في نقد الأزمة

 

عبدالله العبادي

 

في برقية للألمان إلى نظرائهم النمساويين إبان الحرب العالمية الثانية، يقول الألمان للنمساويين في برقيتهم: "بالنسبة لنا، فإن الوضع على الجبهة جاد ولكن غير كارثي"، ويجيب النمساويين: "بالنسبة لنا فالوضع كارثي ولكن غير جاد". إنها الفوضى إن لم نقل الكارثة.

الحضارة الغربية تتلاشى، وفكرة المستقبل في أزمة، والغرب لا يمكنه أن يعيش دون أوهام المستقبل، دون إعطاء وعود للأجيال القادمة بغد أفضل ومستقبل واعد. لذا فالغرب مهووس بفكرة المستقبل، نمط عيشه مؤسس على الحدس المستقبلي، ولا يمكن تصور وجود للغرب خارج هذا الإطار الذي يعتبر سمة وجوده.

إنها الأزمة المالية، غياب العمل السياسي الرشيد وفكرة السيطرة المطلقة للمركز، سخط المواطن وكذا الشعوب المستضعفة، إنها أيضًا توتر المفاهيم الهوياتية: هته بعض أوصاف المرحلة التي نعيش بعض فصولها.

فالرأسمالية الحالية برهنت على فشلها ووحشيتها إن لم نقل إجراميتها. والاشتراكية تحتضر إن لم نقل ماتت. وبدلك فالديمقراطية كنمط للتعايش الكريم في تراجع مستمر والفوارق الاجتماعية في أوج صراعها وفرص الحوار المجتمعي بين كل الأطياف بدون إقصاء أي فرد أو جماعة شبه منعدمة. فهي لم تعد الضامن لحرية الإنسان بقدر ما أصبحت صور من صور الواقع السياسي الخجول الضيق وإطار لكبت طموح الأفراد والجماعات المستضعفة، وبالمقابل تحقيق رغبة ونزوات وأرباح الكبار ممن قاسمهم المشترك المنفعة والمصلحة المحدودة، لتصاب فكرة مصلحة الجماعة بالأزمة ويطلق العنان للفردانية كسمة للعصر الحالي.

كما أن النقاش المطول حول التعدد الثقافي والاختلافات العرقية يطمس جوهر إشكالية أزمة المجتمع التي هي بالأساس المصلحة الجماعية أو بمعنى آخر القضايا الاجتماعية الضرورية والأساسية للحياة الكريمة. الآن نتحدث عن هذا الاختلاف والتعدد أكثر مما نتحدث عن السبب الرئيسي الذي دفعنا الى التفكير بهدا المنطق أي الحلول الغير العادلة للإشكاليات المجتمعية. إنها اللاعدالة اجتماعية هي التي دفعت الأفراد والجماعات للبحث في جدالات الاختلاف الثقافي، الديني، الهوياتي والعرقي.

إنه ظلم الرأسمالية. إنه مأزق الواقع الغربي المعاصر الذي طالما آمن بالتعالي وأبدية الرقي الحضاري، وأسَّس كل منهجيات الحياة اليومية على دين المال كبديل للأديان السماوية. إنها الحقيقة المأساوية للأزمة المالية، أزمة وعود وأوهام العيش الكريم بالقروض والائتمان. إلا أنه لا أحد بمقدوره الفرار من الوضع العالمي الجديد الذي ترسمه إملاءات الأزمة وفرص البحث عن البديل. كما أن الغرب يصعب عليه التصديق بأن الأزمة الحالية هي ركام إشكالات مجتمعية وتصفيات عرقية وعنصرية لجماعات وشعوب لمصالح فئة اجتماعية وسياسية معينة، والعمل على تهميش الآخر من أجل تبعية عمياء، متناسين أن لكل شيء بداية ونهاية.

تعجرف منظريهم وتسليط الضوء على إخضاع الآخرين جعلهم يتوهمون أنهم في مأمن من كل الآفات والمخاطر. فالحضارة الغربية تدفع ثمن لاعدالتها، ثمن ماض استعماري مرير. والجميل أن التاريخ لا ينسى وعجلة الزمان لا تتوقف عن الدوران. فالعالم بحاجة إلى لقاء دائم وتوسيع فرص التعايش وفرص العدالة الاجتماعية. فالأمر لا يتعلق بعالم مثالي أو جمهورية أفلاطون بقدر ما هو أفق رحب لكل الاختلافات وتجانس الثقافات من أجل عالم إنساني يصعب تحديد معالمه الآن.

أظن أن عدم الإدراك وعدم استيعاب المعرفة هما الجوهر الأساس للأزمة الحالية.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود