أبجديَّةُ التَّكوين

فيصل قرقطي

 

إلى رقَّة الآس في صوتها

واحتشاد المكان في غليان النار.

 

الليلة الأخيرة قبل الميلاد

يغزلُ العرَّافون وصايا الصمت

بتهاطيل كلامٍ/

ونجومِ سماء/

وهراطق كتبٍ صفراء/

وحروفٍ مذبوحة –

إذ يلتوي الوقتُ

كانتشاء الجثث

فوق صمتِ المدينة.

 

الترابُ يئن

تحت لهاث الشمس

التي في عين الإله.

 

ضوءٌ بوحُه المدى/

تنكمشُ الأرضُ، ثم تضيق/

يتسعُ الصدى بين النار والماء/

ويكون اليباس – من روحه –

نفخةً في السعير

تُوازي نبضةَ عراءِ التشكل/

ليعلِّقه المدى من نظراته الضائعة

خلف سياج الوقت/

يضيع في إيقاعه غير الرتيب.

 

الأفقُ ينزفه قطرةً من وجومٍ/

ليكون مساءٌ/

ويكون صباح/

ولا ظهيرة في بساتين الروح/

ليمشي، ويمشي،

ذارعًا الأرضَ التي تتنفس في شهقته.

 

كُنْ كما يكون الماء:

عذبًا وسلسبيلا/

طارئًا ونزيلا/

قائمًا ومقيما –

أيها الفاتحُ أردانَ الأنهار –

لتزرعَ بويضاتِ ضياع المحيط

وتفجِّرَ الماءَ الساكنَ في بطنِ الوجومِ

الذي يُعَسْكِرُ في وحدتك.

 

أنتَ وحدكَ الآن:

تجدلُ الوقتَ والمسافاتِ،

سائرًا في غضب السكون.

 

عمَّ تبحث في لهاث الشجر؟!

عمَّ تبحث في لهاثك الضائع في الوحدة؟!

 

امتدادٌ كفسحة الخراب الدامي

يعلِّقُ رموشَ المسافة بمسامات جسدكَ –

وأنت، أنت وحدك.

 

عمَّ تبحث، يا فتى؟ –

وحواءُ غافيةٌ في مسالكها

قرب بحيرة لا تصل إليها الروح،

ولا أحلامُ الرعونة.

 

عمَّ تبحث؟ –

وفي نبضكَ يسترسلُ الغيبُ

نشيدًا ضائعًا في تشكله الأول/

كأيقونات مهملة،

كزوابع لم تعرفْ مداراتِها،

كلهفة المخاض

وولادةٍ من ثبج الفراغ –

أنتَ أتيتَ

لتكون.

 

مَنْ أنتَ؟!

مَنْ أنت؟!

 

ليلة الميلاد

هادئًا يستفيقُ الصباحُ بعينيك/

من تعبٍ نمْتَ/ وها قد صحوتَ

لتعرفَ أنكَ أنت،

وأن الصباحَ بحلمكَ كان هباءَ ضياء.

 

وها قد بدأتَ لتبدأ:

من سرَّة الأرض/

من كلمةٍ لا تُغافِل سرَّكَ

إلا لتحملَ جمرَ الهموم بصدرك.

 

أنت ولدتَ هنا/

وهنا شدَّكَ الله في هذه الأرض

التي تبتغيها ولا تصقل الروح في منتهاها –

لتبدأ ثانيةً

من عناقكَ والرَّحِم.

 

حواء ليس لها متسع/ تستكين،

تغيبُ، لتبزغَ ثانيةً من دموع الإله –

وأنتَ احتدامُ المواقيت، والتعبُ المتواصل،

والمسيرُ بلا غاية.

 

كيف تمشي وروحُكَ لا تحفل الآن بالمعجزات؟!

 

هلمَّ إلى غاية الصبح/

يشرق، إذ تشرق الروحُ فيك –

فلا تنبضِ الآن إلا بورد الولادة/

لا تنبضِ الآن إلا بصمت الخلود/

فَسِرْ أينما كانتِ الخطوةُ – الأرضُ

لا تتَّقي شرَّكَ الآن –

وَسِرْ مثل الهواء الخفيف

لتحفل بالمعجزات/

تنفَّسْ كما يليق بك،

ونَمْ في تَعَبِ الطقس/

لا تفسِّرْ وجودكَ،

أيها الضالع بالسهر والتعب والسؤال –

فلا تسألْ!

 

كم تنام لتسأل!

وتصحو لتسأل! –

وما من جواب.

 

حواءُ طالعةٌ من خدرها الآن/

تفتح كلَّ انشطارٍ إليك/

إليكَ تهمهم، ثم تلوب/

وتنقرُ خطوتُها الوقتَ/

يشرقُ أكثر مما يكون الشعاع –

وأنتَ احتدامُ الشعاع، وبرد السكون/

لتحلم أكثر مما يشيل السواد،

وتصحو أكثر مما يشيل الضياء –

فأنتَ ولَّدْتَّها من ضلعكَ،

هذه الأرض – وإرثُها الأكيد

خلاصةُ إرثها المحتوم.

 

ولدتَ، فانشقَّتْ ظلمةٌ لتكون،

وبزغَ الضوءُ لتكون وحدكَ الآن –

إنها المعجزة.

 

جاوزتَ التسعين/

أطفأتَ نجومًا، وأضأتَ نجومًا/

غادرتَ بلادًا وعوالم/

ودخلتَ مصائر وشِباكًا/

وتَلَوْتَ الصلواتِ وحيدًا/

ووحيدًا شكَّلكَ الغيبُ الطافح

في مشكاةِ سماءٍ لا تشفعُ للسَّجدة –

إلا لنذيرٍ يهتكُ بمسرَّة هذا الكون.

 

أنت الآن عصيٌّ/

تَرْجُمُكَ الحمَّى/

يشغلكَ الحبلُ الملتف على عنقك.

 

الليلة الأولى بعد الميلاد

بطيءٌ هو الجرح/

حبلُ السرَّة مازال وراءك –

يا رجلاً سيعيش مداراتٍ وحقولاً ونجوما.

 

تمتمْ شيئًا/

فُضَّ بكارةَ هذا الطقس –

فحواء يغيِّبها النورُ الساطعُ خلفك.

 

كيف تحلِّل ضوءَ نشيدكْ؟!

كيف ترمِّم ميلادَ خلودكْ؟!

 

أحدٌ يهمس في ضلعك/

أحدٌ يهمس في رأسك: لا تلتفتِ الآن

لمخاض الدرب، وشوك الأيام –

لا تلتفتْ.

 

الأيامُ خوالٍ –

ويقينُك طفلٌ يحبو/

ولهاثُك شاخَ/

تحملُ غيمًا في معطفكَ الأبدي،

والأمطارَ بعينيك/

نَزَقُ الأرضِ يشرِّشُ في كلماتك/

غضبُ الجوعِ يعرِّيكَ –

وتبدأ ثانيةً.

 

أية ولادة تتقصَّى دهاءَ الأيام؟!

أيُّ مصيرٍ تَعِبٍ خفَّ بجرحِك؟!

 

أنت الآن ملاذُ الشفقِ/

نبوءةُ سجدتِكَ الأولى، وتمردُكَ الأوَّل –

فارفع جنَّازَ فضائكَ كي تصرخَ أكثرَ

كما يليق بك/ لتنهدمَ رغوةُ المدن

وتبقى على حالكَ، سابحًا في فضاءٍ –

ولا مدينة.

 

حبلُ السرَّة مازال يدور وراءك/

مازال الصمتُ يلاحقُ إرثَك/

تفتح بابًا للترحال، فتدخل أبوابًا لا توصل إلا للروح –

وأنت بميلاد السرَّة تفتحُ بابًا آخر/

تلهجُ بالوَلَهِ الساكن في جيب الصمت –

والصمتُ له أنداءُ مداراتٍ/ مازالَ يلاحقُ روحَك/

تبني من ضلعكَ مرآةً لحياتك،

وتغيب بعيدًا في صمت الأيام/

تكتظُّ عليكَ نواجذُهُمْ/

يحكمكَ الشبقُ الأعمى الطافحُ في عينيكَ/

تدورُ – وحبلُ السرَّة مازال يدورُ وتسأل...

 

كيفَ ستسأل،

وأنت السؤالُ الوحيدُ –

الجوابُ الذي لا سؤالْ.

 

30-31/12/1995

1/1/1996

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود