كان
لويس فيشر، وهو صحفي أمريكي، يتابع بدقة حملات غاندي في الهند لسنوات عدة، وما
انفكَّ يتساءل عن الحكمة العملية لهذا الرجل الضئيل البنية الذي كان يطبق بنجاح
منقطع النظير قوانين المحبة على التحديات الهائجة لسياسة القوة. وحين سنحت له
الفرصة أخيرًا لزيارة غاندي في منزله، لم يجد ذاك السياسي الذي أسر قلبه، وإنما
كان غاندي الإنسان: حيويته الدائبة، دفء مشاعره، قوته الرقيقة الثابتة، حسَّ
الدعابة الذي لا يفارقه، وفرحه العارم. كان هناك رجل بلا ممتلكات خاصة ماعدا
غنى تجربته الداخلية؛ رجل بدا أنه يعاني من نكبات ونكسات بلا نهاية، لكنه لم
يفقد قط مرونته ومزاجه اللطيف؛ رجل لم يكن لديه سوى ستة أو سبعة كتب على طاولة
مكتبه، لكنه كان مفعمًا بالحكمة العملية.
بتاريخ
5 كانون الأول/ديسمبر 1931، غادرَ غاندي لندنَ صباحًا ووصلَ إلى باريسَ الساعةَ
الرابعة وعشرين دقيقة بعد الظهر عبْـرَ فولكستون
Folkestone
وبولوني-سور-مير
Boulogne-sur-Mer.
وقد نقلَتْ صحيفةُ لوسوار في عددها الصادر بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر أنَّ
وصول غاندي إلى غار دو نور
la gare du
Nord
[مركز انطلاق شمال باريس أو محطة باريس-الشمال] قد اتَّخذَ من حيث الابتهاجُ
والإجلالُ طابعَ عيدٍ سياسي وديني في آن واحد لدى الهندوسِ في باريس. فتجمَّعَ على
الرصيف في فرح صاخب ممثِّلو الجمعيات الهندية في باريس. وكان هناك عناصر هائلة من
شرطة النظام يصدُّون هذه الحشودَ التي كانت بالمقابل تصطفُّ بوقار وذلك عندما نزلَ
غاندي من عربة قطاره من الدرجة الثانية.