|
قيم خالدة
مارتن هيدغِّر (1889-1976) فيلسوف ألماني كبير، انصبَّت أبحاثُه بخاصة على علم الأونطولوجيا أو علم الكائن الوجودي، وهو يُعتبَر أحد أساطين الفلسفة الوجودية. وتتراوح الموضوعات التي عالجها ما بين الكينونة الصاعدة مع شروق الشمس والكينونة المنحدرة إلى هوَّة الموت. يطرح هيدغِّر
أسئلة أكثر مما يقدِّم أجوبة. وتدور أسئلته
حول عصرنا هذا وتاريخه ومجتمعاته، وذلك على
مرحلتين: الأولى: ما شأن الكائن؟ ثم، ما شأن
التكنولوجيا، وماذا يعني لنا المستقبل
وكينونتنا ذاتها بإزاء المدنية التكنولوجية
التي هي في تصاعُد مستمر والتي تقدِّم
للإنسان، للمرة الأولى، وسائل تعجِّل في موته
ودمار العالم؟ ويحفزنا هيدغِّر بأسئلته على
مجابهة وضع العالم المتردِّي وعلى إيجاد
الأجوبة والحلول اللازمة لإنقاذه من التلوث
والدمار. وهو بذلك يدلِّل على أن له مكانته
الكبرى بين عظماء المفكرين الذين توجَّهوا
بأسئلتهم إلى العالم والبشرية، بدءًا
بأفلاطون ومرورًا بهيغل ونيتشه وسواهما. من أشهر أعمال
هيدغِّر: الكينونة والزمن (1927)، ما هي
الميتافيزياء؟ (1929)، مدخل إلى
الميتافيزياء (1935)، جوهر الحقيقة (1943)، دروب
لا تؤدي إلى مكان (1950)، مقاربة إلى
هولدرلِن (1951)، دراسات ومحاضرات (1945)،
وسواها. وفيما يلي يطَّلع القارئ على مقال
عنوانه "لماذا نحب البقاء في الريف؟"
وعلى أربع علامات أو "قصائد" لهذا
الفيلسوف الكبير. مخطَّط
الورقة
*** إن
سؤال الفرد يظل جوهريًّا بنظر الفكر الفلسفي
والسياسي المعاصر. ولعل استعادة التفكير في
الفرد محاولة لفهم الإنسان، باعتباره كائنًا
يتشكَّل على أساس الوحدة والفرادة أو
التميُّز – تلك التي تجعله يمتلك وجودًا
مستقلاً على نحوه الخاص، وجودًا يتميز
بخصوصية تمنحه هويته المستقلة التي تقف على
الحدِّ المتناهي للإنسان.
مقدمة إن
التقرير الذي أعدَّتْه اللجنةُ الدولية
للتربية للقرن الواحد والعشرين، التابعة
لليونسكو، والتي يترأسها جاك دولور، يعرِّف
بوضوح الركائزَ الأربعة لنمط حديث في التربية:
تعلُّم المعرفة، تعلُّم العمل، تعلُّم العيش
مع الآخرين، تعلُّم الكينونة. وفي
بيانه في العبرمناهجية، يوضح بَسَراب
نيكولسكو وجود "عبرعلاقة" بين الركائز
الأربعة لهذه المنظومة الجديدة، تستقي
جذورُها من تكويننا الذاتي كبشر (نيكولسكو:
1999). فبالفعل، إذا ما غابت كينونتنا، يمكن
لعلاقتنا بالمعرفة، وبالعمل الذي ينتج عنها،
وكذلك ارتباطنا بالآخرين، أن تُترجَم إلى
سلسلة من الحركات الأوتوماتيكية، الخالية من
الرغبة ومن المعنى. ويبدو أن الحجر الأساسي في
هذه المنظومة الجديدة، وكذلك صعوبتها،
يكمنان في قدرتنا على إشراك ذاتنا في عملية
التعلم.
|
|
|