صلواتٌ في محراب قمر

 

محمد علي عبد الجليل

 

صلاة الفجر
"مـلاك"

 

كيف السبيلُ إلى رضــــــاكْ                إني أُحبُّـكَ يا ملاكْ.
ما غِبْـتَ عني لحظــــــــــــــــــةً                  في كلِّ أشيائي أراكْ.
وعرفْتُ فيكَ الحبَّ، لــــــــــمْ                 أعرفْهُ في أحدٍ سواكْ.
وأناْ صغيرٌ في الهــــــــــــــوى                 أبدو كنجمٍ في سَماكْ.
العمرُ ليـلٌ دامـــــــــــــــــــسٌ...                 وأنتَ بدرٌ في ضياكْ.
لا أحسبُ اليومَ الـــــــــــــــــذي                 يمضي عليَّ ولا أراكْ.
هذي حياتي في هــــــــــــواك                 رخيصةٌ وأنـاْ فِـداكْ.
لـــــــــــــــــو خيَّـرونــي مَــــــــــــــــــــــرَّةً                  واللهِ لا أرضى سِواكْ.
فــــــــــــــــــإذا اتَّحـدْنا يا حبيبي                 ما لنا بَـعـدُ انْـفِـكاكْ.
وإذا رأيتُـكَ ذاتَ يـــــــــــــــــــــــومٍ                 يَعْـتري قلبي ارتباكْ.
فالبُـعدُ نارٌ في الفــــــــــــــــــؤادِ،                 وجَـنَّةٌ لي مُـقلتاكْ.
يا ليتني ألقــــــــــــــــــــــــــــــــــاكَ في                 ليلِ الهوى وأبوسُ فاكْ.
وأظلُّ أنظرُ فيكَ كــــــــــــــــــــــــــي                أحيا، وأسكرُ من لِقاكْ.
أهواكَ كي أنسى هـــــــــــــــواكَ                ولا أرى إلا هــــــــــــــواكْ.

*

صلاة الظهر
"قـلبي الذي حياتُه لديكِ...

 

قلبي الذي حياتُه لديكِ
قد رحلَتْ أيامُه إليكِ.

*   *   *

لم يبْـقَ منه غيرُ ذكرياتْ
حاولْتُ أنْ تظلَّ في سُباتْ؛
تهبُّ في المساءِ، في الغَداةْ
تأخذُني في لحظةٍ إليكِ.

*   *   *

قلبي الذي أغصانُه لديكِ
قد رحلَتْ جذورُه إليكِ.
*   *   *

مشاعرٌ تهبُّ في الظلامْ
تجعلُني كالليل لا أنامْ.
في وقتها لا ينفع الكلامْ.
روحي تطير وحدها إليكِ.

*   *   *

قلبي الذي فضاؤه لديكِ
قد هاجرَتْ طيورُه إليكِ.

*   *   *

وأنتِ في ذاكرتي مُقيمةْ
لا نلتقي في لحظةٍ حميمةْ ؟!
فراقُنا قضيةٌ أليمةْ.
سعادتي تكون في يديكِ.

*   *   *

قلبي الذي بِحارُه لديكِ
قد سافرَتْ سماؤه إليكِ.

*   *   *

قلبي الذي سماؤه لديكِ
قد سافرَتْ نجومُه إليكِ.

*

صلاة العصر
"مع صورة قمري"

 

تَظَـلُّ تُـطِلُّ صورةُ شفتيكِ على مخيِّلتي فتزهرُ وتخضرّ.
وعيناكِ، يا قمري، تأخذُني إلى عوالمَ أخرى...
صوتُكِ وحيٌ يغيِّرُ كيمياءَ نفسي.
فلتُباركْنا المحبة.

أتأملُ صورتَكِ تكلِّمُني. أُحاورُ عينيكِ. "أُحاورُ اللهَ في عينيكِ [مبتسماً]..." أسمعُ شفتيكِ تقول لي: "حبيبي!" فيخفقُ قلبي وأُحِسُّ بنشوة الحب تسري في عروقي. أرى ذاتي في عينيكِ. كنتِ، يا حبيبتي، من الصورة تنادينني: "حبيبي!" فأطيرُ إليكِ، بينما كانت صورتُكِ تغادرُ الصورةَ إليَّ تعانقني فأغيبُ لحظةً مقدارُها ألفَ سنة. أصحو أصرخُ في سرِّي: "حياتي وروحي وقلبي وعقلي وذرات وجودي رهنُ إشارة عينيكِ يا قمري."

كالمجنون كنتُ أكلِّمُ الصورةَ. ولِمَ "كافُ" التشبيهِ؟ أنا مجنونُكِ يا قمري. فلمَّا جُنِنْتُ بحبكِ زاد عقلي.

أضع صورتَكِ تعويذةً إلى جانب رأسي
وأغفو على حبِّك.

*

صلاة المغرب
"قمري كلُّ كنوز العالم"

 

قمري!
كلُّ كنوز العالم لا تساوي ظفرِكْ.
كلُّ سحر الكون لا يعادل سحرِكْ.
كلُّ حرير الدنيا لا يقارَن بشعرةٍ من شعرِكْ.
كلُّ ورود العالم تسجد لرحيق ثغرِكْ.
كل النجوم تستمد ضوءها من نورِكْ..
ما أنا إلاَّ سمكةٌ تسبح في مياه بحرِكْ،
عصفورٌ يطيرُ في فضاءِ صدرِكْ.
أرفرف في النشوة وأُغرِّد:
"منبثق من ناركِ عنقاءً، فينيقًا، متجدِّد..."
أنتِ حبي المتـفرِّد:
لا أحدٌ من بعدكِ، لا أحدٌ من قبلِكْ.
أجملُ الجميلات ليست أهلاً لأنْ تحلَّ سيورَ نعلِكْ.
وتظلِّين إلى الأبد عشتاري وأظلَّ أنا بعلَكِ.
أحيا فيكِ ولأجلِكِ.
وأُحبُّـكِ كلَّكِ.

يا ألذَّ تفاحةٍ سماوية!
ما أطيبَ أكلَكِ.

*

صلاة العِشاء
"تستمدُّ الشمسُ نورَها من القمر"

 

من قبلِ أنْ تتكوَّنَ الصُّوَر،
تستمدُّ الشمسُ نورَها وشكلَها من القمر.
تستمدُّ شموسُ الأكوانِ أنوارَها من وجهِكِ الذي لا يعرفُ جمالُه حدودًا،
فيمتلئُ الوجودُ وجودًا،
وأُمضي في محراب عينيكِ خلودًا.
أسبحُ في ملايين المجرَّات بروحي
أكتشفُ أنني أسبحُ في عينَي حبيبتي قمر.
أيتها البومونةُ[1] البهِـيَّـة!
يا خمرتي القُـدْسِـيَّـة!
أنا أمامَكِ دِيونيسوسُ[2]
أقدِّم لجسدِكِ الأفروديتيِّ[3] الـﭭينوسيِّ أشهى تفاحةٍ برِّيةٍ ندِيةٍ طرِيَّة[4]،
نقطفها معًا منذ آلافِ آلافِ السنين،
نمصُّها[5] معًا،
نقضُمُها[6] معًا.
ومعًا نسكرُ نأكلُ التفاحةَ الشهية.
فيكِ يا قمري تتجسَّدُ سيلينتي[7].
فيكِ يا قمري أُحقِّقُ هُويَّتي.
أنقِذيني بجمالِكِ من وحشتي،
أزيلي بنورِكِ ظلمتي،
أعيدي إليَّ بلمساتِكِ صورتي،
أعيدي إليَّ ألوهتي.
جسدُكِ وروحُـكِ جنَّتي.
أنا شجرتُكِ أنتِ شجرتي،
تداخلَتْ أغصانُنا الوارفةُ فظلَّـلَتِ الفيافي[8]،
أثمرْنا كيوبيدًا[9] جميلاً ألبسناه اسمَ "رافي"[10].
فـرُتِـقَ فَـتْـقُ الوجود[11] بحبِّنا يا شَغافي[12].

الخميس 4/2/2010

*

صلاة قيام الليل
"معراج"

 

طالعَيـنِ من الماء
نعانقُ الشمسَ والسماء
شجرتَينِ في العناقِ تُزهِران
بالحب تُثمران.

قمرًا تسكُبينَ نورَكِ علَيّ
ديمةً تُرسلينَ ماءكِ إلَيّ
فأُورِق
وأُشرِق
ماخرًا عُبابَ عينيكِ أُعانِقُ الأفق
إليكِ توصِلُني جميعُ الطُّـرُق.
أنتِ المشتهى...
... إليكِ المنتهى.

لكِ الضوءُ والمدى.
لكِ الصوتُ والصدى.
لكِ الوَردُ والندى.

لكِ الماءُ والغيوم.
لكِ السماءُ والنجوم.

لكِ الجذورُ والغصون.
لكِ الثواني والسِّنون.
لكِ ما كنتُ وما أكون.

لكِ سرِّي وأخفى من السرّ.
لكِ عطري وأحلى من العطر.
لكِ صدري وما يحتوي الصدر.
لكِ عمري وأبقى من العمر.

طفلاً وطفلةْ
نعرجُ معًا على بُراق القُبْـلةْ
سابحَينِ بأسرع من الضياء
يستعرُ فينا نارٌ وماء
بالغَينِ السماء.

أنتِ الشمسُ والفيء.
وعلى كل شيء
وجهُكِ الصافي يضيء
وطعمُ شفتيكِ يعرجُ بي إلى سماءٍ لم يصلْ أحدٌ لها
وحبُّـكِ يحملُني إلى سدرة المنتهى...

أنتِ صُوَري وما قبل الصور.
أنتِ قمري وما بعد القمر.

معاً يا حبيبتي نكملُ السفَر...

*** *** ***


 

horizontal rule

[1] ﭙـومونة Pomona هي إلهةُ الثمار أو الأشجار المثمرة في الميثيولوجيا الرومانية، وهي إلهة حورية رائعة الجَمال. والكلمة مشتقة من اللاتينية pomum وتعني الثمرة (بشكل عام)، ومنها اشتُـقَّـتْ الكلمة الفرنسية pomme [التُّـفَّـاح]. (في حين أنَّ الكلمة العربية تُـفَّـاح معرَّبة من الكلمة الفارسية القديمة تُـوﭙـا). أمَّـا التسمية اللاتينية لثمرة التُّـفَّـاح فهي malum (جمعُـها: mala) وتعني أيضًا الثمرة.

[2] ديونيسوس Dionysos هو إله الخمرة والكرمة في الميثيولوجيا الإغريقية، ويقابل الإله باخوس Bacchus في الميثيولوجيا الرومانية.

[3] نسبةً إلى أفروديت Aphrodite، إلهة الحب والخصوبة والجَمال في الميثيولوجيا الإغريقية والتي تُقابِل ﭭـينوسَ Vénus عند الرومان.

[4] هناك عبارة في الفرنسية تقول: "Donner (décerner) la pomme à une femme."، وتعني حرفياً: "أعطى التفاحةَ لامرأة". وتعني مجازاً: حكَمَ لامرأة بأنها الأجملُ بين النساء.

[5] يقال في الفرنسية: "Se sucer la pomme." (مصَّ التفاحةَ) بمعنى: تبادَل القُـبَـل.

[6] يقال في الفرنسية: "Croquer la pomme." (قضمَ أو قرَشَ التفاحةَ) للإشارة إلى ممارسة الحب.

[7] سيليني Séléné هي إلهة القمر في الميثيولوجيا الإغريقية.

[8] الفيافي جمع فيفَى: المفازة (الصحراء) لا ماء فيها. والفيفاء: الصحراء الواسعة المستوية، وجمعُها: الفيافي.

[9] كيوبيد (بالإنكليزية: Cupid، من اللاتينية: cupido وتعني: "الرغبة"، وبالفرنسية: Cupidon): إله الحب في الميثولوجيا الرومانية، وهو ابن الإلهة ﭭينوس Vénus. كان كيوبيد شديدَ الجَمال وكان سهمُه يصيب البشرَ فيسببُ وقوعَهم في الحب. كان غالباً يصوَّر كطفل صغير في هيئة ملاك بجناحين ومعه سهم الحب.

[10] يعني اسم "رافي" (في العربية): المُـصْـلِـح.  يقال: رفَأَ بينهم أي أصلَح. فهو رافٍ. ورفَأَ الثوبَ: لأَمَ خَرْقَه بالخياطة وضمَّ بعضَه إلى بعض. والرِّفاء: الالتئام والوِفاق والاتـفاق وحُسْنُ الاجتماع وجمع الشمل. ومنه قولُهم لمن تزوَّج: "بالرِّفاءِ والبنين"، أي بالالتئام وجمع الشمل واستيلاد البنين. ورفا يرفو رفْوًا أي تزوج. ورفاهُ يرفوهُ رفْوًا: سكَّنَ رعبَه. ورفاهُ سدَّ فاقَته. ورفى الثوبَ: أصلحَه. فهو رافٍ. الاسم "رافي" Rafi مشتق من الجذر (رف) والذي يحمل أيضًا معنى الرأفة والرفق؛ ومنه اسم الملاك "رَفائيل" أو "روفائيل" Raphaël ويعني: رأفة الله. وعليه فيكون اسمُ "رافي" اختصارًا لـ"رفائيل" (كما يُختصَر اسمُ "دانيال" إلى "داني").

[11] يورد القرآنُ موضوعَ الرتـق والفتـق بشأن نشأة الكون: "أوَلمْ يَرَ الذين كفروا أنَّ السماواتِ والأرضَ كانتا رَتْـقاً ففَـتَـقْـناهما وجعلْـنا من الماء كلَّ شيء حيٍّ أفلا يؤمنون؟!" (الأنبياء، 30) ويفسرون الآية بأنَّ الكون كان في الأصل مادةً متصلةً متقاربة فباعدَ اللهُ بينها وفصلَها.

[12] الشَّغاف: غلاف القلب وحبَّـتُه وسويداؤه، جمعُها: شُغُف.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني