إلى القاهرة حاملاً معه مشروع الحكومة الاتحادي، وهكذا يبدو الأمر طبيعيًّا في سورية أو في خارجها، ويظهر الانسجام والتماسك والاتفاق بين الجيش والمؤسَّسات الدستورية." فثنَّى القوتلي على اقتراحي وقال إنه سيوعز إلى الحكومة بتنفيذ هذا الاقتراح فورًا.[118]

وكان هذا ما حصل: ذهب وزير الخارجية (البعثي) صلاح الدين البيطار إلى القاهرة حاملاً مشروع الاتحاد الذي كانت أقرَّتْه الحكومة. لكن...

تمَّ تجاوُز هذا المشروع والاتفاق مع الرئيس عبد الناصر، الذي كان مصرًّا على ذلك، على قيام وحدة "اندماجية" بين البلدين، بحيث يصبحان بلدًا واحدًا ذا نظام رئاسي، وأن تحلَّ جميعُ الأحزاب السياسية السورية نفسها ويكون هناك بدلاً عنها حزبٌ واحد فقط هو "الاتحاد القومي"؛ كما يُبعَد الجيش السوري عن التدخل بالسياسة. وقد وافق الجميع تقريبًا على ذلك.

قلت "تقريبًا"، لأن هذا بات معروفًا اليوم، حيث سلَّم الجميع، وعلى رأسهم القوتلي، ووافقوا بإخلاص على قيام تلك الوحدة التي لم يتحفَّظ عليها يومئذٍ إلاَّ اثنان: الشيوعي خالد بكداش، الذي توارى ولم يحضر جلسة مجلس النواب التي صادقت على الوحدة، وخالد العظم، الذي كان الوحيد الذي أبدى، بكلِّ شجاعة، في اجتماع أخير عُقِدَ يومذاك في القصر الجمهوري...

[...] شكوكه وارتيابه بتشكيل الاتحاد القومي، وأصرَّ على الديموقراطية وعلى ضرورة تعدُّد الأحزاب في سورية، والذي يُفهَم من مجمل اعتراضاته ضرورة بقاء النظام الدستوري الديموقراطي في سورية على الرغم من قيام الوحدة بين البلدين[119] [...]

وذلك قبل أن "يوافق" كالآخرين ويوقِّع معهم، سائلاً "الله أن يبدِّد تحفُّظـ[ـه]"[120].

وفي الأول من شباط 1958، وسط أجواء من الحماس الشعبي الجارف، وقَّع الرئيس شكري القوتلي والرئيس جمال عبد الناصر، في "قصر القبة" بالقاهرة على وثائق قيام "الجمهورية العربية المتحدة" بين سورية ومصر – وحدة كان يعتقد بصدق وإخلاص، كمعظم أبناء جيله من السياسيين السوريين الوطنيين القدامى، أنها "نواة ستكبر وتنمو، وخطوة في صميم الواقع العربي ستتلوها خطوات"[121].

 

ونتابع بإيجاز، فيما يتعلق بشكري بك...

8

ما جرى بعدئذٍ
(وهو بمثابة خاتمة لهذا المقال)

لأنها لم تنجح – وكان هذا منطقيًّا وطبيعيًّا – تلك الوحدةُ التي أُعلِنَ عن قيامها رسميًّا في 21 شباط 1958. ونتذكر أنه إبان فترة الوحدة كان القوتلي، الذي بدأ ينهكه المرض، وأصبح "مواطنًا عربيًّا أولاً"، يراقب عن كثب، من منزله أو من سويسرا، تدهور الأوضاع العامة في بلاده التي أُلغِيَتْ فيها الحريات وباتت تحكمها أجهزةُ المخابرات. فقد كان في سويسرا يعالَج في أحد مستشفياتها حين وصله نبأ الانقلاب (الذي كان منتظَرًا يومئذٍ) الذي قامت به، في 28 أيلول 1961، ثلةٌ من كبار ضباط الجيش وأدى إلى انفصال سورية عن مصر... لأنها كانت تنهار أمام ناظريه هذه الوحدةُ التي...

[...] تولاَّها منذ نعومة أظافره، وغرسها بيده وقلبه، ورواها بدموعه ومهجته.[122]

لذلك كانت مريرة جدًّا، وفي منتهى البلاغة، كلمتُه التي وجَّهها يومئذٍ إلى الشعب السوري وإلى جيشه الذي كان شكري بك، وبقي حتى آخر يوم من حياته، يعتبره "حامي الديار وحارس الشرف والكرامة والحرية". وقد أكَّد القوتلي في تلك الكلمة على أن مَن أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه و...

[...] فرَّط بالوحدة وأخلى بينها وبين الشعب [إنما] هو جهاز الحكم برمَّته، من الأعلى إلى الأدنى، جهاز الحكم الذي كان يخبط في أساس الوحدة على غير هدى وتبصُّر، جهاز الحكم الذي كان له ألف عين وعين لكنَّه لا يبصر بعين واحدة منها، جهاز الحكم، تفكيرًا وتدبيرًا وتصميمًا وتنفيذًا، هذا الجهاز الذي كان شديدًا في موقف السماحة واللِّين، جبانًا في موقف الحزم وقوة الإرادة.[123]

ونتذكَّر – والذكرى قد تنفع المؤمنين – أنه في تلك الأيام الأخيرة للديموقراطية السورية إبان القرن العشرين، تلك الأيام التي عُرِفَتْ بـ"الانفصال"[124]، عاد "المواطن العربي الأول" شكري القوتلي إلى البلاد لبعض الوقت، فبذل كلَّ ما في وسعه محاولاً تقريب المواقف بين قادتها الوطنيين، الذين كان على رأسهم رئيس الجمهورية الجديد، رفيقه من حزب الشعب، السيد ناظم القدسي، وصديقه ومنافسه اللدود السيد خالد العظم، ومعارضه الدائم السيد أكرم الحوراني، والذين كانوا يسعون جاهدين، كلٌّ من طرفه وعلى طريقته، لإعادة سورية إلى طريق الديموقراطية والحكم المدني والشرعية الدستورية. لكنه... والأصح أن نقول "لكنهم"، لأسباب تجاوزتْهم جميعًا، لم ينجحوا يومئذٍ في مساعيهم النبيلة.

ففي 8 آذار 1963، كان انقلاب عسكري جديد – بحجة إعادة الوحدة – يقلب الأوضاع السورية رأسًا على عقب. لكن الوحدة لم تعد، إنما آثرت أن تبتعد أكثر فأكثر فأكثر.

لأن الأنظمة "الثورية" لم تقوِّ العرب، بل... تسببت إلى حدٍّ كبير في هزيمة 5 حزيران 1967، التي كان وَقعُها أليمًا جدًّا على الرئيس المواطن شكري القوتلي، كما على المواطن العادي. فبعدها مباشرة، في 30 حزيران 1967، توفي شكري بك في أحد مستشفيات بيروت متأثرًا بعد أن عانى ما عانى من المرارة ومن المرض.

وقد سمحت السلطات السورية يومئذٍ – مشكورةً – بدفنه في دمشق، مدينته ومسقط رأسه.

*** *** ***


[54] وقد ضمت هذه الوزارة، إضافة إلى سعد الله الجابري رئيسًا للوزراء ووزيرًا للخارجية، كلاًّ من السادة: خالد العظم لوزارتَي الاقتصاد والعمل، نبيه العظمة للدفاع الوطني، صبري العسلي للداخلية، أحمد الشرباتي للمعارف، ميخائيل ليان للأشغال العامة، وإدمون حمصي للمالية (مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، مدبولي، ص 527).

[55] مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 767.

[56] زعيم أقلية منشقة عن الطائفة العلوية.

[57] مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 590.

[58] عن تلك الواقعة يقال – والعهدة على الراوي – إن شكري بك تظاهر بالمرض كي يتهرب من التوقيع على مرسوم إعدام سليمان المرشد لأن "والدته كانت استحلفته ألا يعدم أحدًا"، فترك التوقيع على هذا المرسوم بالنيابة عنه لوزير الداخلية صبري العسلي.

[59] مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 602.

[60] وقد ضمت هذه الوزارة، إضافة إلى رئيسها كرئيس للوزراء ووزير للداخلية والصحة، السيد سعيد الغزي للمالية، نعيم أنطاكي للخارجية، أحمد الشرباتي للدفاع، حكمت الحكيم للاقتصاد، عادل أرسلان للمعارف، وعدنان الأتاسي للعدل والأشغال العامة (المرجع نفسه، ص 619).

[61] كانت الهيئة الإدارية للحزب الوطني، كما أُعلِنَتْ آنذاك، مؤلَّفة من السادة: سعد الله الجابري رئيسًا، لطفي الحفا نائبًا للرئيس، صبري العسلي أمينًا للسر، مظهر رسلان مراقبًا عامًا، وعبد الرحمن الكيالي أمينًا للصندوق؛ كما كان من أعضائه الإداريين: عبد الله شريتح، محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل)، جمال علي أديب، فايز الخوري، سليمان معصراني، وميخائيل ليان (المرجع نفسه، ص 638).

[62] كثُر الحديث يومئذٍ عن "تزوير" حصل في انتخابات دمشق لصالح قائمة القوتلي، الذي كان يهدِّده رجالُ الدين بقيادة الشيخ كامل القصاب.

[63] كانت هذه الوزارة مؤلَّفة من السادة: جميل مردم للرئاسة والخارجية، سعيد الغزي للاقتصاد الوطني، أحمد الشرباتي للدفاع الوطني، محسن البرازي للداخلية والصحة، أحمد الرفاعي للعدلية والأشغال العامة، وهبي الحريري للمالية، ومنير العجلاني للمعارف (مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 672).

[64] مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 681 و692.

[65] كان من بين المتطوعين السوريين الذين حاربوا في فلسطين النائب أكرم الحوراني والعقيد أديب الشيشكلي.

[66] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 76.

[67] كانت الوزارة مشكَّلة على النحو التالي: جميل مردم رئيسًا ووزيرًا للداخلية والدفاع، لطفي الحفار نائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزير دولة، محسن البرازي وزيرًا للخارجية، صبري العسلي وزيرًا للداخلية، وهبي الحريري وزيرًا للمالية، منير العجلاني وزيرًا للمعارف، محمد العايش وزير دولة، نوري الإيبش وزيرًا للزراعة، الأمير عادل أرسلان وزيرًا للصحة والشؤون الاجتماعية، سعيد الغزي للداخلية، أحمد الرفاعي وزيرًا للأشغال العامة، ميخائيل ليان وزيرًا للاقتصاد الوطني (مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 796 و797).

[68] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 77.

[69] مذكرات خالد العظم، مج 2، ص 181.

[70] المرجع نفسه، ص 185.

[71] كانت هذه الوزارة تضم، إضافة إلى خالد العظم رئيسًا للوزراء ووزيرًا للخارجية والدفاع، السادة: محمد العايش للزراعة، عادل العظمة للداخلية، محسن البرازي للمعارف، أحمد الرفاعي للعدلية والصحة والشؤون الاجتماعية، حنين صحناوي للمالية، ومحيي الدين الجابري للأشغال العامة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 1، ص 843).

[72] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 78 و79.

[73] مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 926.

[74] مايلز كوپلاند، لعبة الأمم، دار الفتح للطباعة والنشر.

[75] مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 938.

[76] الذي أعلن عن نفسه "حزبًا قوميًّا عربيًّا انقلابيًّا" في 7 نيسان 1947.

[77] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 82.

[78] في الواقع لم يستدعِ الجيش "الحزب الوطني" الذي كان حزب القوتلي، بل استعاده.

[79] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 83.

[80] كانت هذه الوزارة مؤلَّفة على الشكل التالي: هاشم الأتاسي رئيسًا للوزراء، خالد العظم وزيرًا للمالية، عادل العظمة وزيرًا للدولة، فيضي الأتاسي للاقتصاد، أكرم الحوراني للزراعة، سامي كبارة للعدلية، رشدي الكيخيا للداخلية، ناظم القدسي للخارجية، ميشيل عفلق للمعارف، عبد الله عطفة للدفاع، وفتح الله أسيون وزير دولة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1011).

[81] وكان هذا، من منظوري، تعبيرًا عن اتفاق ضمني بين المؤسَّسة العسكرية وبين السياسيين المعارضين للقوتلي يقضي بإبعاد هذا الأخير وأنصاره عن الحكم.

[82] مذكرات خالد العظم، مج 2، ص 270.

[83] كانت التعديلات التي أُدخِلَتْ يومئذٍ على قانون الانتخاب إيجابية جدًّا: فقد منحت المرأة حق الانتخاب، وألغت الطائفية، وخفضت سنَّ الناخبين من 21 إلى 18 سنة.

[84] كان حسني الزعيم قد أبعد أديب الشيشكلي من الجيش، لكن سامي الحناوي أعاده بعد الإطاحة بهذا الأخير.

[85] مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1112.

[86] مذكرات خالد العظم، مج 2، ص 226 و229.

[87] تألَّفت هذه الوزارة من السادة: خالد العظم رئيسًا لمجلس الوزراء ووزيرًا للخارجية، فيضي الأتاسي وزيرًا للعدلية، سامي كبارة للداخلية، هاني السباعي للمعارف، عبد الباقي نظام الدين للزراعة، عبد الرحمن العظم للمالية، معروف الدواليبي للاقتصاد، أكرم الحوراني للدفاع، محمد المبارك للمعارف، فتح الله أسيون للأشغال العامة (المرجع نفسه، ص 231 و232).

[88] مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1144 و1145.

[89] كانت هذه الوزارة تضم كلاًّ من السادة: ناظم القدسي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للخارجية، شاكر العاص للاقتصاد والزراعة، جورج شلهوب للأشغال العامة، فرحان الجندلي للمعارف والصحة، رشاد برمدا للداخلية، زكي الخطيب للعدلية، حسن جبارة للمالية، وفوزي سلو للدفاع (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1189).

[90] تشكَّلت هذه الوزارة على النحو التالي: ناظم القدسي للرئاسة والخارجية، رشاد برمدا للداخلية، علي بوظو للزراعة، شاكر العاص للمالية، جورج شلهوب للصحة، أحمد قنبر للأشغال العامة، هاني السباعي للاقتصاد الوطني، فوزي سلو للدفاع، زكي الخطيب للعدلية، وفرحان الجندلي للمعارف (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1242).

[91] كانت حكومة خالد العظم مؤلَّفة على الشكل التالي: خالد العظم للرئاسة والخارجية، الدكتور سامي كبارة للداخلية، عبد الباقي نظام الدين للزراعة والعدلية، عبد الرحمن العظم للمالية، اللواء فوزي سلو للدفاع الوطني، رئيف الملقي للمعارف، الدكتور سامي طيارة للصحة والأشغال العامة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1301).

[92] كانت وزارة حسن الحكيم مؤلَّفة على الشكل التالي: حسن الحكيم للرئاسة والمالية، فيضي الأتاسي للخارجية، فتح الله أسيون للصحة والإسعاف العام، شاكر العاص للاقتصاد الوطني والزراعة بالوكالة، فوزي سلو للدفاع الوطني، رشاد برمدا للداخلية، حامد الخوجة للأشغال العامة والمواصلات، عبد الوهاب حومد للمعارف، عبد العزيز حسن بك للعدل؛ ثم أُسنِدَتْ وزارة الزراعة للدكتور محمد المبارك (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1386 و1387).

[93] أهي للحكومة، كما كان يطالب حزب الشعب؟ أم للجيش، كما كان يرى الشيشكلي؟

[94] استمرت هذه الوزارة يومًا واحدًا فقط، وكانت مؤلَّفة من: معروف الدواليبي للرئاسة والدفاع، منير العجلاني للمعارف، محمد المبارك للزراعة، شاكر العاص للخارجية، عبد الرحمن العظم للمالية، علي بوظو للاقتصاد، محمد الشواف للصحة، جورج شاهين للأشغال العامة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1454 و1455).

[95] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 84 و85.

[96] فيليپ خوري، سورية والانتداب الفرنسي، الطبعة العربية، ص 693.

[97] كانت وزارة العسلي، التي كانت، في معظمها، من الحزب الوطني وحزب الشعب، مؤلَّفة على النحو التالي: صبري العسلي رئيسًا، معروف الدواليبي للدفاع، عفيف الصلح للدولة، فيضي الأتاسي للخارجية، محمد سليمان الأحمد للصحة، حسن الأطرش للزراعة، فاخر كيالي للاقتصاد، عبد الرحمن العظم للمالية، رشاد جبري للأشغال، وعلي بوظو للداخلية (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1587).

[98] كانت هذه الوزارة مؤلَّفة على النحو التالي: سعيد الغزي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للدفاع، عزت الصقال للخارجية والمالية، أسعد الكوراني للعدل والاقتصاد الوطني، نهاد القاسم للمعارف والزراعة، إسماعيل قولي للخارجية، ونبيه الغزي للأشغال العامة والمواصلات والصحة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1633 و1634).

[99] كانت وزارة فارس الخوري مؤلَّفة على النحو التالي: فارس الخوري رئيسًا، فيضي الأتاسي للخارجية، منير عجلاني للمعارف، مجد الدين الجابري للأشغال العامة والمواصلات، أحمد قنبر للداخلية، رشاد جبري للدفاع الوطني، علي بوظو للعدل، محمد سليمان الأحمد للصحة، فاخر الكيالي للاقتصاد، رزق الله أنطاكي للمالية، وعبد الصمد الفتيح للزراعة (مذكرات أكرم الحوراني، ج 2، ص 1687).

[100] وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 181.

[101] كانت وزارة صبري العسلي مؤلَّفة على النحو التالي: صبري العسلي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية، فاخر الكيالي للاقتصاد، ليون زمريا للمالية، خالد العظم للخارجية، عبد الباقي نظام الدين للأشغال العامة، رئيف الملقي للمعارف، وهيب الغانم وزير دولة موكل بوزارة الصحة، مأمون الكزبري للعدلية، وحامد خوجة للزراعة (مذكرات خالد العظم، مج 2، ص 322).

[102] وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 188 و189.

[103] كان عدد النواب الحاضرين 139 نائبًا، بغياب ثلاثة نواب، وكانت نتيجة التصويت كالتالي: 4 بطاقات بيضاء، 3 بطاقات باطلة، شكري القوتلي 91 صوتًا، وخالد العظم 41 صوتًا (عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 99).

[104] المرجع السابق نفسه، ص 99.

[105] جاءت هذه الوزارة مؤلَّفة على الشكل التالي: سعيد الغزي للرئاسة والخارجية، منير العجلاني للعدل، حسن الأطرش وزير دولة، عبد الباقي نظام الدين للأشغال، رشاد برمدا للدفاع، علي بوظو للاقتصاد، عبد الوهاب حومد للزراعة، محمد سليمان الأحمد وزير دولة، أسعد هارون وزير دولة، رزق الله أنطاكي للمالية، مأمون الكزبري للمعارف، وعبد الحسيب أرسلان للداخلية؛ لكنها سرعان ما عُدِّلَتْ بحيث أصبح ميرزا وزيرًا للزراعة، وعلي بوظو للداخلية، وعبد الوهاب حومد للمالية، ورزق الله أنطاكي للاقتصاد (وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 193).

[106] المرجع السابق نفسه، ص 200.

[107] مذكرات أكرم الحوراني، ج 3، ص 2039.

[108] كانت هذه الوزارة مؤلَّفة على النحو التالي: صبري العسلي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للمالية، محمد العايش وزيرًا للدولة، مجد الدين الجابري للأشغال العامة والمواصلات، عبد الباقي نظام الدين للصحة، أحمد قنبر للداخلية، عبد الوهاب حومد للتربية، رشاد جبري للزراعة، مصطفى الزرقا للعدل، صلاح الدين البيطار للخارجية، خليل الكلاس للاقتصاد الوطني، وعبد الحسيب أرسلان للدفاع الوطني (مذكرات أكرم الحوراني، ج 3، ص 2055).

[109] وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 203.

[110] المصدر نفسه، ص 204.

[111] هذه أسماء بعض المتهمين الـ47 كما وردت في قائمة الاتهام: الدكتور عدنان الأتاسي، الدكتور منير العجلاني، الدكتور سامي كبارة، الدكتور عدنان العائدي، السيد ميخائيل ليان، السيد صبحي العمري، السيد هايل سرور، السيد حسن الأطرش، السيد فيصل العسلي، السيد فرزت مملوك، السيد محمد سليمان الأحمد، السيد نوري بن مهيد، السيد عادل العجلاني، السيد فضل الله جربوع، السيد حامد منصور، السيد جورج عبد المسيح، السيد وديع الشيشكلي، العقيد أديب الشيشكلي، العقيد صلاح الشيشكلي، المقدم محمد معروف، العقيد محمد صفا، المقدم حسن الحكيم، النقيب عبدو وهبه، النقيب عز الدين الجراح، برهان الدين باش أعيان (وزير خارجية العراق)، اللواء غازي الداغستاني (رئيس المخابرات العراقية)، العقيد صالح مهدي السامرائي (الملحق العسكري العراقي في سورية) (وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 206).

[112] كانت هذه الوزارة مؤلَّفة على الشكل التالي: صبري العسلي رئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية بالوكالة (حزب وطني)، صلاح البيطار وزيرًا للخارجية (بعث)، خليل كلاس وزيرًا للاقتصاد (بعث)، خالد العظم وزير دولة ووزير دفاع بالوكالة (كتلة ديموقراطية)، حامد الخوجة وزيرًا للزراعة (كتلة ديموقراطية)، صالح عقيل وزير دولة (كتلة ديموقراطية)، فاخر الكيالي وزيرًا للأشغال العامة (حزب وطني)، أسعد هارون وزيرًا للصحة (حزب وطني)، هاني السباعي وزيرًا للمعارف (شعبي سابق)، أسعد محاسن وزيرًا للمالية (مستقل)، مأمون الكزبري وزيرًا للعدل (حركة التحرر العربي).

[113] وليد المعلم، سورية: 1918-1958، ص 207.

[114] المرجع السابق، ص 218.

[115] مذكرات أكرم الحوراني، ج 3، ص 2057.

[116] نظام رئاسي وحزب واحد في مصر، مقابل نظام برلماني تعددي في سورية.

[117] المرجع نفسه، ص 2493.

[118] المرجع نفسه، ص 2502.

[119] المرجع نفسه، ص 2516.

[120] المرجع نفسه، ص 2522.

[121] من خطاب الرئيس شكري القوتلي في الجموع المحتشدة أمام دار رئاسة الجمهورية بالقاهرة في 1 شباط 1958 (عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 296).

[122] عبد الله فكري الخاني، جهاد شكري القوتلي، ص 159.

[123] المرجع نفسه، ص 160.

[124] ما بين 28 أيلول 1961 و8 آذار 1963.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود