سؤالي ينطلق من مهمة السوَّاح كمفكر وباحث في ميدان الميثولوجيا وتاريخ
الأديان: أية راهنية لهذا العلم في عصر التكنولوجيا الفائقة بكل تجلياته التي
باتت تشيع بين ظهرانينا، وكيف تُقيِّم من ثم موقع هذا العلم من اهتمامات
وانشغالات الباحثين والمؤسسات الأكاديمية على مستوى الوطن العربي؟
فراس السواح:
من أهم السمات المميزة لحضارتنا الحديثة هي وعيها التاريخي الذي يتجلى في ذلك
المشروع الكبير الهادف إلى فهم الماضي على كل صعيد. فلقد ابتعثنا تاريخ الكون
من خلال علم الفيزياء الكونية، وتاريخ الحياة من خلال علم البيولوجيا، والتاريخ
الطبيعي للإنسان من خلال علم الأنتروبولوجيا الطبيعية، وتاريخه الثقافي من خلال
علم الأنتروبولوجيا الثقافية... إلخ. ونحن نشهد منذ عدة قرون تبلور علم جديد
يدعى تاريخ الأفكار، الذي صار له كرسي أستاذية في كثير من الجامعات الغربية.
وعلم الأفكار هذا لا يُعنى فقط بتاريخ الفلسفة وإنما يتعداها إلى ما أنتجه
العقل الإنساني في مجالات الحكمة والدين والميثولوجيا. فالإنسان عاجزٌ اليوم عن
فهم نفسه ودوره في هذا الوجود إذا لم يفهم كل ما يمت إلى ماضيه بصلة، لا سيما
تاريخ أفكاره. فالفكرة هي المحرك الأساسي للتاريخ، وتكوين الأفكار هو الدافع
المبدئي لأي نشاط إنساني يهدف إلى التغيير. وبما أن الفكر الأسطوري شغل ما يزيد
عن 99% من عمر الإنسان منذ أن اتخذ وضعية الانتصاب قبل مليون سنة، فإنه حري
بالدراسة والفهم من قبل عصر التكنولوجيا الفائقة الذي ما زال الفكر الأسطوري
يعشعش فيه.