حرِّية التأويل، مفتاح العلمانية في الإسلام
اختلاف إشكاليات العلمانية بين أوروبا والعالم العربي

 

جورج قرم٭

 

العلمانية التي ما انفكَّت تثير سجالات لم تهدأ في العالم العربي والإسلامي حتى اليوم، باتت بحاجة ماسَّة إلى إعادة نظر، بعيدًا عن التبسيط والنمذجة التي لحقت بهذا المفهوم وأضرَّت به بشدة. فالنقاشات التي تدور حول العلمانية في الإسلام تنطلق من أداة قياس هي التجربة الأوروبية، ولعل هذا أول إشكالات التعاطي مع الأمر. فإذ تحيلنا التجربة الأوروبية إلى حروبٍ دينية استمرت قرونًا، فإن الاستقراء الدقيق للتاريخ العربي والإسلامي يشير بوضوح إلى أن القيمة الجوهرية للعلمانية، ونعني "حريَّة الفكر" وما إليها من احترام التنوع الديني، كانت مزدهرة في التاريخ الإسلامي المبكِّر قبل أن تتبلور في أوروبا بعد قرونٍ من الحروب الدامية.

لماذا تُعتبر المجتمعات الإسلامية غير مؤهلة لاتِّباع نظامٍ علماني كالذي طوَّرته ومارسته المجتمعات الأوروبية؟ لنكتفِ بالتذكير بالصعوبات الضخمة التي تمَّت مواجهتها خلال تاريخ أوروبا، ومنها الحروب الدينية الرهيبة بين الكاثوليك والبروتستانت. ولنذكِّر أيضًا بالتاريخ الطويل للمسيحية الأرثوذوكسية، البيزنطية والروسية، وبالعلاقات المعقَّدة التي كانت قائمة بين الكنيسة والدولة على مدى قرون، بما فيه خلال الفترة التي أعقبت انهيار الشيوعية.

تنتمي الأدوات المفهومية التي نستخدمها، للحديث عن الدين والسياسية أو عن الدولة والدين، إلى نموذجٍ خاص بأوروبا، وهي علاقات لم تتخذ طابعًا سلميًّا فعليًّا إلا مع بداية القرن العشرين. واستخدامها المباشر والمُفرِط، لتحليل العلاقة بين السلطة والدين في المجتمعات المسلمة، يشوِّش في الواقع طبيعة المشاكل الحقيقية التي تخصُّ تلك المجتمعات المسلمة.

فالعلمانية لا تعني سوى غياب استغلال السياسة من قبل السلطة الدينية، والعكس أيضًا. وبهذا المعنى، تشكِّل العلمانية الركيزة الأساسية للحرية الإنسانية. وبغية تحقيقها، تفرِض هذه الحرية فصل المؤسَّسات السياسية عن المؤسَّسات الدينية. لكن الإغراء كبير في اللجوء إلى استغلال الدين من قبل السياسة، والعكس، في إدارة المجتمعات. علمًا أنَّ هذا هو ثمن الحرية الإنسانية، حتى تلك التي تُوصي بها النصوص المقدسة الأساسية والمؤسِّسة للديانات السماوية الثلاث.

إن كان الإنسان بحاجة إلى الشعور بما هو مقدَّس والتعبير عن روحانيته، فهو يحتاج بالقدر نفسه لتحكيم عقله وحرية قراره، بعكس ما قد تؤكِّد عليه بعض المدارس الدينية التي تتذرَّع بالقدرية في الديانات السماوية الثلاث. لكن العلمانية ليست مفهومًا مُطلَقًا يتحقَّق على أساس عقيدةٍ موحَّدة ونموذجٍ مؤسَّساتي محدَّد. بل هي خلاصة لتطوُّرات تاريخية معقَّدة، ككلِّ ظاهرةٍ بشرية. لذا، لا يجب أن نبقى رهينة الخصوصية التاريخية للنموذج الأوروبي وتلاوينه المختلفة.

لم يمكِن لأيِّ ملكٍ أو إمبراطورٍ أو أميرٍ الادعاء بممارسته الحكم دون موافقة البابا

لقد طُبع هذا النموذج في الواقع بالنفوذ التاريخي القوي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، الذي شكَّل سابقة. فقد نُسخ نظامها عن نظام الإمبراطورية الرومانية التي ورثتها، بعدما تسبَّبت السلطات البربرية بانهيار المؤسَّسات الرومانية في أوروبا الغربية. حينها بدت الكنيسة بمثابة المؤسَّسة القادرة على صون إدارة المجتمع والمحافظة على الثقافة والمعرفة. وهذا ما سيكون الوضع عليه على مدى القرون الوسطى.

لقد عزَّزت الكنيسة باستمرار سلطتها الموحِّدة، من خلال محاربتها التي لم ترحم، للوثنية، ولليهودية ولكافة أشكال الهرطقات المسيحية بالنسبة إلى العقائد التي حدَّدتها المجامع الكنسية، والتي كانت تهدِّد وحدتها ووحدة المجتمعات التي أخذتها على عاتقها. وإن كانت قد سمحت تدريجيًّا بتطوير سلطاتٍ مدنية الطابع، فكانت تُخضع أيَّ سلطةٍ خارجةٍ عن سلطتها لمراقبةٍ دقيقة من قبل البيروقراطية الضخمة للإكليروس التي تستمدُّ سلطتها السياسية الدينية من قائد الكنيسة الرومانية. فما من ملكٍ، أو إمبراطور أو أمير أو دوق كان يمكنه الادعاء في أوروبا الإقطاعية بسط سيطرته على منطقةٍ جغرافية ما، دون موافقة البابا قائد الكنيسة، ودون مراقبةٍ مستمرة من قبل ممثِّليه في المناطق، خصوصًا الأساقفة؛ تلك الشخصيات التي لعبت دورًا سياسيًّا بارزًا في نظام مراقبة السلطة المدنية لحساب قائد الكنيسة في روما. وما احتفال التتويج الذي يخصُّ به البابا أيَّ سلطةٍ سياسية إلا عنصر لا غنى عنه لعمل أيَّة سلطة مدنية.

سيستمرُّ هذا الوضع إلى حين اندلاع الثورات البروتستانتية المختلفة التي شهدها القرن السادس عشر؛ لكنه سيظلُّ قائمًا في الدول التي بقيت كاثوليكية لثلاثة قرونٍ إضافية. ففي بداية القرن التاسع عشر، شعر نابوليون بونابرت بالحاجة إلى تتويج نفسه إمبراطورًا من قبل البابا، في حين أنَّ وجود الكنيسة في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان، سيظلُّ يشكِّل عنصرًا مهمًّا في الحياة السياسية والاجتماعية، خلال القسم الأكبر من القرن العشرين. لنذكِّر هنا بأنَّ مسألة العلاقات بين الكنيسة والدولة، في فرنسا، خصوصًا فيما يتعلَّق بالنظام التربوي، لم تُحَل إلا من خلال قانون 1905 الشهير الذي سيثير السجالات حتى طوال القرن العشرين[1].

بدءًا من أوائل القرن السابع عشر، ولَّدت الثورات المختلفة التي قامت ضدَّ وصاية الكنيسة الرومانية مئة وخمسين سنةً من الحروب الدينية المروعة فتكت بأوروبا. إنها أولى الحروب الحديثة التي زرعت بذور التوتاليتارية الشمولية في أوروبا، لأنها كانت حروب إبادة للآخر، وليست حروب غزوٍ عسكري لأراضي بغية توسيع نفوذ مملكةٍ أو إمارةٍ ما[2]. فتعصُّبٌ غير اعتيادي كان يحرِّك الكاثوليك والبروتستانت، على حدٍّ سواء، المصمِّمين كلاهما على وضع حدٍّ لوجود الآخر. والعنف الذي اتسمت به بعض فصول الثورة الفرنسية، لم يكن سوى استعادة لنموذج العنف نفسه الذي ظهر خلال هذه الحروب الدينية.

لم تهدأ تلك الحروب بالكامل إلا مع معاهدة وستفاليا (1648) التي أقرَّت مبدأ "صاحب الملك هو صاحب الدين cujus regio egios religio" الشهير والمكروه، الذي فرض ديانة الأمير أو الحاكم على كافة سكان المنطقة التي يحكمها؛ بحيث لم يبقَ أمام معارضي هذا المبدأ سوى مغادرة المنطقة. وخلال هذه الفترة من التاريخ الأوروبي، فرض مفهوم "دين الدولة" نفسه في التنظيم السياسي لأوروبا[3]. ووسط هذا المناخ، أرسى كالفين في جنيف، حيث استحوذ على السلطة، حكمًا إرهابيًّا سياسيًّا دينيًّا، يمكن اعتباره أول نظام توتاليتاري حديث ومنظَّم رسميًا[4].

لكن فترة الحروب الدينية في أوروبا ستساهم أيضًا، بصورة متناقضة، في تبلور ذهنية النهضة Renaissance. فهذه الذهنية هي أيضًا ذهنية التسامح والانفتاح، كما بشَّر بها إيراسموس، الشخصية البارزة. وهي أيضًا ذهنية تطوُّر الفنون والعلوم والعودة إلى الإرث اليوناني الروماني القديم، لتحويله إلى نموذجٍ للمستقبل المفتوح على التقدُّم ونشر قيم الكائن البشري كمواطنٍ يتمتَّع بكامل حقوقه ضمن حيِّز المدينة. لذا كانت الفلسفة الليبرالية لعصر الأنوار قابلة للتفتُّح بالكامل في القرن الثامن عشر.

بحسب الشرح الممتاز للمؤرِّخ الإنجليزي الكبير، أرنولد توينبي، ستترك أوروبا النقاشات الدينية العقائدية التي ولَّدت حروب الدين العنيفة، لتتَّجه أكثر فأكثر نحو العلم وتطوير العقل[5]. وسيجسِّد الموسوعيون بالفعل هذه الحركة؛ وكذلك سيفعل فكر مونتيسكيو في فرنسا أو فكر إيمانويل كانط في ألمانيا. فقد حرَّر هذا الأخير الأخلاق من الدين، من خلال بذله جهدًا مذهلاً في التفكير في قوانينٍ أخلاقية عالمية، فردية وجماعية على حدٍّ سواء.

إنَّ النزعة الإنسانية والمواطنية العالمية اللتيْن تشكِّلان الوجه الأسمى للثقافة الأوروبية، تعبِّران جيدًا عن هذا الرفض لأيِّ تعصُّبٍ ديني سياسي، وعن الرغبة في تحرير الإنسان من كافة أشكال القمع وانعدام المساواة الذي لا يرتكز على الكفاءة والعمل الفعال إجتماعيًا. هذا ما سيهدف إليه الإعلان الشهير لحقوق الإنسان والمواطن الذي أنتجته الثورة الفرنسية، والذي لا يزال يُلهِم حتى يومنا تطوُّر العالم. فهذا الإعلان الذي ينصُّ على حرية الاعتقاد المطلقة، باعتبارها حقًّا إنسانيًا أساسيًّا، يشكِّل أيضًا العقد المؤسِّس للذهنية العلمانية، لأنه يهدف أيضًا إلى تجنُّب أيِّ استغلالٍ للدين من قبل السلطة السياسية أو أيِّ إخضاعٍ لهذه السلطة من قبل الدين. كما أنه يحلُّ المبدأ المكروه الذي يرغم الرعايا على اتباع ديانة أميرهم.

هكذا، لم يتطلب الأمر أقلَّ من أربعة عشر قرنًا لنشر ذهنية العلمانية وقبول التعددية الدينية داخل حيِّز المدينة. وسيتطلَّب تطبيقها في أوروبا قرنًا آخر. لكن المسألة لم تمنع تعرُّض اليهود، مرةً جديدة، في القرن العشرين، وتحت تأثير النظريات العنصرية للتوتاليتارية الهتلرية القاتلة، لإبادةٍ وحشية بشكلٍ إستثنائي، يُشار إليها اليوم بعبارة الـ"هولوكوست" (المحرقة) الواردة في الكتاب المقدَّس.

تقدَّمت النهضة في الإسلام على الانحطاط، وهذا اختلافٌ أساسي مع أوروبا

المسار التاريخي للديانة الإسلامية مختلف تمامًا. إذ اتَّبعت هذه الأخيرة تطوُّرًا معاكسًا لتطوُّر المسيحية. وستتَّسم خصوصيتها أيضًا بتكيُّفها مع التركيبات الاجتماعية السياسية التي ورثها الغزاة العرب. إنها من جهة، تركيبات الإمبراطورية البيزنطية التي كانت مسيطرة على المحيط الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط مع ظهور الإسلام، ومن جهةٍ أخرى تركيبات الإمبراطورية الفارسية الساسانية التي كانت تبسِط سيطرتها على بلاد ما بين النهرين والهضاب الإيرانية العالية. فالأهمية المعطاة لسلطة الإمبراطور في الشؤون الدينية، كما كانت عليه الحال في بيزنطة، ستولِّد الممارسة السنية للسلطة خلفًا لها؛ في حين سنجد اليوم السلطة الدينية للكهنة الزرادشتيين في الإمبراطورية الساسانية، متمثِّلة في نفوذ واستقلالية رجال الدين الشيعة بالنسبة إلى السلطة السياسية.

في كلا الحالتيْن، لا نشهد فقط على عدم وجود كنيسةٍ في الإسلام، تمارس نفوذها على السلطة المدنية، بل أيضًا على خضوع الفقهاء والعلماء المسلمين بصورةٍ عامة للرقابة الوثيقة للسلطة السياسية المدنية. لا شك أنه من واجبات السلطة المدنية الحرص على "الأمر بالإحسان والنهي عن المنكر" الإسلامية، وتحقيق العدالة استنادًا إلى المعايير والتعاليم التي تمَّ تطويرها من خلال النصوص المقدَّسة وتأويلاتها، إضافةً إلى النموذج السلوكي الذي تمَّ استنباطه من سيرة الرسول (السنة النبوية). غير أنَّ النفوذ المطلق للسلطة المدنية يسمح لها بالتحكُّم بالفقهاء والقضاة، حرَّاس القانون، وتوجيههم. فهؤلاء ليسوا متنظمين أبدًا ضمن تركيبةٍ هرمية قوية للسلطة. والسلطة المدنية هي التي تعيِّن ممثِّلي السلطات الدينية، القضاة والشيوخ الذين يشرفون، من خلال الفتاوى، على حسن تطبيق القانون المُستنبط من النصِّ القرآني.

ولن تصبح السلطة المنظمة رسميًا في متناول الإسلام الشيعي الذي كان يتعرَّض للمحاربة والتهميش من قبل الإسلام السني، سوى مؤخرًا، بمناسبة الثورة الدينية الإيرانية في العام 1979، التي شكَّلت تجربةً فريدةً من نوعها ومحصورةً جغرافيًا بإيران. حيث تمَّ إيجاد تسوية من خلال وضع تركيبةٍ دستورية توفِّق بين المبادىء الحديثة للسيادة الشعبية وانتخاب ممثلين للشعب، إضافةً إلى رئيسٍ للجمهورية يتمُّ انتخابه من خلال الاستفتاء العام، وتنظيم مراقبة مؤسَّساتية لرجال الدين على هذه السلطة المدنية من خلال نظام "ولاية الفقيه".

بحكم ذلك، ستشكِّل القرون الأولى لمسار السلطة، في ظلِّ الإمبراطورية الأموية، ومن ثمَّ خلال القرن الأول للإمبراطورية العباسية، فترةً إستثنائية تتميَّز بليبراليتها في مجال حرية الفكر وتأويل النصِّ القرآني. طبعًا انتفت بالكامل بقايا الوثنية المتركِّزة في شبه الجزيرة العربية، في حين أنَّ حرية المعتقد لدى اليهود والمسيحيين وحتى الزرادشتيين في بلاد الفرس، سيتمُّ تأكِّيدها بقوة. هذا في حين انتشرت عشرات مدارس تأويل النصِّ القرآني والسنة دون أن يتمَّ قمعها من قبل السلطة المدنية[6]. لاحقًا، ستعود هذه الليبرالية التي اختفت في الشرق المسلم، لتظهر في الهند، بلد التعدُّدية الدينية بامتياز، أثناء بناء إمبراطورية المغول.

على أيِّ حال، وخلال العصر الذهبي الأول للحضارة الإسلامية، لم يكن هنالك من مطاردة للزنادقة، ولا محارق، ولا ثيوقراطية، كتلك التي سينشئها كالفين في جنيف. حتى أنَّ الفلسفة ستبدأ بالازدهار، مُستعيدةً الإرث اليوناني ومطوِّرةً إياه من خلال طرح مسألة العلاقة بين الإيمان والعقل[7]. هكذا ستشكِّل الإمبراطورية العباسية التي كانت تُشعُّ من بلاد ما بين النهرين والتي أسَّست بغداد، لكن أيضًا الأندلس (الأموية) في شبه الجزيرة الإيبيرية، نماذجًا لليبرالية إسلامية كبيرة استبقت الليبرالية الأوروبية بعدَّة قرون، وشكَّلت في الوقت نفسه العصر الذهبي لعلوم الفلك والطب وعلوم النباتات والمياه[8]. هنا، تقدَّمت النهضة على الانحطاط؛ ما يشكِّل اختلافًا أساسيًا مع التاريخ الأوروبي. فقد أثار الإسلام، بعد فترةٍ قصيرةٍ على ظهوره، نهضةً مدهشةً في المجتمعات التي أصبح فيها هو الدين المُسيطِر.

أما سخرية الأقدار، فتجلَّت في أنَّ هذا الإرث التمديني الثري جدًا قد خصَّب الفكر الأوروبي وزرع فيه بذور نهضته، في حين شهد الشرق على الخسارة التدريجية لهذا الإرث أو على حدِّه بقوَّة؛ فمنذ بداية القرن العاشر تمَّ الإعلان عن إقفال أبواب التأويل وتجميد العقيدة السنية التي أصبحت مهيمنة[9].

ففي تلك الفترة، تمَّ الإبقاء رسميًّا فقط على أربع مدارسٍ فقهية، لتُشرِف على التأويلات القرآنية، بهدف ممارسة العدالة أو إصدار آراءٍ شرعية تتعلَّق بقضايا الحياة والمدينة[10]. وهكذا تمَّ تجميد العقيدة واعتبار الفكر الفلسفي خطرًا على الإيمان الديني.

ترافق هذا الإقفال مع سلسلةٍ من الأحداث التاريخية الأساسية والمأساوية، كالحروب الصليبية التي استُتبعت فورًا بغزوات المغول، وبالتدمير الكثيف المادي والاجتماعي الذي تسبَّبت به. وأصبحت مؤسَّسة الخلافة مجرَّد طيف، في حين فرض الغزاة المحرِّرون، أي الأتراك السلاجقة، ومن ثمَّ العثمانيون، هذا التوحيد القسري للعقيدة لمصلحة المذهب السني، الذي بات منوطًا بمدارس الفقه الأربع هذه. وسيستمرُّ الوضع إلى حين استعادة الصلة بالثقافة الأوروبية مع بداية القرن التاسع عشر.

وسيكون للثورة الفرنسية صدى كبير في العالم العثماني، خصوصًا في مقاطعاته العربية. ففي مصر، سُلب الحكم من المماليك الأتراك من قبل محمد علي، الألباني الأصل هو أيضًا، والذي بادر إلى عملٍ إصلاحي مهم في المؤسَّسات السياسية والاجتماعية وفي الاقتصاد المصري؛ وقد امتدَّت هذه النزعة الإصلاحية إلى لبنان وسوريا اللذين خضعا للسيطرة المصرية لبضعة أعوام (1830-1840)؛ في حين أُرغم السلاطين العثمانيون في اسطنبول، وبضغطٍ من أوروبا، على الانخراط بدورهم في إصلاحٍ تحديثي من خلال ما سمي بـ"التنظيمات".

في المقاطعات العربية، اتخذت حركة النهضة هذه بُعدًا لغويًّا، أدبيًا وثقافيًا مهمًّا. حيث بدأ الإعجاب بفلسفة عصر الأنوار ومبادىء تحرُّر الإنسان، وكذلك المرأة، يتجلَّى في أوساط النخب؛ حتى أنَّه ظهر لدى العلماء المتخرجين من جامعة الأزهر الدينية العريقة في مصر[11]. وستحتدم السجالات بين المحافظين والمُحدثين الليبراليين. وسيبدأ القانون الوضعي الطابع، المُتسورد من أوروبا، يدخل الحيِّز الجزائي والتجاري والقضائي. وستتطوَّر الحركة في القرن العشرين، خصوصًا في مصر وسوريا والعراق وتونس، في حين سيفرض مصطفى كمال في تركيا، بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وإلغاء الخلافة، نظامًا سياسيًّا ودستوريًّا مرتكزًا على مبادىء العلمانية على الطريقة الأوروبية.

حتى بداية سبعينات القرن الماضي، كانت حركة التحديث الفكري والثقافي، والدستوري أيضًا، تتقدَّم بخطى كبيرة داخل العالم العربي. وكانت كلٌّ من مصر وتونس وسوريا والعراق، تمارس، بدرجاتٍ متفاوتة الجرأة، علمانيةً متوسِّعةً راحت تثير استياء الأوساط المحافظة التي كانت تعتبِر نفسها وصية على العقيدة الإسلامية. وقد تأثرت القومية العربية، التي شهدت أوج ازدهارها بعد الحرب العالمية الثانية، هي أيضًا بمفهوم وضعي للأمة، وفق النموذج العلماني الذي لا يتنكَّر للدين، لكنه لا يجعل منه العنصر الأساسي للهوية الاجتماعية والقومية العربية. وقد تجسَّد هذ المفهوم حينها في الأحزاب الجماهيرية، على غرار الحركة الناصرية وحزب البعث في العراق وسوريا[12].

ونحن نعلم بأنَّ هزيمة الجيوش العربية في مواجهة إسرائيل، خلال حرب حزيران/يونيو 1967، ومن ثمَّ تصاعد النفوذ النفطي والمالي والسياسي للمملكة العربية السعودية، قد شكَّلا العنصريْن الأساسيِّيْن للتداعي السريع جدًا للقومية العربية ذات الطابع العلماني. فالسعودية التي كانت تشكِّل القلب النابض للنزعة الدينية المحافظة في المنطقة، منذ نشوء المملكة في العام 1925، قد نشرت وصدَّرت العقيدة الوهابية التي تُقصي الآخر، أخذةً عنوان "الصحوة الإسلامية" في منتصف السبعينات مستغلَّةً الأوضاع للاستفادة من الخيبة القومية الشاملة نتيجة الهزيمة التي تكبَّدتها الدولتان العربيتان الرائدتان لهذه القومية، مصر وسوريا، في مواجهة إسرائيل. وسيخضع العالم العربي، والعالم المسلِم بصورة أشمل، في الفترة السعودية، لسياسات ناشطة تقوم على "إعادة أسلمة" المجتمعات، كنذيرٍ للعودة الكبيرة للدين إلى مجمل المجتمعات التوحيدية[13].

منذ ذلك الحين، بدأ إرث النهضة يتداعى تدريجيًا. واعتُبرت العلمانية "مؤامرةً" من قبل الغرب، لتجريد المجتمعات المسلمة من ثقافتها وشخصيَّتها ولمنعها من استعادة "أصالتها". ومن خلال استعادة الإشكالية الأوروبية لأخصام العلمانية، أكَّد هذا الإسلام المتصلِّب جدًا على ضرورة الحفاظ على الدين في كافة مجالات الحياة في المدينة، وتفسير تطوُّر العالم ضمن إطارٍ ديني، وبالتالي قذف الحداثة المقرونة بحضارة وقيم المجتمعات الغربية المسيحية. فكان العلماء أو المفكِّرون الداعون إلى الإسلام يُشبعون سامعيهم باستمرار بأنه لا يمكن للإسلام إطلاقًا التكيُّف مع نظامٍ سياسي يفصل الدين عن الدولة، أو الزمني عن الروحي، دون إدراكهم حتى لولوجهم عالمًا ثقافيًا وإشكالية خاصة بالسجالات حول العلمانية، شهدتها بالذات الأوساط المسيحية الأوروبية، لا علاقة لها بالمشاكل الاجتماعية السياسية للمجتمعات المسلمة.

في تلك الفترة نفسها، جاءت الثورة الدينية الإيرانية بنموذجٍ جديدٍ للحكم الإسلامي، يوفِّق بين تقليد الإرث الديني الشيعي والمبادىء الدستورية الحديثة. مع العلم أنَّ هذا النموذج لم يرفض فقط من قبل السلطات الدينية السنية كافة، بل حتى من قبل العديد من أساتذة الفقه ضمن المجتمعات الشيعية، بما فيه داخل إيران نفسها.

في الإسلام، تقضي العلمانية بإعادة حرِّية التأويل

إنَّ المشكلة الأساسية التي تعاني منها المجتمعات المسلمة ليست إذًا الفصل بين الزمني والديني، أو بين الدولة والدين، بما أنَّ الدولة لطالما كانت بين أيدي سلطةٍ وحيدة، يترأسها مدنيُّون بصورةٍ حصرية، وهي بالتالي مدنية الطابع. بالأحرى تقتصِر الإشكالية الحقيقية للعلمانية في الإسلام، على إدراجها ضمن إطارها التاريخي الحقيقي (وليس الخيالي) والإرث الثقافي والفكري للمجتمعات المسلمة، وفي خوض معركة عامة للعودة إلى الممارسة القديمة للقرون الذهبية التي شهدتها الحضارة الإسلامية، عندما كانت السلطات تمارس حرِّية مطلقة في تأويل النصِّ المقدَّس، الأمر الذي سمح بالازدهار الاستثنائي للفنون والآداب والعلوم والفلسفة.

فعوضًا عن استخدام مفاهيم وأفكار الإشكالية العلمانية الأوروبية، على المفكِّرين في العالم العربي، والعالم المسلم بصورةٍ أشمل، المطالبة بالعودة إلى إرث الحرِّية الفكرية الذي شكَّل فيما مضى عظمة المدينة المسلمة؛ وعليهم المطالبة بإعادة فتح أبواب الفقه والتأسيس لحرِّية التأويل في النصِّ المقدَّس، التي تشكِّل مسألةً أساسية وأولية لتنمية حرِّية الفكر في نطاقها الواسع. وضمن الإطار الإسلامي اليوم، يمرُّ المنفذ إلى الحرِّيات السياسية، أولاً وأساسًا، بهذه الحرية الأولية والأساسية التي أسَّسها العالم المسلم في الماضي، والتي لم تكُن موجودة على الإطلاق في أوروبا المسيحية أو في الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية.

إنَّ دولة القانون، وحقوق الإنسان، وصون كرامة كلِّ كائنٍ بشري، هي أيضًا مفاهيمٌ دُمِجَت بثقافة النهضة العربية الحديثة. لكن هذه المفاهيم قد فقدت معناها تحت تأثير "الصحوة الإسلامية" المحافظة والسلطوية[14]. تجدر إذًا المطالبة بإصرار بحرِّية التأويل، التي تشكِّل الشرط الأولي لتفكيك أواصر السلطوية السياسية والامتثالية الفكرية المتصلبة والمعقِّمة السائدة منذ نصف قرن.

إنه النضال الأكثر بسالةً، وحتى الأكثر خطورةً وسط المناخ السائد؛ ذاك الذي يقضي بالمطالبة بإعادة التأسيس لحرِّية التفكير، ضمن إطار الوحي القرآني نفسه. وقد دفع البعض حياتهم ثمن ذلك[15] أو اضطروا للعيش في المنفى[16]. وخلال السجالات والمناظرات التي هزَّت عصر النهضة العربية حول هذا الموضوع، غالبًا ما كان الأزهريون أكثر شجاعةً من العلمانيين أنفسهم، الذين نأوا عن ساحة المعركة أو تخلوا عنها بالكامل، بما فيه خلال العصر الذهبي للقومية العربية العلمانية.

ومن المهمِّ هنا التذكير بأنَّ القرآن الكريم نفسه قد تحدَّث مرات عدة عن التنوُّع البشري الذي يريده الله، والذي يجب بالتالي احترامه. حتى أنَّ هنالك آيةً تقول بوضوحٍ تام أنه: "لا إكراه في الدين"، كما أنَّ هنالك عددًا كبيرًا من الآيات الأخرى التي تفرِض إجراء مناقشات لاهوتية مع المسيحيين أو اليهود، بروحيةٍ من التسامح والتهذيب[17].

في المقابل، إنَّ الثقل الذي لا ينتهي، ودوران السجالات حول الإسلام التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة في دوائر مفرغة، عدا عن العقيدة الواهنة للتصادم المزعوم بين الحضارات والردود على هذه العقيدة من خلال الدعوة إلى حوار الحضارات والثقافات والأديان، تشكِّل كلها عناصر إضافية في التشنُّج الانتمائي الذي تشهده المجتمعات الإسلامية، والذي تستفيد منه السلطات الدكتاتورية المتواجدة على تلك المجتمعات[18]. فهي تشلُّ أيَّ فكرٍ مُحدثٍ ونقدي، وتجمِّد كافة الأفرقاء في مواقفٍ دفاعية اعتذارية، وتغذي أيضًا ترسُّخ إشكالية العلمنة الخاصة بتاريخ المسيحية الأوروبية في جميع السجالات حول الإسلام.

آن الأوان للنضال من أجل إرساء المعنى العميق لمفهوم "العلمنة"، كعنصرٍ أساسي في حرِّية كلِّ وعيٍ بشري[19]. وأيُّ شكلٍ آخر من النضال ليس في محلِّه ويشكِّل انحرافًا لا جدوى منه.

*** *** ***

اللوموند ديبلوماتيك


 

horizontal rule

٭ أستاذ في جامعة القديس يوسف - بيروت. وزير المالية اللبناني الأسبق، استشاري اقتصادي ومالي، من مؤلفاته:

Orient-Occident, la fracture imaginaire, La Decouverte, Paris, 2005, La Question religieuse au XXIe siecle, La Decouverte, Paris, 2006, et Le Proche-Orient Eclate. 1956-2006, Gallimard, Folio/histoire, Paris 2005. La Mediterranée. Espace de conflit, espace de reve, L’Harmattan, Paris, 2002.

[1] Mona OUZOF, L’Ecole, l’Eglise et la République (1871-1914), Editions Cana/Jean Offredo, Paris, 1982.

[2]  حول هذا الموضوع، الاطلاع على كتابنا:

La question religieuse au XXIè siècle. Géopolitique et crise de la postmodernité, La Découverte, Paris, 2006

[3]  من العبث ربط دولةٍ ما، بصفتها نظامًا للسلطة البيروقراطية، بديانةٍ ما، أيًّا كانت. فقد تلعب دورًا في الحرص على حسن تطبيق الأخلاق والقيم، وحتى القوانين المنبثقة من الدين، ولكن لا يمكنها اتخاذ صفةٍ

دينية إلا في حال ترأسها رجال دين، كما كانت الحال عليه بالنسبة إلى الحكومات الدينية، النادرة جدًا في التاريخ. وهذا المفهوم هو، ببساطة، نتيجة حروب الأديان في أوروبا. وقد أدت الحداثة الأوروبية إلى اعتماد

هذا المفهوم في دساتير كافة الدول المسلمة.

[4]  الاطلاع على كتاب:

Stephen ZWEIG, Conscience contre violence ou Castellion contre Calvin, Paris, Le Castor Astral, 1997

(الذي تُرجم الى الألمانية في العام 1935)، وهو قصة رائعة عن دكتاتورية كالفين في جنيف، للروائي الذي يعتبرها صوابًا - التجربة الأوروبية الأولى للتوتاليتارية، ضمن إطار تصاعد النازية.

[5] Arnold TOYNBEE, La Religion vue par un historien, Gallimard, Paris, 1963, pp 205-206))

[6]  يشهد على ذلك الكتاب الشهير لمحمد بن عبد الكريم الشهرستاني، كتاب الملل والنحل (الذي قدَّمه وترجمه جان كلود فيرنيه لدى منشورات Geuthner باريس في العام 1984، والذي يصف كافة مدارس التأويل

هذه. يعتبرها المترجِم "هرطقات"، الأمر الذي يشكِّل بالطبع تفسيرًا لا معنى له ضمن الإطار التاريخي المسلم في فترة ما قبل إقفال أبواب التأويل. ويظهر ذلك الترسُّخ القوي للإشكاليات المسيحية في تحليل

المجتمعات المسلمة. يمكن أيضًا الاطلاع على كتاب:

Henri LAOUST, Les schismes dans l’Islam. Introduction à une étude de la religion musulmane, Payot, Paris, 1965

(يستخدم الكاتب كلمة "الشرخ" schisme نسبة إلى التيار السني السائد في فقه القرآن والسيرة النبوية، وقد أصبح هذا الفقه مُسيطرًا ومُهيمنًا منذ إنشاء السلطة العثمانية).

[7]  الاطلاع على كتب:

Alain DE LIBERA, Penser au Moyen Âge, Seuil, Paris, 1991

و

Kurt FLASCH, Introduction à la philosophie médiévale, Flammarion, Paris, 1992

إضافة الى السيرة الذاتية للفيلسوف الشهير والعالم المسلم ابن رشد الذي كان له تأثير كبير في الفكر الأوروبي خلال القرون الوسطى، والتي وضعها دومينيك أورفوي:

Averroès. Les ambitions d’un intellectuel musulman, Flammarion, Paris, 1998.

وإقرأ: باتريك مكربنة وهوا هوي فونغ: هل فضح سرُّ المعرِّي؟، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، كانون الأول/ديسمبر 2009:

http://www.mondiploar.com/article.p

[8]  هذا لم يمنع السجالات اللاهوتية السياسية داخل السلطة من اتخاذ منحى عنيف، كما كانت الحال عليه بالنسبة إلى الخصومة بين مختلف فروع عائلات مكة الكبرى التي خرج منها النبي، والتي أدَّت إلى

المواجهة بين أنصار الخليفة علي ابن أبي طالب وأنصار معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي، والتي ستكرِّس الاختلافات بين الشيعة والسنة؛ أو حتى الخلاف حول منزلة القرآن بين المعتزلة (أنصار تاريخية

النص القرآني ومقاربته بالعقل) والمحافظين المؤيدين لقراءة حرفية للنص الذي يعتبرونه مُنزلاً لأنه من صنيع الله.

[9]  لكن لا يجب ألا ننسى أنَّ إنشاء جامعة الأزهر في القاهرة قد جاء خلال الحقبة الفاطمية، وهي خلافة شيعية.

[10]  إنها المذاهب الحنبلية والمالكية والشافعية والحنفية، التي تحمل كلٌّ منها إسم مؤسِّسها. وهي تدَّعي انتماءها للسنة وتُعتبر جميعها شرعية، وتُطبَّق في مختلف أنحاء العالم المسلم. في حين لا تزال الشيعية

حتى يومنا هذا تسمح بتعدُّدية الآراء الدينية التي تصدرها المرجعيات الدينية، المقيمة في مراكز التعليم الشيعية الكبرى مثل "قم" في إيران أو "النجف" في العراق أو في لبنان.

[11]  يمكن مراجعة كتاب ألبرت حوراني الكلاسيكي حول الموضوع:

Arabic Tought in the Liberal Age, 1798-1939, Oxford University Press, Londres, 1967.

[12] Georges CORM, Le Proche-Orient éclaté 1956-2007, Gallimard, Folio/histoire, Paris, 2007.

[13]  المرجع السابق:

Georges Corm, La question religieuse … op. cit

[14]  إن ممارسات الدول الغربية في قضايا حقوق الإنسان، من الكيل بمكيالين إلى العقوبات الدولية غير المسؤولة ضد التجاوزات التي تحصل في الشرق الأوسط، قد ساهمت كثيرًا في إفقاد مبدأ الديموقراطية

الأساسي مصداقيته. حيث يصار إلى التغاضي عن الأنظمة السياسية "الصديقة" للغرب وأولها اسرائيل بينما تتعرض الأنظمة التي لا توالي المصالح الغربية في سياستاها الإقليمية لحملات إعلامية عدائية مكثَّفة.

[15]  خصوصًا محمود طه الواعظ المستنير والمحدث في السودان، والذي حكم عليه بالعدام شنقًا في ظل حكم النميري، أو فرج فوده الذي اغتيل في مصر على يد مجموعةٍ إسلامية متطرفة. حول محمود طه

وغيره من المفكرين الاسلاميين الذين مارسوا حرية التأويل للنصِّ القرآني وفككوا بعض المفاهيم اللاحقة للقرآن وهي من تطوير علماء الشريعة في ظروفٍ تاريخية وصراعات محددة على السلطة، راجع:

Ziad HAFEZ, Vers une refondation de la pensée religieuse musulmane: quatre penseurs arabes d’aujourd’hui, en cours de parution aux éditions Actes Sud/Sindbad, Paris.

[16]  هذه حال نصر حامد أبو زيد الأستاذ في جامعة القاهرة والذي منعت مؤلَّفاته وأصدر بعض رجال الدين بحقِّه فتاوى بالقتل فعاش في المنفى الهولندي. دون ذكر الإرهاب الذي تمارسه هذه الأفعال على مثقَّفين

آخرين يمارسون الفكر الديني النقدي. راجع:

 Ziad HAFEZ, Vers une refondation …, op. cit.

نلاحظ بأنَّ المفكرين الذين يمارسون الفكر النقدي من داخل التراث الإسلامي نفسه ومن ضمن منطقه التاريخي نفسه هم الذين يتعرضون غالبًا للهجمات الأكثر شراسةً، وحتى إلى الاعتداءات الجسدية وصولاً إلى الاغتيال.

[17] Georges CORM, Histoire du pluralisme religieux …., op. cit.

[18] Georges CORM, Orient-Occident, La fracture imaginaire, La Découverte, Paris, 2002 et L’Europe et le mythe de l’Occident. La construction d’une histoire, La Découverte, Paris, 2009.

[19]  راجع مفهوم "علمنة العلمانية" الذي حدَّدناه داخل منطق النصوص المقدَّسة المسيحية والإسلامية في مقال صدر في جريدة النهار اللبنانية عام 1985 واستعدناه في كتابنا: لبنان المعاصر. تاريخ ومجتمع،

المكتبة الشرقية، بيروت 2004؛ وقد طوَّرنا هذا المفهوم في كتاب Orient-Occident…, op. cit. حيث أشرنا إلى "العلمنة الخادعة"، أي تلك التي تعتمد فقط على واقع مؤسساتي صوري، في حين تبقى النظرة الحقيقيّة

إلى العالم مضبوطة بالإيمان باعتلاء دينٍ أو حضارة على الآخرين، وهذا ليس من العلمانية بشيء.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود