ثمان وسائل للدفاع عن النفس ضد الإرهاب من خلال الفعل اللاعنفي

 

جورج لاكي
ترجمة: نبيل سلامة

 

واحدة من دوراتي الأكثر متابعة في كلية سوارثور Swarthore College هي تلك التي تتطرق إلى الوسائل اللاعنفية التي بالإمكان استخدامها من أجل الدفاع عن النفس ضد الإرهاب. فالأحداث التي تجري اليوم في فرنسا تجعل أيضًا موضوع الدورة ملائمًا أكثر من أي وقت مضى.

في الواقع، إن عصر "الحرب على الإرهاب" الذي يميز الفترة ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول قد رافقه نمو للتهديدات الإرهابية في كل مكان من العالم. ولكن قبل كل شيء، ما الذي يجعلنا نؤمن بأن الطرق غير العسكرية بوسعها أن تمتلك تأثيرًا حاسمًا في التقليل من التهديد الإرهابي؟

لقد نظمتُ ثماني دراسات حول هذا الموضوع لتلاميذي، مقدمًا المقاربات اللاعسكرية التي حملت ثمارها في عدة دول من العالم. وتشكل هذه المقاربات الثمان "صندوق الأدوات" التي اشتغل عليها تلاميذي. فنحن لم نُضِع الوقت في نقد الوسائل العسكرية الضد–إرهابية، مُركزين اهتمامنا حول البدائل اللاعسكرية.

اختار كل تلميذ بلدًا من أي جزء في العالم الذي عرف حتى الساعة الحالية تهديدًا إرهابيًا، وأخذ دور مستشار، يتم استدعاؤه لإرشاد هذا البلد، على عاتقه تقع مهمة تنمية استراتيجية دفاعية لهذا البلد بدءًا من صندوق الأدوات للفعل اللاعنفي.

كان العمل صعبًا جدًا ومنشِّطًا جدًا في الوقت ذاته. لقد شغف أغلبية التلاميذ بمهمتهم، وقد أعد البعض استراتيجيات متألقة.

لقد اهتم التلاميذ بشكل خاص بمؤثرات التآزر بين هذه المقاربات المختلفة – فما الذي يحصل عندما تتفاعل المقاربة 3 مع المقاربة 2 و5 على سبيل المثال؟ غالبًا ما تأسفت لعدم وجود فصل (نصف سنة دراسية) تكميلي من أجل التطرق لتعقيد تنظيم هذه الطرق، ليس بالمصطلحات التكميلية، وإنما بالمصطلحات المكثِّرَة (المضاعَفَة)، مكتشفين كيف أن الكل هو أكثر قدرة جدًا من مجموع الأجزاء.

بعض التلاميذ الذين بدأوا بالدورة مع فكرة مسبقة بأن الدفاع العسكري هو عنصر أساسي، تناهوا للانفتاح على منظور أكثر اتساعًا جدًا. فقد أدركوا أنهم حصلوا على النجاحات المؤكدة في بعض البلدان التي لم تستخدم إلا اثنين أو ثلاث مقاربات متوفرة لديهم، وتوجد أيضًا قدرة ضخمة يتم استخدامها. ترى ماذا سيُفكَّر فيما إذا لجأت هذه البلدان إلى هذه الأدوات كلها في الوقت نفسه؟ ماذا سيكون التآزر الذي سينجم عن ذلك؟ إذن، المسألة التي تطرح نفسها هي: لماذا لا يقوم السكان المدنيون بالرجوع حصرًا إلى هذه الطرق اللاعنفية في دفاعهم ضد الإرهاب؟

ما هي هذه المقاربات الثمان؟

1.    الفقر والإرهاب متصلان على نحو غير مباشر. إنشاء تحالفات عبر التنمية الاقتصادية.

بمقدور التنمية الاقتصادية أن تتيح تقليل عدد الأشخاص الذين يتم توظيفهم عبر الشبكات الإرهابية، وتسمح بالفوز بحلفاء في المعركة ضد هذه الشبكات، خاصة فيما إذا كانت تعمل هذه التنمية وفقًا للسبل الديمقراطية. فإرهاب الـ IRA في إيرلندا الشمالية قد تم إنقاصه بقوة من خلال عملية التنمية الاقتصادية على المستوى المحلي، والريف، ما أتاح خلق وظائف جديدة.

2.    التقليل من التهميش الثقافي

مثل فرنسا، وبريطانيا العظمى، ودول أخرى فقد تعلَّمَت على نفقاتها أن تهميش مجموعة من الأشخاص ضمن حدودها خاصتها يُنتِج الظروف التي انطلاقًا منها يمكن للإرهاب أن ينمو. وهذا حقيقي أيضًا على مستوى الكوكب ككل. فظاهرة التهميش لم يقررها الحكام عمومًا ولم يرغبوا بها، ولكن من الممكن التقليل منها. إن "حرية الكلمة"، يمكن معايشتها كاستفزاز فيما إذا كانت تحفز التهميش أكثر أيضًا لجزء من السكان كالمسلمين في فرنسا. أما فيما يتعلق بكندا الناطقة بالإنكليزية فقد باشرت في تقليل التهميش الثقافي في كبك Québec، وتوصَّلَت أيضًا إلى إنقاص التهديد الإرهابي المحتمل.

3.    حَمَلات لاعنفية كاستجابة للعنف الإرهابي، والأفعال المدنية غير المسلحة التي تضمن السلام (حفظ السلام)

من الأهمية بمكان أن نأخذ بعين الاعتبار السياق الكلي الذي يتغذَّى منه الإرهاب، وكيف يؤثر هذا السياق على تطور التهديد الإرهابي. فالبعض من حَمَلات الإرهاب قد نضبت بسبب غياب الدعم الشعبي لها. ويصدر استخدام الإرهاب غالبًا عن خيار استراتيجي يهدف لجذب الانتباه من أجل إثارة استجابة عنيفة، ونيل دعم معنوي عند السكان الذين تتكافل عليهم الشبكات الإرهابية.

يستطيع الارتقاء وسقوط الدعم الشعبي للإرهاب أيضًا التأثير من خلال استخدام حركات اجتماعية تلجأ للكفاح اللاعنفي. وقد نجحت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بضربة معلم في إنقاص التهديد الإرهابي الذي كان يجعل الـ ku klux klun يدوسون على النشطاء. وكان هذا التهديد أكثر خطرًا لدرجة لا يمكن فيها الاعتماد على تطبيق القانون ودولة القانون في ولايات الجنوب. وأنقصَت التكتيكات (فن تنظيم القوى وتحريكها) اللاعنفية من فتنة الـ KKK بالقرب من السكان البيض المؤيِّدين للتمييز العنصري. ومنذ سنوات الثمانينيات، طوَّر المسالمون، ومجموعات أخرى من النشطاء، أداة جديدة واعدة (مبشرة بالخير) جدًا للتطبيق. فحملات حفظ السلام المدني منظَّمَة بطريقة لاعنفية عمدًا (على سبيل المثال "ألوية السلام الدولي").

4.    التربية وتشكل الصراع

لقد تم التأكد للمفارقة بأن الإرهاب ينبعث غالبًا عندما يحاول شعب إلغاء الصراعات عوضًا عن السماح لها بالتعبير عن نفسها. تتأسس إذن طريقة التقليل من الإرهاب على إتاحة موقف "ما قبل–الصراع"، وعلى تكوين شعبية لمقاربات الصراع اللاعنفي تسمح للمواطنين بأن يقوموا بفهم تظلمَّاتِهم ومطالباتهم، والدخول في الصراع بطريقة لاعنفية حاسمة.

5.    برامج إحياء ما بعد–الإرهاب

ليس بالمستطاع بعدُ تجنُّب كل فعل إرهابي كما هو الأمر في عدم إمكان تجنب اقتراف أي جريمة. ويجب التذكر بأن للإرهابيين هدف في زيادة الاستقطاب. فبرامج إحياء أو إعادة التأهيل بوسعها المساعدة في الوقاية من الاستقطاب ومن دورة العنف حيث الصقور من جانب تساهم في تسليح الصقور من الجانب الآخر – إنها دورة مميزة – خصوصًا للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني.

تسمح هذه البرامج ببناء "مقاومة الضغط" كي لا يتجمَّد السكان خوفًا، ولا ينغلقون على أنفسهم ضمن نبوءات تراجيدية منفذة ذاتيًا. فالطرق المبتكرة المستخدمة من قِبَل علماء النفس من أجل الشفاء من الصدمات ملائمة بشكل خاص، لا بل حتى أن بعض طقوس الشفاء الجمعي ملائمة أيضًا، مثل تلك المُستخدَمَة من قِبَل النرويجيين بعد المقتلة الجماعية للعمل الإرهابي عام 2011.

6.    تحول الشرطة إلى ضباط سلام

يمكن لعمل الشرطة أن يصبح أكثر فاعلية طالما يوجد إنقاص للمسافة الاجتماعية بين الشرطة وسكان الأحياء التي يقومون بالعمل فيها. ففي بعض البلدان يتطلب هذا تعريفًا مجددًا كاملاً للشرطة، ووظيفتها. ليست وظيفة الشرطة الدفاع عن ملكية مجموعة مهيمنة، وإنما بكونها قوة سلام اجتماعي حقيقية – كما هي الحال للشرطة غير المسلحة في ايسلندا. وعلى دول مثل الولايات المتحدة أن تجمع البنية التحتية (نظام المجتمع الاقتصادي – من حيث هو أساس الإيديولوجية) النامية للحق الدولي الإنساني، مثل تلك التي تنعكس في اتفاقية حول الدسائس ضد–شخصية، أو في محكمة الجنايات الدولية، وقبول الأخذ بالحسبان تصرف ضباطهم الذين بعضهم هم على الأرجح مجرمو حرب.

7.    تغيير تصرفات الشرطة غير المسؤولة

يقوم بعض الحكام أحيانًا بخيارات سياسية تسبب بطريقة تكاد تكون أوتوماتيكية (آلية ذاتية) – كما لو أنهم يكادون يقصدون ذلك – استجابة إرهابية. روبيرت آ. پاپ Robert A. Pap مختص بعلم السياسة ومستشار في القوى الجوية للولايات المتحدة U.S Air Force قد أشار إلى أن مسؤولي الولايات المتحدة تصرفوا في عام 2005 أيضًا بطريقة رجعية وذلك بنشرهم لقطعهم العسكرية هنا وهناك. ففي مؤلفه الحديث Cutting the fuse (انقطاع التيار) يقدم پاپ وجيمس ك. فيدمان Pape, James K. Fedman أمثلة ملموسة لحكومة توصلت لإنقاص التهديد الإرهابي بإيقاف هذا النوع من التصرفات غير المسؤولة، فمن أجل حماية النفس من الإرهاب على المواطنين في البلدان كلها أن يستحوذوا على رقابة حكومتهم وإجبارها على تحمل مسؤولية تصرفاتها.

8.    التفاوض

غالبًا ما تقول الحكومات "إنهم لا يتفاوضون مع الإرهابيين"، لكنهم بهذا الصدد يكذبون معظم الوقت. فالحكومات غالبًا ما أنقصت أو أزالت الإرهاب من خلال التفاوض، وتقنيات التفاوض لا تتوقف عن التضليل.

تطبيق واقعي للدفاع غير العسكري ضد الإرهاب

بطلب مجموعة من الخبراء الأميركيين في الضد–إرهاب، وصفت العمل الذي قام به التلاميذ في سوارثمور Swarthmore، خاصة الثمان مقاربات المشروحة بالتفصيل أعلاه، فتعرف الخبراء على كل واحدة من هذه المقاربات التي استخدموها فعلاً في ظروف حقيقية، وفي ظروف مختلفة، وحتى درجة ما من النجاح. وأعلنوا أيضًا أنهم لم يروا في البداية أية مشكلة لكي ينظروا في استراتيجية شاملة توجد تآزرًا بين هذه المقاربات كلها.

المشكلة الوحيدة التي تحققوا منها هي القدرة على إقناع حكومة في الدخول ضمن سياسة على قدرِ ما هي مبدِعَة هي جريئة أيضًا.

على قدر ما أنا مواطن أميركي، فإنني آخذ بعين الاعتبار التناقض المباشر الموجود من جهة، بين الجهود العملاقة لحكومتي من أجل إقناع المكلفين الذين نحتاجهم بشدة من آلتنا العسكرية الهائلة، ومن جهة أخرى، سياسة جديدة تقوم على تعبئة للقدرة بشكل آخر من أجل التوصل إلى أمن إنساني حقيقي. فمن أجل بلدي، ومن أجل البلدان الأخرى سيتوجب علينا بادئ الأمر القيام بثورة فكرية.

وما يبدو لي أنه الأكثر أهمية في البديل لدفاع غير–عسكري، هو عبارة عن مقاربة تستطيع حقًا مساعدة مواطنيَّ على تحسين أمنهم في عالم خطير أكثر فأكثر. إن عالم النفس أبراهام ماسلوف Araham Maslov قد أظهر منذ وقت طويل أهمية الأمن كحاجة إنسانية أساسية. فالذين قاموا بتحليل ونقد العسكرية حتى الأكثر تألقًا منهم، لا يتيحون زيادة أمن أيًا كان. ولكن تخيل بديلاً، كما قمنا به مع تلاميذي، يمكنه منح الناس فسحة سيكولوجية هم بحاجة لها من أجل أن يضعوا طاقتهم ضمن مهمة تحمل الحياة وليس الموت.

دور المجتمع المدني على مستوى القاعدة

البشرى السارة هي أن نحدد هذه المقاربات الثمان التي يمكن تطبيقها من قِبَل المجتمع المدني، ومن دون انتظار الحكومة لاتخاذ زمام المبادرة، الأمر الذي قد لا يحصل أبدًا. اثنان من بينها هما بسيطان بشكل خاص في وضعهما بحالة فعل: التهيئة للعدد الأكبر من الكفاءات حول استراتيجيات العمل اللاعنفي، وتدريب الشعب على إدارة الصراع لاعنفيًا.

إن حركة الـ Black Lives Matter تتكون من عدد كبير من الرجال البيض الذين انضموا إلى حملة شرع بها الرجال السود – وهذه حالة ملموسة حيث تم التمكن من تقليل التهميش الذي أنتج بالتالي العشرات من التجديدات الخلاَّقَة من قِبَل النشطاء المنتمين إلى أغلبية السكان (الطبقة المتوسطة، والمسيحيون... الخ). ومن الممكن أيضًا الشروع ببرامج إحياء وشفاء جماعي، مثل ذلك الذي تم القيام به بعد اعتداء ماراتون بوسطن Marathon Boston.

يقوم النشطاء عادة بشن حَمَلات من أجل إجبار الحكومة على التخلي عن سياساتها غير المسؤولة، ولكنهم غالبًا ما ينسون أن الناشط هو نفسه يمكن أن يكون غير مسؤول. وأمام جمهور قد تم إرهابه، على ناشط المجتمع المدني الإصغاء إلى هذا الخوف والاستجابة بأسلوب لائق، متموضعين إلى جانب أمل كل واحد منهم.

إذًا، خمس من هذه الثماني مقاربات يمكن استخدامها من قِبَل المجتمع المدني من خلال مبادرات "من أدنى – إلى أعلى" (Botton – up) التي تتيح التقليل من تهديد الإرهاب. فهذه المقاربات والطرق يمكن وضعها في حيز العمل من خلال كل مجموعة تسعى لحمل استجابة كلانية وإيجابية إزاء الخوف الذي بإمكانه شلنا وجعلنا مكتئبين. هنا كما في أي مكان آخر حينما نساعد قريبنا، فإننا نسير خطوة بخفة كبيرة من حيث الحمولة التي يحملها كل واحد منا.

*** *** ***

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني