في
عصر اليوم السابع من كانون الثاني/يناير [2015]، وبعد أنْ علِمتُ بأنَّ
اعتداءً قد ارتُـــكِبَ في مقر [صحيفة] شارلي إيبدو
Charlie Hebdo
[الأسبوعية]، اكتشفتُ على الإنترنت أنَّ كابو
Cabu
كان مِنْ بينِ الصحفيين القتلى. وقد صدمني هذا الخبرُ. فقد
قُـــيِّـــضَ لي خلال حياتي النضالية أنْ ألتقيَ به عدةَ مرات وقد
نشأَتْ فيما بيننا علاقةُ صداقة. كانت الابتسامةُ التي تضيءُ وجهَه
تَـــنُــــمُّ عن صفاءٍ كبير. كان يُظهِر قدرًا عظيمًا من الرِّقَّة.
وكنتُ كلَّ أُسبوعٍ أفتحُ صحيفةَ لو كانار أونشينيه
Le Canard
Enchaîné
[البطة المقيَّدة] وكلِّي توقٌ إلى اكتشاف رسومه.
وفي الوقت نفسِه اكتشفْتُ أسماءَ الأشخاص الآخرين الذين قُتِلوا في ذلك
الاعتداء – من صحفيين ورِجال شرطة – وقدَّرْتُ حجمَ المأساة التي
ضربَتْ فرنسا بأكملها. هذه الجرائمُ البشعة هي نفيٌ وإنكار للقيم
الإنسانية التي تؤسِّسُ الحضارةَ. لقد تظاهرتُ يومَ الأحد 11 كانون
الثاني/يناير [2015] في شوارعِ باريسَ لكي أؤكِّـــدَ مع مئات الألوف
من الفرنسيين غيري إصرارَنا على رفضِ كلِّ خوفٍ إزاءَ التهديدات
الإرهابية وعلى مواصلة النضال من أجل الحرية. يمكن لهذا الحِراك الشعبي
الهائل أنْ يكونَ بارقةَ أملٍ من أجل الديمقراطية الفرنسية. لقد كانت
الفكرةُ الرئيسيةُ التي أراد هؤلاءِ الآلافُ من الفِرنسيين التجمُّــعَ
حوْلَها هي تأكيد إرادتهم بإقامةِ مجتمَعٍ يتجاوز كلَّ طائفيةٍ
وبِعَيشِ عَلمانيةٍ حقيقيةٍ معًا، عَلمانيةٍ تَحترِم قناعاتِ الجميع
تأكيدًا لأخلاقٍ عالمية يمكنها وحدَها أنْ تؤسِّسَ للمساواة والحرية
والإخاء.
"جنوب أفريقيا هي ممثِّل للحضارة الغربية، في حين أن الهند هي مركز
الثقافة الشرقية. ويعتقد المفكرون المعاصرون أن هاتين الحضارتين لا
يمكن أن تلتقيا. وإذا اجتمعت أمم ممثِّلة لهاتين الثقافتين المتنافستين
حتى في تجمعات صغيرة، ستكون المحصلة حدوث انفجار فحسب. فالغرب يعارض
البساطة، في حين يعتبرها الشرقيون فضيلة ذات أهمية خاصة. كيف يمكن
التوفيق بين وجهتي النظر المتعارضتين هاتين؟...
قد تكون الحضارة الغربية صالحة، وقد لا تكون، لكن مشيئة الغربيين هي
الإخلاص لها. لقد سفحوا أنهارًا من الدماء من أجلها. ولذا فات الأوان
بالنسبة لهم لكي يخطُّوا مسارًا جديدًا. ومن هذا الاعتبار، لا يمكن أن
حصر القضية الهندية في إطار حرص على احتكار تجاري أو كراهية عرقية.
فالمشكلة ببساطة هي سعي كل طرف إلى صون حضارته الخاصة...
العنوان
قد يفضي بنا الى أنه قد تمَّ الانتهاء من مرحلة ونحن على أبواب التالية
وكأننا في طريقنا إليها غدًا!
نحن واهمون جدًا، لا
يمكن قطع حبل الودِّ، إن صح التعبير، عن اتصال ما غير مرئي بين
المرحلتين، وبهذا (الحبل-الوصل) تكمن الحقائق القادمة. ومن ثم علينا
جرُّ المرحلة التي أطلقنا عليها اسم (ما بعد الإسلاموية) بذلك الحبل،
وإن لم نفعل فسينقطع بنا وسنعود إلى بداية المرحلة الأولى، إن لم يكن
إلى سابقتها أيضًا، وقوة هذا الحبل مسؤوليتنا، فعلينا ألا نتخلى أو
نتجاهل أهمية متانة وقوة جودته.
لا تُقطع المراحل بقطع الطريق بعد تجاوزها، إذ لابد أن نعرف ماذا حملنا
معنا، وهل نحن قادرون هكذا ببساطة على رمي ذلك الحمل للدخول إلى العالم
الذي نسعى إليه (ما بعد الإسلاموية )، فلا قطيعة ممكنة وجذور محتملة
ترمي للمستقبل بأطرافها. حيث لابد من أخذ ما يلزم للانطلاق، ومن أين
نأخذ هذا المتاع، ذاك هو الحجر الأساس، وهو بكل تأكيد مأخوذ من عالم
الإسلاموية ذاته!