أصول اسم طائر العنقاء

 

فايز مقدسي

 

كلمة "عنقاء" كلمة معروفة، وهي اسم طائر خرافي تقول عنه الأساطير والحكايات أنه كان يعيش زمنًا طويلاً ثم إذا جاءه الموت فقد كان يحرق نفسه بالنار ويستحيل رمادًا، ثم يولد من جديد من رماده ويبعث حيًا وهكذا في دورة من الموت والحياة لا تنتهي. لذلك ارتبط اسم العنقاء بالخلود والأبدية. وصار بذلك يماثل الإله السوري القديم الذي يموت ثم يبعث حيًّا من جديد وعلى نحو دائم، وكذلك الإله المصري ايزوريس الذي تخرجه الربة ايزيس من ظلمات الموت. والشيء نفسه كانت تفعله الربات السوريات إنانا وعشتار وعنات، ولاحقًا وتحت أسماء أخرى افروديت واتارجتس وفينوس، وفي عهود لاحقة ظهر المسيح  كإله سوري أيضًا يموت في عزِّ الشباب ثم يقوم من الموت وكأنه تجسيد للبعل الشاب دموزي السومري أو تموز البابلي أو تيشوب الحثي، ولاحقًا اوزوريس المصري.

وهنا نجد أن طائر العنقاء يماثل في حكايته وموته وبعثه الروحية السورية والمصرية القديمتين والقرآن يقول عن المسيح "عيسى" وعلى لسانه: "سلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا". ومن المثير للدهشة أنه في حكاية كل إله شاب من هؤلاء الآلهة نرى أن المرأة أو العنصر المؤنث هي التي تقوم بدور كبير، وتواجه قوى الموت لاستعادة الإله الشاب الميت من ظلمة الموت. وهذا الدور الأنثوي تجسده إنانا السومرية حين تستعيد الرب دموزي من الموت فيبعث حيًا، وكذلك الحال مع عشتار وتموز والبعل عنات ثم افروديت وفينوس وادونيس ثم ايزيس واوزوريس. ومن المهم بمكان أن نلاحظ أن مريم المجدلية كانت أول من رأى وبشَّر بقيامة المسيح من الموت، كما تروي الأناجيل وليس أحد الرسل أو التلامذة يعني ليس رجلاً أو عنصرًا مذكرًا. وعلى هذا النحو نلاحظ أن العنقاء اسم مؤنث وليس مذكرًا مما يدل على استمرار قيام القوة المؤنثة في الكون ببعث الموتى من ظلمات الموت، وعلى دور المرأة في تحدي القوى الغامضة المعادية للإنسان للقضاء عليها دوريًا وضمان استمرار الحياة عن طريق بعث الأرباب الموتى من القبور.

بالنسبة إلى العنقاء فهي تحتوي في ذاتها على العنصرين المذكر والمؤنث، وحين يحترق المذكر يقوم المؤنث ببعثه حيًا من جديد في دورة أبدية تماثل دورة الكون ودورة الأفلاك والنجوم والكواكب، وكذلك دورة الطبيعة من الموت إلى الحياة من جديد عن طريق تعاقب الفصول. ولنلاحظ أن الطبيعة اسم مؤنث وكذلك اسم دورة، ويطابق كل ذلك الدورة الشهرية عند المرأة التي تضمن الخصوبة والإنجاب واستمرار الجنس البشري.

ما معنى اسم العنقاء ومن أين أتى، ولماذا أُطلق عليه أيضًا اسم الفينيق؟

بعد البحث الذي قمت به في نطاق لغاتنا السورية القديمة وجدت أن اسم "فينيق" محرف عن "فينيقيا" أي سوريا، لأن الإغريق ردوا أسطورة العنقاء إلى أصلها السوري في العهد الفينيقي فسموا الطائر باسم فينيق، أي الفينيقي أو السوري. غير أنني وبعد التقصي عثرت على دلالة الاسم "عنقاء" في مقاطع من اللغة السومرية القديمة، ووجدت أن الاسم كما دخل إلى العربية "عنقاء" مؤلف في الأصل من مقطعين سومريين: الأول هو "آن" ويعني "السماء"، والثاني هو "كي" ويعني الأرض. وإننا إذا جمعنا المقطعين معًا نحصل على صيغة "انكي" وهو اسم إلهي معروف بالسومرية منذ القدم، ويعني "السماء والأرض"، والسماء اسم مذكر بالسومرية والأرض مؤنث، فيكون "انكي" هو قران السماء والأرض معًا واستمرار الحياة. وهناك قصيدة سومرية تعود في أصولها إلى الألف الثاني قبل الميلاد تحمل اسم (عرس الأرض والسماء أو عرس آن وانكي). وللأمر دلالة واضحة. فيما بعد ونتيجة تعدد لفظ حرفي الكاف والالف والعين ونتيجة تعدد اللهجات السورية القديمة تحول الاسم من "انكي" إلى "عنقي" ثم تحول إلى "عنقا" لتبادل الأحرف الصوتية الألف والياء والواو، وانتهى به الأمر أن يدخل العربية في صيغة "عنقاء" ولا قيمة صوتية للهمزة في اللغات المشرقية.

وهكذا ففي اسم العنقاء نحصل على أبدية اتحاد السماء والأرض، واستمرار الوجود بواسطة اتحاد المذكر والمؤنث في الكون. وهي دورة أبدية يرمز إليها طائر العنقاء كما بينا. وعن هذا الاتحاد العظيم جاء جذر "عنق" ثم اسم "عناق" ثم فعل "عانق، يعانق"، وكلها تدل على الاتحاد وتمازج الأول بالثاني.

كما أن الاسم "عنقاء" موجود في أسماء الكثير من الأسر السورية، واكتفي هنا بذكر اسم المغني الأمريكي السوري الأصل بول انكا Paul ANKA، الذي اشتهر في ستينات القرن الماضي في العالم أجمع، واسمه في الاصل "بولس عنقا" الذي تحول إلى "بول انكا" بالأمريكية. وما تزال أسرة عنقا موجودة إلى اليوم في حلب في سوريا، وربما في أمكنة أخرى أيضًا.

ومم يعزز النتيجة التي توصلت إليها حول اسم العنقاء أن هذا الاسم لا يعني شيئًا بالعربية، وأنها استعارته فيما بعد عن السومرية كما فعلت بما لا يحصى من المفردات التي نظنها عربية وهي سورية قديمة ولا علاقة لها بالعربية الصحراوية.

*** *** ***

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني