مختارات من كتاب: تشريح التدميرية البشرية

 

إريش فروم

 

العدوان الخبيث: مقدماته المنطقية

ملاحظات أولية:

إن العدوان المتكيِّف بيولوجيًا يخدم الحياة. وهذا مفهوم من حيث المبدأ بيولوجيًا وفيزيولوجيًا عصبيًا. إنه دافع يشترِك فيه الإنسان مع الحيوانات. وما هو فريد في الإنسان هو أنه يمكن أن تدفعه الدوافع إلى القتل والتعذيب وأن يشعر بالشهوة لدى فعله ذلك، وهو الحيوان الوحيد الذي يمكن أن يكون قاتل نوعه ومدمِّره من دون أي مغنم معقول، سواء كان بيولوجيًا أم اقتصاديًا.

يبدو من البسيط أن نعرف متى يأتي الإنسان إلى الوجود، ولكن الأمر في الحقيقة ليس بسيطًا تمامًا كما يبدو. فقد يكون الجواب. إنه في وقت الحبَل، وعندما يتخذ الجنين شكلاً بشريًا محددًا، وفي فعل الولادة، ونهاية الفطام أو حتى قد يفترِض المرء أن جلَّ الناس في أوان وفاتِهم لم يكونوا قد وُلِدوا تمامًا بعد. وخير لنا أن نرفض تثبيت ساعة أو يوم لـ"ولادة" الفرد، وأن نتحدث بدلاً من ذلك عن سيرورة يأتي فيها الشخص إلى الوجود.

ولو سألنا متى وُلِدَ الإنسان بوصفِه نوعًا، لكان الجواب أصعب بكثير.

ويمكن أن نعيد تاريخ الحبَل بالإنسان إلى بدء الحياة أحادية الخلية، قبل ما يقترِب من مليار ونصف المليار من السنين، أو إلى بداية وجود اللبونات البدائية، قبل زهاء مائتي مليون سنة، ويمكن أن نقول إن نشوء الإنسان يبدأ بأسلاف الإنسان من أشباه الإنسان الحالي أو يمكن قبل ذلك.

وينبغي أن نصِل إلى فهم لطبيعة الإنسان على أساس الشرطين البيولوجيين اللذين يسِمان ظهور الإنسان. وكان أحدهما هو تحدُّد السلوك بالغرائز على نحوٍ دائم التناقص. والمنحى الآخَر الذي وُجِدَ في التطور الحيواني هو نمو الدماغ، وخصوصًا القشرة الدماغية الجديدة.

وإذا أخذنا في الاعتبار هذه المعلومات، أمكن لنا أن نعرِّف الإنسان بأنه أحد فصيلة الرئيسات الذي ظهر عند مرحلة من التطور وصل فيه التحدُّد الغريزي إلى الحد الأدنى ونمو الدماغ إلى الحد الأعلى. وهذا الاتحاد بين التحدُّد الغريزي الأدنى والنمو الدماغي الأعلى لم يحدث من قبل في التطور الحيواني ويشكِّل من الوجهة البيولوجية ظاهرة جديدة كل الجدَّة.

وطبيعة الإنسان يمكن تعريفها على أساس التناقضات الأساسية التي تميز الوجود الإنساني ولها جذورها في الانقسام الوجودي بين الغرائز المفقودة والإدراك الذاتي.

والصراع الوجودي للإنسان يُحدِث بعض الحاجات النفسية المشتركة عند كل البشر. وهي حاجات وجودية لأنها مترسِّخَة في شرط الوجود الإنساني نفسِه. ولإشباع هذه الحاجات ثمة طرق مختلِفَة تختلِف باختلاف الوضع الاجتماعي. وهذه الطرق تتبدَّى في عواطِف كالحب والرقَّة والكفاح في سبيل العدل، والاستقلال والحق والكره والسادية والمازوخية والتدميرية والنرجسية. وهذه العواطف راسِخَة من الطبع أو مندمِجَة في طبع الإنسان. والطبع هو النظام الدائم نسبيًا لكل المجاهدات غير الغريزية التي من خلالها يصل الإنسان نفسه بالعالَم الإنساني والطبيعي. ويمكن أن يعرِّف المرء الطبع بأنه البديل البشري من الغرائز الحيوانية المفقودة، إنه الطبيعة الثانية للإنسان.

ويكتب برغونيوكس: "مع أنه [الإنسان] يمكن أن يُعدَّ حيوانًا من الرئيسات يمتلِك كل خصائصها التشريحية والفيزيولوجية، يشكل وحده مجموعة بيولوجية لن ينازِع أحد في أصالتها... والإنسان يشعر أنه مفصول بتمزق وحشي عن بيئته، وأنه منعزِل في خضمِّ عالَم لا يعرف مقياسه، وقوانينه، ولهذا يشعر أنه مرغَمٌ على التعلُّم من مجهودِه المرير الدائم ومن أخطائه، وعليه أن يعرف كل شيء ليبقى. والحيوانات التي حوله تأتي متجمِّعَة تبحث عن الماء، وتتضاعَف أو تهرب دفاعًا عن نفسِها في وجه ما لا يُعَدُّ من الأعداء، وعندها أن فترات الراحَة والنشاط يعقب بعضها بعضًا في إيقاع لا يتبدَّل تثبتُه الحاجات إلى الغذاء أو النوم أو التوالد أو الحماية. والإنسان يفصِل نفسَه عن محيطِه، ويشعر أنه وحيد، ومهجور، وجاهِل كل شيء باستثناء أنه لا يعرف شيئًا. وهكذا كان شعوره الأول هو القلق الوجودي الذي يمكن أن يميل به إلى حدود اليأس".

حاجات الإنسان الوجودية والعواطف المتباينة الراسخة في الطبع

إطار التوجه والإخلاص

إن القدرة على الإدراك الذاتي، والعقل، والتخيل – وهي الخصائص التي تتجاوز القدرة على التفكير الوسيلي حتى عند أنبَه الحيوانات – تتطلب صورة العالَم ولموقع الإنسان فيه لها بنيتها وتماسكها الداخلي، فالإنسان بحاجة إلى خريطة العالَم الطبيعي والاجتماعي، من دونها سيكون مشوَّشًا وعاجزًا عن أن يعمل عملاً هادِفًا ومنسَّقًا. ولن يكون لديه سبيل إلى توجيه نفسِه والعثور على نقطة ثابتة له تسمح بتنظيم كل الانطباعات التي تُحدِث تأثيرًا فيه. ومن وجهة نظَر حاجتِه إلى إطار للتوجُّه لن يكون هناك أي فارِق بين أن يعتقِد بأن السحر عمومًا والسحر بمساعدة الأرواح الشريرة هما التفسيران النهائيان لكل الحوادث، أو بأن روح أسلافه ترشد حياته ومصيرَه، أو بأن الإله القادِر على كل شيء سوف يثيبه أو يعاقبه، أو بأن قدرة العالَم تقدِّم الإجابات عن كل المشكلات الإنسانية إذ يصير لعالمه معنى، ويشعر باليقين من أفكاره من خلال إجماع الذين حوله. ولكن الخريطة لم تكن مغلوطًا فيها كليًا، ولم تكن صائبة كليًا في أي وقت كذلك. بل كانت على الدوام كافية لتقترب من تفسير الظواهِر خدمةً لغرض العيش. ولا يمكن للصورة النظرية أن تنسجم مع الحقيقة إلا إلى الحد الذي تتحرر فيه ممارسة الحياة من تناقضاتها وعدم معقوليتها.

ولكن الخريطة ليست كافية لتكون مرشِدًا للعمل، فالإنسان يحتاج كذلك إلى غاية توضِّح له إلى أين يذهَب. وليسَت لدى الحيوان مشكلات كهذه. فالغرائز تزوده بالخريطة وكذلك بالغايات. ولكن الإنسان الذي يفتقِر إلى التحدد الغريزي ولديه دماغ يسمَح له أن يفكر في الاتجاهات الكثيرة التي يمكن أن يسير فيها، يحتاج إلى موضوع للإخلاص الكلي، يحتاج إلى موضوع للإخلاص يكون النقطة المحورية لكل مجاهداته... وهو يحتاج إلى موضوع الإخلاص لعدة أسباب فالموضوع يدمج طاقاته في اتجاه واحد. وهو يرفعه فوق وجوده المنعزِل بكل ما فيه من شكوك واضطراب، ويخلع المعنى على الحياة. وهو في إخلاصه لغاية تتجاوز أناه المنعزلي ويتجاوز ذاته ويغادِر سجن تمركزه المطلَق حول الأنا.

الترسُّخ

عندما يولَد الوليد يغادِر أمن الرحم، وهو المكان الذي كان فيه جزءًا من الطبيعة بعد حيث كان يعيش من خلال جسم أمه. وفي لحظة الميلاد يظل مرتبطًا بأمه تواكليًا، وحتى عندما ينقطِع الحبل السري يظل لديه تحمس عميق إلى إبطال الانفصال والعودة إلى الرحم أو العثور على وضع جديد فيه الأمن والحماية المطلَقان. ولكن لا يبقى لديه إلا خيار واحد إما أن يثابِر على تحمسه للنكوص، وإما أن يعوِّض عن ذلك بالاعتماد التواكلي على الأم (وعلى بدائلها الرمزية كالتراب، والطبيعة، والإله، والأمة، والبيروقراطية)، وإما أن يتقدم ويعثر على جذور جديدة في العالَم بجهودِه، وبخبرته لأخوة الإنسان، وبتجريد نفسه من سلطة الماضي.

ويحتاج الإنسان، وهو مدرِك لانفصالِه، إلى العثور على روابط جديدة بإخوته البشر، فهو يمكن أن يحب الآخَرين الأمر الذي يتطلَّب وجود الاستقلال والإنتاجية، أو إذا لم يكن إحساسه بالحرية متطورًا فيمكن أن يرتبِط بالآخرين تواكليًا – أي بأن يغدو جزءًا منهم أو يجعلهم جزءًا منه.

وفي هذه العلاقة التواكلية يجاهِد إما للسيطرة على الآخَرين (السادية) وإما ليسيطر عليه الآخرون (المازوخية)، وإذا لم يستطِع أن يجد سبيلاً إما إلى الحب وإما إلى التواكل، يستطيع أن يحل المشكلة بالارتباط بنفسِه حصرًا (النرجسية)، وعندئذ يصير العالَم، ويحب العالَم "حبه" لنفسه. وهذا هو النموذج المعهود للتعامل مع الحاجة إلى الارتباط (وهو يمتزج بالسادية عادة) ولكنه نموذج خطِر، وهو في شكله المتطرف يؤدي إلى بعض أنماط الجنون. والشكل الأخير والخبيث لحل المشكلة (وهو يمتزج بالنرجسية المتطرفة عادة) إنما هو اشتهاء القضاء على كل الآخرين. إذا لم يوجَد أحد سواي، لا موجِب للخوف من الآخَرين، ولا داعي إلى ربط نفسي بهم. وبتدميري العالَم أنجو من أن يسحقَني العالَم.

الفعالية

إنما القدرة على إحداث شيء ما هي تأكيد أن المرء غير عاجز بل أنه حي يؤدي وظيفة، وأنه كائن بشري. والقدرة على الإحداث تعني أنه فاعل وليس مجرد منفعل، وأنه نشيط وليس سلبيًا فقط. هو البرهان على أن المرء موجود. ويمكن أن يُصاغ المبدأ هكذا. أنا موجود لأنني أفعل. ونوبات غضب الطفل، وصياحه، وعناده، والطرق المختلفة التي يحاول بها أن يقاتل البالغين هي من أكثر تجليات الطفل محسوسية في محاولة أن يكون له تأثير وتحريك وتغيير وتعبير عن إرادته. وفي الحالة تهزم الطفل القوة العليا للبالغ، ولكن الهزيمة لا تظل من دون عواقب، إذ يبدو أن تُفَعِّل الميل إلى التغلب على الهزيمة بأن يفعل بنشاط ما يُرغِم على تحمله سلبيًا، وأن يسيطر عندما يكون عليه أن يطيع وأن يَضرب عندما يُضرب، وباختصار أن يفعل ما هو مُكرَه أن يعانيه وأن يفعل ما مُنع من فعلِه.

ويكاد يبدو كأن التحول الإلزامي من الدور السلبي إلى الإيجابي كان محاولة لِلأمِ الجراح التي ظلَّت مفتوحَة، ولو كانت محاولة غير ناجِحَة.

ويحتاج البالِغ كذلك إلى طمأنة نفسه أنه موجود بكونه قادرًا على أن يفعل ويُنجِز. وطرق الإحساس بالإنجاز متعددة: باستدرار تعبير الرضى من الطفل الذي أُرضِعَ، وبابتسامة من الشخص المحبوب، والاستجابة الجنسية من المُحِبِّ، والاهتمام من المشارك في المحادثة، وبالعمل المادي والفكري والفني ولكن الحاجة نفسها يمكن إشباعها بامتلاك السيطرة على الآخَرين، وباختبار خوفهم، ومراقبة القاتل للألَم المُبرِّح في وجه ضحيته، وبفتح بلد، وتعذيب شعب، وبالتدمير الكلي لما قد بُنِيَ. وتعبِّر الحاجة إلى "الإنجاز" عن نفسها في العِلاقات الشخصية المُتبادلَة وكذلك في العلاقات مع الحيوانات ومع الطبيعة غير الحية، ومع الأفكار. والخيار الأساسي في العلاقة مع الآخرين هو إما الشعور بالقدرة على إحداث المحبة وإما إحداث الخوف والألم. والخيار في العلاقة مع الأشياء هو بين البناء والتدمير. ومع أن الخيارات متضادَّة، فهي استجابات للحاجة الوجودية نفسها: الإنجاز.

إن شعور المرء بأنه محكوم عليه بعدم الفعالية – أي بالعجز الحيوي الكامل (الذي ليس العجز الجنسي إلا جزءًا صغيرًا منه) تجربة من أكثر التجارب إيلامًا وتكاد لا تُحتمَل، وأن الإنسان يكاد يفعل كل شيء للتغلب عليه، من الإدمان على المخدرات والعمل إلى القسوة وجريمة القتل.

الإهاجة والإثارة

وهي عامل من العوامل الكثيرة التي تحدث التدميرية والقسوة. إن إثارة الغضَب والحنق والقسوة والميل إلى التدمير أسهل بكثير من إثارة الحب والاهتمام الإنتاجي والفعَّال.

وإذا أخفق الشخص في أن ينمو، فإن المثيرات البسيطة تكون في متناول اليد على الدوام أو تمكن القراءة عنها في الصحف، والسماع عنها في التقارير الإذاعية الجديدة أو مشاهدتها في التلفزيون والأفلام السينمائية. وفي مقدور الناس إحداثها أيضًا في أذهانهم بإيجاد أسباب للبعض، والتدمير والسيطرة على الآخَرين (وتدل على قوة هذا التوق الملح ملايين الدولارات التي تجنيها وسائل الإعلام ببيعها هذا النوع من الإهاجة). وفي الواقع، فإن الكثيرين من الأزواج يظلون معًا لهذا السبب. إن الزواج يمنحهم الفرصة لخبرة الكره والمشاجرات والسادية والرضوخ. إنهم لا يبقون معًا على الرغم من مُقاتَلاتِهم، بل بسببها. والسلوك المازوخي وهو الالتذاذ بالألم والرضوخ، له جذر من جذوره في هذه الحاجة إلى الإهاجة.

الضجر – الاكتئاب المزمن

إن لمشكلة الإثارة صلة وثيقة بظاهرة لها دور غير صغير في إحداث العدوان والتدميرية: هي الضجر.

إن الشخص القادر على الاستجابة إنتاجيًا للمثيرات للفعالية ليس ضجِرًا.

الشخص الذي هو في حاجة مستمرة للمثيرات "المسطَّحة" المتبدلة دائمًا ضجِر بصورة مزمنة، ولكن مادام يعوِّض عن ضجره، فهو غير مدرك له.

الشخص الذي يُخفِق في الحصول على الإهاجة بأي نوع من الإثارة العادية فرد مريض جدًا، ويكون في بعض الأحيان مُدرِكًا حالته الذهنية بدقَّة، وفي بعض الأحيان يكون غير شاعر بأنه يعاني.

والاختلاف بادٍ كذلك في استخدام مصطلح "الضجر". فإذا قال أحدهم "أنا مكتئب" فإنه يشير عادةً إلى حالة ذهنية. وإذا قال أحدهم "أنا سئِمٌ" فهو يقصد بأن يقول شيئًا عن العالم في الخارج، مشيرًا إلى أنه لا يُوَفِّر له المثيرات الشائعة أو المسلية.

وعندما نتحدث عن "شخص مضجِر" نعني أنه مُضجِر بوصفه شخصًا ففيه شيء ميت، غير حي، غير مثير للاهتمام.

إن الضجر العادي هو غالِبًا غير شعوري. ويفلح أكثر الناس في التعويض عن ذلك بالمُشارَكَة في عدد كبير من "النشاطات" التي تمنعهم من الإحساس شعوريًا بالضجر.

بنية الطبع

الإنسان الشحيح لا يفكِّر مليًا في مسألة هل عليه أن يوفِّر أم يُنفِق، فهو مدفوع إلى التوفير والادِّخار، والطبع السادي الاستغلالي تدفعه عاطفة الاستغلال، والطبع الإنتاجي–المحب لا يقدر إلا أن يناضِل من أجل الحب والمشارَكَة.

والعملية القائمة على تحويل الطاقة النفسية العامة إلى طاقة نفسية–اجتماعية خاصة يتوَسَّطها الطبع الاجتماعي.

والوسائل التي يتشكَّل بها الطبع الاجتماعي ثقافية في ماهيتها. فمن خلال وكالَة الأبوَيْن، ينقل المجتمع إلى الصغير قيَمَه، وإيعازاته وأوامره وما إلى ذلك. وعلى هذا فالطبع ظاهرة بشرية، وقد كان الإنسان وحده هو القادِر على خلق بديل من تكيفه الغريزي المفقود.

وبالنظر إلى أن الطبع تشكله التقاليد وهو يحرِّض الإنسان من دون اللجوء إلى عقله، وكثيرًا ما يكون غير متكيف مع الأوضاع الجديدة أو حتى على تناقض مباشَر معها.

ومفهوم الطبع له الأهمية الحاسمة في فهم تبديَّات العدوان الخبيث والأهواء التدميرية والسادية عند الشخص تنشأ في نظام طبعه.

وعند الشخص السادي، مثلاً يكون الدافِع السادي جزءًا مُهَيمِنًا من بنية طبعِه وهو يحثُّه على التصرُّف ساديًا، ولا يحدُّه إلا اهتمامه بحفظ الذات.

شروط نشوء العواطف الراسخة في الطبع

هذه العواطف لا تظهر بوصفِها وحدات منفرِدَة بل بوصفها تناذُرًا، أي من مجموعة من الأمارات التي تدل معًا على حالة معينة. فالحب والتضامن والعدل والعقل أمور مترابطة، إنها تبديات للتوجه الإنتاجي وهو ما أسميه "التناذر الرافد للحياة"، ومن جهة أخرى فالسادية–المازوخية والتدميرية والجشع والنرجسية والميل إلى سفاح الحُرَم أمور ينتمي بعضها إلى بعض؛ وهي راسخة في التوَجُّه الأساسي نفسِه "التناذر المحبِط للحياة".

فحيث يوجد عنصر من التناذر، فإن العناصر الأخرى موجودة بدرجات متفاوتة. والشخص العادي مزيج من كلا التناذرين.

وفي الواقع أن النزعات السامية الداخلية في بنية الإنسان قد كانت إلى الآن مُحبَطَة إلى حد كبير، والأشخاص الذين يعيشون اليوم يكابدون هذا الإحباط بقلق خاص، وذلك أن ثمة شروطًا بيئية خاصة مفضية إلى النمو الأفضل للإنسان. وهذه الشروط مفضيَة إلى نشوء التناذر الرافِد للحياة. ومن جهة أخرى، فإلى الحد الذي تنعدِم فيه هذه الشروط سيصير إنسانًا موهون العزيمة ومعرقَل النمو، يتصف بوجود التناذر المحبِط للحياة.

والسؤال: ما هي الشروط البيئية المفضية إلى النمو الكامل لإمكانيات الإنسان؟ تدل المدوَّنات التاريخية وكذلك دراسة الأفراد على أن وجود الحرية، والمثيرات المنشِّطَة (المثيرات للفعالية)، وغياب السيطرة الاستغلالية، ووجود أنماط الإنتاج "المتمحورة حول الإنسان" هي أمور مؤاتية لنمو الإنسان.

حول الجانب العقلي من الغرائز والعواطف

أطلق صفة "العقلي" على أي فكر أو شعور أو عمل يدعم الأداء الوظيفي المناسب للكل الذي هو جزء منه ويدعم نمو هذا الكل، و"غير العقلي" على ما من شأنه أن يضعف أو يدمِّر الكل.

ولابد أن تُعد العواطف الرافِدَة للحياة عقلية لأنها ترفُد نمو الكائن الحي وحسن حاله، ولابد أن تُعد العواطف الخانقة للحياة غير عقلية لأنها تتعارض مع النمو وحسن الحال. فالشخص التدميري أو القاسي قد أصبح كذلك لأنه يفتقِر إلى شروط زيادة النمو.

في مجتمعِنا يُقال لنا إن ما يخلَع المعنى على الحياة هو أن تكون ناجحًا، وأن تكون "كاسِبُ خبز" وأن تنشئ أسرة، وأن تكون مواطِنًا صالِحًا، وأن تستهلِك السِّلَعَ والمَلَذَّات. ولكن بينما يعمل هذا الإيحاء عند معظم الناس على المستوى الشعوري، فإنهم لا يكتسبون الإحساس الحقيقي بامتلاك المعنى، وهم لا يعوضون عن افتقارهم إلى مركز في داخل ذواتِهم. وما يُظهِر أن هذا هو ما يحدث اليوم على نطاق واسع هو ازدياد الإدمان على المخدرات وعدم الاهتمام الحقيقي بأي شيء، وانحدار الإبداع الفني والفكري وازدياد العنف والتدميرية.

طبيعة السادية

في المرحلة الثانية من نظرية فرويد تم الجزم بأن السادية مزيج من الإيروس (الدافع الجنسي) وغريزة الموت، موجهة من المرء إلى الخارج، في حين أن المازوخية مزيج من الإيروس وغريزة الموت موجهة من المرء نحوَ ذاته.

وضد هذه الفكرة أرى أن جوهر السادية والمشترك في كل تبدياتها هو الشغف بامتلاك السيطرة المطلقة وغير المحدودَة على كائن حي، سواءً أكان حيوانًا أم طفلاً أم رجلاً أم امرأة. والشخص الذي لديه السيطرة الكاملة على كائن حي آخَر يحوله إلى شيء، إلى ملكية، في حين يغدو إله الشخص الآخَر. وهكذا فالسيطرة الكاملة على إنسان آخَر تعني شلَّه وخنقَه وإحباطَه. ولا يغرب عن بالنا أن السادية هي تحويل العجز إلى خبرة القدرة على كل شيء.

وهناك أشخاص كثيرون يمكن أن توجد في طباعهم عناصر سادية، ولكنها تتوازن مع نزعات قوية رافدة للحياة بحيث لا يمكن أن يصنفوا ساديين ولا يمكن لخصال الطبع السادي أن تُفهَم إذا عزلها المرء عن البنية الكلية للطبع. إنها جزء من تناذر يجب فهمه في كليتِه. وبالنسبة إلى الطبع السادي فإن كل شيء يعيش يمكن التحكم به فتصير الكائنات الحية أشياء. أو يظل الأدق هو أن كل الكائنات الحية تصبح أشياء للسيطرة تعيش وترتعش وتنبض. والسادي يريد أن يصير سيد الحياة، ولذلك من الواجب المحافظة على خصيصة الحياة في ضحيته. وهذا ما يميزه من الشخص التدميري. فالمدمِّر يريد أن يتخلَّص من الشخص وأن يزيلَه، وأن يقضي على حياته والخصلة الأخرى في السادي هي أن لا يثيره إلا الضعفاء.

وبالنسبة للسادي فليست هناك خصيصة تدعو إلى الإعجاب إلا واحدة، وهي القوة. وهو يعجب ويحب الذين لديهم القوة ويخضع لهم، والذين يحتقرهم ويريد السيطرة عليهم هم العاجِزون الذين لا يستطيعون المقاومة.

والسادي لا يمكن أن "يحب" إلا عندما يسيطر أي عندما تكون له سلطة على موضوع حبه.

والعنصر الآخَر في التناذر هو رضوخية السادي وجبنه. فهو سادي لأنه يشعر بأنه عاجز، غير حي، وغير قادِر. ويحاول أن يعوِّض عن هذا العَوَز بامتلاكه السيطرة على الآخَرين.

وفي التحليل النفسي الكلاسيكي الطبع الادِّخاري–الشرجي له طريقة واحدة في الشعور بالأمان في اتصالِه بالعالَم بامتلاكه والسيطرة عليه مادام عاجزًا عن وصل نفسِه بالحُب والإنتاجية. وهذا الطبع له العلاقَة الوثيقة بالسادية. وما يجاهد السادي من أجله هو السلطة بمعنى السيطرة على الناس، وبالضبط لأنه يفتقر إلى القدرة على أن يكون.

ومن المؤكد أن من ليست له القدرة على الدفاع عن نفسه يعاني كذلك من مشكلة في طبعه. وقد يصبح رضوخيًا ومازوخيًا بدلاً من أن يصير ساديًا. ولكن عجزه الواقعي قد يفضي كذلك إلى نشوء فضائل كالتضامن والحنو وكذلك إلى الإبداع. وأن يكون المرء عاجزًا ومن ثم في خطر يُستعبَد، أو أن يكون في خطر أن يتجرد من إنسانيته هما شرَّان.

الشروط التي تحدِث السادية

لاشك أن الطبع الفردي تحدُّده عوامل مثل النزعات الطبيعية الموروثة تكوينيًا، وخصائص الحياة العائلية والأحداث الاستثنائية في حياة الشخص. وليسَت هذه العوامل الفردية تؤدي الدور وحدها، فالعوامل البيئية أشد تعقيدًا مما يُفترَض عمومًا بكثير. ومما يجب أن يُضاف أن السلطة التي من خلالها تستغل جماعةٌ جماعةً أخرى وتخضِعُها من شأنِها أن تُحدِثَ السادية في الجماعة المسيطرة ولو أنه ستكون ثمة استثناءات فردية كثيرة. ومن ثم فإن السادية (باستثناء أنها مرض فردي) لن تزول إلا عندما يتم التخلص من السيطرة الاستغلالية لأية طبقة أو جنس أو جماعة أقلية.

ويظهر المجتمع القائم على السيطرة الاستغلالية ملامح أخرى يمكن التنبؤ بها. فهو يميل إلى إضعاف الاستقلال، والسلامة الأخلاقية، والتفكير النقدي، والإنتاجية في الناس الخاضعين له.

أما السادية في الفرد، فإنها تنسجم مع الوسط الاجتماعي، وبانحرافاته نحو الأعلى والأدنى. والعوامل الفردية التي تزيد من السادية هي كل الشروط التي من شأنها أن تجعل الطفل أو البالِغ يشعر بالخواء والعجز. ومن تلك الشروط تلك التي تُحدِث الفزَع كالعقوبة الإرهابية.

هاينريش هملر: حالة سريرية من السادية الادخارية – الشرجية

كانت الخصلة البارزة الأخرى في بنية طبع هملر هي رضوخيته، أو "تبعيته" كما سماها بوركارت. ومع أنه لا يبدو أنه كان خائفًا من أبيه للغاية، فقد كان مطيعًا له أكثر الطاعة، وكان ينتمي إلى أولئك الناس الذين لا يخضَعون لأن السلطة مرعبة جدًا بل لأنهم شديدو الفَزَع – لا من السلطة بل من الحياة – بحيث يبحثون عن السلطة "يريدون أن يخضعوا لها. فكان يستخدم أباه، ومعلميه، ومن ثم من هم أعلى مرتبة في الجيش والحزب، من غريغور ستراسر إلى هتلر لإنجاح مجرى حياتِه وإلحاق الهزيمة بمنافسيه".

وكانت محبة الأم له تُفسِده وتسد سبيل نموِّه وتجعله متكلاً عليها. ناهيك عن الحاجة إلى الأب القوي عند هملر كما هي عند الكثير من الآخَرين يُحدثها ضعف الشخص الذي يُحدثه بالتالي بقاؤه ولدًا صغيرًا يتوق إلى محبة أمه وحمايتها وترفيهها عنه، وعدم مطالبته بأي شيء منه. وهكذا يشعر أنه ليس مثل الرجال بل مثل الأطفال ضعيف، معتمِد على عون الآخَرين ومن دون إرادة أو مبادرة. ومما لا ريب فيه أن موقف هملر الاتكالي، الناشئ جزئيًا من موقف أمه المفرِط في تدليله، قد زاده بعض الضعف الحقيقي، الجسدي والذهني على السواء. وكان أكثر ما يفتقِر إليه هو قوة الإرادة التي انعدمت فيه انعدامًا تامًا تقريبًا، ولذلك فليس بالمدهش أنه كان يمتدح الإرادة القوية والصلابة بوصفِهما فضيلتين مثاليتين، ولكنه لم يكتسِبهما. وعوّض هذا الافتقار إلى قوة الإرادة بالسيطرة القسرية على الآخَرين.

ولم يكن هملر يشعر بالضعف وعدم الرشاقة البدنية وحسب، بل كان يعاني كذلك من إحساس بالدونية الاجتماعية.

يجب أن نتذكر أن السادية في تعريفها الواسع هي الشغَف بالسيطرة المطلقة وغير المقيدة على إنسان آخَر، وليس الإيلام الجسدي إلا أحد تبدِّيات هذه الرغبة في القدرة على كل شيء. وعلينا ألا ننسى كذلك أن المازوخية ليست نقيض السادية وإنما هي جزء من النظام التواكلي الذي تكون فيه السيطرة الكاملة والخضوع الكامل تجليين لهما الأهمية الأساسية الضرورية نفسها.

العدوان الخبيث: النيكروفيليا

يمكن توصيف النيكروفيليا بمعناها في علم الطباع بأنها الانجذاب العاطفي إلى كل ما هو ميت، ومتفسِّخ، ومتعفِّن، وسقيم. إنها الشغف بتحويل ما هو حي إلى شيء غير حي، وبالتدمير من أجل التدمير، والاهتمام الحصري لما هو ميكانيكي خالِص. هي الشغف بتفكيك كل البنى الحية.

والتبدي الآخَر للطبع النيكروفيلي هو الاقتناع بأن السبيل الوحيد إلى حل مشكلة أو صراع هو بالقوة والعنف.

فالمعهود عن النيكروفيلي هو أن القوة هي الحل الأول والأخير لكل شيء فعقدة العقد يجب أن تُقطَع دائمًا وألا تُحل بصبر. ومن حيث الأساس فإن جوابهم عن مشكلة الحياة هو التدمير، وليس الجهد العاطفي أو الإنشاء أو النموذج الذي يُحتذَى. إن جوابهم هو جواب الملكة في أليس في بلاد العجائب: "اقطعوا رؤوسهم" وهم إذ يدفعهم هذا الدافع لا يرون الخيارات الأخرى التي لا تتطلب التدمير، ولا يتبينون كم أثبتت القوة أنها عديمة الجدوى على المدى الطويل.

ثم إن البعد الآخَر لردود الأفعال النيكروفيلية هو الموقف من الماضي والملكية. فبالنسبة إلى الشخص النيكروفيلي فإن الماضي وحده هو الذي يُعاش على أنه حقيقة، لا الحاضر، ولا المستقبَل. فما كان، أي ما هو ميت، يحكم حياته: أي الأعراف والشرائع والملكية والتقاليد والممتلكات. وباختصار، فإن الأشياء تحكم الإنسان، والتملك يحكم الوجود والموتى يحكمون الأحياء. وفي التفكير النيكروفيلي – الشخصي والفلسفي والسياسي – فإن الماضي مقدس وليس لشيء جديد قيمة، والتغير ذو الأثر الشديد جريمة بحق النظام الطبيعي.

الصلة بين النيكروفيليا وعبادة التقنية

لا يُقصَد أن استخدام السيارة أو التقاط الصورة، أو استخدام الأدوات الصناعية هو في ذاته إبانة للميول النيكروفيلية. ولكن ذلك يتخذ هذه الصفة عندما يصبح بديلاً من الاهتمام بالحياة ومن ممارسة الوظائف الفنية الموهوبة للإنسان. ولا يعني كذلك أن المهندس المهتم عاطفيًا بإنشاء الآلات من كل الأنواع يُظهِر، لهذا السبب، ميلاً نيكروفيليًا. فقد يكون شخصًا إنتاجيًا جيدًا جدًا ذا محبة كبيرة للحياة يعبِّر عنها في موقفه من الناس، ومن الطبيعة، ومن الفن، وفي أفكاره التقنية البنَّاءة. بل إنني أشير إلى الأفراد الذين جُلَّ اهتمامهم بالأدوات المصنوعة محل اهتمامهم بما هو حي والذين يتعاملون مع الأمور التقنية بطريقة متفذلكة وغير حيوية.

كان التحام التقنية بالتدميرية غير ملحوظ في الحرب العالمية الأولى. والحرب العالمية الثانية هي التي أحدثت تغيرًا حاسمًا: استخدام الطائرة للقتل الجماعي.

وهذه الفرضية تشير إلى أن نشوء الطبع الشرجي العادي الطبع السادي الطبع النيكروفيلي الذي يحدِّدُه ازدياد النرجسية، وعدم الترابط، والتدميرية. وإن التدميرية يمكن أن توصَف بأنها الشكل الخبيث من الطبع الشرجي.

ولكن الرابطة الأخرى التي من غير الممكن ألا تخطر في البال ونحن ندرس طبع الإنسان المغترب كليًا والخاضع لعلم التحكم هي: خصائصه الفصامية. ولعل الخصلة الأدعَى إلى الانتِباه هي الانقِسام بين الفكر – العاطِفَة – الإرادة. (وقد كان هذا الانقسام هو الذي شجع إيوجين بلويلر على اختيار اسم "الشيزوفرينيا" من الكلمة اليونانية "شيزو" ومعناها الانشطار، وفرين ومعناها العقل لهذا النمط من المرض. وفي وضعِنا لإنسان علم التحكُّم كنا قد رأينا بعض الأمثلة التي توضِّح هذا الانقسام، في غياب العاطفة عند الطيار القاذف للقنابل والصواريخ مثلاً الممزوج بالمعرفة الواضحة أنه يقتل مائة ألف إنسان بضغطة زر. وإنسان علم التحكم يكاد يكون موجهًا بالعقل حصريًا. إنه إنسان أحادي التفكير. فمقاربته للعالم الكلي حولَه – ولنفسِه – مقاربة عقلية، وهو يريد أن يعرف ما هي الأشياء، وكيف تؤدي وظيفتها، وكيف يمكن تركيبها والاحتيال عليها. وهذه المقاربة قد غذاها العلم الذي أصبح مهيمِنًا منذ نهاية العصور الوسطى. وهذه هي الماهية الصميمية للتقدم الحديث، وهي أساس السيطرة التقنية على العالم والاستهلاك الجماعي. فإن هذه المقاربة الدماغية–العقلية تسير مع غياب الاستجابة العاطفية ويمكن للمرء أن يقول إن المشاعر قد جفَّت لا كُبِتَت، وبالنظر إلى أنها حية، فإنه لا يُعتنَى بها، وهي فجَّة نسبيًا، وهي تأخذ أشكال الشغف، كالشغف بالكسب، وإثبات التفوُّق على الآخَرين، وبالتدمير، أو الاهتياج بالجنس والسرعة والضجة. ويجب أن يُضاف عنصر آخَر إذ يتَّصِف الإنسان ذو التفكير الأحادي بملمَح آخَر مهم جدًا. هو نوع من النرجسية يكون موضوعها بالنسبة إلى الشخص جسده ومهارته – وباختصار نفسه – بوصفها وسيلة للنجاح. والإنسان الأحادي التفكير هو جزء من الآلات التي أنشأها إلى حد أن الآلات تكون موضوعًا لنرجسيتِه كما هي ذاته تمامًا. وفي الواقع يوجد بين الطرفين نوع من العلاقة التواكلية على نحو يجعَل كل منهما يفقد سلامةَ ذاتِه ويجعل كلاً منهما مُعتمِدًا على الآخَر. وبالمعنى الرمزي لم تعد الطبيعة هي أم الإنسان التي تغذِّيه وتحميه بل "الطبيعة الثانية" التي بناها وهي الآلات.

ترجمة: محمود منقذ الهاشمي

***

ملاحظة من معد هذه المقالة

في الحقيقة إن الكتاب كبير الحجم وهو عبارة عن جزأين ومن الصعوبة بمكان الوقوف على مجمل ما أتى فيه العالِم الكبير إيريك فروم، ولكن من الجدير ذكره أن الوجه النقيض للنيكروفيليا التي أتى بها فرويد وطورها إلى أبعادها الكونية إيريك فروم، هو البيوفيليا أي حب الحياة، وقد ذكر المؤلِّف البيوفيليا بشكل غير مباشر عندما تحدث عن الروافد للحياة. أما الميول الخبيثة الأخرى التي يعلق عنها إيريك فروم فتتعلق بفرضية سُفاح الحرُم وعقدة الأوديب ليصل بنا إلى روابط غشيان المحارم التي هي الأخرى قد أعطاها خلافًا لفرويد أبعادًا كونية في تكافل الابن، وضررها وتشويهها لحياته النفسية الأمر الذي يفسِد حياتَه بالكلية... لكنني لم أجد ضرورة للتوسُّع في هذا المبحث، لطالما هدفنا هو توجيه الانتباه إلى هذا البحث الجبَّار الذي قام به عملاق من القرن العشرين أي "إيريك فروم"، فإذا أحب القارئ التعمُّق أكثر في فكر هذا العملاق فما عليه إلا الرجوع إلى عمله هذا وهو من ترجمة الأستاذ محمود منقذ الهاشمي، وأيضًا هناك عمل هام جدًا صغير نسبيًا قياسًا بهذا العمل الكبير وهو كتابه الصغير: قلب الإنسان، من ترجمة: خالد الشلقاني، ويستهل عمله هذا في فصله الأول بعنوان: الإنسان ذئب أم حمل، وفصله الثاني: أشكال مختلفة من العنف، ثم يتطرَّق إلى الميول الخبيثة التي تنشأ منها التدميرية، وذكرنا أهمها: النيكروفيليا التي يلخِّصُها بعبارة حب الموت في فصله الثالث، والنرجسية الفردية والجماعية في فصله الرابع، والميل الخبيث الثالث وكنت ذكرتُ فكرة عنه حول ما يسميه إيريك فروم بـ"روابط غشيان المحارم"، والحقيقة بالنسبة لـ"فروم" هذه الميول الثلاثة هي الميول الخبيثة التي تفضي إلى التدميرية، ويختتِم أخيرًا في كتابه الصغير هذا في فصل حول الحرية. وأجد أن هذا العمل الصغير قلب الإنسان من الأهمية بمكان لمن أراد الوقوف أمام عمله الكبير تشريح التدميرية البشرية ولكم مني كل الحب في رحلة استكشاف جميلة لأعماق الإنسان الحية.

إعداد: نبيل سلامة

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني