تطور الرؤية الفنية
ملامح نقدية عند محمود درويش

 

مراد فطوم

 

شغلت الحركة التجديدية، وقضية التحديث في الشعر، الجانب الأهم في الحركة النقدية الأدبية الحديثة. وتعتبَر هذه القضية، إشكالية، بسبب خروج الآداب الحديثة، ولا سيما الشعر، عن النهج التقليدي، ما اعتبره البعض نشوزًا وخروجًا عن الشكل المألوف الذي اتبعه القدماء من جهة، وبسبب تأثر هذه الحركة بالآداب الغربية، مما دعاها إلى تحطيم القوالب الفنية المعروفة، من جهة أخرى. فقام مجموعة من الشعراء العرب الذين امتلكوا رؤى فنية مغايرة للقديم، بالكتابة بأنماط جديدة، تعددت وتنوعت، شكلاً ومضمونًا وهدفًا، بحسب أساليبهم ومواقفهم وطريقة معالجتهم للكلمة، والحالة الشعرية.

وقد أثارت هذه الأشكال حركة نقدية واسعة في الأوساط الأدبية، في محاولة للرد على أصحاب القديم، ومن ثم، تأصيل هذه الحركة، وإيجاد شرعية لها.

ولعل الشاعر والناقد أدونيس، أهم من كتب ونظرَّ للحداثة الشعرية؛ معتمدًا على رؤية جديدة للتراث الأدبي والشعري؛ محاولاً أن يوجد مشروعًا فكريًا بديلاً لما هو سائد، ترتكز عليه حركة الحداثة: شعريًا، وثقافيًا، واجتماعيًا وفق منظور يعتمد على وعي تطوري، ينبثق من التراث، متمثلاً، حسب زعمه، أهم حركات التحول، والتجاوز، في الإرث الأدبي والثقافي، دون أن يشكّل قطيعة معه.

والحركة التجديدية في الشعر العربي الحديث، تفرض عدَّة تساؤلات، تطرح نفسها أمام الواقع الفني الجديد، لعل أهمها التساؤل عن الشكل الفني المعتمد، ومرجعيته، وتعدديته، وسيرورة تطوره. فهل اعتمد الشعراء المحدثون أشكالاً فنية واحدة؟ وكيف تبلور وتمايز هذا الشكل النهائي للقصيدة، عند كل من هؤلاء الشعراء؟ وما هو مدى التشابه بين هذه الأشكال؟ وهل اتفق هؤلاء الشعراء في استخدام أدوات شعرية مشتركة، أم تفرد كلّ شاعر بأدواته الخاصة، ما أدى إلى تنوع هذه التجارب؟ ثم هل أخذ شكل القصيدة عند هؤلاء الشعراء، شكلاً ناضجًا، ثابتًا ونهائيًا، أم أن هذه القصيدة قد طرأ عليها تطورٌ دفعها للنمو بشكل صاعد، لتأخذ شكلها النهائي؟

إن تتبع آراء الشاعر النقدية في قصائده، يسَهِّل على الدارس معرفةَ المنحى، والاتجاه الشعري الخاص به ومعرفة أدواته الشعرية، وأسلوبه الفني، الذي يعتمده في قصائده. ومما لا شك فيه أن لكل شاعر رأيٌ نقدي، قد يكون صريحًا، أو متضمَّنًا في كتب وحوارات ومقالات، خصوصًا في مرحلة يحاول فيها الشعر ولادة جديدة، في مخاض عسير. ويعتبر محمود درويش من التجارب الشعرية الهامة في الحركة التجديدية، ذلك لأن شكل القصيدة عنده، اتخذ منحى تطوريًا، متأثرًا بمؤثرات كثيرة.

والمتتبع لأعمال درويش الشعرية يلاحظ الفارق الفني بين قصائد دواوينه الأولى، ودواوينه المتأخرة، ما يدل على أن القصيدة عنده لم تتخذ قالبًا ثابتًا لها، وإنما سارت على نهج تطوري، مرَّ بعدة مراحل حتى تمايزت وأخذت شكلاً ناضجًا - ولا نقول نهائيًا - بما يتوافق مع موضوعاته الشعرية، التي يعتبر الوطن والأرض فيها نقطة وصل.

ومن خلال تتبع أعمال الشاعر، نلاحظ وجود بعض الملامح النقدية في شعره، التي توضح موقفه الفني والأسلوبي الذي يعتمده في كتاباته، ولعل أهمها: الوضوح والمباشرة، والاستخدام الرمزي للكلمات، والانفتاح الحر على الأساليب الشعرية، يسايرها رأيه بالوزن، والقافية، والإيقاع. وهذه الملامح قد لا تشكل منهجًا نقديًا، عند الشاعر، وإنما هي نقاط تضيء جوانب من موافقة تجاه الشعر، والشكل، والأسلوب، في مسيرة قصيدته إلى شكلها الحالي.

وفي متابعتنا لهذه الملامح، لا نحاول تتبع مدى التزام الشاعر بهذه الآراء في قصائده، في مراحلها المختلفة، لأن الالتزام التطبيقي لهذه الآراء، شيء مختلف عن التنظير لها، ولأن غزارة إنتاج درويش الشعري، يصعب معه تأطير هذا الإنتاج بملزمات فنية واحدة.

الهم التجديدي، أساس التطوير الفني:

تستلزم دراسة تطور الشكل الفني في التجربة الشعرية، منهجًا، وتطبيقًا، البحث في علاقة الشاعر مع التراث، ومدى محاولته الخروج منه، إلى شكل يتطلبه الموضوع الشعري، والظروف الموضوعية التي يحياها الشاعر، إضافة إلى المناخ الأدبي السائد. ومحمود درويش، شاعر يحمل ثقافة التراث، ووعي التراث في قصيدته، يقول:

كنت أكثر من مطالعة الأدب العربي، فقلدت الشعر الجاهلي في محاولاتي الأولى[1].

وهو لا يخفي تأثره بالتراث شكلاً ومضمونًا، ويحدد منذ البداية موقفه من التراث الذي جعله يربط بين التجديد والثورة داخل الشعر، وماذا نعني بالثورة داخل الشعر؟ الموفق من التراث والتجديد الدائم للعلاقات القائمة في القصيدة، وتغير هذه العلاقات، لا أعني بالتغير التدمير أو الإبادة، أعني التطوير[2]، فتأثره بالتراث، تأثر يرتبط بشكل مباشر بتاريخ الثورة في كل مكان وليس بالتراث العربي فقط، وأنا أعتبر نفسي امتدادًا نحيلاً، بملامحَ فلسطينية، لتراث شعراء الاحتجاج والمقاومة، ابتداءً بالصعاليك، حتى حكمت ولوركا وأراغون، الذين هضمت تجاربهم في الشعر والحياة، وأمدوني بوقود معنوي ضخم[3]. هذا التأثر بالقديم الفني والثوري، جعل درويش يكتب في بداياته الشعرية بشكل قريب من الأشكال الفنية القديمة، ولاسيما في ديوانه الأول أوراق الزيتون، أما ملامح هذا التأثير، فترجع إلى منطق فكري يقوم على الاستفادة من الأصالة، وفاعلية التراث، وتتأطر هذه الملامح في أن الدرويش التزم من جهة الشكل الموسيقي، الأشكال القديمة عروضًا وقافية وحرف رويّ، في العديد من أشعاره[4]. يقول في قصيدته (ولاء):

حملت صوتك في قلبي وأوردتي    فما عليك إذا فارقت معركتي

كل الرواية في دميِّ مفاصلها     تفضل الحقد كبريتًا على شفتي[5]

وهذا التأثر بالموروث، يبدو طبيعيًا، في بدايات أي شاعر، شغفه أدب أجداده، فنهل منه قراءة، تزيد ثرائهَ الثقافي والفني، ولكن محمود درويش، أدرك بوعي الشاعر الثوري ضرورة التجديد، في الشكل الفني للأدب، بما يتلائم مع الظرف التاريخي والموضوعي، فهو صاحب موهبة أصيلة، وشخصية فنية مستقلة، ولذلك فقد استطاع بفضل هذه الموهبة أن يتجاوز بسرعة، مرحلة التقليد للشعر القديم[6]، وهو يدرك أن الحلم بالماضي هو حلم نكوصي، والحلم بالمستقبل، حلم ثوري[7]، إذ يفترض الإبداع بدئيًا رفض التقليد، وكل طغيان يتمثل (بأحادية التعبير) أي القول بشكلٍ فني ثابت، أو شكل سابق على العمل الفني، مفروض عليه من الخارج[8]، وأنه من غير المعقول أن يتمكن الشاعر التقدمي أن ينقل إلينا تجربته الخاصة، والمميزة، من خلال شكل قاصر، فلابد من شكل جديد يتلاءم مع المضمون الجديد[9]. وهذا الخروج من الشكل التقليدي الموروث عند محمود درويش، ليس خروجًا اعتباطيًا، يحاول أن يلاحق الأشكال الجديدة؛ وإنما هو حالة تطورية في فكرة القصيدة عند الشاعر، أدَّت به إلى الخروج من عباءة الكلاسيكية، يقول:

وهكذا أرى أني خطوت خطوة نحو المزج بين الأشياء، مما استدعى صيغة أكثر مرونة. تتَّسع لحركة المزج، أسفرت عن إنزال ضربة، غير مقصودة لذاتها، ببناء القصيدة الكلاسيكية، وقد حدث ذلك بما يشبه التلقائية، إذا لا خيار وسط هذه الحركات والرموز في أن (تفرز) شكلاً ما، فالعملية هنا هي التي أخذت إطارها وشكلها[10].

إذن، إن هذا الخروج يشكل إرهاصًا لِهَمِّ التطوير الفني عند درويش، هذا التطوير الذي بدأ يدعو إليه، بشكل آراء فنية، في قصائده، يقول:

لماذا نفتش عن أغنيات البكاء بديوان شعر قديم

ونسأل يا حبنا هل تدوم[11]

فقد أخذ يدعو رفاقه الشعراء إلى التعبير بأشكال جديدة، ذلك لأن الجديد هو العنوان الصحيح للأدب التقدمي المناضل، والمصدر الصحيح لمؤرخ الأدب العربي في هذه البلاد[12]، يقول:

يا رفاقي الشعراء نحن في دنيا جديدة

مات ما فات، فمن يكتب قصيدة

في زمان الريح والذرة يخلق أنبياء![13]

فالتجديد أصبح موازيًا للثورة، وموازيًا للحياة، لأن الحياة هي الكتابة كما يقول:

أن نكتب معناه أننَّا قادمون لتونا إلى الحياة، معناه أن نتجدد، معناه أن نفرح بالقدرة على دهشة العالم، معناه أن نحيا، معناه أن نثور[14].

ومن الملاحظ أن هم التجديد عند درويش جعله يستلهم أشكالاً فنية وحداثية، تتراوح بين مجرد عدم التزام نظام ثابت في طول السطور والقوافي، مع احتفاظ بروح القصيدة القديمة، إلى خروج حقيقي من الإطار القديم والروح الشعري المسيطر فيه[15].

كذالك حَدَا به إلى التفنن في اختيار موضوعاته، التي أرادها موضوعات تعبر عن قضيته، وهمِّه الإنساني والثوري، فهو يريد شعرًا مرتبطًا كل الارتباط بالإنسان وهموم الإنسان، وأحلام الإنسان، لا شعرًا تكون وظيفته هي الإمتاع والترف والجمال الخارجي المجرد عن أي وظيفة إنسانية[16].

والتزامه بهذه الموضوعات، هو انعكاس مباشر لواقعيته، ورفضه لصمت الشعر، وانحيازه لأن يأخذ الشعر دوره في المقاومة. هذا ما جعل لغته تتطور بما يتلاءم مع الشكل الجديد، والمضمون الجديد، إذ إن اللغة هي الظاهرة الأولى في كل عمل فني يستخدم الكلمة أداة للتعبير، هي أول شيء يصادفنا، وهي النافذة التي من خلالها نطل، ومن خلالها نتنسَّم[17]. وهذه اللغة، هي مخزون ثقافي، كنزه الشاعر من إرثه الأدبي، والثوري، وطوَّعه بما يتلاءم مع تجربته التي يريد لها أن تكون تجربة جديدة، فريدة، لأن الإبداع معركة داخل اللغة والموروث، ومحاولة للقفز بعيدًا، لقسر اللغة على التجدد، هذه المحاولة تستمر لدى الشاعر ولا تتوقف[18]. ولكن هذا التجديد، تجديد من قلب التراث، لا يشكل حدًا فاصلاً، وقطيعة معه، وإنما هو استمرار له، في مرحلة تتطلب تجاوز شكله القديم، يقول:

الحداثة الشعرية بالنسبة إليَّ هي كيف تعيد الحياة إلى اللغة على إيقاع زمنك الحديث، هذه بالنسبة إليَّ حداثتنا العليا الشعرية[19].

فالحداثة إذن هي حالة لتطور الموروث، هذه الحالة لا تهدم ولا تنفي، وإنما تعيد صياغة الأفكار واللغة بشكل جديد يتلاءم مع المضمون الذي ينشده الشاعر، في محاولة لخلق جماليات جديدة تجذب انتباه القارئ، فيبلغ الشاعر بالتالي غاية القصيدة وهدفها في إيصال المعنى الذي تبنى إخراجه إلى العامة.

هذا التجديد الذي أراده الشاعر لقصيدته، يشكل أولى أساسيات التطور الفني لقصيدته التي لم يرد لها أن تأخذ شكلاً نهائيًا، يوصلها إلى الجمود الشكلاني، الذي يفقدها بريقها، وألقها، وجماليتها، ويضعها، من ثمّ، في إطار المتكرر الرتيب، المنفر. ولكن بديهي أن القصيدة الجديدة وقد لجأ فيها الشاعر إلى التعامل مع الموسيقى واللفظ والصورة.. الخ تعاملاً جديدًا، بديهي أن يختلف الإطار العام الذي يضم هذه العناصر عن الإطار القديم، وكما كان هذا الاختلاف بين الشاعر المعاصر والشاعر التقليدي في استخدام وسائل التعبير الشعرية الأساسية، ضرورة فرضها التطور العام في معنى الشعر ومهمة الشاعر، فكذلك كان اختلاف إطار القصيدة الجديدة عن الإطار القديم ضرورة يفرضها ذلك التطور نفسه[20]. فالقصيدة الجديدة عند محمود درويش مبادلٌ موضوعي للخراب واليأس، ودخول جميل في الفوضى اللذيذة التي يحاول إحالتها إلى إيقاع داخلي منظم، يقول:

أن أبدع مأزقي بيدي خير لي من أن يعيرونني فرحًا بالأجرة من أجل أن يشرّعوا الخطأ[21].

القصيدة الجديدة هي الأمل الثوري، التي تحلق في سماء الإحباط، لامعة كنجمة، عذبَة كجرعة الرمق الأخير، يؤسس بها محمود درويش لإيقاع الحركة والتطور، خلال مسيرته الشعرية المتقدمة التي تأخذ فيها القصيدة، أبدًا، مهمّة التعبير عن الواقع الجديد، للخروج من أعباء الانكسارات، وترهل الانتظار، واستشراف المستقبل يقول:

إن في وسع القصيدة العظيمة أن تنهض من الخراب، إذا كان يحركها أمل عظيم، أو يأس عظيم[22].

أهم مسببات التطور الفني والإبداعي عند درويش:

قد يكون من الصعب، الإحاطة بمسببات الإبداع، والتطور عند الشاعر، وذلك بسبب تعقد عمليه الخلق الفني، كما يصعب أكثر، الكشف عن الجوانب التي تدعو الشاعر إلى تبني نهجًا معينًا في قصائده؛ لعدم معرفة نسبة الحضور الذهني للشاعر أثناء عملية الإبداع، وبسب عدم القدرة على الفصل بين الذوق النقدي للشاعر، والقدرة الاستيعابية للجمال عند المتلقي، التي تعتمد أساسًا على مقاييس قد تكون ذوقية شخصية، أو سائدة عامة.

ولكن في حالة الشاعر درويش، قد تتمكن من خلال تتبع مسيرته الشعرية، وسيرته، والتزامه بقضيته وقضية شعبه، وتلاحمه مع الفكر الثوري أن نكشف عن بعض الجوانب الإبداعية عنده، التي ولدت إنتاجًا شعريًا، ربما كان صيرورة طبيعية للحرمان واللجوء، والاغتراب الداخلي، ومحاولة التوفيق بين همّه القومي والإنساني.

ومما لاشك فيه أن محمود درويش، ابن القضية الفلسطينية، وهو تلميذ هذه المأساة، وابنها، وشاعرها، ومغنيها الكبير. بالإضافة إلى هذه العوامل كلها فاننا نلتقي في شعره بملامح أخرى لنفسيته وموقفه الفكري، فهو شاعر (التفاؤل الثوري) بكل معنى الكلمة إنه يؤمن إيمانًا (صوفيًا) بعدالة قضيته، وضرورة انتصار هذه القضية، ولا يعبر في شعره عن يأس أو روح عدمية قائمة، وهو شاعر الأرض يتمسك بها، بأعشابها، بصخورها وتراثها وترابها إلى أبعد الحدود[23]. والشاعر في شعره يعبر عن رأيه وردود أفعاله تجاه واقعه، فالمبدع أيضًا هو ابن شرعي لوجوده له حركته وأفعاله ورؤيته. والعمل الإبداعي ومبدعيه ومتلقيه هم مادة هذا الوجود[24].

وأول ما يلفت انتباهنا في سيرة محمود درويش الأدبية، أنها ترتبط بشكل مباشر بمأساة شعبه، التي تتجلى أكثر ما تتجلى بالحرمان، والغربة، وللجوء. فكثيرًا ما يعود درويش إلى مرحلة طفولته المحرومة التي يستمد منها الزخم الثوري، والإبداعي، إذ إنها تسكنه كهاجس يلازمه أبدًا، وكلنا يعرف مدى أهمية مرحلة الطفولة في وعي الإنسان، يقول إن طفولتي سبب مأساتي الخاصة التي ولدت مع بداية مأساة شعب كامل[25] ذلك لأن النكبة حملت للشاعر تغيرات حادة جارحة، فجعلته كائنًا غير معترف به، بعيدًا عن قريته، يعيش الفقر في داخل أسرة عدد أفرادها كبير، لاجئًا في أرضه دون جنسية[26]. وهذا الفقد حرمه من أهم مقومات الحياة (الوطن) وأمدّه بقدرات تعبيرية، إذ تضخم إحساسه بالفقد نتيجة لنزفه المستمر، فبعد أن حرم الطفولة ومكانه الأليف (المنزل والوطن) في المرحلة الأولى، حرم الانتماء إلى جنسيته، كما حرم حريته في المرحلة الثانية، مما رفده بجمله مفردات معبره جديدة أغنت معجم تجربته، كذلك دفعه ذلك الحرمان إلى تبني أيديولوجية ممكنة[27]. هذه المرحلة من عمر الحرمان، والتشرد، ستترك عند الشاعر آثارًا نفسية ضاغطة تحمله على ترك ألعاب الطفولة، وتزج به وجهًا لوجه، أمام تساؤلات كبيرة ووعي آخر يخرجه من طوره العمري، أحسست فجأة أني أنتمي إلى الكبار. توقفت مطالبي وفرضت عليّ المتاعب[28].

ويؤكد محمود درويش على ما أمدته به هذه المرحلة من ربط بين ذاكرته الشخصية، وذاكرة جمعية، ذاكرة البحث عن الوطن والهوية والمكان، من هنا، من كفر ياسيف، من الجليل، بدأ أول الطريق إلى وضع الهاجس الشخصي والسؤال الذاتي في مكانه من السؤال العام، واتضح الوعي الأول بالتلاحم التلقائي بين الذاكرة الجمعية، والذكرى الشخصية، حين كانت هذه القرية / البلدة تحمل من الإشارات والمعاني أكثر من مساحتها الجغرافية. فلم نتعلم من المدرسة بقدر ما تعلمنا من محيطها، من الصراع الملتبس على الاسم، على هوية المكان وعلى هوية الكائن، من غاب منا، ومن حضر، ومن وقف، مثلي، بين المنزلين حاضرًا غائبًا[29]. هذا الحرمان من الطفولة، وترافقه مع وعي وذاكرة ترتبط مباشرة بانكسارات شعب بأكمله؛ حمله على الهروب، اللجوء، التشرد، فارتبط المخيم القابع في اللامكان، جدليًا، مع الوطن المرتبط بالذاكرة، ما عمَّق في نفس الشاعر إحساسه بالانقسام، والتشظي، فكان له أشد التأثير في قصيدته، ذلك لأن بين الشكل والمضمون تداخلاً وتجاذبًا، مهمّا في الوقت الذي يصنعان فيه بنية فنية موحدة، إذا بأحدهما ينعكس على الآخر فيتأثر به. وهذه الصورة الجدلية بين الشكل والمضمون، في كل عمل فني، ليست إلاَّ انعكاسًا لتلك الجدلية بين الذات المفردة، والذات الجماعية[30]. أي أن الشاعر بدأ يبحث عن ملاذ آخر، عن شكل آخر، يحتوي معاناة شعبه، ويحتمل أعباء المراحل المتغيرة والمتأثرة أبدًا بتجاذبات الذاكرة، إذ أن نشوة الإبداع قد هونت على الشاعر الآلام، بل جعلته يستعذبها[31]. فالقصيدة عند درويش أخذت شكل المبادل النفسي الذي يتداعى إليها الشاعر كلما واجَه سؤال الوطن والقضية والتشرد.

كذلك فإن اللجوء والبحث عن المكان والوطن، الفردوس المفقود، أسهم في بناء قصيدة درويش، وهذا اللجوء لم يكن لجوءًا إلى خارج الوطن فقط، فالشاعر حتى بعد عودته إلى وطنه، كان يشعر بغربته وبأنه لاجئ في وطنه، هذا الوطن المحاصر من داخله، الذي يحمل كلَّ أنواع القيود والعسف بحق أبنائه. الوطن المحتل، والمحاصر، الذي ينطوي على النفي، والتشتت، بين حلم الانتماء، وحقيقة المخيم. يقول درويش:

اتضح لي بمنتهى خيبة الأمل، أني لم أعد إلى منبع الأحلام، لم أعد إلى رقاق الطفولة، كل ما في الأمر هو أن اللاجئ قد استبدل عنوانه بعنوان جديد كنت لاجئًا في لبنان، وأنا الآن لاجئ في بلادي[32].

هذه فعلاً رحلة بحث عن الأنا المنقسمة والموزعة. البحث عن المكان أسهل لأن المكان تغير بوضوح[33]، فما هو موقف الشاعر عندما يتوزع بين: الغياب، والحصار، والقصيدة، والبحث؟ وماذا تفعل اللغة أكثر من الدفاع عن ثقافتها، عن ذاكرة جماعية، ومكان مكسور، وهوية، وعن عناد الأمل المحاصر بالقنوط والتشكيك، فما من شيء غير الخيال بقادر على إعادة تركيب الزمن المنكسر[34]. ورغم كل ذلك فالإنسان الشاعر، والمناضل الثوري، الذي يبحث عن موطئ لقضيته في أسماع العالم، لم يقف مكتوفًا أمام الاحتلال، فكانت قصائده تصب في أسماعه نارًا وحممًا، بعد أن زج بنفسه في معركة المصير، فأدى به ذلك إلى دخول تجربة السجن، هذه التجربة التي صقلته وأمدته بمفردات جديدة، سببها أنه أصبح يرى الوطن والعالم من خلف القضبان، ومن كوة صغيرة؛ كجرح في جدار مظْلم. يقول درويش:

إن السجن يرغم المرء على المراجعة والتأمل في كل شيء. وكون السجين مقطوعًا عن العالم الخارجي ومحرومًا منه يجعل ارتباطه العاطفي والفكري به أكثر التحامًا وحميمية[35].

أي أن هذه التجربة عمقت صلته بقضيته ووطنه، وجعلته أكثر شغفًا وقناعة بنضاله، وهذه الغربة الأخرى جعلته يتأمل بعاطفة مشبوبة، وفكر صاف، أمدَّه بنسغ إبداعي جديد. يتبين مما تقدم أن سيرة محمود درويش، والسياق التاريخي لها قوى فاعلة أسهمت في تطور أسلوبه ورؤيته إلى الحياة والشعر. ومن هذه القوى عمليات الفقد المستمر، فقد الوطن، والقرية، والبيت، والطفولة، والحريّة، وتعرضه للطرد والسجن، والاعتقالات الجبرية للحد من تنقلاته، ومضايقته اجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا[36].

ولا يخفى على قارئ أعمال درويش مدى تأثره بفكره السياسي، الذي كان يؤمن به، ويظهر ذلك في قصائده. فدرويش انتسب سياسيًا إلى الحزب الشيوعي، وهو يؤمن فكريًا بالماركسية، كأداة لتحرير الإنسان من الظلم والصراع الطبقي، ويلتزم بها نهجًا ثوريًا، ينعكس في أعماله رافدًا لنهر إبداعه يقول:

إن المنهج الاشتراكي العلمي أعطاني ما يسمى بالتفاؤل التاريخي، وأعطاني الأسلوب، والمنهج لفهم التطور الاجتماعي والتاريخي، وأغنى رؤاي وآفاقي بالأمل الواعي[37].

ومحمود درويش لم ينتسب إلى الحزب الشيوعي كرد فعل على الاحتلال، وإنما كان انتسابه للحزب إيمانًا به وبقضية الإنسان، وحركة الشعوب في أي مكان، نحو التحرر، والقضاء على الظلم، والاستبداد. يقول:

حين شعرت أني أملك القدرة على أن أكون عنصرًا في الحزب، دخلت إليه في عام 1961، فتحددت معالم طريقي، وازدادت رؤيتي وضوحًا، وصرت أنظر إلى المستقبل بثبات وإيمان. وترك هذا الانتماء آثارًا حاسمة على سلوكي وعلى شعري[38].

ويلاحظ القارئ أثر هذا الانتماء بالفعل على قصائد درويش ذات البعد التفاؤلي الثوري، يقول في قصيدة (تلك صورتها وهذا انتحار العاشق):

يا أصدقاء البرتقال الزينة اتحدوا!

فنحن الخارجين على الحنين.. الخارجين على العبير

نسير نحو عيوننا.. ونسير ضد المملكة

ضد السماء لتحكم الفقراء

ضد محاكم الموتى

وضد القيد قوميًا

وضد وراثة الزيتون والشهداء[39]

فالشاعر حمل على كاهله مسؤولية التبشير بالثورة والفكر، كشكل من أشكال الأداء والتعبير الذي لا يستطيع أن يمارسه إلاّ من خلال قدرته على إثارة وعي جماهير القراء؛ التي تشكل جزءًا من قوى الحركات الثورية، فنحن عندما ننظر إلى أنواع الأداء والتعبير الفني في الأدب العربي الحديث سوف ننظر إليها، إذن، من خلال هذا الإطار العام لمعركة المصير، أي من حيث قدرتها على أن تكون جزءًا في هذه المعركة، وعامل إغناء روحي وإثارة للوعي العام بجوهر المعركة التي تجابه شعبنا كله، والتي يصل لهيبها إلى كل قوى التقدم فيه ومنها القوى التي تبدع الفن الأصيل[40].

وهذا الانتماء، جعل درويش يشعر بأنه جزء من أدب الثورة العالمي، وجزء من حركة الثورة العالمية، يقول:

أيها الأصدقاء.. يصعب هنا وضع الفواصل بين الأدب والسياسة وأنا كاتب لا يتفرج على الحياة بل يلتحم بها.. وأنا مواطن عالمي وقضيتي جزء من الحركة الثورية العالمية، وأفخر بانتمائي إلى أسرة التقدم والتحرير والاشتراكية التي تمارس تأثيرها الفعال لتغير العالم تغيرًا جذريًا. وأنا مواطن عربي، وقضيتي الخاصة جزء لا يتجزأ من القضية العامة للشعوب العربية[41].

ولكن هذا الانتماء كان يثير في نفسه الخوف من الانحياز إلى السياسة على حساب الفن، أو الفن على حساب السياسة، يقول:

ولكن المواجهة النفسانية الداخلية تثور فيَّ عندما أجلس لكتابة الشعر.عندها يجري الحوار بين إحساس الفنان وبين الوعي السياسي[42].

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان يتنازع الشاعر همّ المزج بين انتمائه القومي وقضيته من جهة، وانتمائه الإنساني وقضية الإنسان من جهة؛ أحاول المزج بين انتمائي القومي وانتمائي العالمي الإنساني، وأحاول أيضًا أن أعمق حاضري بخبرة العناصر الكامنة في الماضي، وبأجمل ما يظهر لي في المستقبل[43].

فهل يمكن لهذا التأثير السياسي والأيدلوجي الفكري، أن لا يطبع قصيدة الشاعر برؤى جديدة تمده بأفاق واسعة، وتدفع حركية القصيدة باطراد يساير حركة الثورة نحو إبداع جديد وحرية أخرى.

وهذا المنهج السياسي الذي تبناه الشاعر، يقابله منهج فني، هو الواقعية الاشتراكية، التي تحض على تطوير أدوات الشعر والأدب. ودرويش الشاعر يمتلك من الثقافة النقدية والأدبية ما يؤهله لامتلاك آفاق متجددة، فمن أجل تصوير الواقع خلال تطوره، لا يكفي أن يكون الفنان مقتنعًا بانتصار الاشتراكية أو بمعرفة المبادئ الاجتماعية العامة. يجب أن يقدم أشكال الانتقال (والتحويل) في كل مظاهره المحسوسة والمتناقضة[44]. وبذلك نرى أن الشاعر يجب أن يستمد من منهجه السياسي الفني، طرقًا أخرى للتعبير، وهي طرق غير ثابتة، ستجبره على تغيير ثوابته الفنية، إن لزم التعبير ذلكَ، ويحثّه على البحث عن أدوات جديدة، خصوصًا، عندما يبلغ التعبير مستوى إنساني أشمل.

مفهوم الرؤية الفنّية:

كل شاعر، بشكل أو بآخر، ناقدٌ. يظهر ذلك، شاء الشاعر، أم أبى من خلال تبنيه مواقفًا معينة، من قضايا فنية، أساسية، تصبح فيما بعد خطوطًا عريضة، تسايرها كتاباته الإبداعية. ولكن أين تكمن الآراء النقدية للشاعر؟ وهل ينبغي لكل شاعر أن ينظِّر، نقديًا، لمنهج ما؟ أم أن على الشاعر أن يكتب، وكفى؟

نلاحظ أن الشعر، يتداخل مع النقد عند الشعراء، خصوصًا في المراحل التي يغيِّر فيها الشعر مساره بتجاوزات وتحولات تخرج عن المألوف، هذا ما يدفع الشاعر إلى الدفاع عن رأيه، تنظيرًا، أو من خلال الشعر نفسه. فمن الملاحظ أن أبا تمام، في مرحلة صعود تجديده الشعري، كان ناقدًا وشاعرًا، يتبنىّ منهجًا جديدًا، هو مذهب الصنعة، في شعره ونقده، يبثّ آراءه النقدية عن الشعر. وكذلك كان أبو نواس يتَّخذ من أشعاره وسيلة لعرض آرائه النقدية؛ في الخروج عن موضوع الطلل، وخروجه عن عمود الشعر، والتقليدية القديمة:

لا تبكِ ليلى ولا تطرب إلى هند     واشرب على الورد من حمراء كالوردِ[45].

فهذه، ولا شك، آراء نقدية، يعبِّر فيها الشاعر عن وجهة نظره، أو موقفه من الشعر القديم وموضوعاته، ومن الشعر الجديد وموضوعاته. هذه الآراء، تمثل النهج الفني الذي سيسير عليه الشاعر، في رحلته الأدبية.

وكذلك في أشعار المتنبي، ما يعبر عن آرائه، التي قد تخرج من المستوى الأدبي النظمي، إلى المستوى الجمالي الفني، وإلى علاقة الشاعر مع الكلمة لحظة الخلق الشعري، يقول:

أنام ملئ جفوني عن شواردها     ويسهر الخلق جَرَّاها ويختصم[46]

فهو يعبر عن العلاقة العفوية الطبيعية مع الكلمة، التي تأتي عفو الخاطر، دون تكلف، أو جهد، أو اصطناع، مطواعة لا تحتاج إلى وسائط الذهن، والتفكير، والقلق.

فالقصيدة منبر الشَّاعر، يبثهّا آراءه النقدية، كما يضمنّها انفعالاته، وعواطفه. ونرى أن محمود درويش، يعتلي هذا المنبر، كسَلفه من الشعراء. فهو شاعر الثورة والقضية، وهو شاعرٌ مجدّدٌ بالشكل والمضمون، يوفق ما بين حركة الحداثة من جهة، وبين الأيديولوجيا والثوابت الفنية، التي يؤمن بها من جهة أخرى. لذلك كان عليه أن يحدد موقفه في مسيرته الشعرية، من قضايا الشكل والمحتوى الأدبي، ودرويش لم يكتب النقد الأدبي، لأنه شاعرٌ قبل كل شيء، ولأنه يخاف الانحياز إلى تجربته:

أحب أن أقول إني لم أدخل في كتابة التنظير والنقد الأدبي من منطلق أنه من الصعب على الشاعر ناقدًا أن يكون عادلاً، الناقد الذي يقدم نظرية شعرية، مهما ادعى الموضوعية أو القدرة على التعامل مع نصوص غيره، سيكون مشغولاً أكثر بالتنظير لتجربته ومع احترامي لشعراء كثيرين في العالم، كانوا نقادًا وشعراء وكبارًا أيضًا[47].

ولكن هناك قضايا في الشعر، كان لا بد للشاعر من أن يوضح موقفه منها، فمثلاً، الأدب الواقعي تخلى عن القواعد والأسس الشكلية، لأنها لا تتناسب مع مضمونه الجديد، فبدأ يجد الوسائل الفنية الملائمة للتعبير عن مضمونه إذ من غير المعقول أو المقبول أن يكون مضمون الأدب الواقعي جديدًا، ووسائل التعبير عنه قديمة والعكس صحيح، لذلك لجأ الشاعر الواقعي إلى الشعر الحر، ووجد فيه شكلاً مناسبًا لمضمونه الجديد[48] فكيف نعرف موقف الشاعر مثلاً، من هذه القضية. هذا يعني أننا يجب أن نبحث عن آراءه النقدية في شعره، وبعض أعماله الأخرى، كالنثر، والحوارات الصحفية، خصوصًا أن درويش نفسه، يحيلنا إلى قصائده لمعرفة هذه المواقف، يقول:

في رأيي أن الشعر يقول نظريته أكثر مما تقول نظريته عنه. أي أن الشعر يقول عن الشعر أكثر مما تقول النظرية عن الشعر. الشعر هو الذي يقول ذاته، وعلى المنظرّ، أو الناقد، أن يستنبط المفهوم الشعري عند الشاعر من خلال قراءته النقدية لشعره[49].

ذلك لأن قصيدة درويش هي هويته وشخصيته الوحيدة، كما يقول، التي تجيبنا عن تساؤلاتنا، بما يتعلق برؤية الشاعر، وموقفه الفني، لا أحد يعود إلى مرآته الأولى إلاَّ ليهرب من ذاته الأولى إلى ذاته الثانية. أو ليقفز من وجهه إلى قلبه، ومن قلبه إلى ماضيه. لكن الماضي لا يصلح للإقامة الدائمة، بل لزيارة ضرورية، نحاكم من خلالها أفعالنا، نحس ما في الزمن من تاريخ، ونسأل هل كنا جديرين بأحلامنا الأولى، وأوفياء لأرضنا الأولى؟ أما أنا فلعلي لا استطيع الإجابة، ولكني أحيل الأسئلة كلها إلى هويتي الشخصية الوحيدة: قصيدتي[50].

وقبل البدء في تتبع هذه الرؤى الفنية، والجوانب النقدية، يجب أن نشير إلى أننا لا نحاول أن نبحث عن مدى التزام الشاعر وتطبيقه لهذه الآراء في قصائده، وأننا سنستكشف هذه الجوانب النقدية، التي تعرضها لنا قصيدة درويش، وحركتها وتطورها في سيرورته الشعرية، ونبين أننا سنقوم بإضاءة هذه الجوانب، وسنكتفي بالآراء الواضحة، التي جاءت عفويَّة، لا تتطلب الكثير من الجهد في محاولة كشفها. وهي المباشرة، والاستخدام الرمزي للمفردات، والانفتاح الحر على الأساليب التعبيرية الشعرية. وسنحاول أن نبين، كيف حدد الشاعر موقفه، بين آرائه الأيدلوجية السياسية، وآرائه الفنية، فالشاعر كما أوضحنا، له رأيه السياسي الخاص، الذي ساهم في تشكيل الأرضية الثقافية التي صدرت عنها قصائده. يقول:

ويطرح أمامي سؤال للمستقبل، كيف أوفق بين شق الطريق أمام الكلمة لتمارس مفعولها بين الجماهير بصفتها كلمة ثورية من ناحية، وبين متطلبات الشروط الفنية المتطورة لهذه الكلمة؟[51]

فالشاعر حاول أن يوفق بين هاتين النقطتين، بحيث يعبّر كلّ منهما عن الأخر، وبحيث لايطغى جانب على أخر، فهو على وعي بضرورة تطوير قصيدته إلى الأفضل، وعدم التعاطف لحسابات سياسية تسقط القراءة الإبداعية من حقها في الاستمرارية، وبضرورة امتلاك رؤية للفن في إطار إيديولوجي[52]. فقد حاول أن ينهض بالجانب الفني في إطار إيديولوجي، عن طريق البحث عن طرائق فنية جديدة، تحمل هذا المضمون، فالنظرية النقدية الدرويشية أخذت تتخلق في حقل ذي قطبين متوازيين، إيديولوجي وآخر فني دون أن يستلب الإيديولوجي المبدع، فيفقده فنية الإبداعية وجمالية، ويجعل منه بوقًا سياسيًا يثير حماس الجمهور وتصفيقهم بدل أن يوعيهم[53].

فالشاعر كان يميل إلى الجانب الشعري، دون أن يتخذ منه أداة تبشيريَّة، تدعو إلى الإيديولوجي، وهذا ما نلاحظه، من خلال تنوع المواضيع في قصيدته. لذلك سنحاول فيما سيأتي الكشف عن تطور تلك الرؤى الفنية للشاعر، في قصيدته، وأعماله الأخرى، ذلك لأن خصائص ومواصفات أي نوع أدبي إنما يجري استخلاصها، نقديًا من خلال الأعمال الأدبية نفسها، لا قبل هذه الأعمال، ولا من خارجها[54].

تطور الرؤية الفنية عند محمود درويش:

يؤكد الفارق الفني بين أعمال محمود درويش الأولى، والمتأخرة، أولية الرؤية التطورية للقصيدة. إذ لا يكفي للشاعر أن يكون مجددًّا، وإنما عليه أن يبني على تجديده صرحًا خاصًا متفردًا، عن طريق البحث المستمر عن وسائل وأدوات فنية، تتطور مع القصيدة، لتتزيا أبدًا بحلَل تزيدها ألقًا وجاذبية. والذي يتحسس الفوارق بين قصيدة مطلعها:

وطني يعلمني حديد سلاسلي عنفَ النسور ورقَّةَ المتفائل[55]

وقصيدة أخرى يقول فيها:

نزف الحبيب شقائق النعّمانِ،

أرض الأرجوان تلألأت بجروحِهِ،

أولى أغانيها: دم الحبّ الذي سفكته آلهةٌ،

وأخرها دم...

يا شعب كنعانَ احتفلْ

بربيع أرضك واشتعلْ[56]

يدرك أن التباين في المستوى الفني بين المثال الأول، والثاني لم يعبَّأ بالفراغ، والشاعر لم يصل إلى مرحلة ناضجة في القصيدة، بقفزة واحدة، وإنما هناك خطواتٌ سارت عليها هذه القصيدة، لتبلغ هذا المستوى المتطور. ويدرك كذلك معنى قول درويش:

أنا لا أشعر نفسي شاعرًا ناضجًا، لا أشعر بالرضا الفني وأنا أحد الذين يعتقدون بأن الفنان الذي يتوصل إلى الرضا عن نفسه يفقد مبررات استمراره. صحيح أنني نجحت في تحسين أدواتي الفنية، ونجحت في قهر تناقضاتي ولكني لا أشعر بالرضا الفني[57].

فدرويش يشترط لاستمراره كشاعر أن يدرك حقيقة الشعر، وأن لا يشعر بالقناعة والرضا عن نفسه، وعن قصيدته؛ مما يمدّه بكل أسباب البحث عن الأدوات والأشكال المتجددة؛ التي تتجاوز بها القصيدة قوانين الراهن الساكن، الذي قد يحولها إلى قالب موميائيٍ، ويجعل الشاعر رهين العادة، لأن كل شعر حقيقي أصيل هو ثورة داخل حركة الشعر نفسه، هو تجدد دائم الغنى لنظام اللغة ونظام القصيدة والعمل الشعري، وكل إنكار تعسفي لحركة التجديد هذه، ولضرورتها، وللثورة داخل الشعر التي تعبرّ عن ضرورة الحركة، يؤدي إلى جمود قاتل، إلى موقف رجعي، إلى مراوحة في المكان، بينما حركة الشعر مستمرة في تجدد دائم[58].

ودرويش يدرك هذه الحقيقة، التي دفعت قصيدته للتطور بخطٍّ يسَاير تطور موضوعها الرئيسي، موضوع الوطن، والقضية، وتطور موقف الشاعر السياسي، الذي يستقرئ الواقع والمتغيرات، ما جعله يبحث عن أوفى أشكال التعبير عن هذا التغير، بل دفعه لاستشراف المستقبل عن طريق حدس الشاعر، فالأدب الأصيل هو باستمرار:

اكتشاف ما لم يعرف الجمهور من قبل[59].

ومعنى هذا أننا لا نستطيع أن نضع للفن معايير مطلقة، نزنه بها، ونقدره وفقًا لها، وإنما نشتق هذه المعايير من واقع المرحلة الحضارية التي يعيشها الفنان في مجتمعه[60]. هذا يعني أن تغير معطيات الواقع يجب أن تلزم الشاعر، لا سيما الشاعر الثوري، بتطوير قصيدته بما يلائم هذا التغير يقول درويش:

من وظائف الشعر أن يعطي دائما حياة جديدة للغة، هو الذي يجدد اللغة[61].

وهذا التطور في قصيدة درويش، وفي لغته، لا يحتاج إلى شواهد، ولا يحتاج إلى كشف فهو واضح جلي لكل من يقرأ أشعاره، وهذا التطور هو مسافة الحرية بين الشاعر والكلمة والإشارة من صورة أو رمز، إنه حركية العلاقة بين المبدِع والمبدَع، هذه الحرية تجعل كل متحقق منطلقًا وهدفًا لإعادة النظر، وتجعل الإبداع البشري صيرورة دائمة[62]. وبذلك يتحول كل جديد، وفق هذا المنظور، إلى راهن، يحتاج إعادة النظر فيه؛ ليخرج من رحمه مولودٌ يحمل نضارة جديدة، ثم ينطلق مجددًا، باتجاه إبداع آخر أكثر تطورًا، يقول درويش:

نجوت من حوادث الطرق، لأني لا أمشي على طريق، حيث تحط قدمي تكون طريق[63].

وما حوادث الطرقات هذه سوى الوقوع في الشكلية والجمود، لذلك فقد تبنى الشاعر خيار. الحرية، فكيف عبَّر الشاعر عن هذا التطور؟

أ - المباشرة:

ارتبطت قصيدة درويش، في مرحلتها الأولى، بتفتح وعيه على الكلمة إذا كانت قصيدة ناشئة تتخير الشكل الأمثل لتتبلور فيه، هذه المرحلة عاش فيها درويش في الأرض المحتلة، وقد عانى مرارة وجوده في حالة حصار دائمة، فنشأ وقد تجاذبته قضيتان، لن تفترقا في المستقبل، الشعر والوطن، لذلك شكَّلت الغنائية أساس شعريته الأولى، فهي أي الغنائية اندمجت في تلك المرحلة مع رومانسية معذبة لم يتح لها أن تأخذ مداها بوجود عامل الوعي الاجتماعي والقومي حين أطلَّ درويش، وهو شاب، على المشهد المعقد في ظل الاحتلال[64].

وكانت قضية الشعر تأخذ مسار التعبير المباشر، ورفض القديم رغم تأثره بأشكاله، وذلك لإيمانه بضرورة وجود أسلوب، وشكل جديد خاص، ففي زمن المعادن، والآلة، والبترول، والمصارف، وإيديولوجيات العنف والحذاء العسكري، أصبح الشعر نبيًا مفقودًا. وكما الأنبياء يخاطبون العامَّة بلغتهم البسيطة المباشرة، كذلك لغة القصيدة يجب أن تكون بسيطة يفهمها العامة، فقصيدته. مرتبطة بهمٍّ وطني ثوري، فهو إذن شاعر لا يطمح إلى دور النبوة، ولا إلى اصطناع ثورة قومية منعزلة. إنه يربط ثورته الشعرية بثورة شعبه[65]، لذلك فإنه غاية ما يريده، هو الوضوح، فالقصيدة التي تحمل على الثورة، يجب أن تكون المباشرة، أهم وسائل تعبيرها، لأن أي أثر أدبي تقدمي، في أي أشكال التعبير الفني تجلى به، لا يستطيع أن يؤدي دورًا مهمًا في معركة المصير العربي، إذا لم يصل إلى وعي الجمهور. ذلك لأن الجمهور هو السلاح الحاسم في معركة المصير هذه[66]. فالقصيدة يجب أن تحمل مضمونًا ثوريًا واضحًا لا يحتاج القارئ إليه التفتيش عنه، بلغة، هي لغة البسطاء من الناس يقول درويش:

قصائدنا بلا لون بلا طعم بلا صوتِ

إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت

وإن لم يفهم البسطا معانيها فأولى أن نذريها

ونخلد نحن للصمت[67]

نلاحظ باستخدام الشاعر مفردة (البسَطَا) في هذه القصيدة، مدى اقترابه من المفردات الشعبية، في محاولة للتوفيق بين شكل القصيدة وهدفها، أو بين النهج والغاية. مهمة الشاعر هو المثول أمام هذه الحقيقة، حقيقة تسرب القصيدة إلى وعي المتلقي بسهولة، وولوج المتلقي إلى أعماق القصيدة وإلاَّ فقدت هدفها، إذ إن الغاية الجمالية الفنية في القصيدة، تقترن الآن بغاية أسمى تتطلب اللغة المباشرة، والبعد عن الغموض، وإلاَّ أصبح الشاعر يغني في قعر الوادي ولن يسمع صوته أحدٌ:

أجمل الأشعار ما يحفظها عن ظهر قلب كل قارئ

فإذا لم يشرب الناس أناشيدك شرب

قل أنا وحدي خاطئ[68]

بذلك يغدو الشعر أغنية ثورية يتغنى بها الشعب، وهو لا يدعو فقط إلى السهولة والمباشرة، بل يجب أن يحمل الشعر بين طياته مضمونًا اجتماعيًا ثوريًا، يقول:

فلكي يفعل هذا الشعر مفعوله عليه أن يكون عملية للتغير فيتسلح بنظرية ثورية ذات محتوى اجتماعي، وهكذا يجد نفسه شعرًا جماهيريًا[69].

ودرويش شاعر يعاني همَّ القضية، وهمَّ الكلمة، التي لا تنفك تلحّ عليه، في مرحلة يحاول فيها خلق الهيكل العام، لقصيدته، بالإضافة إلى ابتكار لغة خاصة تشكل الأساس الذي يجب أن تقوم عليه قصائده القادمة من مفردات، ورمز، ومجاز، وصورة، بشكل يتساير مع علاقة الشاعر بالواقع، ومدى التلاحم والتلازم القائم على وحدة حقيقة، وحقيقة أن الشاعر هو الحالة الحركية للقصيدة، فيما تكون القصيدة هي الانبعاث الدائم، والصيرورة الناتجة عن جدلية (لشاعر / الواقع)، فنرى من ذلك مدى إلحاح الكلمة على الشاعر، ومدى ضغط التعبير عليه:

أمشي بلا لون، فلا أصحو ولا أغفو

وأبحث عن كلام؟ أتسلق الأشجار أحيانًا

وأحيانًا أحَدّق في الرغام...[70]

البحث والصيرورة هما قصيدة الشاعر، إنها نتيجة الجدل الصاعد أبدًا، الذي يتمخض عن ارتقاء دائم. وهنا يجب أن ندرك مدى تأثير المعتقد الماركسي على الشاعر، إنه الناطق الفني الذي يصور الواقع، والناطق الرسمي الذي يعبر عن الإيديولوجيا الفكرية الثورية، التي تعتمل في نفس الشاعر، الذي هو القصيدة في نفس الوقت، يتلاحمان فيأسر كل منهما الآخر في داخله، يحيا بحياة الآخر، ويموت بموته:

فالشعر دم القلب، ملح الخبز، ماء العين

يكْتَب بالأظافر والمحاجر والحناجر

سأقولها في غرفة التوقيف، في الحمام في الإسطبل تحت السوط

تحت القيد في عنف السلاسل

مليون عصفور على أغصان قلبي يخلق اللحن المقاوم[71]

فالقصيدة طائرٌ يتململ في صدر الشاعر، ينتفض بين أضلاعه، يحاول التعبير، ثائرًا، مقاومًا.

ب - الرمز:

في مرحلة أكثر تقدمًا، من مراحل نمو وتطور قصيدة درويش، نرى الشاعر يلوّن قصائدَه بالرموز. وهذا لا يعني، أن قصيدته كانت خاليةً من تلك الرموز، ولكن في هذه المرحلة يصبح الرمز ضروريًا في القصيدة. فهي ترتبط باغتراب محمود درويش وبالتالي بعْده عن الأرض التي أحبَّها، وبعده عن ميدان المعركة.

هذا البعد الجغرافي يستلزم معادلاً فنيًا في القصيدة؛ هو اللجوء إلى الرمز؛ الذي تتحول من خلاله البلاد إلى مجموعة من الألوان، والرموز، فتملئ القصيدة، بالزيتون، والبرتقال، والبيارات، والمناديل،... فالرمز الشعري مرتبط كل الارتباط بالتجربة الشعورية التي يعانيها الشاعر والتي تمنح الأشياء مغزىّ خاصًا[72].

واغتراب الشاعر هذا، جعل القصيدة تتحرك في مدار آخر، تطل به على القضية من زاوية أخرى، يقول:

ورحيلي هذا الذي أرجو أن لا يكون مؤقتًا عن وطني ليس تغييرًا لموقف أو قضية لكنه تغيير لموقع واختيار لموقع راسخ ووطيد[73].

هذا يعني أن القصيدة، ستأخذ موقعًا فنيًا جديدًا، تتطلبه المرحلة ومتغيرات الواقع. وهنا يجب أن ننتبه إلى أن درويش لم يحول القصيدة إلى قصيدة رمزية، وإنما، أخذ الرمز يظهر جليًا واضحًا، يقول:

كان من دوافع لجوئي إلى الرمز، في البداية، محاولة تخطي الواقع الذي لا يتيح لي إمكانية الحديث بشكل مباشر لأسباب سياسية، فكان لا بد من ممارسة، الاحتيال الفني لعكس واقعي وهكذا ترون أن الرمز كان ضرورة وحاجة ثم تحول إلى طريقة تعبير[74].

أي أن الرمز، أصبح عند درويش، كما يقول أدونيس:

اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة.[75]

وهو يستقي رموزه من أرض الوطن، ومن الطبيعة التي تعبر عنه، فالوطن هو الأشجار، والجبال، والبحر، وهو مناديل الوداع، والبيوت المهدمة، فرموزه تدرك المحنة وتعبر عنها، وتحسس الطبيعة، فتلون القصيدة بجمالياتها، ولا شك أن نشأة محمود درويش قد عمقت إحساسه بالطبيعة، وعلاقته الوجدانية معها، ذلك لأنه ولد في قرية فلسطينية، وعاش فترة طويلة من حياته في هذه القرية، والذين يعيشون في القرية يحسون بالطبيعة أكثر من أهل المدينة[76].

لغتي صوت خرير الماء

في نهر الزوابع

ومرايا الشمس والحنطة في ساحات حرب

ربما أخطأت في التعبير أحيانًا

ولكن كنت لا أخجل رائع

عندما استبدلت بالقاموس قلبي[77]

هكذا يصبح القلب بديلاً للمفردات، يعبر تلقائيًا بلغة، هي لغة الطبيعة (صوت خرير الماء)، والثورة (نهر الزوابع). والشاعر يحسّ بأن هذه الرموز تحاصره، وتكبله، فلا يستطيع الفكاك منها، والهروب من تأثيرها:

إلى أين أذهب

إن الجداول باقيةٌ في عروقي

وإن السنابل تنضج تحت ثيابي

وإن المنازل مهجورة في تجاعيد كفي

وإن السلاسل تتلف حول دمي[78]

لا بل إن الصمت نفسه، يصبح من هذا المنظور، رمزًا لما يدور في نفس الشاعر ويختلج في صدره، يعكس لغة القلب، لغة الرمز:

حاور السجان صمتي قال صمتي برتقالاً

قال صمتي هذه لغتي[79]

فالصمت، حتى الصمت، أصبح برتقالاً. ومحمود درويش يدرك هذه الأهمية للاستخدام الرمزي للمفردات، في القصيدة الجديدة، وكم يعطيها من آفاق أخرى تتوسع معها، إن الرمز في الشعر، يضيف أبعادًا أخرى للقصيدة أو يمنح أجنحتها مزيدًا من الريش، ولعل الرمز هو من أهم مميزات الشعر العربي الحديث، ومن أكبر القيم الفنية التي حققها[80].

واللغة المباشرة محكومة بزاوية ضيقة، تجعل حدود القصيدة قريبة، تفقد معها اللغة والمفردة، قيمتها التعبيرية، إذ إنها ستتحجر بالخطابة والتكرار، وهي، أي اللغة المباشرة، تعبرّ فقط عن عمليات التفكير البسيطة بيد أنها تعجز عن التعبير عن رؤية الفنان المتجددة باستمرار وعن عمليات التفكير الأكثر تركيبًا وتعقيدًا فضلاً عن أنها لا تستطيع أن تعبّر تعبيرًا قادرًا عن حقيقة مثل

الوعي الذي يدخل في تركيب حالات نفسية متشابكة[81].

ولكن هذا لا يعني أن درويش قد استخدم رموزًا نأت عن حاجة الجماهير وأصبحت عَصيّة على الفهم، ومن ثم دخيلة على القصيدة، وكذلك لم يأخذ هذا الرمز طابعًا تزيينيًا وإنما جاء معبِّرًا عن حاجة فنية، مرتبطة بالحاضر والظروف الواقعية، إذ إنه مهما تكن الرموز التي يستخدمها الشاعر ضاربة بجذورها في التاريخ، ومرتبطة عبر هذا التاريخ بالتجارب الأساسية النمطية (أي بوصفها رموزًا حيَّة على الدوام) فإنها، حين يستخدمها الشاعر المعاصر، لا بد أن تكون مرتبطة بالحاضر، وبالتجربة الحالية، وأن تكون قوتها التعبيرية نابعة منها[82]. فالرمز يجب أن يخدم قضية الشاعر، وبالتالي فإن الشاعر لا يفقد باستخدامه الرمز لوضوحه الفني، لأن رموز درويش، كما قلنا، مستمدة من الواقع بالإضافة إلى رموز التاريخ؛ فالواقع تحول بدوره إلى إيحاء يخدم الشاعر وقصيدته، ويتطور مع تطور تجربة الشاعر، يقول:

أشياء الطبيعة هذه، هي التي غالبًا ما تتحول عندي إلى الرمز، فالبرتقال والزيتون مثلاً هما من أقوى معالم الطبيعة في بلادي[83].

والرمز يغدو، بالإضافة إلى أنه ضرورة فنية، مبادلاً نفسيًا، فهو يتساير مع حالة الاغتراب، ويؤدي دور الحاجز الشفاف بين الشاعر ولغته المباشرة، كما الاغتراب، يمثل الحاجز بين الشاعر ووطنه. وهو مبادل موضوعي، إنه البلاد في المخيلة، والبلاد حين تسكن اللغة. ولكن هذا الرمز وفي لحظة للبوح، ينفلت من عقاله، ويخرج إلى سطح وعي القصيدة والشاعر في حداثة تصادم شعوري بحت، ضاربًا، محاولات التستر والكتمان، والاحتجاب، معرّفًا عن نفسه، الرمز هو اللغة، واللغة هي البلاد:

ما بيني وبين اسمي بلاد

ليس لغةٌ ولكني أسميك البديل[84]

في لحظة انفعالية يعجز الرمز عن التعبير فيسمي الشاعر الأشياء بمسمياتها الحقيقية، لأن واقع القصيدة يتطلب ذلك، ولأن الحاجز النفسي بين الشاعر واللغة، يعدو أكثر شفافية:

وأنا أكتب شعرًا، أي: أموت الآن. فلتذهب أصول

الشعر وليتضح الخنجر ولينكشف الرمز: الجماهير

هي الطائر والأنظمة تسمى قتلة[85]

والشاعر عندما يستخدم الرمز، الذي يحمِّله بعضًا من كثافة المفردة في القصيدة، فهو كذلك يحمِّله جزءًا من تجربته الشخصية وبعضًا من أعبائه، وأكثر ما نلاحظ ذلك عندما يستخدم الشاعر الشخصيات الرمزية، التي يتعامل معها درويش كثيرًا، كامرئ القيس، المتنبي، سوفوكليس... إذ يسقط على هذه الشخصيات من ملامح شخصيته، وتجربته، ويقتضينا هذا التطور لهذه الشخصيات الرمزية أن نتوقعها في السياق الشعري نفسه وقد حملت عن الشاعر عبء التجربة الشخصية من جهة، أي عبء تجربته الخاصة المنفردة، وفي الوقت نفسه حملت معها وجهها الشمولي في التعبير عن التجربة الإنسانية العامة أو عن وجه من وجوهها الأساسية. من جهة أخرى، ينبغي أن تحمل هذه القصيدة الشخصيات في السياق الشعري ملامحَ الشخصي والعام، أو - بعبارة أدق - الفردي والجمعي[86]. فنرى بذلك أن محنة امرئ القيس، تحمل محنة الشاعر، وقصيته، واغترابه، وبحثه عن الذات وعن الكلمة، ويسقط طموحات المتنبي على طموحاته، فيحمل الرمز بذلك شيئًا من هموم الشاعر التعبيرية.

ومع مضي الشاعر باتجاه الاستخدام الرمزي، يتابع رفضه للشكل القديم للقصيدة، الذي قد يجعل منه شاعرًا تقليديًا، يفقد معه هويته كشاعر ينتمي لقضيته، وقصيدته الخاصة، أي لتجربه بشكل مباشر، متبنيًا شكلاً جديدًا، ومستقلاً، وزنًا، وقافية، ونغمًا، وإيقاعًا، بما يتلاءم مع العناصر الجمالية المسيطرة، من مجاز، وإيحاء، ورمز، فهو يرفض المباشرة التي هي نهاية الأشياء، إذ تقدم الأفكار بسذاجة تفقدها جاذبيتها، وتفقد معها الشعري والجمالي، لذلك يجب أن يستبدل القالب الموسيقي الوزني، بإيقاع آخر، كهوية أصيلة للشاعر والقصيدة:

أنا ضد العلاقة أن تكون بداية الأشياء دائمة البداية

هذه لغتي أنا ضد البداية

أن أواصل نهر موسيقى تؤرخني وتفقدني تفاصيل الهوية

هذه لغتي أنا ضد النهاية

أن يكون الشيء أوله كآخره وأذهب هذه لغتي[87]

هذا يعني التزام الشاعر بقاعدة شعرية، يستنها لنفسه. بل يؤكدها كقاعدة مختلفة، أساسها الإيقاع الخاص الذي يذهب معه إلى أبعد مدارك الانسجام:

إنه الرمل مساحات من الأفكار والمرأة

فلنذهب مع الإيقاع حتى حتفنا

في البدء كان الشجر العالي نساء

كان ماءً صاعدًا كان لغة[88]

إنها حريّة الإيقاع، التي تتيح للشاعر الإيغال في التعبير، إنه النسغ الذي تبدأ به القصيدة، فيمدها صاعدًا من جذورها الأساسية؛ جذور اللغة. ما سيتطور في مرحلة متقدمة من قصيدة درويش، عندما تذهب إلى أبعد من ذلك، في ولوجها إلى تجارب إنسانية أبعد من ذلك، وهي مرحلة متقدمة، تأخذ القصيدة فيها شكلاً فنيًا، شاملاً.

جـ - الانفتاح على الأسطورة وأشكال التعبير الحرَّة:

في هذه المرحلة، تقترب قصيدة درويش، من شكلها الأنضج، الأقرب إلى الشكل الشمولي، الذي يعالج أدق التفاصيل، ليبني عليها لغة جديدة، تتراكب لتبلغ منتهى الفكرة التي توَّحدَ الشاعر معها، وسخر شعره لها. الوطن، الأم، القضية، الهاجس الذي سكن نفس الشاعر، وملك القصيدة. يتملاها، بأصغر تفاصيل الحياة، ويساير مطلق الهم الإنساني العام. هو محنة الشاعر، ومحنة الإنسان، مثلما هو الوتر الذي ينسجم مع نشيد العام، وهو وتر الشاعر الخاص، الذي يعزف عليه؛ لإثارة الإنسان وعيًا وإحساسًا ووجودًا، لذلك يتمثل الشاعر ثقافات الأمم وأساطيرها وقضاياها، وينفتح على كل الأساليب. فكان على درويش أن يهضم هذه الخيرات والتجارب، ويحدد موقفه منها بما يلاءم قضيته التي يريد لها أن تكون حلقة في سلسلة الخبرة الجمعية للإنسان، لتكون مؤثرة وفاعلة في ضمير الشعوب، وهو يطمح لأن ينقل قضية شعبه بكل أبعادها إلى الصفحات التي تستحقها في ديوان الشعر الإنساني. وهذا شيء أكيد لشاعر تثقف على أشعار نيرودا ولوركا وحكمت وغيرهم من شعراء الإنسانية والنضال العظام، فهو يدعو إلى وظيفة إنسانية للشعر تجعل جماله الفني في خدمة الإنسان وقضاياه الكبرى وتجاربه الحساسة[89]. وهذا لا يعني غياب الإنساني في قصائده الأولى، وإنما هذا النفس الإنساني يلازمه، بل إنه كان يتباهى به، فيقول:

أريد أن أتباهى بإنسانيتي بأنني أول شاعر عربي عرض جنديًا إسرائيليًا، حتى بعد حزيران، بجوهره الإنساني[90] في قصيدة (جندي يحلم بالزنابق البيضاء)[91].

ولكن درويش في مرحلة متأخرة من تطور قصيدته يصرّ على الضغط على هذا الجانب بل إنه

سيلبث عند أمن إنساني مفتوح[92].

ودرويش يتماشى مع العصر بكل تقنياته العلمية والفكرية والتكنولوجية؛ ويدرك بنفس الوقت وجوب التساير مع السرعة والاتصالات، وكم لذلك من فائدة في نقل الأفكار وتقريب المسافات، لذلك عني بتعميم خطابه الأدبي، إذ لم يعد هناك معنى لفكرة المحلية والعالمية حتى ترتفع بقيمة الفن الذي يخاطب الإنسان العالمي أو الإنسان المجرد، على الفن الذي يخاطب إنسان بعينه، ذلك أن الاتصال بين كل أجزاء العالم في هذا العصر، قد جعل كل جزء منه أهمية بالنسبة إلى الكل، وبذلك صارت كل المحليات ذات طابع عالمي في الوقت نفسه[93].هذا الهاجس سيؤدي بالشاعر إلى استحضار تجارب الشعوب والأمم، لينعكس هذا المناخ بعد ذلك على شكل القصيدة ومسار تطورها. لذلك كثيرًا ما نرى مفردات الأساطير؛ أساطير كنعان، وبابل، وسومر، والإغريق، وأساطير الهنود الحمر، قبل اكتشاف العالم الجديد. يضاف إلى ذلك، الكثير من مفردات أساطير التوراة، والأسفار، وتضمين واضح لبعض قصص القرآن الكريم، مما لا يحتاج للتمثيل له؛ لغزارته، يقول درويش:

سأكتب ههنا فصلاً

جديدًا في مديح البحر: أسطوريةٌ

لغتي وقلبي موجة زرقاء تخدش صخرة[94]

وهو لا يستخدم الأساطير بشكلها المجرد، فهو رغم لجوئه إلى الرموز والأساطير والقصص الشعرية في بناء قصائده فإنه لم يفقد وضوحه الفني[95]، ونجده يضفي من الأساطير على طابع تجربته ما يغنيها، فيزيل عن نفسه عبء الشرح، ويغني قصيدته، في محاولة لإسقاط الزائد من الكلام والتخلص مما ليس شعرًا، فإذا كان بلاء (أيوب) إلهيًا قادمًا من السماء، فإن بلاء درويش بلاء أرضي يستدعي التمرد والزئير[96]. إلى جانب ذلك يحاول خلق أسطورته الخاصة، أسطورة الأرض، القضية.

في هذه المرحلة يسْلم الشاعر عنان قصيدته إلى اللغة، التي تخرج من ثوبها القديم لترتدي ثوب الموضوع فتتقمصه إلى أبعد ما تستطيع، للإيغال في أعماقه، بخطاب سهل ينمّ بنفس الوقت على إرث شعري، وترف ثقافي بليغ التبحّر في معطيات العلم والأدب والتاريخ والدين، وذلك لإثارة اللاوعي الجمعي بشكله الأشمل، ليتوافق مع قضية الشاعر ومعطيات اللغة:

أحمل اللغة المطيعة كالسحابة

فوق أرصفة القراءة والكتابة[97]

اللغة تعرف طريق القصيدة وتذهب بها إلى مدارك لا يعرفها حتى الشاعر نفسه، لدي رقابة على حركة القصيدة، وفي كثير من المرات تستقل القصيدة بحركتها، وهذا أفضل. إذ تقودني أحيانًا إلى معنى لم يكن خاطرًا في بالي مسبقًا[98].

أنها حكمة الشاعر في الوصول إلى حالة من الغياب، حين يسْلِم نفسه، وقلمه، إلى حالات اللاشعور؛ لتبدأ صياغة الشاعر والقصيدة من جديد. إنه منطق القلب، والحلم، وليس منطق الواقع، والعقل، يغدو الشاعر معه فكرة للقصيدة، القصيدة التي لا تحتمل بعد ذلك القيود والقوالب، إذ يتم تبادل الأدوار بين الشاعر والقصيدة فتكتبه:

لا شيء أبعد من لغتي عن معلقة الجاهلي

ولا شيء أبعد من لغتي عن أمير دمشق

أنا أول الخاسرين، أنا آخر الحالمين وعبد البعيد

أنا كائنٌ لم يكن وأنا فكرة للقصيدة

ليس لها بلد أو جسد

وليس لها والدٌ أو ولدْ[99]

ورغم إثارة الشاعر لقضية عدم فهمه لمصطلح تفجير اللغة في الشعر الحديث[100]، إلاَّ أنه لا يخفي غرابة الحالة التي يصل إليها، عندما تعبرّ اللغة عن نفسها بشكل تتفجر به من داخلها، متشظّية، في دلالة على ذهوله حيالها، عندما تتماس هذه اللغة مع (الخواء / الثراء)، فهو لا يفهم ما تقوله اللغة، لأنها وحدها من يعبِّر بكلِّ ما أوتيت من إمكانيات دلالية وإرث ثَرٍّ:

لا شيء يا ريتا أقلد فارسًا في أغنية

عن لعنة الحبِّ المحاصر بالمرايا... عني!

وعن حلمين فوق وسادة يتقاطعان ويهربان

فواحد يستلّ سكينًا وآخر يودع الناي الوصاية

لا أدرك المعنى تقول، ولا أنا... لغتي شظايا؟[101]

لقد أضاع سيطرته على المفردات، التي تتغير بمقدار التغير الزمني لعمر القصيدة:

سأجد صعوبة بالغة إن حاولت الإمساك بأولى المفردات للتأكد من صحة مكانها في السياق، فقد أختلط الواقعي بالأسطوري، والتبس البعيد على القريب[102].

بل إننا في آخر أعماله نراه يدعو إلى الابتعاد عن الوضوح، إذا أراد أن يأوي إلى ذاته المعبَّأة بالمشاعر؛ العصية على الفهم:

إن أردت الوصول إلى نفسك الجامحة

فلا تسلك الطريق الواضحة![103]

فيغدو بذلك الغموض، شاعرًا يتجاوز أدواته السابقة، وينحاز إلى أدوات جديدة لأن الشعر كما يقول:

هو الحدث الغامض، الشعر

يا صاحبي هو ذاك الحنين الذي لا يفسر[104]

هكذا تنفتح القصيدة عند درويش على الأشكال والأدوات الجديدة، وقد تحررت من كل ثقل، يعيق حركتها، فنرى سقوط القافية من قاموسها كشاهد على جريمة واضحة؛ لا تزيد شهادته إلاَّ بذخًا، وترفًا غيرَ ضروري زائدًا، وتتحرر من الأوزان، رغم محافظتها على إيقاعها الداخلي الجميل:

لم تكن هذه القافية ضرورية

لا لضبط النغم ولا لاقتصاد الألم

إنها زائدة كذبابٍ على مائدة.[105]

فهي تشوه تلك الجمالية، كذباب على مائدة شهية، وتركها يعني الحرية:

عاطفتي هذه هي ليلي الخصوصي

ليلي الذي يتحرك بين الوسائد حرًّا

من الوزن والقافية[106]

بهذا تبلغ قصيدة درويش شكلاً متطورًا، شكلاً لم يخلق فجأة، بل كان حصيلة لتطور غير منقطع، للقصيدة، في شكلها التعبيري، وأدواتها. تطور يتميز بأنه يتوافق مع رؤية الشاعر، وضرورة دعم تجربته، وإمدادها بنسغ متجدد؛ ليبلغ أبعد المراتب الجمالية؛ وينقل بها تجربته وقضيته، إلى ضمير الشعر والإنسانية.

وينتقل بتجربته هذه التي كما يقول تبدو صغيرة، إلى الفهم الأرقى والإنسان الأشمل، ليجعلها تعيش في زمن آخر، ووعي آخر[107].

نلاحظ مما سبق، أن قصيدة درويش، في شكلها النهائي، مرَّت بعدَّة أشكال ومراحل، حتى وصلت إلى هذه المرحلة من النضوج. سواءٌ في تخلصها من الزوائد والترهلات واستبقاء ما هو شعري فقط، أم في دورانها في أنحاء العالم الشعري متعدد الأدوات، أم في استخدام الطرق السريعة والموحية في التعبير، كالإيحاء، والمجاز، والمفردة الكثيفة المثقلة بالرمز والدلالة. وهذه النظرة السريعة على تطور القصيدة، لم يكن في دراسة استخدامه لتلك الأشكال التعبيرية، والأدوات الفنية، وإنما كانت إنعامًا في رأي الشاعر بتلك الطرائق، ومدى تسايرها مع تطور رؤيته للقضية، بحيث لا نضفي على الشاعر مهمة الناقد. فهو شاعر أراد لقصيدة الثورية أن تنسجم بتجاوزاتها وتطورها، مع متغيرات الواقع.

ونلاحظ في دواوينه الأخيرة، إلحاحه على استمرار حركية القصيدة، بل يؤكد على عدم وصولها إلى شكل نهائي ثابت:

هكذا تقول أغنيني الجديدة – كلما

طال الطريق تجددَ المعنى، وصرت اثنين

في هذا الطريق أنا... وغيري

فالحياة قائمةٌ في تطورها على التجاوز، تجاوز الأشكال القديمة، ومن ثم الانسجام الهارموني بين كل ما يوصل إلى الشعري والجميل:

أنا الطفل والشيخ. طفلي يعلم شيخي المجاز

وشيخي يعلم طفلي التأمل في خارجي

خارجي داخلي

كلما ضاق سجني توزعت في الكل،

واتسعت لغتي مثل لؤلؤة. كلما عسعس

الليل ضاءت.[108]

فالشاعر حرٌّ في انتقاء جماليات القول، وفق رؤيته، وحاجته لتطوير قصيدته، تطويرًا، ينطوي في داخله على تطورات الحياة والكون الذي كما يقول درويش:

لا شكل نهائي لهذا الكون[109]

يتمخض دائمًا عن جديد، يخرج من رحم السابق، الذي لا ينفيه، وإنما يرتكز على أهم إمكانيات التعبير فيه لبلوغ غاية الإبداع والجمال.

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] يوسي الفارلي، شيء عن الوطن، الطبعة الأولى، دار العودة، بيروت، 1971، ص 218.

[2] محمود درويش، شيء عن الوطن، الطبعة الأولى، دار العودة، بيروت، 1917، ص 323.

[3] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، نص الحديث الذي أجراه محمد دكروب مع الشاعر، عن كتاب شيء عن الوطن، دار العودة، بيروت، 1971، ص 273.

[4] مهند محمد الشعبي، مرجعيات الفعل الإبداعي، الطبعة الأولى، دار الينابيع، دمشق، 2002، ص 244.

[5] محمود درويش، ديوان أوراق الزيتون، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، الطبعة العاشرة، دار العودة، بيروت، 1983، ص 9.

[6] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، الطبعة الثانية، بلا دار، بلا مكان، 1971، ص 119.

[7] عز الدين اسماعيل، الشعر في إطار العصر الثوري، الطبعة الأولى، دار القلم، بيروت، 1974، ص 108.

[8] خالدة سعيد، حركية الإبداع، الطبعة الثانية، دار العودة، بيروت، 1984، ص 12.

[9] واصف أبو الشباب، القديم والجديد في الشعر العربي الحديث، بلاط، دار النهضة العربية، بيروت، 1988، ص 266.

[10] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 258.

[11] محمود درويش، أوراق الزيتون، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 62.

[12] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 24.

[13] محمود درويش، أوراق الزيتون، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 54.

[14] محمود درويش، وداعًا أيتها الحرب وداعًا أيها السلام، الطبعة الأولى، منظمة التحرير الفلسطينية مركز الأبحاث، بيروت، 1974، ص 129.

[15] عز الدين اسماعيل، الشعر العربي المعاصر، الطبعة الثالثة، دار العودة، دار الثقافة، بيروت. 1981. ص 69.

[16] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 148.

[17] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 173.

[18] خالدة سعيد، حركة الإبداع، ص 13.

[19] عباس بيضون، كلام في الشعر حوار مع محمود درويش، مجلة الكرمل، العدد 78 شتاء 2004، ص 180.

[20] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 239.

[21] محمود درويش، وداعًا أيتها الحرب وداعًا أيها السلام، ص 92.

[22] محمود درويش، أنقذونا من هذا الشعر، مجلة الكرمل، العدد السادس، 1982، عن كتاب نظرية الشعر، تحرير وتقديم محمد كامل الخطيب، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1969، ص 616.

[23] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 307.

[24] مهند محمد الشعبي، مرجعيات الفعل الإبداعي، ص 15.

[25] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 241.

[26] مهند محمد الشعبي، مرجعيات الفعل الإبداعي، ص 115.

[27] المرجع السابق، ص 122.

[28] يوسي الفارلي، هكذا أعيش وأناضل في إسرائيل، ص 213.

[29] محمود درويش، البيت والطريق، مجلة الكرمل، العدد 62، شتاء 1999، ص 258.

[30] عز الدين إسماعيل، الشعر في إطار العصر الثوري، ص 27.

[31] عز الدين إسماعيل، التفسير النفسي للأدب، بلا طبقة، دار العودة، دار الثقافة، بيروت، بلا تاريخ، ص 42.

[32] يوسي الفارلي، هكذا أعيش وأناضل في إسرائيل، ص 215.

[33] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص 189.

[34] محمود درويش، حياتي وقضيتي وشعري، ص 256-257.

[35] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 256-257.

[36] مهند محمد الشعبي، مرجعيات الفعل الإبداعي، ص 171.

[37] أحمد سعيد محمدية، القضية وشعر القضية في حوار شخصي، نص الحديث الذي أجراه أحمد سعيد محمدية مع الشاعر في موسكو، عن كتاب شيء عن الوطن، الطبعة الأولى، دار بيروت، 1971، ص 311.

[38] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 251-252.

[39] محمود درويش، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 563.

[40] محمد دكروب، الأدب الجديد والثورة، الطبعة الأولى، دار الفارابي، بيروت، 1980، ص60.

[41] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، انظر ص 270 – 271 -272.

[42] يوسي الفارلي، هكذا أعيش وأناضل في إسرائيل، ص 217.

[43] المرجع السابق، ص 236.

[44] أرنست فبشر، ضرورة الفن، نقله إلى العربية الدكتور ميشيل سليمان، بلاط. دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، بلاتا، ص 137.

[45] أبو نواس، ديوان أبو نواس، الطبعة الأولى، دار صادر بيروت، 2001، ص 110.

[46] المتنبي، ديوان المتنبي، الطبعة الأولى 1958، طبعة جديدة منقحة، دار صادر، بيروت،2000، ص 213.

[47] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص 181.

[48] واصف أبو الشباب، القديم والجديد في الشعر العربي الحديث، ص 260.

[49] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص 181 – 182.

[50] محمود درويش، البيت والطريق، ص 259.

[51] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 61.

[52] مهند محمد الشعبي، مرجعيات الفعل الإبداعي، ص 152.

[53] المرجع السابق، ص 156.

[54] محمد دكروب، الأدب الجديد والثوري، ص 61.

[55] محمود درويش، أغنيات عن الوطن، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 239.

[56] محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، الطبعة الثانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، ص 2004، ص 45.

[57] يوسي الفارلي، هكذا أعيش وأناضل في إسرائيل، ص 235.

[58] محمد دكروب، الأدب الجديد والثورة، ص 99.

[59] المرجع السابق، ص 30.

[60] عز الدين إسماعيل، الشعر في إطار العصر الثوري، ص 30.

[61] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص 187.

[62] خالدة سعيد، حركية الإبداع، ص 12.

[63] محمود درويش، وداعًا أيتها الحرب وداعًا أيها السلام، ص 15.

[64] ابراهيم الحاج صالح، محمود درويش بين الزعتر والصبار، الطبعة الأولى، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1999، ص 3.

[65] محمد دكروب، الأدب الجديد والثورة، ص 105.

[66] المرجع السابق، ص 64.

[67] محمود درويش، أوراق الزيتون، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 55.

[68] المرجع السابق، ص 65.

[69] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 271.

[70] محمود درويش، عاشق من فلسطين، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 120.

[71] المرجع السابق، ص 123.

[72] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 189.

[73] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 350.

[74] محمد دكروب، حياتي وقضيتي وشعري، ص 276.

[75] أدونيس، زمن الشعر، الطبعة الثانية، دار العودة، بيروت، 1987، ص 160.

[76] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 167.

[77] محمود درويش، حبيبتي تنهض من نومها، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 349.

[78] محمود درويش، محاولة رقم (7)، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 521.

[79] محمود درويش، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 556.

[80] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 332.

[81] نعيم اليافي، الشعر العربي الحديث، بلا طبعة، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1981، ص 192.

[82] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 199.

[83] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 273.

[84] محمود درويش، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 555.

[85] محمود درويش، أعراس، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 634.

[86] عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، ص 204.

[87] محمود درويش، تلك صورتها وهذا انتحار العاشق، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 559.

[88] محمود درويش، أعراس، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 69.

[89] رجاء النقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 149.

[90] محمود درويش، شيء عن الوطن، ص 123.

[91] محمود درويش، تحت الشبابيك العتيقة، الأعمال الكاملة، الجزء الأول، ص 19 الصبار، ص 5.

[92] ابراهيم الحاج صالح، محمود درويش بين الزعتر والصبار، ص5.

[93] عز الدين إسماعيل، الشعر في إطار العصر الثوري، ص 14.

[94] محمود درويش، لا تعتذر عمَّا فعلت، ص 113-114.

[95] ارجاء لنقاش، محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، ص 136.

[96] علاء الدين حسن، جدارية محمود درويش، مجلة العربي، وزارة الإعلام بدولة الكويت، العدد 523، يونيو، 2002 م، ص 130.

[97] محمود درويش، حصار لمدائح البحر، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار العودة وبيروت 1994، ص 201.

[98] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص 185.

[99] محمود درويش، سرير الغريبة، الطبعة الثانية، رياض الريس، للكتب والنشر، بيروت، 2000، ص 124.

[100] انظر محمود درويش، أنقذونا من هذا الشعر، عن كتاب نظرية الأدب، ص 611.

[101] محمود درويش، أحد عشر كوكبًا، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، ص 541.

[102] محمود درويش، البيت والطريق، ص 257.

[103] محمود درويش، لا تعتذر عمَّا فعلت، ص 128-129.

[104] المرجع السابق، ص153.

[105] محمود درويش، حالة حصار، الطبعة الثانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،2002، ص 31.

[106] عباس بيضون، كلام في الشعر، ص189.

[107] محمود درويش، لا تعتذر عما فعلت، ص 112.

[108] المرجع السابق، ص 155.

[109] المرجع السابق، ص 89.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود