قصائد الحرية

 

آرام*

 

أنتم شجر هذه البلاد

-1-

كم أتمنى أن أعض يد القاتل
وأبصق في عينيه.
كم أتمنى لو أن قلبي لا يخترقه الرصاص
لأضمَّكم داخل شراييني.
وإن كان لابد من موتي
كم أتمنى لو يصير دمي سجادةً حمراء لحناجركم.

-2-

الأخطبوط الآن يجلس في قصره
القصر الذي شيَّدُه من الصراخ والجماجم
لكن هذه الدماء التي صارت
فوق سطح البحر
ستأتي إليه لتقتلعه
مثل شوكةٍ من وجه الوطن.

-3-

لو أني أستطيعُ أن أمسكَ
يد القاتل
وأرد الرصاصة إلى حقده.

-4-

عمَّا قليل ستنزل السماء
لتصلِّي بين الحشود
وهذه الليلة بالذات
سينزل اللهُ لينام
في سرير طفلةٍ استشهدت.

-5-

عرفتُ الآن متى يصبحُ الموتُ مقدَّسًا
ويصير أثمن من الحياة
حينما يكون من أجل الحرِّية.

-6-

قبل أن يخرجَ
ليعانق حبيبتهُ الحرِّية
ترك رسالةً صغيرةً
يقول فيها:
إن متُّ ادفنوني في مكانٍ فسيح
ليتسنى لي أن أرفعَ رأسي
حتى لو من بين الأموات.

-7-

أحيانًا أتمنى أن أموت
وأنا أصرخُ من أجل حرِّيتي
حتى لو من رصاصة قنَّاص
أعمى البصر والبصيرة
فقط لكي أجرِّب هذا المستوى الأعلى
من الحياة.

-8-

ليست الأرض لكم فحسب
الأرض وما عليها وما فوقها وما تحتها
أنتم شجرُ هذه البلاد
أشجارٌ حبلى بأشجارٍ حبلى
ولدمشق وأخواتها
سماواتٌ لا تنتهي نجُومها
وملائكة يسهرون
في لياليها المكتوبة بالضوء
ضوء عين الشهيد
المحدِّقة
في ضوء عين الحرِّية.

***

حين تُسدل جهة الدم

-1-

أفقٌ معتقلٌ
بأي عينٍ نحدِّقُ في سقف السماء
كل الجهاتِ مقفلةٌ
نموتُ ونحن نتهجى الرصاصَ الوطني
وفي انتظار الموت قتلاً أو رعبًا أو صمتًا
نحملقُ في أخبارنا العاجلة.

-2-

ها هي دباباتُنا تزحف إلينا أو فوقنا
لا فرق المهم أنها دباباتُنا
.

-3-

كلُ مدينةٍ جبهةٌ كلُ جبهةٍ حربٌ
والطرقاتُ حواجزٌ ونقاطُ تفتيش
والعدو خفيفُ الظل
ينتقلُ كالسرطان
في مركباتٍ فضائية لا تُرى بالعين المجرَّدة.

-4-

دخلَ الوطنُ مرحلةَ الجرعات الكيميائية
أما الحناجرُ التي تهتفُ للحرِّية
فتلكَ مسألةٌ ثانوية.

-5-

هاهنا
غنَّى فاقتلعوا حنجرته ورموه قربَ النهر
أغنيتهُ الآن صارت عابرة للقارَّات.

-6-

هاهنا
ثمةَ فرقٌ بين الموت والقتل.

-7-

هاهنا
جدلٌ دمويٌ
بينَ أربعةِ حروفٍ
ثورة... ثروة... ورِّثَّة.

-8-

هاهنا حربٌ
تحصدُ حتى الأطفال
لكنهم الآن صاروا أرقامًا.

-9-

هاهنا في أزقَّة الحقد
جثثُ ملائكةٍ وأشلاء
وميليشياتٌ بألوانٍ مختلفة.

-10-

هاهنا
الحربُ نفسيةٌ وإعلاميةٌ وثقافيةٌ وميدانية... إلخ.

-11-

هاهنا
الحريةُ مؤامرةٌ خارجيةٌ
والسيادة عبادة
ولا تنسَ سقفَ الوطن
وما أدراكَ ما سقف الوطن.

-12-

هاهنا
لاجئون
نازحون
مهجَّرون
لن نختلفَ على التسمية.

-13-

هاهنا
معتقلون
مفقودون
مخطوفون
لن نختلفَ على التسمية.

-14-

أفقٌ مُعتقلٌ
على أي شرفةٍ ننتظرُ المساء
أصفادٌ في صوتك
أصفادٌ في صمتك
في قدميك في يديك
في لغتك
أفقٌ مُعتقلٌ هو أُفقي
هو أُفقك.

***

إذًا قل كلمةً أيها العابر بين الأشلاء

-1-

للأيدي التي تتساقط الآن وهي ترفرفُ
فوق أسطح الجباه المشرعة للشمس أنتمي.
لهذا الدم، وحده الدم،
الذي يكذِّب كل الوجوه وكل الأصابع المواربة.

-2-

لا حبر إلا حبركِ الأحمر أيتها الأحلام
التي تنزف والتي تُسفك كل لحظةٍ
على قارعة الأمل الجريح.
ولن ألتفت
لن أصغي إلا إليكِ.

-3-

إذًا قل كلمةً أيها العابر بين الأشلاء
قل كلمةً بمستوى الجسد المشطور
وابصق خرَسكَ الأسود.

-4-

الآن أشهدُ
مخاضكِ العسير أيتها الحرِّية
وسأفتح كل النوافذ والأبواب
ليسمع العالم صراخكِ
.

***

إني استنفرت جميع حروف الهجاء

للأرض التي تجرحُ كالشوكِ حنجرتي
لملحِ خبزِها الذي ترسَّبَ في عينيَّ الجاحظتين
لكل الأرصفةِ التي فيما كنتُ أعبرُ فوقها

كانت تدوسُ ظليَّ الشاحب.
لكل الجهات الطعنات

في الصدر وفي الظهر وفي الخاصرة
ولدمي الذي سالَ ويسيلُ فوقَ سياج البلاغة الصدئ
للغيم الذي شاخَ وفقدَ الذاكرة
لكل حرفٍ اغتيلَ في الممرات الخلفية
ولديناصورات الموت الذين يلتهمون حتى الضوء
لكل الملاحم التي تخنقُ رئتيَّ الضيقتين

لكل حبة مطرٍ اغتصبتها رماحُ أباطرة الكلام
ولكل فجرٍ قابعٌ في جمر عزلته
للهواء الذي دُفنَ حيًا
أقول:
لن أشعلَ شموعي وأعتصمَ في العراء

إني استنفرتُ جميعَ حروف الهجاء.

***

الآن أول العاصفة

-1-

أشرقي يا شمس الأشلاء
مباركةٌ أنتِ فينا
تدحرج أيها الضوء القانئ
واقذف حِممكَ في أقبية العيون المغلقة.

-2-

حناجرهم يصدحُ فيها الغبار
وفي حنجرتك أيها الضوء الكريم
سماواتٌ حبلى بأمطار الملائكة.

-3-

هي غيومكَ. بلى هذه هي غيومكَ
تأتي من ملح دموعٍ
ترتجفُ في آفاقها زنزانات اللحظة العاتية.

-4-

هي أمواجكَ التي لاتعدُ إلا بموجٍ
يفتحُ نوافذ المستحيل
ويوقدُ نيرانها المنطفئة.

-5-

أوقدي شموعكِ يا جهات الروح
الآن أوَّلُ العاصفة.

***

لأن هذا المسرح الممتلئ بالدخان قد بدأ بالتشقق

-1-

لن أتردد. سـأمرِّر رئتي تحت سياج الأشياء المبعثرة
وأصطاد الفقاعات المنتشرة واحدةً واحدة.

-2-

سهمٌ أو سهمان في قلب الحقيقة المصطنعة
وأشعل المنصة
لأن هذا المسرح الممتلئ بالدخان
قد بدء بالتشقق
ولأن أصابعي لا تجيد التصفيق
سأقذف وجهي من نافذةٍ لا تُطل إلا على هشيم حياتي
وأبدأ بالرقص التراجيدي الحر.

-3-

لأنني لا يمكنني أن أكتفي بالصمت
أو لأنني أُخرست بما يكفي،
لن أشعل شمعة مقابل كل دمعةٍ سقطت
ولن اكتفي بأغنيةٍ تثبت براءة الدم
ولن ألطم وجه الله بالكلمات الجارحة.

-4-

إذ لا بد، لا بد، الآن من الانتماء
لهذا اللون الأحمر
أو الانتحار في الظل
أما أنت
أيها الصمت المدوِّي
سأقول لك:
إنها لحظة الحسم
أن تفتح نافذتك للضوء
أو أن تواصل جلسة الخفاش
وتعقد أحلافك مع الجهات المسرطنة
ومع ذلك سأقول لك:
الشمس اشتعلت وما من أحدٍ
يقدر على إخمادها.

*** *** ***

كتبت هذه النصوص بين عامي 2011-2012


 

horizontal rule

* شاعر من سوريا.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني