تأمُّلات في الخصائص التكوينية

للخِطاب البارابسيكولوجي العربي المؤمن

 

جمال نصار حسين*

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

يقودنا التدبُّرُ في واقع حال البحث في مجال الظواهر الخارقة في الغرب – لا محالة – إلى ضرورة التفكير في انتهاج مسلك بديل، ينأى بنفسه عن أن يكون نسخة مطابقة للمنهاج الغربي في التعامل مع هذه الظواهر ويرنو إلى الأخذ بتلابيب حقيقة ما يَحدُث فيها؛ كما يمكن للعقل البشري أن يتأتى الوقوعَ عليها إذا ما هو بادَرَ وأخذ بالأسباب الكفيلة بإيصاله إليها. وإذا ما نحن أردنا أن نوجز بعضًا من أهم الخصائص المكوِّنة لخطاب معرفي جديد يطمح إلى الإحاطة المعرفية بهذه الظواهر غير المألوفة فإن الواجب يقتضي منَّا أن لا نغفل عن استذكار ما يلي:

1.    إن الظواهر التي تَناوَلَها البرنامج المختبري للبارابسيكولوجيا العربية المؤمنة بالبحث التجريبي والحقلي خلال السنوات الماضية – وإن كانت لا تمثِّل إلا جانبًا يسيرًا ممَّا يُصْطَلَح على تسميته بالظواهر الخارقة – بمقدورها أن تقدِّم مادة غنية بكلِّ ما هو جدير بالالتفات الفوري إليه، والانشغال المستمر من بعدُ به، لكثير من فروع المعرفة الإنسانية. إن هذه الظواهر هي ليست بارابسيكولوجية بالمعنى الذي يحدِّد العلم الذي بمستطاعه أن يقوم بدراستها أنه ما يُعرَف بالبارابسيكولوجيا. إن أخذ هذه الظواهر على هذا المحمل وحده سيجعلها تفقد الكثير مما بمقدورها أن تَهَبَه، عن طيب خاطر، لكثير من فروع المعرفة الإنسانية. إن هدف البرنامج هو ليس مجرَّد تقديم ظواهر خارقة بمقدور كافة البشر أن يقوموا بها، بعد تطبيقهم لتقنيات البرنامج، ولا هو مجرَّد إضافة نوعية في مجال المناعة والشفاء تفوق ما هو موجود من تقنيات طبية وعلاجية.

فمن بين أهداف البرنامج تقديم هذه الظواهر الخارقة جاهزةً للتكرار داخل أيِّ مختبر أبحاث، وذلك حتى يتم التأكُّد من حقَّانية تمتُّعها بمُعَامِل تكرارية عالٍ غير مسبوق، وإن حازتْ عليه غيرُها من الظواهر الخارقة من قبل. إن البرنامج ليس طبيًّا فقط، وإن كانت نتائجُه المباشرة تبدو كما لو أن ليس هناك من تأثير بمقدورها أن تسبِّبه يطال غير الطب، علمًا وتقنيات علاجية. إن هذه الظواهر مادة خام تستطيع أن ترفد كثيرًا من العلوم، بما يكفل لها أن تستخرج منها الكثير جدًّا مما هو جديد ومفيد في الوقت عينه. إن ظواهر البرنامج، في حال ثبوت ما تمَّ كشفه من خصائصها، وذلك عن طريق تكرار هذه الظواهر في مختبرات أخرى وفق أدقِّ ضوابط النهج التجريبي المُتَّبع أكاديميًّا، ستعمل على تغيير الكثير جدًّا مما هو سائد من فهم داخل أنساق عديدة من فروع العلم المختلفة.

إن هذا التغيير ضروري جدًّا لأنه سيعمل على توفير زوايا نظر جديدة نستطيع من خلالها أن نعيد فهم الكثير جدًّا مما غاب عنَّا فهمُه عند بحثنا في ظواهر أخرى كان لها الفضل في تشكيل ما هو سائد حاليًّا من علم. إن الدعوة موجَّهة لكثير من العلوم لدراسة ظواهر البرنامج؛ كما أن النتائج التي ستنجم عن هذه الدراسة تطال هذه العلوم جميعًا. لذا فإن كثيرًا من العلوم التخصُّصية مدعوة لتُدلي بدلوها في هذه البئر الواعدة. وإن الدعوة موجَّهة إلى علوم من مثل علم فسيولوجيا الأعصاب وعلم كيمياء الأعصاب وعلم الأنثروبولوجيا النفسانية وعلم الاجتماع الطبي والإثنولوجيا الطبية إلخ.

2.    إن هذه الدعوة لتوثيق أواصر التعاون العلمي تهدف إلى إثراء حصيلة الظواهر والتجارب التي يستطيع بها باحثو العلم المستقبلي Future Science أن ينحوا بـالعلم الحالي إلى علم جديد يحتويه، ظواهرَ وتجاربَ ومنهجَ بحث تجريبي، كما يحتوي كلَّ ما ليس بمقدوره أن يتناوله بروح العلمية الموضوعية الحق.

3.    إن هذه الظواهر، منفردةً، لا تستطيع أن تهزَّ سطح العلم التقليدي؛ إلا أنها، إذا ما اجتمعت بأيدي باحثين يَجمعون بين خير ما في العلم التقليدي وبين الحرص المعرفي على عدم تضييع الفرص المتجدِّدة والظواهر الجديدة، فإن بمقدورها أن تكون القشة التي ستقصم ظهر التقليدية المقيتة في العلم السائد!

4.    إن هدف البرنامج هو جمع كافة الجهود المعرفية، القائمة حاليًّا على أساس من الدراسة التخصُّصية لكافة مفردات الظاهرة الإنسانية، مألوفها وغريبها، وجعلها تنصب في اتِّجاه كشف ما بالمستطاع كشفه من خفايا ظواهر الإضرار المتعمَّد إحداثه في الجسم Deliberately Caused Bodily Damage (DCBD).

وفيما يلي عدد من العلوم التخصُّصية التي يوفِّر لها البرنامجُ، بظواهره الخارقة القابلة للتكرار وفق متطلَّبات المذهب التجريبي الاختباري المتطرِّف، مادةً خام للبحث طويل المدى:°

-          Neuroendocrinology

-          Immunohistochemistry

-          Medical Anthropology

-          Ethnomedicine

-          Immunocytochemistry

-          Bioelectromagnetics

-          Psychological Info-medicine

-          Anthropology

5.    إن هذه النزعة المميِّزة للعلم الحالي، الداعية إلى التخصص والتعمق المتخصِّص، جعلتْ من العسير جدًّا على العالِم أن يلمَّ، بالضرورة، بما يتعدَّى مجال تخصُّصه الضيق؛ وهذا يؤدِّي، لا شك، إلى نتائج كارثية، مادام يتعذَّر على العقل البشري أن يتخلَّص من نظرته الميتافيزيقية النازعة إلى اكتشاف الكلِّ في الجزء (أو إلى اختلاقه إذا ما عزَّ عليه الاكتشاف)، مما يؤدِّي في كلتي الحالتين إلى جعل العلم عبارة عن سيناريوهات خيال علمي غير منجزة كأفلام بعد!

6.    لذا فان ظواهر البرنامج، مع غيرها من الظواهر غير المألوفة، ستكون عامل توحيد يجعل من الممكن – بل من الواجب – تجميع كافَّة الجهود العلمية من مختلف التخصصات للانكباب على دراستها بصورة جماعية. فهي إذا دعوة إلى كلِّ المهتمِّين والعاملين في مجال العلوم غير التقليدية Non-mainstream Sciences والعلوم العقلانية Noetic Sciences والعلوم الحدودية Frontier Sciences وكلِّ مَن تستهويه دراسة هذه الظواهر الواعدة وكلِّ من له علاقة بـفلسفة العلم الجديد وميتافيزيقاه المختلفة حتمًا عن تلك التي يدافع عنها علم الكثرة Majority Science.

7.    إن ما يميِّز الدراسات التي قام بها البرنامج على التجارب التي أُجرِيَتْ في سويسرا في الثلاثينات على دارسٍ للمهارات البوذية (ميرين)، وكذلك التجارب التي قامت بها مؤسَّسة Menninger في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينات على ممارسٍ لفنون التأمل (شفارتس)، والأبحاث المختبرية التي أجراها العالم الألماني لاربك (في السبعينات أيضًا) على أحد الأشخاص من أصحاب المهارات المنغولية في اليوغا (بنغاو)، أن هذه الأبحاث والدراسات الغربية تمَّ توجيهُها من زاوية النظر الخاصَّة بالعلم الاختصاصي المميِّز لكلِّ مجموعة بحث!

وأما الآن فعلينا أن نبحث في هذه الظواهر الخارقة من زوايا نظر كلِّ علم اختصاصي له علاقة بها. وهذا يعني ألا يقتصر البحث على زاوية نظر علم الفسيولوجيا العصبية (علم وظائف الأعصاب) والـ Psychological Anthropology(الأنثروبولوجيا النفسانية).

إن بحث مؤسَّسة Menninger جرى في بداية السبعينات، وكذلك البحث الذي قام به لاربك. وهذا يعني أن هذين البحثين لم ينظرا إلى فعاليات الإضرار المتعمَّد إحداثه في الجسم DCBD من زاوية الـEndorphines التي لم يكن العلماء وقتذاك قد ألِفوا أخذها بنظر الاعتبار، وذلك لأنها حديثة الاكتشاف.

كما أن التقنيات الحديثة التي بالإمكان الإفادة منها في البحث المعاصر كانت غير موجودة آنذاك حين قامت مجموعتا البحث المذكورتان أعلاه ببحثهما لظواهر الـDCBD، مما يجعل من القيام بأبحاث معاصرة تستهدف هذه الظواهر الخارقة، بالاستفادة من تقنية اليوم، ضرورة لازمة، مادامت النتائج مضمونة بضمان تعقيد ودقة هذه التقنية بالمقارنة بتقنيات الأمس.

8.    وفقًا لتعريف الخارق للعادة Paranormal فإن ظواهر البرنامج هي كذلك؛ وحسب تعريف غير المألوف Anomalous فهي أيضًا كذلك. ثم إنها تمثل أيضًا ظواهر تأثير الوعي على المادة Consciousness over Matter. وهل من أدلٍّ على هذا من قيام إنسان بإحداث إضرار متعمَّد في جسم إنسان آخر DCBD من دون وساطة الإيحاء أو التنويم، ثم قيام هذا الآخر بإظهار شفاء خارق ذاتي لهذا الإضرار Instantaneous Self-healing ؟

وهكذا فإن كلَّ الصفات والمواصفات المميِّزة للظواهر التي يتجنَّب العلم التقليدي دراستها ويفضِّل الابتعاد عنها عادة، والتي تتوفَّر في ظواهر البرنامج، تستدعي أن تبادر المناهجُ المتخصِّصة بدراسة أيٍّ من هذه الظواهر، التي هذه هي صفاتها ومواصفاتها، إلى دراستها. إن الوقت قد آن للبدء بدراسة هذه الظواهر التي تتميَّز بجميع ما يتميَّز به غيرُها من الظواهر الغريبة، فضلاً عن حيازتها لميِّزات تتفرَّد بها عن باقي غيرها من الظواهر.

9.    إن كلَّ المراكز المهتمة بدراسة الظواهر التي لم تصنَّف بعد وفقًا لمعايير العلم الأصولي القياسي Standard Orthodox Science مدعوة للمشاركة في إبداء ما بمقدورها تقديمه من آراء وخبرات وجهود بحثية، وذلك أسوة بمراكز العلم التقليدي التي عليها أن تقوم بدراسة هذه الظواهر دراسة تقليدية وفقًا لضوابط المنهج الأكاديمي المعمول به ضمن حدود العلم السائد. إن تراكم نتائج جهود الخبرات القادمة من مختلف الاختصاصات العلمية لا يمكن أن يثمر ما هو مرجو ومأمول منه من غير المساندة، التي لا مناص منها، التي بمقدور مراكز العلم غير التقليدي أن تقدِّمها عبر تناولها لهذه الظواهر بالدراسة المميِّزة لها التي لا يستطيع العلم التقليدي، القائم على أساس الاختزالية Reductionism، أن يقوم بها لفرط افتقاره، أساسًا ومنهجًا وروحًا، إلى النظرة الشمولية Holistic التي يتَّسم بها باحثو مراكز العلم غير التقليدي.

10.                       إذًا فطريقة التعامل غير التقليدي مع هذه الظواهر مطلوبة الآن من بعد أن تمَّ، إلى حدٍّ مُرْضٍ، التعامل التقليدي معها، على الأقل ضمن حدود مختبرات البرنامج، بالصورة التي تبرهِن، بما لا يقبل الشكَّ العلمي الرصين، أنها ظواهر لا تنتمي إلى المنظومة التصنيفية القائم على أساس منها علمُنا القياسي الحالي، وأنه، بالتالي، لا يمكن أن يقوم بتفسيرها وفقًا لنماذجه النظرية القائمة. وهذا يعني، ضمن ما يعنيه، أن المطلوب الآن هو:

أ‌.       العمل على تغيير ضوابط التصنيف حتى ينشأ علمٌ جديد أكثر اتِّساعًا في استيعابه الظواهر المستجدة؛

ب‌.  القيام بصياغة نماذج نظرية جديدة يكون بمقدورها تناول هذه الظواهر المستجدة بالتفسير والفهم العلميين قدرتها على تفسير تلك الظواهر التي كان بمقدور العلم التقليدي تفسيرها.

11.                       علينا ألا ننسى أن هذه الظواهر تمثِّل خروجًا على مألوفٍ اعتدنا النظر إليه على أنه المسار الطبيعي والمعتاد لردود أفعال الجسم تجاه الإضرار المتعمَّد إحداثه فيه على شكل جروح، من نزف وألم والتهاب وشفاء بطيء. وهي أيضًا توجِّه ضربة قاصمة للعلم التقليدي في مجال التفسير الطبي للظاهرة الإنسانية. إلا أن علينا ألا ننسى أيضًا أن الظواهر المألوفة التي تَناوَلَها العلم التقليدي بالدراسة والبحث قد عملت على تطويره، فارتقت به وجعلته يصل إلى حالة أسمى من الحالة التي كان عليها عند شروعه بدراستها.

12.                       على الرغم من كون هذه الظواهر تتمتَّع بانضباط عالٍ وخضوع مطلق لكلِّ ما يفرضه العلمُ التقليدي من ضوابط منهجية تنظِّم ردَّ فعله تجاه ما يعرض له من ظواهر يُطلَب منه أن يتعامل معها، بما يجعل منه يستخلص منها ما يرفد المتراكم من حصيلة سابق تعامُله مع ما سبقها من الظواهر التي كان لها شرف الإسهام، إلى جانب الجهد الإنساني، في وصوله إلى حاله هذا الذي هو عليه، إلا أنها، مع كلِّ هذا الانضباط التام والخضوع المطلق لروح العلم، اللذين يتجلَّيان بأبهى صورة في كون هذه الظواهر تكرارية بلا قيد أو شرط وطيِّعة بأيدي الباحثين، إذ تسمح لهم بإجراء ما شاؤوا من تجارب علمية مسيطَر عليها Scientifically Controlled Experiments، فهي تتميَّز بمواصفات استثنائية جعلت منها، بالتالي، تنأى عن أن تكون ظواهرَ علمية تقليدية 100%، مادامت جعلتْ من العصيِّ على العلم السائد استعمال مخزونه وأعتدته ليحل الألغاز التي بمستطاعها أن تتحدَّاه بها، عن اقتدار مطلق.

13.                       إن خصائص هذه الظواهر تجعل منها مخالِفة لتلك التي تشكَّل بفضلها علمُ الطب الحالي، منذ أن أخذ بدراستها؛ وهي، بالتالي، تمثِّل ظواهرَ لا يستطيع هذا الطب أن يقوم بتفسيرها أو هضمها أو تمثيلها Assimilation داخلاً من بِنيَته المعرفية، مادامت استعصتْ على الدخول في ضيِّق قوالبه المُنتقِيَة للنمط المميِّز للظواهر الطبية التي يريد دراستها، ومادامت نظرياتُه ونماذجُه عجزتْ عن احتوائها في شباكها التي وقع في ظنِّ ناسجيها أن بمقدورها اصطياد كلِّ ما في بحر الوجود من ظواهر طبية، تفسيرًا وعَقْلَنَةً! إن عجز منظومة المعلومات الطبية الحالية عن احتواء هذه الظواهر عقلنةً وتفسيرًا لا يعني نجاح غيرها من المنظومات المعرفية المنافِسة في احتوائها ضمن أنسجتها وشباكها، مادامت هذه المنظومات المنافِسة زائفة التميُّز عن المنظومة التقليدية. ويبرهن على ذلك عجز الإيحاء والتنويم عن تقديم البديل التفسيري.

14.                      إن كون ظواهر البرنامج قابلة لأن يتم استعراضُها من قبل جميع البشر يستدعي، ضمن كثير مما يستدعي، الأخذ بنظر الاعتبار التساؤل حول السبب الذي جعل من الممكن للمنظومة البيولوجية للإنسان أن تُظهِر قابليات كهذه. لماذا يكون بمقدور البشر إظهار هذه المقدرات غير المألوفة؟ لماذا لم يتم ترسيخها بالصورة التي تجعل منها هي ردَّ الفعل الطبيعي تجاه المؤثِّرات التي بإمكانها إحداث جروح في الجسم، بدلاً من ردِّ الفعل المألوف، مادامت هذه المقدرات من الصفات الكامنة التي أثبت البرنامجُ وجودَها لدى كلِّ البشر، على قدر تعلُّق الأمر بالقابلية لجعل المؤثِّر اللابشري من وراء هذه الظواهر الخارقة تتجلَّى طاقتُه بالشكل الذي يُوصَف على أنه شفاء خارق ومناعة فائقة؟

15.                       إن البحث عن العلَّة في وجود هذه الميكانيكية غير المألوفة التي تجعل من الجسم البشري يُبدي هذا النمط من ردود الأفعال غير النمطية تجاه المؤثِّرات الخارجية التي بمقدورها إحداث جروح فيه لَيَطال المباحث التطورية لنشوء وارتقاء النوع الإنساني التي يجب عليها الآن أن تقدِّم تفسيراتها بهذا الخصوص، مادامت هذه الظواهر الخارقة مميِّزة للنوع الإنساني قاطبة، خاصة من بعد تقديم البرنامج للبرهان القاطع على كون هذه المقدرة كامنة عند كلِّ البشر وذلك – وذلك فقط – عند تعرُّضهم لـطاقة الطريقة.

16.                       إن الظواهر الخارقة التي تدرسها البارابسيكولوجيا الغربية والتي تصنَّف على أنها قابلة للتفسير وفق نموذج التنويم، مثلاً، هي ذاتها أصلاً بأمسِّ الحاجة إلى تفسير عميق لا يكتفي بسطحية التفسير بالتنويم.

17.                       إن بعضًا من مباحث العلوم الحدودية Frontier Sciences، من مثل الكهرمغناطيسيات الحيوية Bioelectromagnetics ودراسات تأثير الوعي على المحيط والعلاجات الطبية المستجدَّة غير التقليدية Non-traditional Medicine، تستطيع أن تفيد ممَّا بمقدور ظواهر البرنامج أن تقدِّمه من براهين تُرجِّح احتمالية كون هذه المباحث هي التي بمقدورها تقديم حلول إنقاذ تنتشل العلم الحالي من واقعه المتخم بـالعجز عن استيعاب المستجد من الظواهر ضمن قوالب ميتافيزيقاه الأنثروبومورفية والأنثروبوسنترية· Anthropomorphic & Anthropocentric Metaphysics وبـالتخلُّف عن مواصلة إجراء الجديد من التجارب لإثراء حصيلته المعطياتية وبـالتحجُّر داخلاً من صوامع نظريات خيالية لا علاقة لها بالطبيعة والإنسان ولا بالعلم الحق ذاته.

18.                       إن هذه الدعوة هي ليست فقط لدراسة ظواهر البرنامج دراسة تجريبية (وإنْ كانت تأمل أن يتحقق ذلك)، وذلك لأنها دعوة للفكر الفلسفي أيضًا ليتناولها بدراسةٍ جادة تستوعب ما تثيره هذه الظواهر من زوابع معرفية ذات أبعاد إبستمولوجية متشعبة. إن الموديلات التفسيرية والنماذج النظرية مدعوَّة هي أيضًا لتفسير ميِّزات وخصائص ظواهر البرنامج – هذه الخصائص التي تستدعي منها تقديم ما بمقدوره أن يحتويها في منظومات تفسيرية جديدة، من بعد العجز الذي تبدَّى في عدم قدرة المنظومات الفكرية السائدة على تفسيرها وفقًا للأسُس الميتافيزيقية التي ارتفعت عليها.

إن الظاهرة الإنسانية تبقى عصية على الاصطياد المعرفي مادام هذا بعيدًا كلَّ البعد عن ملاحقتها مستعينًا بالمذهب التجريبي الاختباري الصارم ومؤيَّدًا بـنظرية معرفة غير تقليدية، تعرف قدر التنظير، فتقف به عند حدٍّ لا تسمح له بتجاوزه، مادامت الظواهر المدروسة والتجارب المُجراة في وادٍ والمقدرة على استيعابها، فهمًا وتفسيرًا، في وادٍ آخر.

فليس هنالك أيُّ عذر أو مبرِّر للامتناع عن اللحاق بالظاهرة الإنسانية في أيِّ مجال من مجالات تجلِّيها وانبثاقها، وهي النبع الفوَّار المتفجِّر حيوية وتجددًا، خصوصًا وأن واحدًا من هذه المجالات التي تتجلَّى فيها الظاهرة الإنسانية بهذا الشكل المستفِز لأركان المعرفة الجارية ورائها، قد عَرَضَ لنا، في هذه الفعاليات الخارقة التي درسها البرنامج، وأصبح بذلك لِزامًا علينا أن نتعمق فيه بكلِّ وسيلة ممكنة من وسائل الملاحقة العلمية حتى نواكب جريها الذي يبدو أننا قد تخلَّفنا عنه كثيرًا.

إننا لنذكر جيدًا أن فيزياء اليوم، بكل تعقيداتها النظرية وتطبيقاتها التقنية، ما كانت لتولد لو لم يبادر نيوتن إلى ملاحقة التفاحة التي سقطت إلى جانبه بكلِّ ما لديه من قوَّة منطق ورجاحة عقل. إن ظواهر البرنامج هي كالنفط الخام الذي تستطيع التقنية المعقدة استخراج قائمة طويلة جدًّا من البتروكيمياويات منه، لتجعل من هذا الشيء الأسود اللزج ينتج كلَّ ما هو ضروري لحياتنا التكنولوجية المعقدة. فلنأمل ألا تكون التفاحة هذه المرة قد سقطت بعيدًا عنَّا وألا نستمر في الابتعاد عن ملاحقتها!

19.                       إن ظواهر المناعة غير المألوفة هي ظواهر لا تخصُّ ثقافة بعينها دون غيرها من الثقافات؛ وهي ليست حكرًا على مجتمع معين ولا ملكًا لشعب دون آخر. يشهد على ذلك أنها تُمارس من قِبَل أتباع اليوغا، بمدارسها المختلفة في الهند واليابان والصين والفليبين؛ وكذلك يقوم بممارستها الهنود الحمر وشامانات سيبيريا، وليس فقط الدراويش. إن ظواهر البرنامج لم يتم بحثها، تجريبًا واختبارًا ودراسة ميدانية حقلية، بحيث كان هذا البحث مقتصرًا خاصةً على الدراويش فحسب.

إن ظواهر الشفاء الخارق للجروح المتعمَّد إحداثها في الجسم وظواهر ردود الفعل الخارق والمناعة الفائقة هي ملك لكلِّ فرد من أفراد النوع الإنساني، شريطة قيام هذا الفرد بالسير على الطريق الذي وضَّحتْ الطريقةُ ضوابط المسير عليه أو باتِّباعه لأيٍّ من تلك الدروب الشاقَّة الشائكة التي لا تصل بمن يرتضي لنفسه أن يخوض في متاهاتها إلا إلى ظلام أشد حلكة من الظلمة التي غادرها بخوضه الجهول هذا!

*** *** ***


* د. جمال نصار حسين، ص ب 941342، الشميساني، عمان 11194، المملكة الأردنية الهاشمية. البريد الإلكتروني: r.hussein@index.com.jo.

° هي على التوالي: "علم الغدد الصم العصبي"، "الكيمياء النسيجية المناعية"، "الأنثروبولوجيا الطبية"، "الطب الإثنولوجي"، "الكيمياء الخلوية المناعية"، "الكهرمغناطيسيات الحيوية"، "الطب المعلوماتي النفساني"، و"الأنثروبولوجيا". (المحرِّر)

· أي "البشرية الصورة" و"البشرية التمركُز". (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود