أحمد مادون
(1941 – 1983)
ولد أحمد مادون عام
1941
في مدينة تدمر، نشأ في أحضانها وأتم دراسته
الابتدائية فيها. برزت موهبته الفنية في نهاية هذه المرحلة ثم انتقلت
معه هذه الموهبة كمجال لممارستها من إطار المدرسة إلى حياته اليومية
بشكل عام وعلاقاته الاجتماعية. وكان عندما يتواجد في زيارة أو جلسة
عائلية يحاول رسم أصدقائه وكل من حوله بأوضاع مختلفة (شخص متكئ – آخر
يدخن سيجارة – شخص نائم..) ثم انتقل في دراسته للمرحلة الاعدادية إلى
مدينة صافيتا، في الساحل السوري، التي تأثر بطبيعتها الساحرة وتولى
رعايته فيها عمه القاضي والمستشار محمود مادون ومن ثم أكمل دراسته
الثانوية في مدينة حمص العريقة.
حصل في عام 1960
على شهادة الدراسة
الثانوية وكان ترتيبه الأول على محافظة حمص والثاني على القطر. ونتيجة
لتفوقه في الدراسة خُيِّر لإرساله بعثة على حساب الدولة لدراسة الآثار
في اسبانيا أو دراسة الاقتصاد والتجارة في مصر. كان يرغب بدراسة الفن
ولكن فرصة الاختيار لم تكن إلا لهذين الفرعين فاختار دراسة الاقتصاد
والتجارة في مصر.
يقول في إحدى اللقاءات الصحفية (لقد بدأت تجربتي الفنية في عام 1965
ولكن البدايات الأساسية للجهد المتواصل كانت منذ عام 1960، رسمت من
البيئة الريفية واستوحيت أعمالاً من التشكيلات الموجودة في حياة القرى
وفي الحس البدائي لدى الفلاح من خلال رصد ذوقه الجمالي ثم انتقلت إلى
مرحلة أخرى يمكن أن نسميها مرحلة التجريد المستند إلى رموز الطبيعة.
تدمر بالنسبة لي منبع رئيسي للطبيعة والتذوق كما أن الفنون التدمرية
الأصيلة ولا سيما مرحلة الذروة فيها أغنت تجربتي الفنية).
من خلال هذا اللقاء نلمس مدى تأثر الفنان ببيئته الأولى وموطنه الأصلي
وطفولته، وبالتمازج البيئي المختلف للقطر الذي جعله يتعرف على تقنيات
ومفاهيم مختلفة.
مرحلة بدايات تكون النضج
والوعي الفني خاصة والحياة عامة
بعد أن أتم دراسته الجامعية وحصل على بكالوريوس الاقتصاد والتجارة قسم
إدارة الأعمال أُوفد إلى اليابان لدراسة علوم الكومبيوتر فأقام خلال
الستة أشهر من إقامته هناك معرضًا خاصًا في طوكيو (غاليري كونوهانا)
وذلك في بداية عام 1967 مما أكسبه تعرفه على ثقافة مختلفة وتقنيات
ومفاهيم جديدة ظهرت في العديد من أعماله.
بعد عودته من اليابان عمل أحمد مادون في المكتب المركزي للإحصاء، وما
لبث أن غادر سورية متوجهًا إلى الكويت التي عمل بها في شركة للنفط
وأقام فيها عامين قبل عودته مجددًا إلى سورية.
مرحلة النضج الكامل وتكون
الشخصية الفنية النهائية والمتميزة على الساحة المحلية والعالمية
انتقل في عمله من مكان إلى آخر؛ فمن مجلس الوزراء إلى وزارة الثقافة
كمدير للمعارض الأجنبية، ثم مديرًا لمديرية الفنون الجميلة، ثم مديرًا
لمركز أدهم اسماعيل للفنون الجميلة، وقد كان فيه السباق في فكرة انشاء
دورات لتعليم الأطفال أصول الرسم، وقد تخرج على يديه العديد من الأطفال
وأيضًا الشباب الذين أصبح منهم فنانين في وقتنا الحاضر. وكان قد اتبع
دورة في بريطانيا لتعليم الأطفال أصول الرسم كما قام الفنان بعدة سفرات
استطلاعية إلى دول أوروبية عديدة انعكست على العديد من أعماله.
كانت أول مشاركة للفنان في المعارض الجماعية في عام 1972، وهي مشاركته
في المعرض العالمي للفن الحديث في قاعة القصر الكبير (الغراند باليه).
أما بداية معارضه الشخصية فكانت في عام 1976 حيث سُئل كثيرًا لماذا لم
تعرض أعمالك إلى الآن فأجاب: "لقد بقيت خمسة عشر عامًا لم أعرض لوحة
واحدة وذلك على الرغم من الحاح الكثيرين. لماذا؟ الأسباب كثيرة منها:
الانتظار للوصول إلى مستوى يرضي قناعتي، مشاهدة سقوط الكثرة من تجربة
العرض الأول، ومتابعة استعجال البعض من دون بحث جدي متزن، غير أن أكبر
هذه الأسباب هو الكسل الشخصي الذي مصدره إحساسي خلال هذه الخمسة عشر
عامًا أن الفن هواية شخصية لا أكثر رغم ممارستها المرهقة يوميًا، والتي
تلح عليَّ إلحاحًا دائمًا وغامضًا. ببساطة لدي حماس كبير للمعارض لكن
ابقى وأصر محافظًا على الهواية في الاحتراف إلى النهاية ولست آمل من
وراء ذلك سوى إلى توحيد طرفي المعادلة: الفن هو الحياة والحياة هي
الفن."
أما لدى سؤاله عن البيئة والتراث وأن لهما حضور خاص في أعماله أجاب:
"ربما كان مبعث ذلك نشأتي الأولى في جو مفعم بالتراث – تدمر - وقد
استمر ذلك الاهتمام وأظنه سيبقى. لنقل إن مرحلة التكوين التراثي (إذا
جازت التسمية) بالنسبة لي قد حصلت ما قبل العشرين، وانسكبت في
اللاشعور، وقد أضيف إليها ما يمكن أن أطلق عليه الاطلاع المستمر من
خلال الزيارات التي قمت بها لبلاد متعددة أو وسائل الثقافة بمجموعها.
تلك المزاوجة برأيي هي ما يمكن أن تشكل الأساس الموضوعي لعملي الفني.
الجانب الآخر هو استلهام المنجز الحضاري البشري أينما كان. عندما أتذكر
الآن آلاف التماثيل آلاف اللوحات وآلاف الرؤى والمشاهد، لا أستطيع أن
أحدد بالضبط أيهما يشدني أكثر أو ربما كنت أتمثل نصيحة الشاعر العربي
لمبتدئ عندما قال عليك بحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر فلما حفظها قال له
وماذا بعد؟! أجابه: عليك بنسيانها تمامًا. بالطبع نسيها لكن بقيت في
أعمق أعماق لاشعوره وعندها قال: الآن تستطيع أن تكتب شعرًا.
من زاوية ثانية، يبقى المتحف متحفًا والتراث تراثًا أي زمنًا ماضيًا،
والمشكلة أو مجمل الإشكاليات الفنية التي تجابهني لحظة العمل هي.. كي
نصل ما انقطع، ونعمق الاتصال بالتراث؟ وهذه مشكلة الزمن الحاضر الآتي.
فوق ذلك والأهم كيف نضمن لهذين الزمنين الماضي "التراث" والحاضر "لحظة
العمل الفني" حدًا من الاستقرار في المستقبل؟
أتذكر كلمة الفنان الراحل وليد عزت "الرسم عندي يمثل القبض على لحظة
هاربة"، وأضيف شيئًا بسيطًا لهذه العبارة وهي أن تجعل جزءًا (على
الأقل) من هذه اللحظة الهاربة يستمر ويستمر... إن الاستغراق في البيئة
والتراث لم يمنعاني يومًا من النظر إلى معطيات هذا العصر العجيب الذي
نعيشه. لقد بلغ الانسان مرتبة عظيمة من حيث انجازاته العصرية، والتي
يمكن أن يستخدمها بحكمته أو بدونها... إما بضمان البقاء والعطاء أو
التدمير والفناء. وتلك الحالة من حالات الفصام التي ترافقت بفقد
الذاكرة الذي قد يكون فرديًا أو جماعيًا. إن التعلق المرضي – ولنسمه
كذلك – بالتراث مثل محاولة الخروج على التراث بحجة كونه باليًا. مما
يوصلنا إلى ما يدعى (السنوبيسم) العصري، أو إلى حد الصرعة بكل مظاهرها.
لاشك أن التحدي هو في الملاءمة بين الاحتمالات الكبرى الكاذبة لهذا
العصر، وما يمكن أخذه من البيئة والتراث، وإعادة صياغته بالضرورة
المواتية، لكي يصبح معاصرًا بدون انغلاق أو سطحية في التعامل مع المادة
لأنها وسيلة العمل الفني، وليست نهايته.
إنني أؤمن وبثقة كاملة، بضرورة معاملة العمل الفني كجسد حي. والتحدي
الكبير في العمل الفني، والرسم بشكل خاص، هو كيف يجعل الفنان السطح
الأبيض عالمًا ينبض بالحياة والآمال، وتجاوز الإحباطات الكثيرة
الموضوعة في طريق الإنسان خلال حياته على هذه الأرض، مع الاهتداء
بالفكر والشعر معًا من حيث الصياغة التكتيكية البحتة، وبناء هذا العالم
النابض المسمى عملاً فنيًا."
أهم المعارض الفنية في تلك
المرحلة
1.
المعرض الأول في دمشق، صالة أورنينا في الرابع من نيسان 1976م.
2.
المعرض الثاني في دمشق، صالة أورنينا في الحادي والعشرين من أيار
1977م.
3.
المعرض الثالث في حلب، المتحف الوطني في الأول من نيسان عام 1978م.
4.
المعرض الرابع في دمشق، المركز الثقافي العربي في العاشر من حزيران
1978م.
5.
المعرض الخامس في دمشق، المركز الثقافي الفرنسي، في العشرين من تشرين
الثاني 1979م.
6.
المعرض السادس في رومانيا، متحف كونستانزا للفنون عام 1979.
7.
المعرض السابع والأخير في دمشق، المركز الثقافي العربي في السادس
والعشرين من شباط 1983م.
أعمال الفنان أحمد مادون مقتناة في المتحف الوطني بدمشق – متحف دمر
للفن الحديث وفي مجموعات خاصة في سوريا – ألمانيا – بلجيكا – فرنسا –
سويسرا – السويد –
امريكا – اليابان – الهند – المكسيك – جمهورية التشيك والعديد من دول
العالم.
عن صفحة التاريخ السوري المعاصر
*** *** ***