منقولات روحيّة 

شباط 2015

February 2015

 

 

يغريني ترديد حكاية تلميذ كبير ذهب إلى الله طالبًا منه أن يعلمه الحقيقة. قال الإله "الفقير": "صديقي، اليوم حار جدًا، أرجوك، اذهب وأحضر لي كوب ماء". خرج التلميذ وطرق باب أول بيت عثر عليه في طريقه، فالتقى هناك فتاة جميلة فتحت له الباب. أُغرِمَ بها التلميذ، فتزوج الاثنان وأنجبا عدة أبناء. وذات يوم بدأ هطول الأمطار، وأمطر الجو من دون توقف، ففاضت الأنهار، وغُمِرَت الطرقات، وجُرِفَت البيوت بالمياه. تمسك التلميذ بامرأته، ووضع أبناءه على كتفيه، وعندما وجد نفسَه مجروفًا بالسيل، صاح: "يا سيد، أتوسل إليك، خلصني!" أجاب السيد: "ماذا عن كوب الماء الذي طلبتُه منك؟".

 

يُفتح الخطاب الأكبري على أنساقٍ فكرية إنسانية عاصرته أو سبقته دون أن يفقد إبداعيته وخصوصيته، ومن بين القضايا التي تبرز عبرها خصوصية تفكير الشيخ الأكبر مسألة الأنوثة والذكورة.

تحضر هذه المسألة في الفكر السابق عن ابن عربي دون الإعلان عنها لتتخذ مع صاحب الفتوحات طابعها المعرفيَّ بشكل صريح؛ فيخترق الزوج المفاهيميُّ - الأنوثة/الذكورة - الفكر الأكبري على المستوى الأنطولوجي والكسمولوجي والأنثروبولوجي والمعرفي واللغوي... ويحضر بشكل واسع وعميق إلى حد يمكن اعتبار هذا الخطاب هو خطاب أنوثة. المؤشر على صحة هذه الفرضية ما يرمز إليه ابن عربي في الصفحة الأولى من صفحات الفتوحات حينما يعرض لمناسبة كتابته لمؤلفه، وهي مشاهدته القلبية للنبي والصحابة والأنبياء محيطين بمجلسه، وحين يصل إلى ذكر عيسى يقول:

 

 

قال لي: فكر!

لماذا توقفت عن التفكير وعن صنع الحقائق وغرقت في بحر الأوهام التي تحكمها هواجسك المجنونة؟

لماذا تعلِّق على حائط محبتي كل أخطائك، وتدعوا العالمين لسبي ولعني والسخرية مني؟

لماذا توقفت عن صناعة المعرفة الحقة من أجل أن تسد فراغ نفسك بعالم حقيقي، وتعالج مجاهيلك بقدرة عقلك على السمو والتطور والنضوج؟

لماذا هجرت لحظتك الروحانية النظيفة عن اكتشاف تطور معناي في معناك؟

 

على الرغم من أن آلهة إنسان الشرق القديم كانت تعيش في عالم ما ورائي غير منظور، إلا أن الحد الفاصل بين عالمها وعالم البشر كان على درجة من المرونة تسمح للآلهة بدخول عالم البشر ولبعض البشر بدخول عالم الآلهة. ففي أسطورة آدابا البابلية، نجد الإنسان الأول المدعو آدابا (= آدم) يعيش في متَّصَل زماني – مكاني مع إلهه إيا الذي خلقه، فكان قيِّمًا على معبده في مدينة إريدو يخبز الخبز لإلهه ويصطاد له السمك في مركبه، وكان الاثنان يتحاوران وجهًا لوجه. ثم إن آدابا صعد بعد ذلك إلى السماء ومَثُلَ في حضرة كبير الآلهة آنو. وفي أسطورة إنانا والبستاني السومرية نجد الإلهة إنانا وقد آوت إلى بستان لتستريح فيه من عناء السفر، ثم أغفت، وبينما هي نائمة رآها البستاني ففتنه جمالها وضاجعها دون أن تشعر به. مثل هذا الاتصال الجنسي بين البشر والآلهة كان ينجم عنه ولادة أشخاص نصفهم من طينة البشر والآخر من طينة الآلهة، كما هو حال الملك جلجامش الذي ولدته الإلهة ننسون بعد أن نام معها الملك السومري لوجال بندا. وفي ملحمة أقهات الأوغاريتية نجد الإله كوثر – حاسيس يقوم بزيارة لحاكم المدينة وقاضيها المدعو دانيال، فيجلس على مائدته ويأكل من الطعام الذي أعدته دانتيه زوجة دانيال.

 

 

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني