كتاب الأديان الحية، نشوؤها وتطورها لأديب صعب
ألف باء الحب والخير والسلام

 

خالد غزال

 

على رغم أن الشعوب والحضارات القديمة عرفت في تاريخها الأديان، التي حاولت أن تطرح الأسئلة الوجودية الأساسية المتعلقة بخلق العالم ومصيره، وطبيعة السلوك الإنساني وخلاص النفس البشرية، وأن تجيب عنها، لكن السائد اليوم في مجتمعاتنا العربية، لا يرى من الأديان سوى التوحيدية منها، والمقيمة في مجتمعاته. عرف التاريخ أديانًا لم تكن أقل أهمية من الديانات التوحيدية، بعضها تضاءل أثره مع التاريخ، فيما البعض الآخر لا يزال فاعلاً بقوة. يملأ كتاب الأديان الحية، نشوؤها وتطورها لأديب صعب الصادر عن دار النهار للنشر، فراغًا في نقص المعرفة عن ديانات يجهلها كثيرون، أو ينظرون إليها نظرة سلبية انطلاقًا من واقع العصبية لهذا الدين التوحيدي أو ذاك.

ترى الهندوسية، الديانة السائدة في بلاد الهند، أن طريق الخلاص تقوم على الانعتاق من المادة والتحرر من المظاهر المضللة في العالم المادي. في مرحلتها الأولى، شددت على طاعة قوانين العشيرة لكي يولد الإنسان في حياة ثانية أكثر سعادة من الراهنة. يرى براهمان أن الحقيقة المطلقة خالدة ومدركة وكلية الحضور، وأن نفس الإنسان الحقيقية هي واحدة مع روح الكون. تؤمن الهندوسية بعقيدة تناسخ الأرواح، حيث أن الروح التي تفارق الجسد لا تبقى في مكان واحد، بل تنتقل من حال إلى حال ومن جسد إلى جسد في دورات لا نهاية لها.

تشدد البوذية، الديانة السائدة في بعض بلدان شرق آسيا، على أن العقبة في وجه الخلاص البشري ناجمة عن الرغبة الناشئة من شهوة العيش والاكتساب. ويرى بوذا أن معظم مشكلات الإنسان متأتية من طرائق شعوره أكثر منها من طرائق تفكيره. لذا، كل تفكير يقوم به الإنسان الحكيم، يجب أن يصب في معرفة رغباته وكيفية السيطرة عليها، لأن هذه الرغبات هي مكمن الشرور. تدعو البوذية إلى اعتبار اعتزال العالم وقمع إرادة العيش والامتلاك، من أفضل السبل الآيلة إلى قهر الرغبة وتحقيق السلام والانعتاق من دورات الزمن وبلوغ الخلاص والسعادة. كما تشدد الأخلاق البوذية على الإيمان والرجاء والسلوك والتفكير والتأمل القائمة كلها على الحق.

تعتبر الطاوية (الطريق)، الديانة التي عرفها الصينيون، أن النظام في الأرض والسماء ناجم عن مسيرة الأشياء في الطريق الصحيح، وأن الطريق (الطاو) أقدم من الكون، بل أزلي. الطاو مغلف بالأسرار الكونية، ومحاولة الوصول إليه تفضي من لغز إلى لغز، وحضوره كامن بحيث لا يستطيع المرء ادراكه إلا بالحدس. أما المبادئ السياسية للطاوية، فتقول بعدم تدخل الحكومة في شؤون الناس، لأن ذلك هو طريق الحرية والسلام. تؤدي النظرية السياسية للطاوية، ذات الطابع المثالي، إلى نبذ الحرب والسلاح.

تمثل الكونفوشية أحد الأديان الأساسية في بلاد الصين وتعود إلى مؤسسها كونفوشيوس، وينسب إليه أنه كان رجلاً لم يعرف الفساد طريقه إلى قلبه. كان يقول إن مقياس النجاح في الحياة يتأتى من الانسجام في الحياة العائلية والاجتماعية، كذلك من انسجام في الطبيعة والكون. قال، قبل المسيحية، إن المبادلة مبدأ يضمن صحة العلاقات بين البشر، ما لا تريد أن يفعله الناس بك، لا تفعله أنت بهم. وشدد على أن الفضيلة الحقة تكمن في ممارسة الحس الإنساني، والاعتراف بقيمة الإنسان مهما تكن رتبته أو طبقته، والسلوك العطوف تجاه أخوتنا في الإنسانية. إضافة إلى أن الاصلاح الاجتماعي يبدأ من الرأس، بل إن صلاح المجتمع هو صلاح الحاكم، وأن الحياة الصالحة هي ثمرة الروح أكثر منها ثمرة القانون، لأن المحبة تخفف من وطأة القانون بل قد تجعله غير ضروري، وأن المجتمع الفاضل يمكنه أن يتحقق عندما تستقيم كل فضيلة في مكانها الصحيح.

الشنتو دين اليابان القومي، ويندر وجوده خارج اليابان، لا يقوم على عقائد ثابتة بمقدار ما يعتمد طريقة محددة في الحياة والسلوك. تعني عبارة "شنتو" طريق الآلهة، واليابانيون يعتقدون أن أرض اليابان وحدها مقدسة، بل هي مركز العالم المتطور، والطريق (الشنتو) متعلق بماضي اليابان وشعوبها وحكامها، لذا يجري الاصرار على تعريف اليابان بأنها "أرض الآلهة". تقول الشنتو إن الله واحد وخير وإنه يلازم على الدوام كل من يؤمن به، وإن في إمكان الإنسان الاتصال مباشرة بالله.

تعتبر الزرادشتية من الديانات التي تقلص وجودها في التاريخ. ظهرت في ايران على يد زرادشت في حوالى عام 660 قبل الميلاد. تتقاطع الزرادشتية مع الأديان التوحيدية في الإيمان بالله الواحد الخالق، وبوجود قوى خير وقوى شر، والقول بالثواب والعقاب والحياة الأخرى بعد الموت والقيامة في اليوم الآخر. يعتبر الشيطان في الزرادشتية رمزًا للشر، وتشدد فلسفتها الأخلاقية على كون النفس البشرية مسرح صراع بين الخير والشر، وأن الحرب في داخل المرء تفرض على الإنسان الجهاد الدائم مع نفسه. كما تؤكد حرية الإنسان وتحمل الفرد مسؤولية الخيارات التي يتخذها. أما النار، التي تعطيها الزرادشتية موقعًا متميزًا، فإنها لا تمثل موضوع عبادة كما ينسب إليها أخصامها، بل هي رمز للإله الحكيم.

مع انتشار الديانة اليهودية التي تعتبر الديانة التوحيدية الأولى، اتخذ التوحيد منحى جديدًا، فقد بات الله هنا هو الإله الوحيد والخالق الذي يقيم عهدًا شخصيًا مع الإنسان، من خلال تسليمه بوحدانية الإله، والتزام وصاياه وتعاليمه في وصفها الخير المطلق. مع اليهودية تكرست الكتب المقدسة التي مثلت التوراة أول تجميع لتعاليم الله المنزلة على يد أنبيائه. تعرضت اليهودية لانشقاقات وبروز تيارات على امتداد تاريخها، وعانت من اضطهادات، عززت لاحقًا انغلاق اليهود في جماعات عرقية وعنصرية تمارس عبادتها ونشاطها، وامتد ذلك إلى التاريخ الأوروبي الحديث، مما جعل الناس تنظر إليهم نظرة ريبة وتذهب إلى أنهم يتآمرون في الخفاء ضد المصلحة العامة. يشار هنا إلى أن الدين اليهودي شهد حركة اصلاحية منتصف القرن التاسع عشر دعت إلى التجديد الديني وتطوير الديانة الموسوية، ورفض التلمود من الناحيتين العقائدية والعملية، ونبذ فكرة انتظار مسيح يعيد اليهود إلى أرض فلسطين، وعدم الاعتراف بوطن غير ذاك الذي ينتمون إليه بالولادة والهوية. لكن هذه الدعوة أُجهضت لصالح انبعاث الحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل.

تمثل المسيحية مرحلة متقدمة أكثر كمالاً من اليهودية في مسألة التوحيد، حيث يقوم الإيمان المسيحي على فكرة تجسيد الله وظهوره للناس في شخص يسوع المسيح المخلص. لكون المسيح عاش في عالم اتسم بالاضطراب السياسي والنزاع بين المجموعات والقبائل، فقد ارتأى أن يتم تبشيره من خلال الصلة المباشرة بالناس، والسعي إلى تغيير معتقداتهم وسلوكهم. لعل شخصية المسيح وطريق الحياة التي سلكها، تمثل أهم ما في تعاليمه الدينية والخلقية. قال إن الله هو الخالق، والضابط لكل شيء، وهو الحاكم، والخير المطلق والعدل المطلق والمحبة المطلقة. كانت الحقيقة الأهم التي نادى بها يسوع متمثلة في الله، فنظر إلى نفسه في وصفه مرسلاً من الله، ومنفذًا إرادة الله، وأنه ابن الله، بل أنه هو الله نفسه. على غرار اليهودية، تعرضت المسيحية منذ تاريخها ونشأتها إلى انشقاقات وصراعات داخلها جعلتها "مسيحيات متعددة".

الديانة التوحيدية الأخيرة يمثلها الإسلام الذي يعتبر أن أهم ما يميزه هو التوحيد المطلق. هذا التسليم التام من الإنسان تقابله رحمة واسعة من الله. تشكلت العقيدة الإسلامية من الوحي الذي نقله محمد، الرسول الذي اختاره الله لنشر تعاليمه بين البشر، وهي تقوم على التسليم بأن الله واحد لا شريك له، وترجمة ذلك بالإيمان والعبادة والإحسان (الأخلاق). يمثل القرآن كتاب الله الموحى به إلى محمد، وهو كتاب ينظر إليه في وصفه يتضمن الحقائق المطلقة. كما تمثل أحاديث الرسول استكمالاً لما ورد في القرآن، وهو ما يعرف بالسنَّة. يجري تحديد الوحي في الإسلام بأنه يقوم على كون الله واحدًا ومحمد رسوله والقرآن كتابه، وأن أول عناصر الإيمان هو التوحيد، وأكبر الخطايا الشرك، وأن الله واحد احد، كلي العلم والإرادة والقدرة. كما يشدد على التبشير بحياة راغدة للصالحين، وبالويل وجهنم وبئس المصير للأشرار. على غرار اليهودية والمسيحية انقسم الإسلام طوائف وفرقًا، لم يخل بعضها من تقاتل، مما يجعل الإسلام اليوم "إسلامات" متعددة.

يخرج قارئ كتاب الأديان الحية بانطباع يدعو الأديان التوحيدية السائدة اليوم، والمؤثرة في حياة مجتمعاتنا، إلى اصلاح عقائدها اللاهوتية، وإعادة التدقيق في الكثير من المفاهيم والشعائر التي كانت لها أهميتها في مرحلة من نشوء الدين، ولم تعد صالحة للزمن الراهن. تبدو دعوة الاصلاح ملحاحة بالنظر إلى انبعاث الحركات الأصولية المتطرفة من قلب الديانات التوحيدية الثلاث، والأخطار التي تتسبب بها في علاقة أبناء الدين نفسه، أو في علاقتهم بعضهم بالبعض.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود