|
قيم خالدة
في هذا المحفل الكريم سأتحدَّث عن أمرين، أحدهما الحاجة المؤكدة للأخلاق في المجتمعات البشرية المعاصرة، والآخر: صعوبة الحياة الأخلاقية في هذا العصر، وعندما يجتمع هذان الأمران فإنَّ كل شخص يشعر بالتحرق على حال البشرية فسوف يشعر بالحاجة لدراسة القضية في إطارها الأخلاقي وماذا ينبغي أن يصنع؟
حين سألتُ المفكر المغربي الدكتور كمال عبد اللطيف عن المفكر جان جاك روسو، فيلسوف عصر التنوير وتأثيره عربيًا، استغرب ولم يُخف تعجُّبه. مصدر الاستغراب أن روسو الذي تحتفل البشرية بمرور 300 عام على ميلاده مفكر إنساني، لعبت أفكاره دورًا أساسيًا في الثورة الفرنسية (النصف الثاني من القرن 18) التي أعطت الانطلاقة الفعلية للعلمانية منهجًا سياسيًا واجتماعيًا. ويُعتبر الدكتور كمال عبد اللطيف من أبرز المفكرين العرب الذين قرأوا جان جاك روسو ودرسوا أفكاره ودرَّسوها، كما يُنظر إليه أيضًا بوصفه من أهم المتابعين للمفكرين والفلاسفة العرب الذين تأثروا بهذا الفيلسوف الفرنسي–السويسري. يقول الدكتور عبد اللطيف "توحي لي عبارة أو جملة جان جاك روسو عربيًا بأشكال التلقي التي مارستها النخب ورجال الفكر العربي في موضوع قراءة أعمال جان جاك روسو. وفي هذا الباب أستطيع أن أتحدث عن أشكال مختلفة من تلقي الفكر العربي لمنجزات وأعمال روسو".
من المؤسف حقًا أنه لم يبق أمامنا سوى حديثين، لذا علينا تكثيف ما سنقوله عن كلية الوجود. ونحن بهذا لا نقوم بأي نوع من الدعاية، ولا نحثُّكم على التفكير في اتجاه محدد، ولا نحاول إقناعكم بأي شيء – هذا ما يجب أن تكونوا مقتنعين به بالكامل. كما أننا لا نعرض عليكم أية أشياء غريبة exotic من الشرق كذلك الهراء الذي ينطق به المعلمون والغوروات وأولئك الذين يكتبون أشياء غريبة بعيد زيارتهم للهند – فنحن لا ننتمي إلى ذاك الحشد على الإطلاق. مؤكدين على أننا، وخلال هذين الحوارين، سنفكر معًا، بمعنى أنكم لن تستمعون فقط إلى بعض الأفكار التي قد توافقون أو لا توافقون عليها؛ فنحن لا نبتدع حججًا أو آراءً أو أحكامًا، ولكننا معًا – أي أنتم والمتحدث – سنتمعن بما تحوَّل إليه العالم، ليس في الغرب فقط بل في الشرق أيضًا حيث يوجد فقر شديد، وبؤس شديد، وزيادة سكانية هائلة، وحيث ليس بوسع السياسيين، كما هي الحال في الغرب، التعامل مع ما يجري حولهم. هناك حيث يفكر كل السياسيين بمنطق قبيلة، وحيث تحولت القبليةُ إلى ما يسمى قومية ممجدة. لهذا ليس بوسعنا الاعتماد على أي من السياسيين أو القادة أو أي من الكتب التي أُلِّفت حول الدين. لا نستطيع الاعتماد على أي من هؤلاء الناس ولا على العلماء أو البيولوجيين أو علماء النفس، فهم لم يستطيعوا حل مشاكلنا الإنسانية. أنا واثق تمامًا أنكم توافقون على كلِّ هذا. كما لا نستطيع الاعتماد على أي من المعلمين-الغورو الذين لسوء الحظ جاءوا إلى الغرب واستغلوا الناس وأصبحوا أثرياء جدًا، إذ لا علاقة لهم بالدين مطلقًا.
أن يبدوَ مشروعُ السلامِ غايةً بعيدة المنال لفئة كبيرة من العقلاء؛ وأن تجده مجموعةٌ أخرى من الناس مدعاةً للسخرية والضحك؛ أو يعتبره صاحب الوقار وحَسَنُ الخُلُق سبيلاً محفوفًا بالمصاعب العملية؛ فذلك أمر طبيعي جدًا. يقولون: "هوذا مجتمعك البائس، ولن يتمخض عنه خير قط. السلام! عمَّ تتحدث؟ نحن جميعًا في حال سلام أصلاً. ولكن إن تعمَّدت أمة إهانتنا أو تجرأت على نهب قوافلنا أو، في أسوأ الأحوال، أوعزت لسفنها بأن ترسو على شواطئنا لتنهب وتسلب وتقتل، فلن تجد بيننا من سيقعد تحت وابل السرقة والذبح؟ إنك بذلك تخلط الأزمنة وتبالغ في تقدير فضائل الرجال. ولعمري أنك تنسى أنَّ المسالم الذي ينام قريرًا في مدينته، ويرقد في مزرعته تاركًا عربته دون حراسة وكوخَه دون قفلٍ، فهو إنما يفعل ذلك متكئًا على مبدأ قبله كافة الرجال: أنِّ بارودَ البندقية وحبلَ المشنقة وقضبانَ السجن ستكون هناك، متأهبةً دومًا وعلى أتم استعداد، لمعاقبة من ستسوِّلُ له نفسه تعكير هذا الصفو. الكلُّ يقرُّ بأن سياسة السلم هي الفضلى، ولكن فقط لو كان العالم بأكمله كنيسة، وكان الرجال فيه جميعًا خيرة الرجال، ولو أذعن سوادهم الأعظم لهذه القاعدة، ولكن من العبث لأمة واحدة أن تسعى لبلوغ ذلك لوحدها".
|
|
|