كاتيخيزيس اللامقاومة٭

 

ليف تولستوي

 

(الترجمة تمَّت بتصرف مع إغفال بعض الفقرات)

س. من أين أُخذت كلمة "لامقاومة"؟

ج. من المنقول: "لا تقاوموا الشرَّ" (إنجيل متّى: 5، 39)

*

س. عمَّ تُعبِّر هذه الكلمة؟

ج. تُعبِّر عن فضيلة مسيحية سامية أمر بها المسيح.

*

س. هل ينبغي فهم كلمة "لامقاومة" بمعناها الأوسع، أي عدم مقاومة الشرِّ بأيِّ شكل كان؟

ج. كلا، يجب أن تُفهم بالمعنى الدقيق لموعظة المُخلِّص، أي عدم الردِّ على الشرِّ بالشرِّ. يجب مقاومة الشرِّ بشتَّى الوسائل العادلة، لكن ليس بالشرِّ على الإطلاق.

*

س. مِمَّ يُلحَظ أنَّ المسيح قد أمر بعدم المقاومة بهذا المعنى بالتحديد؟

ج. من الكلمات التي قالها في هذه الأثناء: "سمعتم أنَّه قيل: عينٌ بعين وسنٌّ بسنّ. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرَّ، بل من لطمك على خدِّك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا، ومن أراد أن يُخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا".

*

س. عمَّن كان يتحدث في عبارة: "سمعتم أنَّه قيل"؟

ج. عن رجال الدين والأنبياء، عن أنهم كانوا يقولون إنَّ كتابات العهد القديم تتضمَّن ما يُسمِّيه اليهود عادةً القانون والأنبياء.

*

س. أيَّ أوامر كان يقصدها المسيح بكلامه: "قيل لكم"؟

ج. الأوامر التي يعطي فيها نوح وموسى والأنبياء الآخرون الحقَّ بإلحاق أذى شخصي بمُلحق الضرر بهدف العقاب أو القضاء على الأعمال الشريرة.

*

س. اذكر هذه الأوامر.

ج. "سافِك دم الإنسان بالإنسان يُسفَك دمه" (سفر التكوين: 9، 6)

"من ضرب إنسانًا فمات يُقتَل قتلاً". "وإن حلَّت أذيَّة تُعطي نفسًا بنفس وعينًا بعين وسنًّا بسنٍّ ويدًا بيد ورِجلاً برجل وكيًّا بكيٍّ وجرحًا بجرح ورضًّا برضّ". (سفر الخروج: 21، 12-23-25)

"وإذا أمات أحدٌ إنسانًا فإنه يُقتل". "وإذا أحدث إنسانٌ في قريبه عيبًا، فكما فعل كذلك يُفعَل به". "كسرٌ بكسر وعينٌ بعين وسنٌّ بسنّ". (لاويين: 24، 17-19-20)

"فإن فحص القضاة جيدًا، فإذا الشاهد شاهد كاذب، قد شهد بالكذب على أخيه، فافعلوا به كما نوى أن يفعل بأخيه. لا تُشفق عينك [عليه]: نفسٌ بنفس. سنٌّ بسنّ. يدٌ بيد. رِجلٌ برِجل". (تثنية: 19، 18-21)

هذه هي الفروض التي يتحدث عنها يسوع.

لقد علَّم نوح وموسى والأنبياء على نحوٍ بحيث أنَّ ذلك الذي يقتل أو يُشوِّه أو يُعذِّب أقرباءه، ويعمل الشرَّ؛ فمن أجل مقاومة شرٍّ كهذا والقضاء عليه يجب معاقبة فاعل الشرِّ بقتله أو تشويهه أو تعذيبه بطريقة ما. يجب الردُّ على الإساءة بالإساءة، وعلى القتل بالقتل، وعلى التعذيب بالتعذيب، وعلى الشرِّ بالشرِّ. هكذا علَّم نوح وموسى والأنبياء، لكن المسيح أبطل هذا كله: "وأما أنا فأقول لكم (كُتِب في الأناجيل): لا تقاوموا الشرَّ، لا تردُّوا على الإساءة بالإساءة بل، بالحري، اصبروا على الإساءة المتكررة من فاعل الشرِّ". ما كان مسموحًا به بات ممنوعًا. وإننا، إذ نفهم شكل المقاومة الذي علَّموه، نعلم تمامًا ما الذي تُعلِّمه لامقاومة المسيح.

*

س. هل أباح القدماء الردَّ على الإساءة بالإساءة؟

ج. أجل، لكن يسوع منع هذا. لا يحقُّ للمسيحي على الإطلاق قتل قريبه، فاعل الشر، أو الإساءة إليه.

*

س. هل يحقُّ له قتل أو تشويه الآخر في حالة الدفاع عن النفس؟

ج. كلا.

*

س. هل يجوز له تقديم شكوى للقضاء لكي يُعاقَب المسيء إليه؟

ج. لا، لأنَّ ما يفعله من خلال الآخرين إنما يقوم به هو ذاته من حيث الجوهر.

*

س. هل يجوز له القتال ضمن الجيش أو ضد المتمردين الداخليين؟

ج. طبعًا لا. لا يجوز له قبول أيِّ مشاركة في الحرب أو الإعدادات الحربية. لا يجوز له استخدم الأسلحة المميتة. لا يجوز له الردُّ على الإساءة بالإساءة، سواء كان بمفرده أم برفقة آخرين، بنفسه أم من خلال الناس الآخرين.

*

س. هل يجوز له أن ينتخب أو يُهيّأ، طوعًا، أناسًا عسكريين للحكومة؟

ج. لا يجوز له القيام بأيِّ شيء من هذا إذا كان يريد أن يكون مخلصًا لشريعة المسيح.

*

س. هل يجوز له تقديم المال طوعًا لمساعدة الحكومة القائمة على القوة العسكرية، وعلى الإعدام والعنف عمومًا؟

ج. كلا. يجوز له ذلك فقط إذا كان المال مخصصًا لغرض عادلٍ بذاته، حيث الغاية والوسائل خيِّرة.

*

س. هل يجوز له دفع الضرائب لحكومة كهذه؟

ج. كلا، لا يجب عليه دفع الضرائب طوعًا لكن يجب عليه عدم مقاومة جباية الضرائب. الضريبة، المفروضة من قِبل الحكومة، تُجبى بغضِّ النظر عن إرادة الرعايا. لا ينبغي مقاومتها، يجب عدم اللجوء إلى العنف. فالمسيحي لا يجوز له استخدام العنف لذا يجب عليه وضع مُلكيته الخاصة تحت تصرُّف السلطات التي تفرض عليه غرامة عنفية.

*

س. هل يجوز للمسيحي التصويت في الانتخابات والمشاركة في القضاء والإدارات؟

ج. كلا؛ فالمشاركة في الانتخابات أو القضاء أو الإدارات إنما هي مشاركة في عنف الدولة.

*

س. فيمَ يكمن المعنى الرئيس لعقيدة عدم مقاومة الشرِّ؟

ج. في أنها الوحيدة التي تمنح إمكانية اقتلاع الشرِّ من جذوره، سواء من قلوبنا أم من قلب القريب. هذه العقيدة تُحرِّم القيام بما يُخلِّد ويُفاقم العنف في العالم. ذلك الذي يهاجم الآخر ويسيء إليه يُضرم لدى الآخر شعور الكراهية الذي هو جذر كلِّ الشرور. إيذاء الآخر لأنه أذانا – كأنما من أجل القضاء على الشرِّ – يعني تكرار العمل السيئ بحقه وبحقِّ أنفسنا، يعني خلق، أو على الأقل تحرير وتشجيع، الشيطان الذي نريد طرده. لا يمكن طرد شيطان بوساطة شيطان، لا يمكن تطهير الباطل بوساطة الباطل، والشرُّ لا يمكن هزمه بالشرِّ.

اللامقاومة الحقيقية هي المقاومة الحقيقية الوحيدة للشرِّ. هي تقطع رأس الأفعى. إنها تقتل الشعور الشرير ثم تمحقه في نهاية المطاف.

*

س. ولكن، إذا كان جوهر العقيدة صحيحًا فهل هي قابلة للتطبيق؟

ج. هي قابلة للتطبيق مثل أيِّ خير آخر يأمر به شرع الله. لا يمكن عمل الخير في كل الظروف من دون نكران الذات والحرمان والألم، وفقدان الحياة في الحالات القصوى. لكن ذلك الذي يُثمِّن الحياة أكثر من تحقيق مشيئة الله ميت مسبقًا بالنسبة للحياة الوحيدة الحقيقية. إنسان كهذا، إذ يحاول إنقاذ حياته يفقدها. عدا عن أنَّ اللامقاومة، بشكل عام، تُكلِّف تضحيةً بحياةٍ واحدة أو بمنفعة ضرورية من منافع الحياة في حين أنَّ المقاومة تُكلِّف آلاف الضحايا.

*

س. لكن عندما تسلك قلة من الناس على هذا النحو؛ فماذا قد يحدث لهم؟

ج. لو تصرَّف إنسان واحد فقط على هذا النحو، واتفق الآخرون كلهم على صلبه؛ أفليس أمجد له أن يموت منتصرًا بالمحبة اللامقاومة، وهو يُصلِّي من أجل أعدائه، من أن يعيش متوَّجًا بتاج قيصرٍ مُضرِّجٍ بدماء القتلى؟ لكن سواء كان فردًا واحدًا أم كانوا آلافَ الناس الحاسمين بصلابة بأن لا يقاوموا الشرَّ بالشرِّ، وسواء كانوا وسط أقرباء متنوِّرين أم همجيين؛ فهم آمنون من العنف أكثر بكثير من الذين يتَّكلون على العنف. فسرعان ما سيتركهم المجرم والقاتل والكاذب وشأنهم مقارنةً بمن يقاوم بالسلاح. آخذوا السيف بالسيف يهلكون، والباحثون عن السلام، السالكون بودٍّ، دون أذى، الذين ينسون الإساءة ويعفون عنها، معظمهم ينعمون بالسلام، وإذا ماتوا يموتون مباركين.

وبالتالي، إذا التزم الجميع بوصية اللامقاومة فمن الجليِّ أنه لن تكون هناك لا إساءات ولا شرور. لو كان أمثال هؤلاء أكثرية لأنشأوا حكومة المحبة والإحسان حتى إلى المسيئين، دون أن يقاوموا الشرَّ بالشرِّ أبدًا، دون أن يستخدموا العنف على الإطلاق. لو أنَّ هؤلاء كانوا أقلية كثيرة العدد بما يكفي لمارسوا تأثيرًا أخلاقيًا مُصلحًا على المجتمع بحيث تُلغى كل العقوبات القاسية، ويحلُّ السلام والمحبة محلَّ العنف والعداوة. لو أنهم كانوا أقلية قليلة فقط فنادرًا ما كانوا سيختبرون ما هو أسوأ من احتقار العالم، في حين أنَّ العالم ذاته، دون أن يشعر بذلك ودون أن يشكر على ذلك، كان سيغدو أكثر حكمةً، ولكان تحسَّن باستمرار من جرّاء هذا التأثير الخفي. وفي أسوأ الأحوال، لو تمَّ تعذيب بعضًا من أفراد الأقلية فإنَّ هؤلاء القتلى في سبيل الحقِّ سيتركون وراءهم، تلقائيًا، عقيدتهم التي باتت مقدَّسة بالدم الشهيد.

السلام على كلِّ الباحثين عن السلام، ولتكن المحبة الظافرة ميراثًا خالدًا لكلِّ الأنفس الخاضعة طوعًا لقانون المسيح: "لاتقاوموا الشرَّ بالعنف".

الترجمة عن الروسية: هڤال يوسف

*** *** ***


 

horizontal rule

٭  من كتاب ملكوت الله في داخلكم.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود