الذكاء الجمعي والانفتاح الشبكي للوثائق الرقمية

 

غسان مراد

 

مع تطوُّر التقنيات الرقمية دخل الكثير من المصطلحات والمفاهيم الحديثة إلى العلوم كافَّة، ومن ضمن هذه المفاهيم الذكاء المشترك أو الذكاء الجمعي الذي نعرِّفه "ببساطة" من دون الدخول في متاهات التعاريف التقليدية للذكاء بشكل عام. فهو، بحسب ما نراه، الذكاء الآتي من مشاركة عدد من الأشخاص في حل مسألة ما عبر التواصل والتبادل المباشر أو الافتراضي.

لنفكر في الإفتراضي انطلاقًا من عينين مغمضتين غار منهما الضوء. ففي عماه، رأى الكاتب والشاعر خورخي لويس بورخيس الكتب يتواصل بعضها مع بعض، وكلماتها تتنقل من نص إلى آخر، في عتمة الليل. ويبدو أنَّ رؤى بورخيس ذهبت إلى أبعد مما يدركه البصر. والحال أنَّ نصوص الكتب وكلماتها تدخل بعضها إلى البعض الآخر، وبحرية أوسع مما حلم به بورخيس، بفضل التقنيات الرقمية وشبكاتها. ويحمل ذلك معنى مختلفًا عما حملته كلمات بورخيس. وإذا فكرنا أنَّ كلَّ نصٍّ هو إنتاج لتجربة الذكاء البشري مع الوجود، فإن الوصلات الالكترونية تحمل أكثر من مجرد مدِّ جسر بين نصٍّ وآخر، إذ تصبح علاقة إفتراضية (قد تدوم أبعد من عمر الورق) بين ذكاء وآخر. يخبرنا الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أن الكائن له أبعاد تتصل بالوجود البشري كله، متعيَّنًا بزمانه ومجتمعه. في هذا المعنى، كيف يمكن التفكير في صورة مئات آلالاف من الشباب الذين يمارسون الألعاب الالكترونية عبر القارات؟ أيُّ تفاعل وتداخل ومشاركة بين ذكائهم كأفراد، وما يتضمنه تفكيرهم الفردي من علاقات مع تاريخ الإنسانية وزمانها الراهن وتطورها أيضًا؟

لا بدَّ من القول أولاً إن النظم الطبيعية تقوم على أساس تعاوني لا تنافسي أو فردي، وإن الذكاء الجماعي (الجماعي) هو أصل التطور الإنساني. على سبيل المثال، من أهمِّ الأشكال المعروفة للذكاء الجماعي - الجمعي هو مملكة النمل التي تنفِّذ مجموعة من العمليات بشكل منظَّم، وكلُّ نملة لها دور محدَّد للمساهمة في القيام بعملية ما. حتى أنه في استطاعتنا القول: تعلَّموا من النمل، فاتحادها المعرفي يؤدي إلى الوصول إلى حلول ذكيَّة دائمًا.

إن معالجة موضوع الذكاء الجمعي تتم من خلال ارتباط هذا المفهوم بتطور التقنيات الرقمية، وخصوصًا النشر الإلكتروني، إضافةً إلى مراقبة مواقع الـ"ويب" التفاعلية ووسائل الإتصال الشبكية (الإنترنت)، وذلك بهدف تبيان آلية الوصول إلى إنتاج المعرفة وتحسين الأداء المعرفي والإنتاج الفكري من خلال الموسوعات الإلكترونية أو ترابط الوثائق في ما بينها أو من خلال المصادر المفتوحة. وكما نعرف، لا يمكن الشعوب أن تعيش بأمان إلاَّ من خلال التشارك في نظم أو أنظمة موحدة ورمزية كالإشارات، واللغات، والعادات، الخ.

إنَّ مبدأ شبكة المعلومات وجد منذ 40 عامًا، حين تمَّ في 29 تشرين الأول 1969 أول تواصل بين حاسوبين، إذ أرسل مهندسو جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلس ومركز ستانفورد للبحوث أول معلومات بينهما، فيما عُرف باسم "أربانت". وكان ذلك مبنيًّا على التبادل والتشارك لحلِّ مشكلة نقل المعلومات بين أجهزة الكومبيوتر. فهذا المفهوم الجمعي البارز حاليًا ليس بجديد فعليًّا من حيث ارتباطه بالتطور التقني، بل هو قديم.

كما أنَّ الذكاء الجمعي كعملية، وُجد عند الإنسان في اللحظة التي بدأت فيها عملية التواصل الإنساني من خلال اللغة مهما يكن شكلها أو رموزها. فذكاؤنا وإنتاجنا المعرفي مبنيَّان على إنتاج سابق، ألا وهو توارث المعلومات من جيل إلى جيل. فما يغني المعرفة ليس البشرية في ذاتها، بل الذاكرة الجماعية بشكل عام.

ولدت الشبكة العالمية "الإنترنت" من خلال تواصل الحواسيب وترابطها فيما بينها للتشارك في الموارد الرقمية على أنواعها. وكما يقول بيار ليفي، فإن هذا الترابط سيكون مؤشرًا إلى التطور وارتفاع الذكاء الجمعي.

الكلام عن الذكاء الجمعي مرتبط حاليًا بالتطوُّر السريع لأدوات تبادل المعلومات. فالتغيُّرات الحاصلة ليست بارزة من ناحية الزمن، إنها حاضرة وواضحة للأفراد وتختلف ليس في عقود زمنية كما كان سائدًا قبل التطوُّر التواصلي، بل في حقبات زمنية بسيطة جدًا من عمر الشعوب. إذا أخذنا التغيُّرات التي حصلت في زمن اختراع الطباعة، فقد حصلت تغيُّرات كثيرة ومهمة لكن تأثيرها والأخذ بها لم يكونا مباشرة بل رويدًا رويدًا. أما في عالم الحواسيب والتواصل والهواتف النقَّالة والساتلايت، فالتطور يحصل بفترة وجيزة جدًا. هكذا فإن جيل الشباب مثلاً حصل في خلال 18 عامًا تقريبًا على كلِّ هذه التغيرات، ولم يكن انتقاله من نظام تواصلي إلى آخر خلال فترة زمنية طويلة بل شبه آنيَّة.

أول ما يُبرز عملية الذكاء الجمعي هي الشبكات الاجتماعية. ذلك أن تطوُّر الذكاء الجماعي استخدمته كل المؤسسات والطبقات الإجتماعية من خلال الوثائق الرقمية. البارز مثلاً، أنَّ ثمَّة برامج معلوماتية "ذكيَّة" تعمل على المراقبة الآلية لمواقع الشبكات الإجتماعية واهتماماتها لتوجيه الدعايات المؤاتية لها كالعمر، والأصدقاء، الخ.

من هنا بدأنا نلمس تطوُّر مفهوم الذكاء الجمعي المولَّد ذاتيًا وآليًا auto generated لاستنتاج معلومات جديدة من خلال تفاعل المعلومات والمفاهيم فيما بينها، بطريقة بدأت تختلف عن الوضع الحالي للـ"ويب" المبني على الطلب من خلال الكلمات المفاتيح وتقويم الصفحات بحسب خوارزمية pagerank وتقويم الوثائق الرقمية من خلال العلاقات الفائقة النصية، التي هي علاقات فائقة وثائقية، ترتبط افتراضيًا فيما بينها لتشكِّل هذا العالم السيبرناتي. أيّ أنَّ الوثيقة تحمل في طيَّاتها معلومات تتفاعل فيما بينها للوصول إلى معلومات جديدة من خلال استخدام المعرفة المبنية على قاعدة الإستنتاجية الطبيعية naturally deduction لتشارلز سندرس بيرس.

إذًا، القيمة هي في المعرفة، وفي إنتاج المعرفة من معرفة سابقة أو معلومة سابقة. وهذا ما بُنيت على أساسه عملية التواصل عند كلود شانون في أولى مراحل اختراع الحاسوب. فالمعلومات، والمعرفة، وتنظيم المعلومات، وتحليل المحتوى، هذه كلها تساهم في إنتاج معرفي جديد.

لم يعد هناك مستخدم سلبي. كلُّ مستخدم هو منتج للمعرفة ومستهلك لها. إذًا، لم تعد العملية التواصلية أحادية التوجه كما هي الحال في الراديو والتلفاز والكتاب، بل نحن في حركة معرفية ليست فقط دينامية إنما تفاعلية.

تتطلَّب ضرورة التفتيش عن حلول لمعالجة الوثائق الرقمية وتعقيداتها، اتحادًا وتفاعلاً بين مجالات عدَّة. فتطوُّر الذكاء الجماعي لا يمكن أن يتم إلا من خلال خلق معايير للتحليل ولتبادل الرموز اللغوية. هكذا فإنَّ أول معضلة لعملية التبادل قد حلَّت من خلال معايير لغات توصيف الوثائق وخصوصًا الـ html وحاليًا الـ xml. وبما أنَّ الهدف هو التفتيش الآلي للوصول إلى المعلومات، فعلى الوثيقة أن تكون "ذكية" بذاتها، أي أن تتفاعل مع باقي الوثائق وفي لغات عدة، وهذا مبني على الترجمة الآلية.

بيد أنَّ الرموز اللغوية لا تزال في طور البحث على رغم أننا نشهد تطورًا في برامج الترجمة الآلية التي ستساعد ليس المستخدم (الإنسان) فقط بل البرامج (الروبوت) التي بدورها تقوم بتحليل محتوى معين لاستخدامه، بالتلازم مع وثيقة أخرى وفي لغة مختلفة، وخصوصًا الـ"ميتاداتا"، لما لها من أهمية للوصول إلى المعلومات الرقمية المطلوبة من دون الإبحار في خضمٍّ من الوثائق ليست دائمًا مؤاتية لما نفتِّش عنه. هنا تأتي التوجيهات لاستخدام ما يسمَّى الأنطولوجيا. لكن يبقى الاستخدام الطبيعي للغة من دون الدخول في ترميزها رياضيًا، أكثر نفعًا للمستخدم من دون الغوص في تحليلات معلوماتيَّة. فتوجهنا هو نحو بناء برامج معلوماتية سهلة وقابلة للفهم وللاستخدام لكلِّ الأشخاص، بغضِّ النظر عما إذا كانوا ضليعين في عالم المعلوماتية أم لا. المشكلة في الدلالة! فإذا وجدنا طرقًا لرفع الالتباس آليًّا فإنَّ مجموعة كبيرة من المشكلات ستحلُّ.

البرامج "المفتوحة المصدر"

في الآونة الأخيرة، اتخذت مؤسسة أميركية مشرفة على تنظيم سريان المعلومات على الإنترنت، خطوة عملاقة، وجديرة بالتأمُّل. فقد جرت العادة منذ انطلاق الإنترنت على إعطاء عناوين الكترونية لكل كومبيوتر متصل بالإنترنت (بقول آخر، لكل ذكاء متصل بالشبكة الدولية للكومبيوتر)، باستخدام اللغة الإنكليزية، التي صارت لغة معيارية، في هذا المعنى، لسريان المعلومات على المعلومات، إذ أنها اللغة التي يتحدَّد بها جغرافيًا كل ذكاء متصل بالذكاء الجماعي الذي تضمُّه الإنترنت. وزيادة في رسم صورة التحديد جغرافيًا، يجدر التفكير في أن هذه الهيئة الأميركية، واسمها "أيكان"، تدير الحركة الأساسية لإنتقال المعلومات (وما تحويه من ذكاء وجودي) على الإنترنت، بالاستناد إلى مجموعة محددة من الكومبيوترات العملاقة (عمليًا، تسمى "الأُطر الأساسية" ("ماين فرايم" Main Frame). ثمة تحدُّد جغرافي مركزي في لغة الإنترنت، فكأنها تنطق بلسان واحد عن تحدُّدها في المكان. ويزيد في قوة التحدُّد والمركزة، غلبة اللغة الإنكليزية على المحتوى المتوافر في أشكاله كلها. بقول آخر، هناك مركز جغرافي تمثل الإنكليزية لغته الوحيدة. لذا، من المستطاع القول، من دون كبير مجازفة، إن الأمر يشبه أسطورة بناء برج بابل في التوراة. فبموجب ذلك النص الديني، تآزر البشر في بناء برج تشامخ باستمرار، طالما أن البشر استطاعوا التفاهم بلغة موحدة جمعت ذكاءهم وصبَّته في عمل موحد. وإذ غضب الرب من السعي المتفاخر للإنسان - الديكتاتور، عمد إلى حلٍّ لا يزال إدراك غاياته عصيًّا: إعطاء لغة لكل مجموعة. وتقول التوراة إنه لما تبلبلت ألسنة البشر، وفقد ذكاؤهم الجمعي عصب تواصله الأساسي، إنهار ذلك البرج. أتسير الإنترنت نحو مصير مشابه؟ وأيُّ سماء كانت تروم التطاول لملامستها؟

يسير التجديد في حركة تصاعدية دائمة فيما يخص أدوات التواصل والمعلومات، ويصبح من الصعب اللحاق دائمًا بما يتم إنتاجه. تصبح الوثائق الرقمية ومعالجتها معقدة وصعبة أكثر فأكثر. هذه الصعوبة مرتبطة بتعددية وجهات النظر، وتعددية تمثيل المعرفة، وبالأهداف المرتبطة بالتحليل والتأويل.

إنَّ أكثر ما يترجم مفهوم الذكاء الجماعي والذكاء التعاوني، هي البرامج "المفتوحة المصدر" Open source المبنية على أن كلَّ من يملك معرفة ما تساعد في التطوير، يمكنه أن يساهم في تغذية البرنامج. هذه الآليَّة كانت قد وضعتها حركة حرية وبرامج مفتوحة المصدر free and open source software هدفها وضع آلية جماعية للتطور تساعد في الإنتاج المعلوماتي (من أهم مراجع الذكاء الجماعي هو نظام التشغيل Unix وبعده نظام Linux). هذه الآلية قريبة جدًا من مبدأ بناء المعرفة العلمية أكثر منها إلى مبدأ المعرفة التبادلية بهدف تجاري، على رغم أنَّ المحركات البحثية عن المعلومات تستخدم الذكاء الجماعي باستغلال المعلومات الفردية للبيانات لكي توجه إعلاناتها.

يحدد فليكس ستاندلر مبادئ ما يسمِّيه "الذكاء التعاوني" بما يأتي: أولاً الوصول غير المحدود إلى المعلومات التي وضعتها المجموعة الإفتراضية، بعد ذلك تقويم المشاركة في العمل لهذه المجموعة، ثمَّ نظام السلطة المبنيُّ على الإشتهار أو السمعة، فالناشر يصبح معترفًا به. وأخيرًا، فإنَّ كل مستويات الأنظمة مبنية على الجدِّية في الإنتاج، وبحسب أهمية الإنتاج، ولا يوجد "منع" لأيٍّ كان من المشاركة شرط أن تكون المساهمة مثمرة.

فمع انفتاح الشبكة على الجميع بدأت تتطلَّب هذه العملية آليات اجتماعية، تقنية وقانونية. فالإنترنت سمحت بأن يكون للكلِّ إمكان الكتابة والقراءة، والمساهمة في البناء واستخدام ما بناه الآخرون. كلُّ كاتب هو قارئ ومنتج، وبالعكس. هذا اجتماعيًا، أما تقنيًا فهذه المبادئ مبنيَّة على خلق محطات عمل معلوماتية تساعد الجميع. أما من الناحية القانونيَّة فمبدأ معيار الـ copyright تحوَّل إلى copyfree أي إعطاء الحرية الكاملة للتوزيع وللتغيير في البرنامج.

الويكي

من الواجهات التي أصبحت معروفة، بما تحويه من معلومات منافسة لما هو مطبوع حتى من مئات السنين، فإنَّ موسوعة "ويكيبيديا" مثال آخر على الذكاء الجمعي، فهي مبنية على نظام معلوماتي يدعى "ويكي" يسمح تقنيًا لكل شخص بأن يبدأ بالكتابة. هذا البرنامج يحافظ على كل تواريخ التغيرات والزيادات في تغذية الموسوعة مما يسمح أيضًا بمتابعة تغيرات المحتوى زمنيًا وبإمكان محو كل ما هو مصدر للشك في المعلومات وما يستخدم للتعمية أو التضليل.

مما لا شكَّ فيه أن انضمام المتخصصين المتزايد إلى "ويكيبيديا" أدى إلى تصحيح جزء لا يستهان به من المعلومات ومراقبة المعلومات الحديثة والجديدة. فالأخطاء الموجودة في تدنٍّ دائم لأن "العيون" الساهرة كثيرة، ما يجعل شخصًا آخر يصحح معلومة خطأ. وهكذا دواليك. فالـ"ويكيبيديا" تقدِّم المثال "الحي" على ديناميَّة المعلومات الرقمية.

إذًا، العمل التعاوني فعَّال والمعلومات موزَّعة. إن عملاً كهذا لا يمكن أن يتم من فرد واحد حتى للكتابة في مجال أو اختصاص محدَّد ومن اختصاص باحث محدَّد. أيُّ باحث لا يمكنه أن يلمَّ بكل ما يحيط بمجال ما. فالذكاء الجماعي يساعد في تنظيم هذه الآلية بشكل سليم وجيِّد ومفيد.

صدقية الوثائق الجماعية

التأكد من المعلومات أو من المعرفة المنتجة والمنشورة يبقى مسألة مهمة بالنسبة إلى النشر والإنتاج التعاوني. المسألة محلولة بالنسبة إلى البرامج المفتوحة open source من خلال تنفيذ البرنامج المعلوماتي. فإذا تمَّت عملية التنفيذ، وعمل البرنامج بشكل صحيح ومتطور مع وظائف جديدة، فإنه يصبح مطوِّرًا ويُقبَل ويصبح معتَمدًا في ذاته. من ناحية الموسوعات المطبوعة والوثائق، ترتبط المسألة بمجموعة مصحِّحين ومدقِّقين من كلِّ النواحي، وإذا كان العمل جيدًا يُنشر. أمَّا بالنسبة إلى الوثائق الرقمية فالمسألة مختلفة لأنَّ الإنتاج أو النشر يتمَّان آليًّا في الوقت عينه وتصبح الوثيقة تحت تصرُّف القارئ. ولكن يوجد تدقيق مفتوح، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى "تفاهم" جماعي حول ما تمَّ نشره. وهو تفاهم مقبول من المساهمين، ويعني أن وجهة النظر مقبولة من الجماعة. ولكن إذا كان هناك خطأ لم يُجرَ كشفه، ووافقت عليه الجماعة، فإنه يصبح مشرَّعًا، مما يؤدي إلى ضعف ما تحويه "ويكيبيديا" من معلومات. النقاش دائر حول هذه النقطة حاليًا لإيجاد حلٍّ لهذه الإشكاليَّة: فمنهم من يقترح أن نميِّز بين من هم خبراء ومن هم "عامة novice" أو ناقصو خبرة في مجال ما، وأن يكون هناك مراقب للمعلومات. ولكن تبقى هذه المسألة صعبة نظرًا إلى ضخامة المشروع الموسوعي، على عكس البلوغ blog الذي يهدف إلى المساهمة حول مسألة محدَّدة.

أخيرًا لا بدَّ من التنويه أنَّ مبدأ المشاركة والتعاون والذكاء الجماعي دخل إلى عالم الصحافة والإعلام، حيث يتم الحديث حاليًا عن الصحافة المفتوحة المصدر، الصحافة المواطنية، لكي نعرِّف بآلية التعاون المماثل للنشر وللنقاش حول نصوص صحافية وإعلامية.

الذكاء الجمعي وآلية الاستخدام

إنَّ الذكاء الجمعي للمستخدمين يتولد من حاجاتهم. وقد أتى هذا التطور في عالم التقنيات من فكرة الاستخدام والممارسة والإلمام، وليس من فكرة المستخدم، بما يعني أنَّ استخدام التقنيات غير مبني على ما يحدِّده المنتج من الوظائف المتاحة للآلة، ولكن على ما يحدده المستخدم. فتطور الإنترنت لم ينشأ في المختبرات كما تجري العادة في عملية الإنتاج والتسويق التقني بل على أيدي المستخدمين، بذاتهم ولذاتهم. البنية الهرمية من ناحية خلق البرامج المعلوماتية والتواصلية ليست من الأعلى إلى الأسفل وإنما بالعكس، وذلك من خلال الآلية التعاونية التي جمعت متطوعين فاعلين على شبكة المعلومات. فالتجديد تصاعدي، وهذا من أهم الخصائص الأساسية لتطور مجتمع المعلومات. هذه المبادئ نتجت من المدرسة الوظيفية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لتجيب عن السؤال: ماذا تفعل الميديا بالناس ولكن بطريقة معكوسة: أي ماذا يفعل الناس بالميديا؟ إذًا، هذه التغيرات الـ"براديغماتية" أدت إلى البحث عن العلاقة بين المستخدم وأدوات التواصل. فالفرد يصبح شخصًا فاعلاً من خلال إشهاره لاحتياجاته الاجتماعية واليومية. لم يعد المستخدم ملزمًا أخذ ما يُصنَع، ذلك أن المستخدم يجبر المنتج على إنتاج ما يحتاجه. من أهم الأمثلة على ذلك خدمة "اس ام اس SMS" في الهواتف النقالة التي لم تكن مأخوذة في اعتبار المنتجين. يسمح التملك بتطوير المعرفة من خلال معارف الأفراد الذين يستخدمون التقنيات يوميًا وهم على تواصل دائم مع هذه الأدوات، وهذا الاستخدام الدائم يؤدي إلى الخلق والتطوير. على سبيل المثال، فإن العاملين في "غوغل" يفرِّغون من وقتهم ساعات أسبوعيًا ليحلوا محل المستخدمين.

مثال آخر: جاء تطور الـ"وي في" على يد مجموعة من الطلاب مغرمين بالموسيقى، وهذا ما أدى أيضًا إلى تطوير في استخدام خدمات الإرسال السريع في شبكات الإنترنت.

تشير الأبحاث إلى أن من 10 إلى 40 في المئة من المستخدمين يعيدون تطوير أدواتهم لكي تساعدهم في حلِّ مسائلهم وتحسين أداء ما يستخدمون، كما أنهم يتبادلون ما يطورونه. فالمستخدم يفتش عن أدوات تقوم بخدمات جديدة أما المنتج الصناعي فيقوم بتطوير أدوات تنفذ العمليات نفسها ولكن بطريقة أسهل وأفضل.

التحديث بالاستخدام على عكس التحديث من المنتج، يوزَّع ويصبح شائعًا من خلال تبادل الفاعلين وتقاسم ما ينجز في غالبية الأحيان بدون مقابل مادي، على عكس الإنتاج الصناعي الذي يتم لأسباب تجارية، كما أنه معياري. فآلية التحديث تبدأ دائمًا بنواة لتصبح دائرة، ومن ثم تتشابك لتصبح عنكبوتية. أخيرًا صح المثل القائل: الحاجة أُمُّ الاختراع.

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود