احذروا اللاعنف – إنه خطير

 

جوناثان باور[1]

 

تدفع تكتيكات المهاتما غاندي والدكتور مارتن لوثر كينغ اللاعنفية باتجاه باب مفتوح. حتى البنتاغون بدأ ينظر إلى قيمة هذه التكتيكات في مواقف النزاع والجمود السياسي.

تغطي أخبار اليوم الكفاح اللاعنفي، بشكل أساسي للمعارضة في زيمبابوي التي تحاول أن تدفع جانبًا نظام روبرت موغابي الدكتاتوري. ورغم استفزازات الشرطة والجيش، أدارت المعارضة الخد الآخر (بعكس كينيا)، وفازت من خلال فعل ذلك بحوالي مئة بالمئة من الرأي العام الخارجي.

ومن الأمثلة الأخرى يدرس نشطاء المعارضة الإيرانيين المنفيين ويتدربون في تقنيات النزاع اللاعنف، وهم بذلك يقلدون نجاح الحركات الأخيرة من أجل التغيير في أوكرانيا وبلاد الصرب.

يجب ألا يستغرب المرء من تحول الأحداث هذا. يجري وصف القرن العشرين، وبشكل صحيح، على أنه أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية. إلا أنه كان كذلك أكثر القرون إبداعًا من حيث البدائل للعنف، ليس فقط حركة مارتن لوثر كينغ وغاندي (مع انضمام الباتان المعادين للبريطانيين في جنوب آسيا لحركته، وهو تطور تاريخي يجري تجاهله هذه الأيام بطريقة ما من قبل جيوش الناتو في أفغانستان)، وإنما كذلك عمل الرئيس ألبرت ليثولي ورئيس الأساقفة دزموند توتو في جنوب أفريقيا، ورئيس الأساقفة هيلدر كامارا في البرازيل، والمطران كارلوس بيلو وهوزية راموس هورتا في تيمور الشرقية.

ثم كانت هناك مظاهرات ومسيرات في خمسينات القرن الماضي ضد الأسلحة النووية والتي ساعدت على إقناع الرئيس كينيدي على الضغط باتجاه معاهدة وقف التجارب. ثم أتت بعد ذلك الاحتجاجات الضخمة ضد حرب فييتنام.

لا يمكن لأحد أن يضع أصبعه بشكل دقيق عليها، إلا أنه كان هناك بحر من التغيير في مواقف المجتمع الغربي حيال الحرب. ورغم العناوين، هناك عدد أقل من الحروب الآن مقارنة بأي وقت في التاريخ - بلغ عدد الحروب التي جرت بين الديمقراطيات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية صفر. لقد تخلت الأمم الصناعية الديمقراطية، الأكثر غنى في أكثر الأحوال، عن النزاع المسلح كأسلوب لممارسة علاقاتها مع الدول الأخرى. حروب العراق وأفغانستان هما الاستثناءين الوحيدين. هناك فقط تبعية صغيرة في الغرب تدعم ضربة ضد إيران.

وحتى في الدول الأكثر فقرًا حيث تستشري الحرب، تقوم مجموعة صغيرة بشكل ملموس بشن الحرب، معظمها من المجرمين والبلاطجة وجنرالات الحرب، الذين يمكن دحرهم بسهولة أحيانًا من قبل تدخل عسكريين من الأمم المتحدة، ربما مع ضغوط سياسية خارجية، إلا في حالات نادرة مثل أفغانستان، حيث يملك الباتان ثقافة عميقة فريدة تقريبًا من المقاومة.

فقط في الولايات المتحدة وروسيا يعتبر التدخل العسكري موضوعًا مستمرًا في الحوار وإعدادًا مستمرًا جادًا.

ألقي نظرة عن كثب على هولندا والسويد وسويسرا إذا كان هناك ثمة شك حول كيف يمكن للثقافات التي تصنع الحرب أن تتغير.

في نهاية القرن الثامن عشر كان لكل من هولندا وسويسرا جيوش أكبر من جيوش بريطانيا أو النمسا وأكبر بكثير من جيش بروسيا. كانت هولندا واحدة من أكبر الدول المغامرة عبر البحار والإمبريالية في العالم، ولكنها أصبحت في القرنين ونصف القرن الأخيرين بعيدة كل البعد عن الحرب.

كانت الدول الإسكندنافية بين السنتين 1415 و1809 تخوض حروبًا وبشكل دائم تقريبًا، ولكن منذ هزيمة السويد من قبل روسيا عام 1809 أصبحت متراجعة إلى درجة ما عن النزاع العنفي، كما حصل مع سويسرا التي كانت أمة محاربة يُعتّد بها في القرن السادس عشر.

إذا كانت البيئة العسكرية للعصور الماضية قد بدأت تتغير، يجب على المرء ألا يستغرب الدور الأعظم الذي لعبته حملات اللاعنف خلال السنوات الستين الماضية. وقد نزعت لأن تكون ناجحة كذلك.

ذكرت دراسة أجراها مؤخرًا كل من ماريا ستيفن وإيريكا تشينويث، غطتها مجلة هارفرد الربعية الأمن الدولي International Security، أن حملات اللاعنف الواسعة للمقاومة المدنية حققت نجاحًا بلغ 53% من الوقت، بالمقارنة، حققت الحملات الإرهابية أهدافها بواقع 7% من الوقت فقط.

يأتي النجاح من عوامل عديدة، ليس أقلّها الإصرار والمثابرة، ولكنه يأتي كذلك من شرعية محلية ودولية معززة لحركات كهذه ومن عزل الأنظمة، كما حصل في أوكرانيا قبل ثلاث سنوات. ثانيًا، يجد الرأي العام في الوطن - الذي يشمئز من العنف - حركات اللاعنف مستحبة بشكل متزايد. يساعد قمع رجال الشرطة المسلّحين جيدًا على قلب الرأي العام ضد النظام.

حدث هذا في الفلبين حيث فشلت المعارضة العنفية، عندما تظاهر مليونا شخص سلميًا للإطاحة بالدكتاتور فيردناند ماركوس، ضغطت إدارة الرئيس ريغان عليه لكي يتنحّى.

يستطيع المرء أن يشير إلى مواقف متعددة حيث يمكن جعل اللاعنف يعمل اليوم، ولكن لا يوجد أي وضع أكثر نضوجًا لها من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. إذا تمكن الفلسطينيون من إلقاء سلاحهم وحجارتهم وتنظيم حركة لا عنفية فاعلة فقد يجدون مليون إسرائيلي يساندونهم.

كتب جون مويلر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية أوهايو، أن الحرب كانت تعتبر في يوم من الأيام "طبيعية، لا يمكن تجنبها، مفعمة بالكرامة والشرف، مثيرة، رجولية، منشّطة، ضرورية، مفعمة بالمجد وتقدمية مرغوبة". قد يكون أن هذا العصر يقترب على نهايته وأن المقاومة اللاعنفية أصبحت الأداة الرئيسية للتغيير الراديكالي، بل وحتى الثوري.

نقلاً عن: الخليج تايمز Khaleej Times

*** *** ***


 

horizontal rule

[1]  جوناثان باور كاتب وصانع أفلام بريطاني.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود