"ديموقراطية" القنابل والصواريخ

 

أدونيس

 

1

بالحرب الأمريكية على العراق، تُستكمَل الأسُسُ التي سيستند إليها صنعُ السيادة الإسرائيلية على العالم العربي. إنها حربٌ تفتح لهذه السيادة الأبواب من عَلٍ، وبضجة من الوعيد، يتسرب فيها صوتٌ خافت من الوعد: "السلام"، "الحرية"، "الديموقراطية". كأن هذا كلَّه لا يجيء إلا مع الصواريخ ومع قاذفات القنابل! وكأن هذا كلَّه لا ينهض إلا على أنقاض المدن وجثث البشر!

وكما قُدِّم الفضاءُ العربي لتحرُّك هذه الحرب، فسوف يقدَّم لتحرك النظام الإسرائيلي، في استسلام عربي "وقائي" شبه كامل! وسوف يخطَّط، من الآن فصاعدًا، لتدمير أية نواة لمقاومة الهيمنة الإسرائيلية، أي لتدمير أية نواة للحرية.

هكذا يُعطى لإسرائيل أن يبدأ بكتابة تاريخ جديد آخر لهذا العالم العربي. ويُعطى لهذه "الولاية" التابعة أن تصبح "العاصمة المركز" للولايات المتحدة في شكلها الإمبراطوري الجديد – عاصمتَها في الفضاء العربي، على الأقل.

2

هكذا تُشارِك بعض الأنظمة العربية في التأسيس لنوع جديد من الحرب الظالمة، الوحشية، التي لا سابق لها في التاريخ. وَصَفَها توماس فريدمان بأنها "حرب اختيار، لا حرب اضطرار". وهي، إذًا، حرب يمكن أن تتجدد باستمرار. فهي دائمًا على الأبواب! الأقوى "يبتكر" أعداءه، ويختار حروبَه عليهم. وبوصفها "حرب اختيار"، يمكن القول عنها إنها البيان العملي العسكري الأول للعولمة وللهيمنة الواحدية.

3

طبعًا، لا يمكن الدفاع عن نظام صدام حسين. لكن، أليس في كلِّ نظام عربي شيء منه؟ § النظام وأصحابه قبل البلاد والشعب، وفوق البلاد والشعب – وهذا هو ما دمَّر العراقَ، نظامًا وشعبًا ووطنًا.

لا شك أن بين العرب مَن يقرأ هذه الأمثولة، ومَن يعتبر بها، أو مَن سيأخذ منها العِبْرة. لكن، هل ستفعل ذلك الأنظمةُ نفسها؟

تكرارًا، لا يمكن الدفاع عن نظام صدام حسين. لكنْ كيف يمكن أن يصمت العرب عن هذا النوع من الحرب، أو يسهِّلوها، أو يشاركوا فيها، بشكل أو بآخر، مداورةً أو مباشرة؟

أحتلُّك لكي أنقذك؟!

أستعبدك لكي أجعلك سيدًا؟!

أم أن في هذه الحرب تطابقًا مع الحكمة "النظامية" العربية: أسجنك لكي أعطيك الحرية؟!

في كلِّ حال، يمكن أن نصف قبولَ بعض الأنظمة العربية لهذه الحرب بأنه "معلَّقة" جاهلية أخرى في اتجاه آخر، ولغايات أخرى. ولم تسهم هذه الأنظمة في كتابتها وحسب، وإنما أسهمت كذلك في غنائها، وفي الرقص على إيقاع هذا الغناء!

واهًا لهذه البلاد التي شوَّك حتى ثدياها!

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود