|
الفوائد الصحية للمجال الموحَّد والأصوات البدئية٭
لقد ركزت كثير من علوم الطب القديمة، ومنها الطب الهندي الكلاسيكي والمعروف بـالأيورفيدا Ayurveda، – وبعكس الطب الغربي المعاصر – على علاج المريض ككلٍّ متكامل وليس كمجموعة أجزاء، ويقول الطب الأيورفيدي بأن كلاًّ منَّا له ثلاثة مظاهر: الوعي والعقل والجسد. تأتي كلمة أيورفيدا من كلمتين: الأولى Veda وتعني المعرفة والعلم، والثانية Ayu وتعني الحياة، وبالتالي، تعني الأيورفيدا علم الحياة. من غير المعروف تمامًا عمر الأيورفيدا، ولكن على الأغلب تعود لعدة آلاف من السنين. وطبعًا، ككل الحضارات القديمة، كانت تعزى مصادر الأشياء دائمًا إلى قوى خارقة ومقدسة، وهنا عُزي مصدر الأيورفيدا إلى قصة حول حكماء متنورين يدعون بالـ Rishis، قد أهالهم مدى معاناة البشرية من المرض والفقر والتعاسة، فقرروا أن يبحثوا عن أعماق الحقائق حول صحة الإنسان وفيزيولوجيته الطبيعية، ومحاولة منع المرض والمعاناة، ولكي يحصلوا على الإجابات، قاموا بالتأمل الجماعي، بينما قام أحدهم، وهو Bharadwaja، بالبحث عن الإجابة. وفي هذا الجو المتناغم بشدة، والذي يجمع عقولاً قوية في حالة تأمل وتناغم، استطاع Bharadwaja جمع جوهر الأيورفيدا. من هنا، نستنتج ملاحظتين أساسيتين: أولها الاهتمام بالصحة الجماعية ومدى أهميتها في الأيورفيدا، والثانية أهمية التأمل في رفع مستوى الوعي وجعله أكثر سموًّا. وصلت الأيورفيدا إلى نظام متطور جدًا في فترة ما، فقد وصفت النصوص الأيورفيدية الدوران الدموي آلاف من السنين قبل ويليام هارفي في القرن السابع عشر، ووصفت نوعين من السكري وطبقات الجلد، وإجراءات جراحية ما زالت تستعمل حتى اليوم. تضع الفيدا الوعي كركيزة أولى لها، ولا يعني هذا إهمال الجانبين الآخرين، وهما العقل والجسد، ولكن يمكن القول أن الجسد يشكِّل قمة جبل الجليد Iceberg العائم فوق الماء، ويشكِّل العقل جزءًا صغيرًا من المستوى تحت الماء، أما الجزء الأكبر في الأسفل فهو الوعي. ولكن، ما هو تعريف الوعي؟ حديثًا، تستعمل هذه الكلمة بمعان مختلفة مثل منهج سياسي معين، أو في البرمجة ولغة الحاسوب، أو التوصل إلى حقيقة معينة في الحياة؛ أما هنا فتعني بالذات ذلك الجزء منا الأكثر حميمية وارتباطًا بتجربتنا الحياتية، ذلك الجزء الذي يقع في أعماق تفوق الأفكار والأحاسيس. إنه المعرفة الداخلية. إنه المختبر بحدِّ ذاته، بكليته وليس فقط الأفكار والأحاسيس التي تتغيَّر وتمرُّ مرور الكرام. إذا كنت تريد الاستغناء عن واحدة من ملكاتك الذهنية، فهو آخر ما يمكن أن تضحي به، لأنه بدون الوعي لا شيء يسجل هنا. تعتبر الفيدا أن تجربتنا اليومية للوعي ما هي إلا لمحة لما هو ممكن. وفي الحقيقة، في التجربة اليومية، تبقى الذات Self، أو المختبر الداخلي، أو الشاهد الصامت مختبئًا، فنحن نختبر الأفكار، الأحاسيس، المشاعر والإدراكات ولكن ليس المختبر. إن إخفاء تلك الطبيعة الداخلية الهامة هو مصدر المرض والبؤس في الحياة بالنسبة للفيدا كما سنرى. ثانيًا، هذا الشاهد الصامت، هذه الحالة من الوعي المختبئة هي أعمق اتصال لنا مع الكون، ومع كل قوانين الطبيعة، فهي تتجاوز تجربتنا العقلية لتشمل كليَّة الحياة. حسب التقليد الفيدي، الطبيعة ليست موضوعية وهي غير معتمدة على أشياء مادية، بل تعتبر أن الحقيقة الأساسية شخصية بالدرجة الأولى، وهي حقل أو مجال غير محدَّد وأزلي من الذكاء المجرَّد النقي أو الوعي. هذا الحقل الموحد هو منزل كل قوانين الطبيعة. ما تراه في الواقع هو تموجات أو ذبذبات أو نبضات من هذا المجال الموحد من الوعي. عقلنا وجسدنا هو في الحقيقة ذكاء صاف نقي في حركة، ولكن بكثافة أكبر من كثافة الوعي، وبذبذبات أقل سرعة منها. حسب التقليد الفيدي، إذا أصبح العقل ساكنًا، يمكن له أن يلمس هذا المجال النقي من الوعي. وبالممارسة المستمرة ولمسه مرَّات ومرَّات، يمكن له أن يعيش في هذا الحقل الموحَّد. لا تعتبر الفيدا هذه التجربة فقط مريحة، ولكن تعتبرها ضرورية من أجل الصحة المثالية، وأيضًا من أجل اختبار حالات عليا من الوعي تسمى بـالتنوُّر Enlightenment. تسمي الفيدا الذات بـالأتمان Atman، وتقول إنه من خلال التسامي والتصاعد لهذه الحالة من التنور، تتفتح الذات أو الأتمان كزهرة اللوتس لحالتها الشاملة الكليَّة المدعوة البراهمان Brahman أو ذاتية الكون. لا يعني التنور الحصول على معلومات أو حقائق معينة أو نمط تفكير معين، بل يعني الضوء من الداخل. إنه يعني أن عقل الإنسان قد أصبح متنورًا بشكل كامل بهذا الحقل من الوعي الصافي النقي المتصاعد من جوهر الطبيعة. كما أن الشجرة تصل بجذورها إلى مكمن الماء تحت الأرض، يستطيع العقل الإنساني أن يهدأ ويستقر نحو الداخل والأسفل، وأن يختبر المجال اللامتناهي من الذكاء الصرف. ويقول المهاريشي إنه من خلال اختبار هذه التجربة مرتين يوميًا من خلال التأمل وغيره، يصبح العقل الإنساني معتادًا على هذا المجال، وحتى يستطيع العقل أن يكون على تماس مع هذا المجال الموحد بينما هو يقوم بأعماله اليومية. الفيدا والفيزياء: كما ذكرت سابقًا عن الفيدا، فإن الفيزياء الكوانتية تقول أيضًا إن الأجسام المادية ما هي إلا أمواج أو ذبذبات من حقل لامادي. يقول علم الميكانيك الكوانتي إن الجزيئات الأساسية ماهي إلا أفعال موجيَّة على حقول كوانتية أساسية، فهذه الجزيئات في النهاية هي معلومات، احتمالات أن شيئًا معينًا سيحدث. عندما يصبح العالم مجموعة من المعلومات الاحتمالية، لا يعد العالم يبدو كآلة نيوتونية ضخمة، بل يصبح فكرة أو معرفة تعبيرية؛ وفي الحقيقة، في الكون الكوانتي لا يوجد مكان أصلاً للمادة، بعكس الفيزياء الكلاسيكية، عندما لا يكون هناك مكان للعقل. الخطوة التالية في الفيزياء الكوانتية هي فهم أن الحقول الكوانتية المختلفة تنشأ من حقول قليلة. وقد أظهر العلماء عام 1960 أن القوى الكهرطيسية والقوى الضعيفة، وهما اثنتان من الأربع قوى الأساسية، هما، في النهاية، حقل واحد بمظهرين مختلفين، وكذلك أن الجزيئات الأساسية المختلفة من نوترينوات Neutrinos، كواركات وغيرها، ماهي إلا ذبذبات لحقل مادي واحد والذي يدعى بالـ Lepto- quark. في الحقيقة، ترى الفيزياء اليوم أن كل قوى وجزيئات الطبيعة ذبذبات لحقول ضخمة ثلاث Superfields. السؤال الأساسي في الفيزياء اليوم هو إيجاد مجال أو حقل ضخم موحَّد Superunified field شامل خلف الحقول الثلاث الضخمة، ويعتقد بعض العلماء أن لديهم حدس عن وجود نظرية مجال موحَّد يدعونها بـنظرية الوتر الفائق Superstring، ويعتقد بعضهم أنهم قد يجدون حلَّها خلال قرن من الزمان. وإذا تمكن العلماء من ذلك، سيكونون قادرين على شرح كل شيء في الطبيعة، بما فيها أجسادنا، كأنماط من الاهتزازات لوحدات غير مادية وتصاعدية. لقد وصف الفكر الفيدي الكون دائمًا ضمن هذا المضمار، ولقد قامت دراسات عديدة على يد Hagelin وغيره بإيجاد التشابهات بين الفيدا والفكر الفيزيائي الحديث، وخاصة كيف عبَّرت الوحدة عن نفسها بالتعددية. سننظر أولاً إلى كيف رأت الفيدا ذلك، ثم مقارنتها مع الفيزياء. آليات التكوين: علينا أولاً أن نجيب عن السؤال التالي؟ لماذا وكيف يتحول مجال شامل من النقاوة الخالصة، والغير متغير، إلى تظاهرات تعددية مختلفة؟ تجيب الفيدا كما يلي: لما كانت طبيعة الحقل الموحَّد وعي نقي كامل، فمن الطبيعي أن يكون واعيًا مدركًا، ولما كان – في عمق التكوين – الوعي هو الحقيقة الوحيدة، فليس عند الوعي إلا نفسه ليدركه، وبسبب طبيعة الوعي نفسها، فهذا الوعي الصافي لا يمكن أن يلجم نفسه من معرفة نفسه، وبهذا يكون الوعي وحده مدركًا لنفسه، وتعود مرجعيته دائمًا لنفسه، وهنا نجد أنه، بشكل أوتوماتيكي، يصبح الوعي اللامنقسم ثلاثية تعددية هي: المدرِك knower، المدرَك Known، والمنهج الإدراكي Process of knowing؛ أو المشاهِد Observer، المشاهَد Observed، ومنهج المشاهدة Process of observation. يصبح الوعي هو الفاعل والموضوع والارتباط بينهما، ويكون بنفس الوقت الواحد والثالوث. يطلق على المدرِك بالسنسكريتية Rishi والمدرَك Chhandas والمنهج الإدراكي Devata، ويطلق على الوحدة التي نشأ منها الثلاثة، والتي يستمرون بالبقاء من خلالها، Samhita. هناك خطوة أخرى في هذا المنهج، فالوحدة أو السامهيتا تتناوب في التحول إلى ثلاثية الـ Rishi والديفاتا والتشهانداس والعودة إلى الوحدة من جديد والعودة إلى الثالوث، والتي هي بالحقيقة طيف من الوحدة والعودة من جديد إلى الوحدة من خلال ما يسمى بالتواتر اللانهائي Infinite Frequency. هذا التأرجح بين الوحدة والثلاثية يحمل ديناميكية خلاقة ورائعة لمجال كان صامتًا بشكل مطلق، وهنا تبدأ تنوعات الخلق والتكوين، وتتحول الوحدة والتفرُّد للوعي النقي إلى تنوع رائع، ويتحول صمت الوعي النقي إلى ديناميكية خلاقة. من الوعي إلى المادة: لا يعتبر كسر أو تحطيم وحدة المجال الموحَّد عملية تلقائية فقط، بل هي أيضًا عملية تدريجية مرحلية، ومتى بدأ هذا المنهج الذاتي الداخلي، فهو يستمر بشكل غير محدود مؤديًا إلى تعقيد الكون. وهذه التفاعلات بين الريشي والديفاتا والتشهانداس بهذه النبضات الخلاقة تحوِّل حقل الذكاء الخالص إلى حقل المادة. تُحدِث هذه النبضات الأولية تفتحات متدرجة، ومن أول هذه التفتحات ما يسمى بـالواقع العقلي: الأنا I- ness، Ego، Ahamkara، ومن ثم التفكير Intellect، Buddhi، وهي القدرة على الحكم والتمييز. يقف التفكير أو البودي في نقطة الاتصال بين الوحدة والتعددية، بين الواحد والثلاثة، بين السامهيتا وبين الريشي والديفاتا والتشهانداس. ومع الوقت، يحدث تفتح أكبر وأكبر، وتعبير مستمر إلى أن نصل إلى المادة، والتي تندرج ضمن خمس عناصر أساسية تدعى بالـ mahabutras، والتي من الغريب جدًا أنها تشبه الأنماط الأساسية الخمسة في الفيزياء. ومن هذه العناصر الخمس تنشأ امتزاجات لتصبح ثلاثة مبادئ فيزيائية أساسية تدعى بالـ Doshas والتي توازي الحقول الثلاثة الضخمة في الفيزياء، وهذه المبادئ الثلاثة أو الدوشا تحكم المبادئ الأساسية للجسد. يحملنا هذا الكلام إلى الثلاثية التي بدأنا منها وهي: الوعي والعقل والجسد، وعلينا أن نتعامل مع الثلاثة لأن الوعي هو مصدر العقل والجسد، والجسد هو الترسب النهائي للواقع الشخصي، ومن هنا تكمن أهمية الأفكار والمشاعر في التأثير البالغ الذي تحدثه على الجسد. يتظاهر العقل قبل الجسد، والجسد يتظاهر من العقل، وكما تتعمق جذور الشجرة لتصل إلى مكمن الماء، فإن إنارة العقل إلى حالته غير المحدودة، من خلال إعادة اتصاله بالحقل الموحد، تغذي الصحة والجسد من المنبع الأساسي لها. تصف الفيزياء الكوانتية أفكارًا مشابهة لعلم الفيدا، بأن الحقل الموحد الهائل له طبيعة "ثلاثة في واحد"، وهو صامت ساكن أبديًّا، وبنفس الوقت ديناميكي وحركي أبديًّا، ويتظاهر من خلال عمليات تلقائية لكسر أو تحطيم هذا التناغم الواحد. تذكر تقاليد الفيدا 40 نمطًا أساسيًّا من اهتزازات الحقل الموحَّد، والأولى بينها هي الكلانيَّة Totality، والتسعة والثلاثون الأخرى هي الآليات المحددة لهذا التكامل، وهناك أجزاء وتحت أجزاء من هذه الآليات. لقد ذكرت الأنماط الأربعين من الاهتزازات ضمن الأربعين جزءًا من الأدبيات الفيدية، ولقد لوحظ تشابه كبير بينها وبين 40 مظهرًا من علوم التشريح والفيزيولوجيا البشرية، ومن أهم رواد هذه الدراسات عالم الفيزيولوجيا العصبية اللبناني الأصل طوني نادر. إعادة ترتيب التسلسل: في عملية التكوين، ومن خلال كسر التناغم الموجود في المجال الموحَّد، على هذا الكسر أن يكون تلقائيًّا وتسلسليًّا كما ذكرت. ينشأ المرض حسب علوم الفيدا من اضطراب في التسلسل التعبيري للقانون الطبيعي. على سبيل المثال، يكون المرض التنكسي مثل التهاب المفاصل التنكسي، داء باركنسون، ألزهايمر وتنكس اللطخة الصفراء وغيرها نتيجة اضطراب في التتابع أو التسلسل المنظِّم للقانون الطبيعي، ويكمن العلاج في إعادة الانفتاح التسلسلي الصحيح للقانون الطبيعي. كيف يكون العلاج وتصحيح الخطأ الحاصل؟ من خلال تهدئة المخ إلى حالته الأساسية البسيطة من الوعي، وهو الوعي المتسامي أو التجاوزي؛ ومن خلال ملاحظة أن المجال الموحد هو منزل كل قوانين الطبيعة، ومنها القانون المؤدي إلى تكوين الجسد. والطريقة التي نعيد من خلالها تصحيح التسلسل في التعبير عن القانون الطبيعي هو من خلال عودة ارتباطنا بالمجال الموحَّد أو اختبار الوعي المتسامي. الوعي المتسامي هو حالة من الوعي النقي الصافي والذي يعي وجود نفسه فقط، واع لطبيعته غير المحددة، وهي حالة من السعادة الصافية أو الغبطة أو النعمة Ananda، هذا من الناحية الشخصية، أما من الناحية الموضوعية، فهذا الوعي يحدث فعلاً تغيرات واضحة في فيزيولوجيا الشخص من خلال دماغه الأكثر هدوءًا من نمط ألفا، وتحسين عمل الجملة العصبية الذاتية (كما وجد باختبارات المقاومة الجلدية الأساسية)، وتحسين التنفس، وانخفاض مستوى اللاكتات في المصل (وهو مادة كيماوية تدل على الفعاليات الاستقلابية)، وتقليل الجذور الحرة (وهي مواد تؤدي إلى أكسدة الخلايا وتلفها المبكِّر)، وتحسين تحمُّل الضغط النفسي، وتحسين عمل القلب... الخ. لا يتوقف علاج الفيدا على التأمل طبعًا، بل يشمل أيضًا الطعام والأعشاب الطبية والتمارين الرياضية واليوغا والعلاج بالأصوات البدئية. عندما يكتسب الإنسان الوعي المتسامي، يحصل على الدعم الكافي من التسلسل الصحيح لقوانين الطبيعة، ويصبح توقيت الرياضي ممتازًا، من خلال حسابه التلقائي لكل قوة وزاوية عليه أن يفعلها، ويعرف المريض تلقائيًا الخطوات الصحيحة التي عليه اتباعها من أجل صحة أفضل، وبالأحرى يصبح الجسد نفسه تعبيرًا عن المجال الموحَّد، وهذا له آثار كبيرة وواضحة على الصحة والشفاء، فهو يعيد النظام والترتيب الصحيح الذي يجب أن يسود في الجسد، وهنا لا يصبح الجسد فقط كمادة، بل يصبح أنماطًا من الوعي والذكاء متفتحة بشكل تدريجي. لماذا ننسى المجال الموحَّد Pragya- Aparadh: ولكن لماذا أصلاً حصل الخطأ والمرض؟ لماذا تغيَّر التسلسل الطبيعي للقانون الطبيعي وتعبيره الجسدي؟ يعود السبب – حسب المهاريشي – إلى طبيعة المجال الموحَّد الثلاثية وتداخلاتها بين الريشي والديفاتا والتشهانداس. عندما يتم نسيان الطبيعة الموحَّدة، ويتم من خلال التفكير أو الـ Intellect أو البودي الحكم والتمييز بين هذه المركبات الثلاثة ونسيان طبيعتها الأصلية الموحدة، تصبح أجزاء مدركة تفكيريًا Intellectually conceived components. عليَّ أن أذكر هاهنا أن التفكر أو البودي لا يعني ما نقيسه فقط بمعدلات الذكاء IQ، بل يعني شيئًا أعمق من ذلك بكثير، فهو يعني الطبيعة التي تستطيع التمييز والحكم، والتي تقف عند اتصال الوحدة Samhita مع التعددية من الريشي والديفاتا والتشهانداس. يوضح المهاريشي أن التعبير المادي التعددي لا يخلق أية مشكلة طالما لم ينساق التفكير ولم يضع ضمن التعددية والتمييز والأحكام، ولكن كما تغطي عاصفة رملية المنظر بأكمله، فإن تيارات وأعاصير التداخلات الديناميكية للريشي والديفاتا والتشانداس بإمكانها أن تغطي الحقيقة بأكملها. يضيع التفكير في هذا المعقَّد من العالم المتغير باستمرار، ويصبح الوعي معتمدًا على الموضوع أو الشيء بدل الاعتماد على الذات، ويصبح قناع التشهانداس (وهو الشيء المرئي والمدروس) هو المهم. تصبح الممتلكات المادية، وما يراه الإنسان حوله، هو الأساس. تضيع وتختفي ذكرى وحدة الوعي والسامهيتا، وهذا الوعي الجديد المجزَّأ يدعى بـخطأ التفكير Pragya Aparadh. عليَّ أن أوضح هنا أن هذا الكلام ليس وجهة نظر شخص معين أو حضارة معينة، بل نجد لها آثار في كل الحضارات مثل الهندية والصينية واليابانية إلى الشرق أوسطية والصوفية والهنود الحمر... الخ، فمن كتابات جبران إلى ميخائيل نعيمة إلى الحلاج وابن عربي والغزالي إلى أفلوطين ودانتي وويليام بليك Blake ووالت ويتمان Walt Whitman وغيرهم كثر ممن تكلموا عن وحدة الأشياء والوعي. يقول وليام جيمس الفيلسوف الأميركي المشهور: "على السطح، نبدو منفصلين الواحد عن الآخر مثل جزر في البحر، ولكننا كجزر البحر، فنحن متصلون على مستوى قاع المحيط". أعيد وأكرر أن المشكلة لا تكمن في التقسيم والتنوع – التي بالعكس تعطي غنى وتجربة كبيرة –، والمشكلة لا تكمن في تظاهر الوعي النقي الخالص على شكل مادة، وإنما تكمن المشكلة في نسيان هذه الوحدة ونحن نتمتع بالتعبيرات المادية لها، وهذا هو خطأ التفكير Pragya Aparadh. إن تمتعنا وتعمقنا بالمادية والتعددية ليست بمشكلة بحد ذاتها، ولكنها تصبح كذلك عندما ننسى الوحدة والأصل. فقدان الذاكرة هذا كما تسميه علوم الفيدا، يؤدي إلى محاكمة خاطئة عن الأشياء والتصرفات وكيف يجب أن نسلك ونتصرف بشأن حياتنا وصحتنا. يأخذ الشخص عندها قراراته معتمدًا على الحواس الخمسة بدل اعتماده على كليَّة الحياة. قد يختار الإنسان عندئذ أن يأكل الكثير مما لذَّ وطاب، أن يعمل كثيرًا، أن يهمل النوم، أن يكثر من العلاقات الجنسية أو من تصرفات تؤدي للمرض، وهي بالتالي تؤدي إلى فقدان التسلسل الصحيح في التعبير عن القانون الطبيعي في الجسد. خطأ التفكير هذا، أو البراغيا أباراد، هو حالة عالمية اليوم. بالإضافة إلى تأثيرها السيء على الصحة، فلها أثر تجريدي أيضًا، بأن نظرتنا العادية للعالم أصبحت خاطئة؛ فالعالم الذي نراه أصبح وهمًا Maya وهو التعبير الفيدي للوهم، والأشياء الصلبة التي نراها ماهي إلا أمواج على مجال أو حقل لامادي، والتنوع الذي نراه ينشأ من وحدة مختبئة باطنة، وهنا نرى التشابه الكبير بين علوم الفيدا والفيزياء الكوانتية التي تقول أيضًا إن العالم المادي وهمٌ جاء من حواسنا وتفسيراتنا. لقد درست هذه الأفكار بإسهاب من قبل Sir James Jeans, Sir Arthur Eddington, Werner Heisenberg, Erwin Schrödinger وغيرهم من علماء القرن العشرين، ولكن Paul Davies وضعها بإيجاز ووضوح من خلال قوله: "عالمنا الواقعي التجريبي ما هو إلا خدعة Sham". للأسف، تستمر علوم الطب الحديث في اتباع النظرة التقليدية في التفكير، وتنظر إلى الجسد كآلة ضخمة مؤلفة من مادة صلبة، قد تصاب بعوامل خارجية نعالجها عن طريق إطلاق طلقات سحرية وهي الأدوية أو قطع وإلصاق أجزاء من الجسد، وطبعًا ننبهر بما نراه من تقنيات جديدة، كما ننبهر بما نراه في العالم المادي. إذا أمسكنا مثلاً بقطعة من الخشب بشكل عمودي ضمن ماء جارية، سيشكِّل الماء حول قطعة الخشب شكلاً معينًا، ثم تنساب بعدها من جديد. هنا قد يبدو لنا أن الماء حول قطعة الخشب هو نفسه، لأنه يشكل نفس الشكل، ولكن جزيئات الماء تتغير باستمرار، وهي جزيئات جديدة في كل ثانية. كذلك جسدنا الصلب والذي نظنه دائمًا نفسه، مكوَّن من جزيئات تتغير باستمرار، بعضها يتغير كل دقائق، وبعضها كل أيام قليلة. هذا يعني أن على الطب أن يتغير بشكل كبير، فالمقاربات السطحية سيبقى لها استعمالات، فإذا كسرت قدمك ستحتاج إلى الجبس، ونظرتنا إلى العالم ككرة البلياردو يمكن أن تبقى، جزئيًا، صحيحة، ولكن مثلاً فكرة الشوارد الحرة Free Radicals، والتي نشأت من نظرتنا الأكثر عمقًا من مجرد خلايا بل إلى الجزيئات، أصبحت شائعة، ويجعلنا هذا نتساءل: أليس علينا أن ننظر أكثر عمقًا إلى الجزيئات التي هي عبارة عن أمواج ساكنة؟. إن هدف الأيورفيدا هو تطبيق نظام متكامل طبي يعتمد بالدرجة الأولى على إدخال الوعي وعلاقته بالصحة إلى مفاهيمنا. التأمل التجاوزي كمثال على تطبيق فكرة الوعي: لا يعتبر التأمل التجاوزي طريقة سرَّانية، كما أنه ليس بدين معين، وهو لا يتطلَّب قناعات معينة، بل هو باختصار عبارة عن تقنية عملية من أجل تحسين أداء الدماغ وجعله أكثر انسجامًا واسترخاء في أداء العمليات المختلفة والوصول إلى مستويات أعلى من الوعي، وبالتالي الحصول على نتائج فيزيولوجية ونفسية أفضل على كافة المستويات وفي كافة أجزاء الجسم، وهذا بحدِّ ذاته يزيد النجاح والنتائج الجيدة في العمل والعلاقات العائلية والشخصية والإنسانية. يعتمد التأمل التجاوزي على استعمال أصوات معينة تدعى المانترا Mantra، والتي يعتقد أن لها دور صحي ونفسي من خلال اهتزازاتها (وهذه الفكرة ليست محصورة في هذه الطريقة، بل أدركت معظم الشعوب والأديان أهمية ترداد أصوات أو كلمات معينة أو الاستماع إلى ألحان موسيقية معينة، ومنهم العرب والهنود والهنود الحمر والأفارقة وشعوب التيبيت وغيرهم من أجل الوصول إلى نتائج مرضية على المستوى الصحي والنفسي والإيماني). يختلف التأمل التجاوزي عن الطرق الأخرى بأن الإنسان الممارس لهذه الطريقة لا يجبر نفسه بالتركيز على المانترا بشكل قسري، بل يرددها فقط تردادًا بسيطًا، وقد تأتي الأفكار والأصوات الأخرى، فيمر عليها مرور الكرام، وشيئًا فشيئًا، تصبح اهتزازات الأفكار وحتى المانترا أرق وأكثر عمقًا، لتتلاشى بعد ذلك في عمق المجال الموحَّد Unified Field وعمق الوعي التجاوزي. تصبح المانترا المستعملة في التأمل التجاوزي شيئًا فشيئًا مسموعة عقليًا وليس على شكل تردادات كلامية فقط، وتصبح أضعف وأعمق شيئًا فشيئًا إلى أن تذوب في المجال الموحَّد كما ذكرت؛ فالمانترا هي وسيلة فقط من أجل أن يتجاوز الدماغ الأفكار الواعية، لذلك يختبر العقل حالات أنعم وأرق من المانترا شيئًا فشيئًا إلى أن يتجاوز ليس فقط المانترا بل كامل المنهج التفكيري، وتصبح حالة الإنسان هاهنا صمتًا داخليًا عميقًا مع عقل صاح تمامًا لكن ساكن تمامًا. لقد قام الدكتور Keith Wallace، من جامعة كاليفورنيا- لوس أنجلس، وعدد من العلماء من بعده بالعديد من التجارب المختلفة – والتي تجاوزت الـ 500 دراسة منذ 1970 – على تأثيرات التأمل التجاوزي، وطبعت في العديد من المجلات العلمية المشهورة مثل Science, Scientific American, The American Journal of Physiology, Annals of Internal medicine, American Journal of Public Health, American Journal of Cardiology, International Journal of Neuroscience, Psychosomatic Medicine، وغيرها، والتي أظهرت التأثيرات الإيجابية للتأمل التجاوزي بإخفاض التوتر النفسي والقلق والاكتئاب والعديد من الأمراض النفسية والعضوية مثل أمراض القلب والعضلات والدماغ والرئتين... الخ من خلال التأثيرات على الجملة العصبية الذاتية والاستقلاب. فمثلاً، كانت المقاومة الجلدية الأساسية أعلى خلال التأمل التجاوزي عنها في طرق الاسترخاء الأخرى أو خلال الأوقات الأخرى، وهذا يدل على توازن أكبر في الجملة العصبية الذاتية، كما انخفض عدد مرات التنفس في الدقيقة واستهلاك الأوكسجين، وانخفض حمض اللبن في المصل (وهو معيار الفعاليات الاستقلابية)، وانخفض مستوى الكورتيزول (وهو معيار كيماوي للتوتر النفسي)، وانخفض استقلاب العضلات والكريات الحمر، وبنفس الوقت ازداد الجريان الدموي للدماغ. مستويات الوعي العليا: من الصعب جدًا وصف مستويات الوعي العليا لشخص لم يختبرها، تمامًا مثل وصف حالة اليقظة لشخص كان يعيش طوال الوقت في حالة النوم. لذلك لإيضاح هذه الحالات، لا بدَّ من التركيز على النتائج الفيزيولوجية لها من تحكم أكبر بوظائف الجسم، ووعي أفضل لحاجات الجسد، وكذلك من خلال الدراسات التي أجريت على تخطيط الدماغ. أولاً: حالة اليقظة: تتميز حالة اليقظة بأنها حالة إدراك للعالم الخارجي والقدرة على التفاعل معه، ووجود إدراك للأفكار والمشاعر والأحاسيس بشكل جيد، ولكن بالمقابل، يوجد إدراك ضئيل لحالة الوعي نفسها. تتميز حالة اليقظة تخطيطيًا بوجود مواج بيتا β السريعة (13- 30 هرتز). ثانيًا: حالة النوم العميق: لا يوجد هنا إدراك لأي من المحيط الخارجي أو الداخلي أو للأفكار والمشاعر والأحاسيس. تتميز هذه المرحلة تخطيطيًا بوجود أمواج دلتا δ البطيئة جدًا (0.5 – 3 هرتز)، وهذه الحالة هي ما تعرف طبيًا بالمرحلة 3 و4 من النوم. أما المرحلة 1 و2 من النوم، فهي مرحلة انتقالية بين اليقظة والنوم العميق، وتتميز ببعض التنبُّه للأصوات الخارجية وسرعة الانتقال من النوم إلى اليقظة أو عكسه. ثالثًا: حالة الأحلام: تتميَّز هذه المرحلة بوجود إدراك إهلاسي للعالم، وهنا يدرك العقل خطأ أن أحاسيسه وانطباعاته هي مظاهر من العالم حوله، ويرتكس لها على هذا الأساس. تتميز هذه الحالة تخطيطيًا بوجود أمواج ثيتا البطيئة قليلاً (4- 7 هرتز)، وتعرف طبيًا بمرحلة REM (Rapid Eye Movements) أو مرحلة حركات العينين السريعة. عندما يكون الإنسان في حالة يقظة، ولكن مع استرخاء وإغماض للعينين، تظهر عندها أمواج ألفا α في النواحي الخلفية من الدماغ، وهي أمواج متوسطة السرعة (8- 13 هرتز)، وبالتالي أقل سرعة من بيتا، وأسرع من أمواج ثيتا ودلتا اللتان تظهران في مرحلتي الأحلام والنوم العميق بالتتابع. يطلق المهاريشي، والعلماء الذين درسوا تأثيرات التأمل التجاوزي وغيرها من الطرق، على التأمل التجاوزي اسم الحالة الرابعة. لماذا؟ لأنهم وجدوا أنها حالة تتميز عن الحالات الثلاثة الأخرى المدروسة طبيًا، ولا يمكن وضعها تمامًا تحت وطاء أية من الحالات الأخرى. تتميَّز هذه الحالة بانتباه هادئ، حيث لا يوجد إدراك للعالم الخارجي من أفكار ومشاعر وأحاسيس، ولكن مع وجود وعي ويقظة هادئين، وفي حالة فيزيولوجية من الراحة، مع استهلاك أوكسجين أقل بكثير حتى من أعمق مراحل النوم. تكون عناصر حالة اليقظة من أفكار وأحاسيس ومشاعر متجاوَزة، ويصبح الإنسان مدركًا للوعي نفسه. على مستوى التخطيط، تظهر أمواج ألفا منتظمة جدًا وعالية الانسجام بين بعضها Highly coherent & synchronized، وما يميزها عن حالة الاسترخاء هي أنها عالية الانسجام والتوافق، بمعنى أن الطور الإيجابي يأتي بنفس الوقت على كامل مساري الدماغ، وكذلك الطور السلبي، أما في حالة الاسترخاء، فتكون غير متوافقة بالطور، وتظهر خاصة في المناطق الخلفية فقط. تعتبر الحالة الرابعة حالة تحضيرية من أجل الوصول إلى مستويات أعلى من الوعي، وكما قلت، فهي صعبة الوصف. إنها كما لو أن فيلمًا سينمائيًا من الأفكار والأحاسيس قد أوقف أخيرًا، واستطاع الإنسان النظر أخيرًا إلى الشاشة التي تعرض عليها هذه الأفكار والأحاسيس، وهي تجربة منعشة ومريحة جدًا وتسمح للشفاء والتجدُّد أن يحدث بسرعة أكبر. من ناحية تجريبية، توصف غالبًا بحالة هادئة عميقة، وعند الأشخاص الذين تأملوا لفترة طويلة، توصف بتجربة مباركة. الوعي الكوني Cosmic Consciousness: في هذه الحالة، لا يعيش الإنسان الوعي التجاوزي خلال التأمل فقط، بل يعيشه وهو يقوم بكافة الأعمال الأخرى من نوم وأحلام ويقظة. ما يعني هذا، أن إدراك الوعي وسكون الفكر وعدم قفزه المستمر من فكرة لأخرى، وكذلك نعمة الوعي التجاوزي تُعاش بنفس الوقت مع حالات الوعي الأخرى. تتميز هذه الحالة فيزيولوجيًا وتخطيطيًا بأمواج ألفا منتظمة ومتوافقة في كل نصف كرة مخية، وبين نصفي الكرتين المخيتين سواء خلال التأمل أو خارجه وحتى خلال النوم. تتناقص الحاجة للنوم عندئذ إلى معدل 3- 4 ساعات يوميًا. وجد الدكتور Kenneth Epley في معهد أبحاث ستانفورد أكثر من مائة دراسة مجراة حول فوائد طرق الاسترخاء والتأمل المختلفة بما فيها التأمل التجاوزي، وأجرى ما يسمى بـالتحليل الواسع الموثَّق Meta- analysis بين الدراسات المختلفة، ووجد أن التأمل التجاوزي استطاع خفض القلق أكثر بمرتين من الطرق الأخرى، وبعد ذلك، قام بإجراء دراسة جديدة Prospective study قارن فيها بين فوائد التأمل التجاوزي وغيرها من الطرق، ووجد أن خفض القلق كان أكبر بأربعة مرات عنه في الطرق الأخرى المختلفة. الأصوات البدئية Primordial sounds: لقد أثبتت الدراسات العلمية أن الأصوات المختلفة لها تأثيرات مختلفة على الفيزيولوجيا. تؤكد الأيورفيدا أن أصواتًا معينة، تدعوها بـالبدئية، لها التأثير الأكبر على الجسد والعقل؛ فمن خلال لفظ وتنغيم وإيقاع هذه الأصوات، نحصل على فوائد كبيرة، وقد حُفِظت هذه الأصوات في كتب الرك فيدا والساما فيدا والياجورفيدا والأتارفيدا، ويُعتقد أن هذه الأصوات تمثِّل الاهتزازات البدئية للطبيعة. لقد ذكرت أن المظاهر الثلاثة للوعي المتمثلة بـ: المدرِك، المدرَك، والمنهج الإدراكي (أو الريشي والديفاتا والتشانداس) في حالة تفاعل دائم ذاتي ضمن المجال الموحَّد قبل أن تظهر تعابيرها المادية، وهذه التفاعلات بينها تحدث أنماطًا معينة من الاهتزازات تعتبر التواترات الأساسية في عمق التكوين الفيزيائي للكون، أو ما يسمى بالقانون الطبيعي. تعتقد علوم الفيدا أن هذه الاهتزازات يمكن الوصول إليها من خلال الوعي النقي الصافي للأشخاص المتنورين، وعندها يمكن أن تُسمع هذه الاهتزازات كأصوات بدئية، وهذه بحدِّ ذاتها تنعش الاهتزازات الأساسية في هذا الشخص نفسه، وإذا قيلت لشخص آخر من قبل الشخص المتنوِّر، يمكن أن تحسِّن من اهتزازات جسده ونفسه وصحته. هناك 40 نمطًا أساسيًّا من الاهتزازات في المجال الموحَّد، وهذه الأنماط الأربعون موجودة في كل شيء بما فيها الفيزيولوجيا البشرية. وجد عالم الفيزيولوجيا العصبية اللبناني الأصل طوني نادر تشابهات كبيرة بين فروع الأدبيات الفيدية وعلوم الفيزيولوجيا الإنسانية في عام 1995. قام الدكتور شارما وزملاؤه في جامعة أوهايو عام 1996 بدراسة تأثيرات الأصوات البدئية على نمو الخلايا السرطانية في المختبر. جيء بخمسة أنواع من الخلايا السرطانية: سرطان رئة، سرطان كولون، سرطان دماغ، سرطان ثدي، وسرطان جلد، بالإضافة إلى خلايا طبيعية مولدة لليف Fibroblasts والتي من المعروف أنها تنمو بسرعة، عدا عن أنها تنمو في المختبر أسرع من نموها في جسم الإنسان حيث تتواجد آليات لاجمة أو متحكمة بنموها. تم وضع الأصوات البدئية لجزء من هذه الخلايا ومن الأنواع الستة، وتم وضع موسيقى الـ Metallic Hard Rock لجزء آخر، ولم توضع أية موسيقى للجزء الأخير وهذا الجزء هو ما يدعى بالشاهد Control group. كانت النتائج مذهلة، فالخلايا التي وضع لها الصوت البدئي نمت بدرجة أقل بوضوح من الشاهد أو الـ Control Group، وذلك في كل أنواع الخلايا، وبدرجة كان احتمال الصدفة أقل من 5/ 1000، أما الخلايا التي وضع لها موسيقى الهارد روك، فنمت بسرعة أكبر وأكثر عشوائية وسرطانية. أهمية الموسيقى: لم تخلو ثقافة على الأرض من إظهار موسيقى روحية خاصة بها، فمن الشامانات السيبيرية إلى جوقات الـ Gyuto التيبيتية، إلى الإنشاد اليوغي الهندي، إلى منشدي الصوفية الإسلامية، إلى المنشدين العبريين، إلى الرهبان البندكتيين والغريغوريين إلى الأوركسترات والأوبرات الموسيقية. الموسيقى هامة جدًا في حياتنا، فبدون الطاقة والمشاعر التي تحدثها الموسيقى، تصبح حياتنا جافة ومفككة، بل ميِّتة. الصوت هو إصدار نغمة، تردد أو ذبذبة، وكما تخبرنا الفيزياء الكوانتية أنه من أجل أن يتواجد أي شيء، لا بد له أن يكون في حركة، يصدر ذبذبة معينة. كل ذرة وخلية في جسمنا تهتز. الحياة نفسها اهتزاز، لحن وإيقاع، وبهذا المعنى، فإن كل شيء حيٌّ. الموسيقى هي تنظيم ذبذبات ونغمات معينة بمسافات معينة عن بعضها البعض. الموسيقى هي إدراك وفهم التنظيم والعلاقات الكامنة بين هذه الاهتزازات والتي يعبر عنها باللحن الأساسي Melody، والإيقاع Rhythm، والانسجام Harmony. لقد وجد Larry Dossey أن الأصوات المزعجة تسبب زيادة تقبض الأوعية الدموية، زيادة في الضغط الدموي والنبض وعدد مرات التنفس، كما تسبب زيادة إطلاق الشحوم والكاتيكولامينات (المسؤولة عن التوتر والتحفز والدفاع) في الدم وهبوط في مستوى المغنزيوم. عندما ننظر داخل أجسامنا، نكتشف عالمًا بأكمله من الصوت، عالمًا يشعر بالتأثيرالمخيف لضجيج وفوضى العالم الخارجي حولنا، فظاهرة التجاوب أو الانسياق Entrainment (وهي تذبذب متشابه في أكثر من شيء وانسجام في تجاوبهما، والتي تشاهد في أكثر من بندول بقرب بعضها البعض، أو الدورة الطمثية لنساء تعيش في مجتمع متقارب) من ضربات القلب ورفات العينين والاهتزازات العصبية كلها تتأثر بالاهتزازات حولنا في العالم الخارجي، فالضجيج الكبير الموجود حولنا والفوضى الساحقة، تجعل عالمنا الداخلي يتحول إلى عالم من الضياع والفوضى، كذلك فإن الفوضى الداخلية تجعل العالم حولنا هوسيًّا مجنونًا. عند الإغريق، كان هدف الطب هو وضع الشخص في انسجام مع الطبيعة والكون، واعتبرت كل أنواع الأمراض الجسدية والنفسية عدم انسجام موسيقي، وكثيرًا ما كان أبقراط يأخذ مرضاه إلى معبد Asclepius، حيث تستعمل الموسيقا لإعادة الانسجام الطبيعي. لنرى الآن حكمتنا العظيمة التكنولوجية، حيث يوضع مرضى القلب المتعافين من الأزمات القلبية في وحدات العناية المشددة المليئة بأصوات الإنذار والخطر. أهمية الأذن والسمع: تعاني البشرية من اضطراب هائل وعدم توازن، بسبب سيطرة العين على الأذن، سيطرة الدماغ الأيسر على الأيمن، والتي تماثل سيطرة الذكورة على الأنوثة. إن معظم المعلومات التي نعتمد عليها تأتي إلينا من خلال العينين، ولنكون ناجحين في مجتمعنا، نطوِّر الدماغ الأيسر لدرجة نهمل تماما الدماغ الأيمن المسؤول عن الجانب الفني الحدسي والأنثوي من وعينا. نخاف دائمًا من أننا إذا اعتمدنا على نصف الكرة المخية الأيمن، فلن نعرف قيادة السيارة، قطع الطريق، إجراء مقابلة عمل ... الخ. الدماغ الأيسر يقوده الأنا وهو يسعى إلى التحقيق والنجاح والفعل، أما الدماغ الأيمن فيقوده الروح وهو مسؤول عن الفن والحدس والكينونة بحد ذاتها بدون أحكام مسبقة، ومن أصعب الأشياء أن نطلب من تفكيرنا الخطي من الماضي للمستقبل أن يأخذ استراحة. إن السبب الرئيسي لطلبنا إجازة سنوية هو أن دماغنا الأيمن الأنثوي قد جاع كثيرًا ويحتاج إلى التعبير. نرتاح من خلال دماغنا الأيمن فقط عند النوم والطعام وممارسة الجنس، وحتى أن معظم اضطرابات النوم والجنس تأتي بسبب عدم استعداد الدماغ الأيسر الذكري للاستقالة. تسعى يوغا الصوت إلى شفاء وإعادة بناء طاقات النفس والروح. كثيرًا ما نحاول الاسترخاء من خلال التلفزيون، وقد نفعل هذا من خلال برنامج لطيف مريح، لكن بنفس الوقت، نرى آلاف الصور والإعلانات والمعلومات السلبية تنهار علينا بسرعة فائقة من خلال التلفاز. يوضح Michael Moore من خلال البرنامج الوثائقي Bowling for Columbine كيف يعمل التلفاز الأميركي بشكل جاهد لخلق حضارة من الخوف تخرج بشكل مرضي عن حدود الصحة. إن المشاهدة الطويلة للتلفاز تضائل من مجال انتباهنا، لأنها تجعلنا نتوقع دائمًا درجات كبيرة من التنبيه والتحفز والاستثارة، ويعتبر هذا عائقًا كبيرًا في وجه التطور الروحي، لأن النتائج الروحية لأية ممارسة قد تكون بطيئة ولطيفة لدرجة لا نشعر بها إذا كنا نسعى دائمًا إلى فرط الاستثارة. كل هذه الاستثارة والعنف والصور السريعة تجعل التوتر النفسي هو السائد، وتجعلنا سريعي الحكم على الناس وما حولنا، وتجعلنا في حالة شك دائمة وانتقاد دائم لما حولنا. يبيَّن الدكتور Dharma Singh Khalsa، وهو خبير طبي ويوغي، أن ترداد أصوات وجمل معينة، المدعوة المانترا، تحرض إفرازات الغدة النخامية الموجودة فقط على بعد ملمترات من سقف الحنك. هذه الإفرازات تقوِّي الجهاز المناعي والعصبي، تقلِّل من إفراز الوسائط العصبية للتوتر مثل الكاتيكولامينات والكورتيزول، وتزيد إفراز الأندورفينات، وهي المورفينات الطبيعية التي يفرزها الجسم، وتؤدي إلى الشعور بالسعادة وتخفيف الألم. يوضح Joachim – Ernst Berendt أنه في الحضارات القديمة، كان يرمز للعين بسهم، لأن العين كالسهم ترى الشيء وتتجه نحوه مخترقة إياه بعنف، وأن عين الصقر هي التطور الأعظم لهذه الموهبة، فالعين مرتبطة بنصف الدماغ الأيسر الذكري والأنا، أما الأذن فيُعبَّر عنها بقواقع البحر، والتي تشبه أيضًا الفرج والمهبل عند المرأة. الأذن ذات طبيعة أنثوية مستقبلة عميقة، داخلية وسرية، ومن هنا تكمن أهمية السمع والأصوات من أجل صحتنا وتغذية روحنا، وإذا أهملنا الأذن، أهملنا الروح. يقول بيريند إننا في مجتمعاتنا الحالية نعاني من التضخم البصري على حساب السمعي. تبيَّن من خلال التجارب أن الأذن أكثر دقة بعشر مرات من العين، فعلى سبيل المثال لا يوجد في السمع ما يشابه الخداع البصري. لا يوجد أية حاسة أخرى في الجسم تستطيع استقبال التنبيهات البسيطة جدًا التي تستطيع الأذن استقبالها. إن النسبة بين أضعف وأقوى تنبيه تستطيع الأذن استقباله، هي 1 إلى ترليون، وبدون إحداث أي تغيير فيه. الأذن هي العضو الوحيد الذي يستطيع استقبال الكم الرقمي والقيمة الرقمية بنفس الوقت (بمعنى آخر، تستطيع الأذن الإحساس بالنسب الرقمية للنوطات مثل نسبة 1:2 بين الدو والدو التالية، أو نسبة 2:3 بين النوطة الخامسة والأولى، ولكن تستطيع أيضًا سماع القيمة المطلقة للنوطة بحد ذاتها مثل الدو أو الري أو المي)، وبمعنى ثالث، فإن عنصر الإحساس (اللحن) مندمج مع عنصر التفكير (النسب الموسيقية). الأذن هي العضو الوحيد الذي يستطيع فعل هذا بنسبة عالية من الدقة، وهذا ما يجعل الإنسان غير الموسيقي يشعر أن اللحن جميل أو فيه أخطاء، ولكن لا يوجد أي شخص يستطيع الإحساس أن هذا اللون هو ضعف التردد للون آخر. تستطيع الأذنان تحويل القيم الرياضية إلى إدراكات حسية، والتجارب الواعية إلى انطباعات لاواعية، الأشياء المقاسة إلى غير مقاسة، المفاهيم المجردة إلى مواضيع نفسية وروحية، والعكس بالعكس. الصوت مرتبط بشدة بأحاسيسنا، فمن خلال الصوت والموسيقى تهتز خلايانا وأجسامنا بطريقة لا تستطيعها العين (برنامج تلفزيوني، بالنظر فقط أولاً، ثم بالسمع فقط، ثم بالاثنين). الأذن هي العضو الأول الذي يتكون في الجنين، والعضو الأخير الذي يتوقف عن العمل خلال الوفاة. أظهرت عالمة البيولوجيا الجزيئية Candice Pert في كتابها Molecules of Emotions، كيف أن الهرمونات والوسائط العصبية تتعامل مع بعضها من خلال ذبذبات معينة، وبمعنى آخر، عندما يكون هناك انسجام في الجسم، فإن خلايانا تتفاعل من خلال موسيقى داخلية هارمونية. يستطيع الصوت والموسيقى إعادة الصحة المفقودة، وقد اعتبرت كثير من الحضارات القديمة المرض كفقدان الانسجام والهارموني في الجسم. رغم أن المجال السمعي يمنعنا من سماع كل الذبذبات الموجودة في الكون، ولكننا نتأثر بها بطريقة ما، فحيثما تنتهي حدود الجسد، يبدأ العقل، وحيثما تنتهي حدود العقل، تبدأ النفس، وحيثما تنتهي حدود النفس، تبدأ الروح. اعتبر أفلاطون الحجر موسيقى مجمَّدة. اعتبر البوذيون الأشكال اهتزازات تنشأ من الفراغ، ثم تختفي فيه من جديد. الـ DNA في خلايانا يحتاج إلى التغذية الصحيحة من أجل الانشطار والتجدد الصحيحين. إن عدم تأمين العناصر الضرورية لهذا التجدد يؤدي إلى الشيخوخة الباكرة أو السرطان. يقول الدكتور ديباك تشوبرا: في كل مستوى من تجدد الـ DNA، تأتي سلسلة الأصوات أولاً، لذلك فإن استعمال الأصوات البدئية، تذكِّر الـ DNA بالمحطات الأساسية التي يجب المرور عليها. وجدت الباحثة الموسيقية الأميركية Dorothy Retallack أن التعرض الطويل للنوطة فا أدى إلى موت بعض النباتات. كثيرًا ما سمعنا بأجهزة أمواج فوق الصوت التي تبعد الحشرات والحيوانات من خلال التأثير السلبي على دماغها، ولم يعد سرًّا استعمال الجيش الأميركي أسلحة بالأمواج فوق الصوت، تصدر أعلى صوت ممكن حتى الآن (يفوق 10000 مرة صوت انطلاق المركبة الفضائية) للتحري عن وجود غواصات في المياه الإقليمية، ولكن بالمقابل ما النتيجة؟ نزوف دماغية مميتة عند الحيتان والدلفين، عدا عن تأثيراتها على الغواصين، وفي حال استعمالها في الحروب، قد تؤدي إلى قتل الطحالب والأشنيات التي تعتمد عليها حياة الكرة الأرضية. على عكس ذلك، من المعروف الاستعمال الطبي الرائد المكتشف في ألمانيا عن تفتيت الحصى الكلوية والمرارية بالأمواج فوق الصوت. المانترا حسب المدارس المختلفة: إن انتشار الإنشاد اليوغي في البلاد الغربية ليس ببدعة من بدعات العصر الحديث، بل هو موجود بقوة منذ آلاف من السنين، في العديد من مدارس اليوغا مثل المانترا يوغا، جاپا يوغا، الكيرتان، وبالدرجة الأولى النادا يوغا والتي تعني بالتحديد يوغا الصوت أو طريق الصوت، والتي لا تقل أهمية عن الهاثا يوغا (وهي أكثر أنواع اليوغا ممارسة في العالم من خلال التمارين الجسدية والتنفسية الخاصة بها، والتي اشتقت من سلالة يوغيي الـ Goraknath وهي حركة عسكرية من القرون الوسطى، أما كلمة هاثا، فتأتي من ها بمعنى الشمس، وثا القمر). قديمًا جدًا، كانت النادا يوغا تركِّز فقط على المقطع الصوتي Om، الصوت البدئي الذي استعمل من أجل خلق الكون حسب المعتقدات الهندية والصينية (وقد تكون كلمة آمين مشتقة منها)؛ لكن مع تطور الموسيقى الهندية في العصور الوسطى، دخل استعمال الكلمات المقدسة (المانترا) واللغة في الموسيقى، أصبحت النادا تعني الصوت بمعنى النغمة واللحن والإيقاع، أما الشابدا فتعني الصوت بمعنى الكلمة والمعنى واللغة. في النهاية، فإن المعنى الشامل ليوغا الصوت يضم أربعة مدارس أساسية: 1. الشابدا يوغا Shabda Yoga: وهي ترداد كلمات وجمل مقدسة (مانترا)، معتمدة على معان عميقة فلسفية ومدروسة بشكل محكم، ومستقاة من كتب الفيدا الغنوصية التي تركز على القوة الروحية للكلمة (الشابدا). تقوم الشابدا يوغا بجمع الصوت مع الكلمة والمعنى لخلق ومضات من البصيرة والإدراك الروحي والإلهام الشعري. تعتبر الشابدا يوغا من أوائل مدارس يوغا الصوت، ونشأت بين 1500- 500 قبل الميلاد، في الفترة التي يسميها ألدوس هاكسلي الحقبة المحورية الأولى، والتي ظهرت فيها الديانات العظمى الأولى، فبعد عبادة آلهة طبيعية وحيوانية، أعلن اليهود في تلك الحقبة الإله الواحد يهوه، وأعلن لاوتسو في الصين مفهوم التاو، وأظهر زرادشت الإله الأعظم أهورا مازدا لحضارة إيران الأفستية المستمرة من 5000 سنة، وتوصل البوذا إلى النيرڤانا. هذه الديانات كانت ما تزال يافعة، لذلك كان لا بد من وضع قوانين صارمة وحدود واضحة لتمييز الدين الصحيح من غيره. لذلك اعتمدت هذه المدرسة على الرهبان أو البراهمان في أداء الطقوس والوضعيات والمانترات. اعتمدت هذه المدرسة على فكرة أن الكلَّ أهم من الأجزاء، وعلى ضرورة اللفظ الصحيح وإعطاء النغمة الصحيحة والنحو والتصريف. في هذه المدرسة، كان الممارس يبقى ساعات طويلة في وضعيات Asanas معينة كوضعية اللوتس أو الشجرة للحصول على قوى روحية معينة. هذه القوى كانت تسمى Devas أو الأشخاص المشعة، بشكل مشابه لفكرة الملائكة. كانت هذه المدرسة تؤمن بوجود تناغم وانسجام بين كل عناصر الطبيعة والكواكب والأجرام السماوية مثل الحضارة الإغريقية ومعظم الحضارات القديمة. لقد وجد حديثًا، أنه من الـ 78 نغمة الأساسية الموجودة في الطبيعة من نسب الكواكب والأجرام، فإن 74 واحدة منها تعود لسلالم الماجور أو النهاوند؟، والتي تتجاوز مبدأ الاحتمال فقط. المانترا الفيدية أو الشابدية تحمل نسخة مصغرة عن التكوين الكوني الذي من خلال حقل مغناطيسي روحي حول الشخص يحميه ويدعمه، ويعطي للشخص انسجامًا في حياته وعلاقاته. 1، 13، 15 Gayatri، 17. 2. الشاكتي يوغا Shakti Yoga: مستقاة من ما يسمى بالتانترا يوغا والكونداليني يوغا. تعني التانترا النسيج، وتصف الكون بأنه شبكة متداخلة من الروابط الطاقية الكهرطيسية. بالنسبة لعلم الكون التانتري، فإن الأحرف السنسكريتية المفردة آتية من تركيبات صوتية تمثل الحجارة الأساسية لبناء الكون، وهنا – بعكس النظرة الفيدية – فإن الحرف والجزء أهم من الكلِّ، وكلُّ عضو من أعضاء الجسم، بما فيه الأعضاء التناسلية والغدد العرقية، مقدسة، ومهمة مثل أي عضو آخر. يعتبر الجزء حاويًا للكل مثل الهولوغرام. تعتمد التانترا على مبدأ تبادل الطاقة المستمر بين كل أجزاء الكون من خلال شبكة منظمة وهنا يكون التركيز على ترداد كلمات بسيطة إجمالاً وغير معقدة (تدعى Bijas) من أجل التركيز على الطاقة الداخلية للجسم (الكونداليني) وتصعيدها من طاقة خشنة إلى طاقة لطيفة ناعمة من خلال مراكز الطاقة المختلفة والخيمياء الروحية، وهنا نصل إلى اتحاد وشعور بغبطة فائقة، تكون بنفس الوقت روحية وجنسية، وقد انتشرت هذه المدرسة في الغرب بسبب علاقتها القوية مع احترام وتركيز الطاقة الجنسية. 7، 9، 11، 19. 3. البهافا يوغا Bhava Yoga: هنا تدخل العبادة ونشوة التواصل مع الخالق من خلال ترداد الكلمات والجمل الموسيقية، بطريقة مشابهة للتصوف الإسلامي، وهي مستقاة من مدارس البهاكتي التي بدأت عام 700 ميلادي وانتشرت بقوة في الهند في القرون الوسطى، كردٍّ على التناقض الموجود بين مدارس الفيدا القاسية التي تقبل النخبة فقط فيها، والتي تتطلب دقة كبيرة وصرامة في الطقوس والأناشيد والوضعيات، وبين مدارس التانترا الثورية والليبرالية التي اعتبرها الكثيرون مخيفة وغريبة. كانت الأولى مرتبطة بالحكام والكهنة والثانية بالفردية والثورية. استقطبت هذه المدرسة الثالثة عامة الشعب، ووضعت كل أعمال الناس وأفعالهم عند قدمي الخالق، وأنشد الناس ألحانًا جميلة في ذكر الله، والتي فتحت قلوبهم وطاقاتهم الروحية، ألهمت العديد من الأدباء الكبار مثل كبير، ميراباي، توكارام، و مانيكاڤااتشاكار، كما ألهمت التصوف الإسلامي، وحركة السيخ. في هذه الحركة، كان الرجال والنساء إناثًا في علاقتهم مع الله عز وجل، واعتبر البهاكتاس أن المحبة المقدمة لله ستجلب بالمقابل محبة الله. من الأصوات البدئية الجنسية والسحرية للتانترا القديمة، إلى اللغة المحكمة والمدروسة بدقة في الفيدا، نصل إلى الخروج من التكنيك وإعطاء التعابير الحرة الموسيقية التي تلامس القلب في مدارس البهاكتي. تضم هذه المدرسة أنواع مختلفة من الإنشاد كالكيرتان والجابا. 3، 21، كيرتان. 4. النادا يوغا: وهنا يكمن التركيز على اللحن والإيقاع ... الخ. تتناول النادا يوغا العديد من الوضعيات Asanas والتقنيات الموجودة في الهاثايوغا، ولكنها تستعملها للاستماع جيدًا وبعمق للجسد، ومن خلال الجسد، استقبال الكوامن الخفية للكون بأشكالها وترتيباتها الصوتية. يجب ألا ننسى أن يوغا الصوت تتطلب خمسة أمور أساسية: الصوت، والوضعية الجسدية Posture، والتنفس، والحركة، والوعي. تستعمل النادايوغا الـ ragas وهي أنماط موسيقية تستعمل في أوقات معينة من النهار والليل لتسهيل الشفاء والهارموني واليوغا. النادا يوغا هي مثل النهر الذي يستقبل روافدًا من الموسيقى الفيدية والتانترية والتعبدية، ويحملها نحو محيط الوعي. *** *** *** المراجع:
٭ محاضرة ألقيت في الجمعية الكونية، 11-11-2009.
|
|
|