هل فكَّرْتَ في معنى قولك: "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، "عليه السلام"،
"جلَّ جلالُه" وفي دافعك لقول ذلك؟ ليس المطلوب منك فقط أنْ تفكِّرَ في
معنى "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، بل أيضًا في السبب النفسي الخاص بك
والذي دفعكَ إلى قول ذلك. لماذا تطلبُ أنتَ الرحمةَ والثناء على محمد؟
وإنْ كان المقصود التعظيمَ فلماذا تُعظِّم بشرًا مثلكَ؟ وإنْ كنتَ
تصلِّي على محمد من أجل ثوابٍ لك في الآخرة فأي ثواب هذا وأية آخرة
تلك؟ هل أنتَ على يقين أصلاً من وجود محمد ومن وجود الآخرة؟ وهل
علاقتكَ بالألوهة علاقة تجارة وربح ومصلحة ومكاسب؟
عندما شُيِّد جسر دي ميلو
Viaduct de
Millau
في جنوب فرنسا عام 2004، أحرز هذا الجسر، وهو الأطول في العالم، تقديراتٍ
عالمية. وكانت الصحف الألمانية قد وصفت كيف أنه "يحلق فوق الغيوم" مع "أناقة
وبريق" وجمال "مفتن". أما في فرنسا، فقد مدحت صُحفها الجسرَ بـ "الهائل"
و"العملاق الخرَساني". هل كان مجرد صدفة أن الألمان رأوا جمالاً، بينما
الفرنسيون رأوا جسامة وقوة؟ ليس هذا ما تظنه ليرا بوروديسكلي
L. Boroditsky.
لطالما كانت العالمة السيكولوجية في جامعة ستانفورد، يثيرها السؤال القديم
والذي أخذ شكله الحديث في عام 1956، عندما سأل العالم اللغوي بنجامين لي وورف
Benjamin
Lee Whorf
فيما إذا كانت اللغة التي نتحدثها تشكل طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للعالم. إذا كان
الأمر كذلك، فإن اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن التفكير، ولكن تشكل بمثابة
المحدد له أيضًا. وعلى الرغم أن الفلاسفة، وعلماء الانثروبولوجيا وآخرون قد
أثقلوا بذلك، مع استنتاج يقول بمعظمه إن اللغة لا تصوغ التفكير بأي شكل مهم،
فقد كان هذا الميدان بارزًا في الافتقار الإشكالي للمنهج التجريبي-كما في
الفرضيات الاختبارية والبيانات الفعلية.
انشغلت
وسائل الإعلام بظهور راهبات دير القديسة تقلا على شاشة قناة "الجزيرة"
بعد خروجهن القسري من معلولا في شريط مصوَّر أكدن فيهن سلامتهنَّ. إثر
هذا الظهور السريع، عرضت عدد من المواقع صورًا تظهر فيه الراهبات
بصلبانهن "قبل الخطف"، وأخرى من دون هذه الصلبان "بعد الخطف". وكتب
موقع "بانوراما الشرق الأوسط" معلِّقًا: "يزعم المسلحون أنهم نقلوا
الراهبات للحفاظ على حياتهن وأنهن باستضافتهم، لكن السؤال الذي يطرح
نفسه لماذا لا يوجد على صدور الراهبات أي صليب ما دامت الراهبات
ضيوفًا، والضيف يُكرم ويُعطى الحرية".
يعتقد
الفيلسوف اليوناني أرسطو أن الكون كان موجودًا منذ الأزل، وقال إنه
يعتقد أن السبب الذي أعاق تطور البشرية هي الفيضانات أو غيرها من
الكوارث الطبيعية التي كانت تحدث بشكل متكرر، فتعيد الحضارة من جديد
إلى نقطة البداية.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، البشرية تحقق التطور بشكل أسرع، معرفتنا
تنمو بشكل كبير ومعها تنمو التكنولوجيا. ولكن البشر لا زالوا أصحاب
غرائز، وخصوصًا غريزة العدوانية، التي كانت لدى إنسان الكهف.
النزعة العدوانية (في تلك الأيام) كان لها فوائد محددة من أجل البقاء،
ولكن عندما تجتمع التكنولوجيا الحديثة مع النزعة العدوانية المتجذرة،
يصبح الجنس البشري بأكمله ومعظم معالم الحياة الباقية على الأرض في
خطر.
تحسَّر
الكثيرون على أن ثورات الشعوب العربية للحرية عانت من غياب القيادة
الفكرية النخبوية لها، وأرجعوا انهيار أهداف هذه الثورات إلى تغييب
القيادة الفكرية المؤطرة للحركة الشعبية. لكن السؤال هل فعلاً هذا هو
السبب؟
لم
يكن مفهوما الخير والشر متواجِدَين في فكر الإنسان الأول، والعصور
البدائية من تاريخ البشرية، مثلما هما موجودان الآن في الديانات
التوحيدية، إذ لم يكن ممكِنًا الرجوع إلى العقل والضمير آنذاك حيث لا
مكان إلا لغريزة البقاء. وكانت المجتمعات الأولى في حركة دائمة بحثًا
عن الطعام، إلى أماكن آمنة نسبيًا للعيش كالمغارات والكهوف لتجنُّب
المخاطر المحدقة بهم من ظواهر طبيعية خطيرة وحيوانات فتَّاكَة.
إن
أزمة الغرب في رأيي مزدوجة: فهي من جهة ترتبط بالثقافة، ومن جهة أخرى
بالاقتصاد. سأتحدث باستفاضة عن أزمة الثقافة؛ للمفارقة، يبدو أن أزمة
الاقتصاد جزء منها. إن ظاهرة أزمة الثقافة هي من الوضوح لدرجة أن
العديد من المحاولات تناولتها. لن أعرضها هنا كلها لكي لا أشتت
انتباهكم، لكنني سأبقي على أطروحة واحدة فقط قدمها هوسرل مؤسس
الفينومينولوجيا، التيار الفكري الذي أنتمي إليه.
إن
توالي الفصول هو أمر طبيعي، بل وحتمي. سواء كان ذلك في ناموس الطبيعة
أو في حياة البشر أو في سيرورة المجتمعات. فليس ثمة ما هو ثابت ساكن،
والحركة والتغيير هما سنة من سنن الكون وضرورة من ضروراته. "ما من
إنسان ينزل في النهر الواحد مرتين، فهو دائم التدفق والجريان" حسب
تعبير هيرقليطس. وكذلك ما من أحد يستطيع أن يوقف عجلة التاريخ أو توالي
الفصول، والربيع لا شك آت ولو بعد حين. ومن ثم، كل يجني تبعًا لما
بَذَرَ، أو لما بُذِرَ له.
إن ما يحصل من تداعيات للربيع العربي يدفعنا إلى أن نعيد التدقيق
والتمحيص في البذور التي كنا قد احتضناها بأمل، ولاسيما بعد أن تذوقنا
مرارة الثمر. ولا شك بأن لتلك التداعيات مقدماتها الراسخة في عقليتنا
المحضة، من جهة. وكذلك فيما اعتمل في تلك العقلية من لوعات ومآسي في
تاريخنا، من جهة أخرى. حيث تشابك الذاتي بالموضوعي إلى درجة التوحد،
لتتحول المواضيع التي عايشناها إلى جزء من ذاتنا. مما يجعل العامل
الذاتي يطغى، حتى ولو كان العامل الموضوعي ما يزال حاضرًا ومؤثرًا
بقوة. فلا يضير بأن نبدأ بقليل من الصراحة والمكاشفة.