|
طهارة السلاح: أخلاق وأسطورة وواقع
صَدَرَ عن "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية" (مدار) كتابُ طهارة السلاح: أخلاق وأسطورة وواقع[*]. يعالج هذا الكتاب التأريخي معالجة تفصيلية، موثَّقة ومعمَّقة، ظهور وتطور فكرة "التطهير العرقي" التي مارستْها المنظَّمات الصهيونية المسلَّحة ضد الفلسطينيين.
يدقِّق الكتاب في ظهور مصطلح "طهارة السلاح" وتطوره منذ بداية الحركة الاستيطانية اليهودية في العام 1882، وذلك عِبْرَ استعراض الأحداث التي وقعت في فلسطين، المتمثلة في قتل العرب، وسلب ممتلكاتهم، ومضايقتهم، وملاحقتهم، ومصادرة أراضيهم، وتدمير بيوتهم. ويستعين المؤلِّف الإسرائيلي دان ياهف بمحور زمنيٍّ يمتد على أكثر من قرن من الزمان مثقل بالمجازر والمذابح والاعتداءات التي نفَّذتْها منظماتٌ صهيونيةٌ معتنِقة عقائد عنصرية متطرفة للغاية، مشدِّدًا على الربط بين الإيديولوجيا والممارسة الصهيونيتين، بتوضيحه أن فكرة طرد العرب تُعَد في فكر تلك المنظمات "أساسًا إيديولوجيًّا"، باعتباره ضمانةً وحيدةً لإقامة "وطن قومي لليهود". ففي مقدمة الكتاب نقرأ: [...] على الرغم من أن النقاش كان محتدمًا في أوساط المنظمات اليهودية قبل العام 1948 في خصوص استعمال السلاح – ضد من؟ ومتى؟ وكيف؟ – إلا أن هذه المنظمات كانت متفقة على ضرورة تحقيق هدفين، وهما: تصفية الاحتلال البريطاني في فلسطين، والحيلولة دون قيام دولة عربية فلسطينية. وحسبُ هذين الهدفين أنهما في صلب الفكر السياسي والعسكري لهذه المنظمات ليكونا البوصلة الموجِّهة لنشاطاتها على مختلف الأصعدة والمستويات. مما لا ريب فيه أن الأدبيات "العسكرية" الإسرائيلية أظهرت المحارب الإسرائيلي بوصفه متمسكًا بالقيم الإنسانية، – وفي مقدمتها "طهارة السلاح"، – بحيث بدا منها أن الجوانب الإنسانية لديه تسمو على نظيرتها عند الفلسطيني الذي تصوِّره هذه الأدبياتُ همجيًّا، متخلِّفًا، خاليًا من أيِّ حسٍّ إنساني! أما كتاب طهارة السلاح فيبيِّن الوجه الآخر، الحقيقي والواقعي، للمحارب الإسرائيلي الذي لا يتورع عن القتل والتدمير والتخريب باسم العقيدة و"المبدأ". ولا يأتي ياهف في توجهه هذا من مجرد تصور اعتباطي أو طرح عابر للأحداث، بل من اعتماده وثائق ومستنَدات كثيرة استقاها من الأرشيفات الإسرائيلية؛ وبذلك لا يترك مجالاً للشك أو التردد أو التراجع عن الوقائع والحقائق التي يورِدُها في كتابه: فكل حادثة – وإنْ صغيرة للغاية (مثل إطلاق عيار ناري!) – يوردها مدعومةً بوثيقة أو مستنَد يمكن للباحث العودة إليه. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن ياهف يحطم أسطورة "الجيش المنزَّه عن الخطأ"، كاشفًا عن حقيقة لطالما حاول الإسرائيليون إنكارها أو تهميشها أو إظهار وقائع مزيفة بدلاً منها وكأنها الحقيقة بعينها. فالوقائع التي يوردها تبيِّن أن الجيش الإسرائيلي لم يكن قطعًا متمسكًا بـ"طهارة السلاح"، كما يحلو لكثيرين تصويرُه. بذا فإن دان ياهف ينحو على غرار سابقيه من "المؤرخين الإسرائيليين الجُدُد"، أمثال إيلان پاپيه وآڤي شلاييم وسواهما، بإصغائه إلى "الرواية الأخرى"، ويُظهِرُ استعدادَه، في شجاعة أدبية نادرة، لفتح باب المحرَّمات الإسرائيلية الخاصة بعام "النكبة" على وجه التحديد. *** *** *** [*] دان ياهف، طهارة السلاح: أخلاق وأسطورة وواقع، ترجمَه عن العبرية وقدَّم له جوني منصور، منشورات مدار، 2004، 338 ص.
|
|
|