حول الحقيقة٭

 

المهاتما غاندي

 

بعضًا من إنجيل الحقيقة

لأن الجميع يدَّعي، في اللحظة الراهنة، أحقية الضمير من دون الاستناد إلى أية قاعدة على الإطلاق، ولأن الكثير جدًا من الكذب يُقدَّم لعالمنا المشوش، فإن كل ما بوسعي تقديمه لكم، وبمنتهى التواضع، هو أنه لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع بأقصى درجات التواضع، لأن من الواجب عليك أن تغدو صفرًا إن كان عليك عبور محيط الحقيقة.

(الهند الفتاة، 31-12-1931، ص428)

***

[...] لكني أعبد لله كحقيقة فقط. لم أجده بعد، لكني أسعى إليه. وأنا مستعد للتضحية بأعز ما أملك من أجل تحقيق هذا الهدف. وحتى لو كانت هذه التضحية تتطلب مني حياتي، فإن كل أملي هو أن أكون مستعدًا لذلك. لكن طالما لم أحقق هذه الحقيقة المطلقة، فسأبقى مرتبطًا بتلك الحقيقة النسبية التي أتصورها. وهذه الحقيقة النسبية ستبقى، حتى ذلك الحين، منارتي، والدرع الذي يحميني. ورغم أن هذا الدرب مستقيم وضيق وحاد كنصل شفرة، إلا أنه بالنسبة لي كان الأسرع والأسهل، فحتى أخطائي الفاضحة كانت تبدو بالنسبة لي تافهةً لأني تمسكت به بحزم. فهذا الدرب أنقذني من الشعور بالحزن الذي تجاوزته على ضوء النور الذي يضيء طريقي. وغالبًا ما كنت أشعر خلال مسيرة تطوري بأني ألقي نظرات خاطفة على الحقيقة الكلِّية التي هي الله. ويومًا بعد يوم كانت قناعتي بأنه وحده الحقيقي، وبأن كل شيء آخر غير حقيقي، تزداد رسوخًا.

***

يجب أن يكون الساعي إلى الحقيقة أكثر تواضعًا من الغبار. العالم يسحق الغبار تحت أقدامه، أما الساعي إلى الحقيقة فعليه أن يكون أكثر تواضعًا بحيث يكون بوسع حتى الغبار أن يسحقه. عندئذ فقط، وليس قبل ذلك، يكون بوسعنا إلقاء نظرة خاطفة على الحقيقة.

(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص15)

***

خلال المسيرة نحو الحقيقة، يتنحى الغضب والأنانية والحقد... إلخ، جانبًا، لأنه لولا هذا لكان من المستحيل الوصول إلى الحقيقة. إذ من الممكن أن تكون عند الإنسان، الذي تتحكم به العواطف، ما يكفي من النيات الطيبة، وأن يكون صادقًا في كلامه، ورغم ذلك لن يجد الحقيقة مطلقًا. لأن البحث الناجح عن الحقيقة يعني التحرر الكامل من ركام الثنائيات كالحب والكراهية، والسعادة والبؤس.

(نفس المرجع السابق، ص ص254 و255)

***

حتى يكون بوسع المرء أن يرى الكوني، وأن يواجه الحقيقة المنتشرة في كل مكان، عليه أن يكون قادرًا على حب ما تعنيه الخليقة ككل واحد. والإنسان الساعي إلى ذلك ليس بوسعه أن يتحاشى أي حقل من حقول الحياة. لهذا السبب جرَّني حبي الشديد للحقيقة إلى حقل السياسة؛ وهنا بوسعي أن أقول دون أي تردد، وبكل تواضع، إن الذين يقولون بأن ليست هناك علاقة للدين بالسياسة، لا يفقهون معنى الدين.

(المرجع نفسه، ص ص370 و371)

***

تكمن الحقيقة في قلب كل إنسان، وعلى المرء أن يبحث عنها هناك، وأن تقوده الحقيقة كما يراها. لكن لا يحق أحد إرغام الأخرين على العمل وفق رؤيته الخاصة للحقيقة.

(هاريجان، 24-11-1933، ص6)

***

الله وحده يعلم ماهية الحقيقة المطلقة. لذا، غالبًا ما قلت إنَّ الله هو الحقيقة. وما ينتج عن هذا الفهم هو أنْ ليس بوسع الإنسان، ككائن محدود، أن يعرف ماهية الحقيقة المطلقة.

(هاريجان، 7-4-1946، ص70)

***

حين أحاكم نفسي يتوجب علي أن أكون قاسيًا كالحقيقة، وأن أرغب في أن يكون الآخرون كذلك. لأني حين أقيس نفسي وفق هذا المعيار أصرخ مع سورداس (شاعر هندي أعمى عاش في القرن السادس عشر):

هل من تعيس،
مؤذٍ وكريه مثلي؟
لقد تخلى الخالق عنِّي،
بقدر ما كنت
ضعيف الإيمان.

(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص16)

***

أنا باحث متواضع وجادٍّ جدًا عن الحقيقة. وخلال بحثي تعاملت مع كل الرفاق الذين تبعوني بمنتهى الثقة، وبحيث يكون بوسعي دائمًا معرفة أخطائي وتصحيحها. وأعترف بأني كثيرًا ما أخطأت في تقديراتي وأحكامي... وبمقدار ما كنت، في كل حالة، أراجع خطئي، لم يحصل أي ضرر مستديم نتيجة لذلك بل، بالعكس، أصبحت الحقيقة الأساسية للاعنف أوضح من أي وقت مضى، ولم يتأذَّ البلد بشكل مستديم.

(الهند الفتاة، 21-4-1927، ص126)

***

أولئك الذين ربما خُدعوا بالقدوة التي أقدِّمها كانوا سيتخذون نفس المنحى إن لم يعلموا شيئًا عن عملي، لأن ما يقود سلوك المرء، في نهاية المطاف، هو ما تمليه عليه ردود أفعاله الداخلية المباشرة، رغم أنه قد يقتدي أحيانًا بالآخرين. لكن حتى لو كانت هذه هي الحال، فإني أعلم أنَّ العالم لم يتألم يومًا بسبب أخطائي لأن مردَّها كلَّها كان بسبب جهلي. إذ إنَّ قناعتي الراسخة هي أن أيًا من أخطائي لم يكن مقصودًا.

(الهند الفتاة، 3-1-1929، ص6)

***

صدقوني حين أقول لكم، بعد 60 سنة من التجربة الشخصية، أن البلية الحقيقية تكمن في التخلي عن طريق الحقيقة. لأنك إن لم تفعل شيئًا سوى تحقيقه، فإن صلاتك الوحيدة لله ستكون دائمًا أن تتمكن من التعبير بلا خوف، وأيًا كانت التجارب والصعوبات التي ستصادفها أثناء بحثك عن الحقيقة.

(هاريجان، 28-7-1946، ص243)

***

يجب أن يبقى إيمان الإنسان في الحقيقة راسخًا، حتى وإن بدا بأن العالم كله قد تبنَّى الضلال.

(هاريجان، 22-9-1946، ص322)

***

الله هو الحق

هناك قوة غير محددة وغامضة تحيط بكل الأشياء. إنني أشعر بها، رغم أني لا أراها. إنها تلك القوة التي تجعلك تشعر بها، وتجعلك تتحدى كل البراهين لأنها تتجاوز كل ما أتلمسه بحواسي؛ فهي تعلو على الأحاسيس. لكن العقل بوسعه، إلى حد ما، أن يستنتج وجود الله.

***

لم أَرَه، ولم أتعرَّفه، لكني جعلت من إيمان العالم بالله إيماني، ولما كان إيماني لا يزول، فقد اعتبرت هذا الإيمان دليلاً على التجربة. لكنني، لما كان من الممكن أن نقول إن وصف الإيمان بالتجربة هو تلاعب بالحقيقة، أجد أن الأصح ربما هو أن أقرَّ بأني لا أملك تعبيرًا بوسعه أن يصف إيماني بالله.

(سيرة ذاتية أو قصة تجاربي مع الحقيقة، ص206)

***

في شبابي المبكِّر تعلمت أنْ أردد أنَّ الكتابات الهندوسية تعرف ألفَ إسمٍ للإله، لكن تلك الأسماء الألف لم تكن حصرية بأي شكل. فنحن نؤمن، وأنا كذلك أعتقد، بأن هذه هي الحقيقة – أن لله من الأسماء بمقدار عدد الكائنات. لهذا نقول أيضًا إنَّ الإله لا أسماء له. وبما أن لله العديد من الأشكال، فنحن نعتبره بلا شكل. وبما أنه يتحدث بعدة ألسن، فإننا نعتبره لا يتكلم، وهكذا...، وقد وجدت هذا أيضًا حين درست الإسلام، فاكتشفت أن لله العديد من الأسماء في الإسلام كذلك.

***

الحقيقة والجمال

الحقيقة هي أول شيء نتفكر به. بعد ذلك يأتي الجمال، وتأتي الطيبة، فتترسخان فينا. لقد كان المسيح، من منظوري العقلي، فنانًا كبيرًا جدًا لأنه رأى الحقيقة وعبَّر عنها؛ وهكذا كان أيضًا محمد، وكان القرآن من هذا المنظور – وبكل المقاييس – التعبير الذي يقارب الكمال في الأدب العربي ككل، كما قال العلماء. وهذا يعود إلى أنَّ كليهما (المسيح ومحمد) كانا يسعيان إلى الحقيقة أولاً، ما جعل جمال العبارة تأتي بشكل طبيعي. ورغم هذا، لم يكتب المسيح أو محمد شيئًا حول الفن. إنما هي الحقيقة التي أحنُّ إليها، وأعيش من أجلها، وأنا مستعدٌّ للموت في سبيلها.

(الهند الفتاة، 20-11-1924، ص386)

***

الوجه الجميل، بالنسبة للفنان الحقيقي، هو ذلك الذي، بمعزل عن مظهره الخارجي، يشعُّ بالحقيقة من خلال روحه؛ إذ لا وجود للجمال بمعزلٍ عن الحقيقة. ومن جانب آخر يمكن للحقيقة أن تتجلى بعدة أشكال قد لا تكون من حيث المنظور الخارجي جميلة بالنسبة للجميع. فسقراط – كما سمعنا – كان أصدق رجل في زمانه، ورغم هذا قيل عن وجهه إنه كان الأكثر دمامةً في اليونان. من منظوري، كان سقراط جميلاً لأنه سعى إلى الحقيقة طوال حياته. وبوسعكم هنا أن تتذكروا أن شكله الخارجي لم يمنع فيدياس من تقدير جمال حقيقته الداخلية، رغم أنه كان معتادًا – كفنان – على رؤية الجمال في الأشكال الخارجية أيضًا.

(الهند الفتاة، 13-11-1924، ص377)

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ الفصل الثاني من كتاب: كتابات وأقوال للمهاتما م. ك. غاندي، ترجمة أكرم أنطاكي، معابر للنشر، دمشق، 2009.

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود