الله في المسيحية والإسلام

الصورة الحقيقية تُنقَل إلى الغرب فينشأ الحوار

 

وضاح يوسف الحلو

 

ضمن سلسلة "المسيحية والإسلام في الحوار والتعاون" أصدر "مركز الأبحاث في الحوار المسيحي–الإسلامي" (مركزه حريصا، لبنان) أعمال ندوة "الله في المسيحية والإسلام"[1]، التي شاركتْ فيها نخبةٌ من المفكرين العالميين، في ترجمة عن الألمانية لرئيس أساقفة بعلبك كيرلُّس سليم بسترس (وهو الكتاب العشرون في هذه السلسلة).

لا ريب في أن الموضوع معقَّد وصعب؛ ومع ذلك، اتفقت الأصوات المتحاورة على أهمية اللقاء بين المسيحية والإسلام. يرى أفلاطون أن من حسن الحظ أن يخوض طالبُ الحقيقة الأخطار. وقد توافق المتحاورون على أن موضوع الإسلام يتضمن أمورًا ثلاثة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطًا غير منفصل: فالإسلام دين له عقيدته، وهو نظام اجتماعي، وهو أخيرًا ثقافة وحضارة؛ والمسيحية عقيدة إيمانية وسرُّ تجسد وقيامة، أي حضارة متكاملة.

والإيمان بالله الواحد يقع، بنظر المسيحيين والمسلمين، في القلب من مفهومهم للدين وفي محور ممارستهم لمناسكهم. الإيمان بالله يربط المسيحيين والمسلمين في شركة عميقة؛ ومع ذلك، فهذا الإيمان بالله، في الوقت عينه، يميِّز الإسلام عن المسيحية، ويشتمل على نواحي تاريخ الجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية وعقائدها كافة، وله تأثير كبير في ميادين كثيرة من تاريخ البشرية الثقافي والفكري. وفي هذا ينحصر مفهوم الكتاب ويتركز بقدر ما يتسم الموضوع بطابع مميز ومحوري.

ميزة ثانية للكتاب تكمن في أن خصوصية الإيمان بالله يعبِّر عنها كلُّ امرئ من قلب إيمانه النقلي. ثمة تميُّز قطعًا في الإيمان المشترك بالله وثمة تنوع؛ ومع ذلك، ففي هذا التنوع عينه وحدة عميقة، عبَّرتْ عنها أعمق تعبير ساعةُ الصلاة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين التي تمَّتْ تحت عنوان "الله إله مواعيدنا" عبر المؤتمر الذي يجمع الكتابُ المحاضراتِ التي أُلقِيَتْ فيه.

خلف السؤال عن الله لا يكمن اهتمامٌ أكاديمي محض، ولا مسألة فكرية نظرية، بل رغبة وجودية تسكن قلوب أناس مؤمنين. في هذا السياق وُضِعَ اختلافُ العقائد الدينية والمقولات اللاهوتية داخل نطاق الوحدة التي تقوم على الإيمان بالله الواحد. إن لقاء المواقف الدينية المختلفة يفسح المجال للفوارق المعطاة، ليس فقط على أساس ما يعنيه اللهُ الأحدُ لفرقاء الحوار بالنسبة إلى وجودهم الشخصي. ولا يظهر ذلك كثيرًا في أيِّ موضع آخر كما في السؤال العلمي الذي تنطوي عليه جدية الإيمان الفردي بالله. الله هو دومًا أعظم من أقوالنا وأفكارنا. فعندما يتكلَّم الإيمان فيه فإن الموضوع يدور جديًّا عما يريد أن يقوله في الله. إنه الوقوف في حضرة الحقيقة.

انطلاقًا من ذلك كلِّه تعالَج مسائل لاهوتية، ظهرت في السعي الذي قام به الإيمان من الناحيتين التاريخية والنظرية، تعبيرًا عن مفهوم الإله من الداخل.

لقد مرَّتْ العلاقات المسيحية–الإسلامية في مرحلة غموض، هي مرحلة الجهل، التي تمتد من بدء الإسلام إلى بداية القرن الثاني عشر. كان الغرب إبَّانها يجهل طبيعة الإسلام الحقيقية؛ والمعلومات النادرة التي كان يمتلكها عن ديانة العرب كانت مستقاة من الكتاب المقدس؛ مما قاد الناس في الكنيسة إلى نظرة رؤيوية إلى الإسلام.

المرحلة الثانية تمتد من بداية القرن الثاني عشر. وقد برزت فيها ظاهرتان: من ناحية، بدأ الغرب يعرف الإسلام معرفة مباشرة من خلال الرجوع المباشر إلى مصادر عقيدته الإيمانية. فبتأثير بعض المفكرين، تمَّتْ ترجمةُ القرآن وعدد من الكتابات الإسلامية. ومن ناحية أخرى، بعث احتلال المغول لبغداد (1258) في بعض الأذهان الأملَ في إمكان الانتصار على الإسلام. تلك العقود القليلة، المليئة بالأمل، ما لبثت أن تعرضت لخيبة أمل: ففي السنة 1291 سقطت عكا في أيدي المسلمين الذين استرجعوها من الصليبيين؛ واحتل الجيش الإسلامي ضواحي القسطنطينية، ولم تلبث أن سقطت العاصمة البيزنطية، فضاع كلُّ أمل في انتصار عسكري ضد المسلمين.

ومع بداية القرن التاسع عشر، نشأ وتطور علمٌ جديد هو علم الدراسات الشرقية؛ وكان الإسلام أول ميادين تلك الأبحاث وأهمها. فتُرجِمَ القرآن إلى مختلف اللغات الغربية، وانتشر البحث في حياة المسلمين وفي حياة مؤسِّس الإسلام، وأُلقِيَ الضوء على أدب العرب الديني والدنيوي. هنا، حاول الغرب المسيحي نقل صورة صحيحة عن الإسلام.

أما مِن تكلَّم على الإسلام في طريقة جديدة فهو البروفسور لويس ماسينيون، الذي كرَّس حياته الطويلة والنشيطة والمليئة بالعمل لمهمة ردِّ الاعتبار إلى كنوز الثقافة الإسلامية، وإظهار ما يمتلكه الدين الإسلامي من قيم حقيقية. اقترح لويس ماسينيون على المسيحيين أن يقوموا بـ"ارتداد كوبرنيكي"، أي أن يدخلوا العقيدة الإسلامية نفسها. فقد كان يرى أن هذه الخطوة ستقرِّب فَهْم المسيحية للإسلام واستيعابها له؛ وإليه وإلى تلاميذه يعود الفضل في نشوء تيار حوار حقيقي مع الإسلام.

*** *** ***

عن النهار، الأربعاء 3 كانون الأول 2003


[1] بتحرير أندراوس بشْته وعادل خوري.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود