عصور الظلام
القادمة
الفاهم محمد
الإنسانية
في خطر، لا أحد ينكر اليوم هذا
الأمر. صحيح أننا جميعًا غارقون في النعيم الاستهلاكي الذي خلقته
الرأسمالية المعاصرة، غير أننا في الآن ذاته تعوزنا الثقة والطمأنينة
في هذه الحضارة التي بات الكل يدق ناقوس الخطر بصدد الأفق المظلم الذي
تتجه إليه. نعتقد أن عصور الظلام قد تركناها وراءنا، لكن للأسف الأزمنة
المقبلة قد تكون أكثر حلكة من كل ما عرفناه. نحن نعيش في مجتمع الأخطار
ونترقب الأسوأ. لم يعد المصير والمستقبل تحت تحكمنا، وربما أفضل ما
يمكننا فعله هو أن يصنع كل منا طوق النجاة الخاصة به. بيت تحت الأرض
يحميه من الرعب القادم. الأخطار المحدقة بالجنس البشري كثيرة نذكر منها
على سبيل المثال ما يلي:
1.
المشكلة الإيكولوجية
الكل يعلم مثلاً أن الكرة الأرضية أصبحت في كف عفريت، وأن النظام
البيئي في خطر تتزايد حدته يومًا عن يوم. الحديث هنا طبعًا عن الاحتباس
الحراري وما رافقه من أخطار أخرى مثل ذوبان الجليد والاضطرابات
المناخية وظهور الفيروسات القاتلة والأعاصير المدارية... لكن ما يثير
المخاوف أكثر هو أن هذه الكوارث البيئية قد تقود إلى انهيار إيكولوجي
شامل تتحول معه حالة الكرة الأرضية بشكل جذري، بسبب تسرب غاز الميتان
الذي يوجد تحت القطب المتجمد. صرح الرئيس الفرنسي مؤخرًا أنه لدينا
حوالي 500 يوم لتفادي السقوط في الكارثة البيئية الشاملة. أما الرئيس
أوباما فقد وضع الخطر البيئي كتهديد يفوق في درجته التهديد الإرهابي.
الكرة الأرضية تتألم وتئن والسبب هو الإنسان، بمشروعه الصناعي
اللاعقلاني، الذي أصبح بمثابة سرطان ينخر في الطبيعة.
2.
أسلحة الدمار الشامل
كان أينشتاين قد قال مرة: "أنا لا أعرف ما هو نوع السلاح الذي سيستعمل
في الحرب العالمية الثالثة ولكنني على يقين من أن البشرية ستستعمل في
الحرب العالمية الرابعة العصي والحجارة". وهذه إشارة واضحة إلى أننا
نتقدم نحو أفق مظلم، فالتطور الهائل الذي تعرفه صناعة الأسلحة من
الممكن أن يعود بنا إلى الوراء، أي إلى الفناء التام للحضارة البشرية.
من الأسلحة الخطيرة المهدد لبقاء الجنس البشري نذكر الأسلحة البيولوجية
والإشعاعية والأسلحة التاكتونية التي تتحكم في التأثير على الصفائح
التكتونية للقشرة الأرضية بغرض إحداث الزلازل وغيرها. الكل يعرف خطر
الاحتراق النووي ليس فقط بسبب حرب مفتوحة بين أطراف سياسية ما، بل
أيضًا بسبب كوارث قد تؤدي إلى تسرب للإشعاع النووي كما حصل مثلاً في
تشيرنوبل أو كما حصل مؤخرًا في اليابان.
3.
الانفجار الديموغرافي
لقد غرقنا في الرفاهية التي خلقتها المجتمعات الصناعية الاستهلاكية،
هذا الاستهلاك الذي كان أحد الأسباب الرئيسة وراء ما تعانيه بيئتنا
اليوم. غير أن طبيعة الحياة المعاصرة لم تأثر فقط على البيئية بل وحتى
على عدد السكان فوق البسيطة. تحسن نوعية الحياة والرعاية الصحية
والتطبيب جعل البشرية اليوم تتجاوز 7 مليارات نسمة، وإذا استمر الوضع
على ما هو عليه فسيتضاعف هذا العدد لمرات بحلول أواخر هذا القرن. هذا
الانفجار المهول للسكان سيشكل ضغطًا كبيرًا على الموارد الأساسية للكرة
الأرضية من ماء وطعام وغيره، وربما قد تكون الحروب القادمة كما يقول
الملاحظون ليست حول الطاقة بل حول هذه الموارد الأساسية. إن الرعب
القادم لا يمكن تصوره حينما تجوع البطون.
هل علينا أن نطلب من البشرية أن تختفي! سيكون ذلك مطلبًا لامعقولاً
وصادمًا. مع ذلك هذا هو شعار الحركة المسماة بـ "الحركة الطوعية
لانقراض الجنس البشري"
VHEMT في نظرها لا يمكن
إنقاذ البيئة إلا بواسطة العمل على الاختفاء التدريجي للبشر بواسطة
الحد من التكاثر. لقد تسبب الإنسان بأضرار فادحة للبيئة ولا سبيل
لمعالجة هذا الأمر سوى بانسحابهم من الطبيعة. ولكن ألا يمكن أن يكون
الحد من التكاثر المضبوط والممنهج فعال في هذه الحالة.
4.
انهيار النظام العالمي
ماذا لو انهار النظام العالمي وسقطت الدول ولم تعد قادرة على تأمين
الحماية الاجتماعية للناس؟ الأمر ليس مستبعدًا. نحن نعيش حاليًا في
الأزمة الرأسمالية العالمية. العديد من المواطنين فقدوا وظائفهم
ومنازلهم وأصبحوا بين عشية وأخرى بدون مأوى. مع ذلك يعتقد أننا قد
تجاوزنا عنق الزجاجة. ولكن ماذا لو كانت الأزمة القادمة خارج إمكانية
السيطرة؟ النتائج معروفة، سيكون هناك تمرد كبير للجماهير مما سيجعل هذه
الدول مضطرة لاستعمال العنف المفرط ضدها. إضافة إلى ازدياد عدد
المدمنين على المخدرات وارتفاع نسبة الجرائم والإصابات بالأمراض
الفتاكة. قد تكون الأزمة القادمة مهولة فحتى أشكال التضامن التقليدية
قد لا يعول عليها مادام أن النواة الصلبة للمجتمع ألا وهي الأسرة ستكون
في خطر. يوهمنا النظام الرأسمالي المعاصر أن كل واحد منا يوجد أمام
فرصة أكيدة كي يصبح بفضل ذكائه واجتهاده مليونيرًا، لكنه يخفي عن
عيوننا الحقيقة الساطعة وهي أن نسبة فرصة السقوط تحت عتبة الفقر أكثر
بكثير من فرصة التمتع بحياة كريمة.
5.
شح الموارد المائية والغذائية
يعتقد البعض أن حروب المستقبل لن تكون حول النزاعات السياسية أو حول
الطاقة البترولية، بل سيكون سببها هو الماء والغذاء. مؤشرات هذا الأمر
بدأت منذ الآن، الآلاف من الناس في مختلف بقاع العالم يجدون صعوبة في
الوصول إلى المياه الصالحة للشرب، إما بسبب ندرتها أو بسبب تلوثها أو
كذلك بسبب عدم ترشيد استعمالها. لا بل إن المياه تصل إلى الأرض أحيانًا
ملوثة بسبب تلوث الهواء. هناك أيضًا مشكلة النباتات، الخضراوات
والفواكه وغيرها فهي بدورها مهددة بالانقراض، من هنا التفكير في ما
اصطلح عليه بـ"بذور يوم القيامة" حيث تم تخزين العديد من الحبوب في كهف
خاص تحت جبل بالنرويج وذلك لحمايتها من الكوارث المحتملة، كما تم
استحداث مراكز أخرى لحفظ هذه الحبوب في كل من لبنان والمغرب.
لم يعد الإنسان آمنًا فيما يتناوله من طعام، فالأغذية المعدلة وراثيًا
ثبت علميًا أنها مضرة للبيئة وللتوازن الطبيعي في الآن ذاته. إن خطر
الجوع الذي لاحظنا جميعًا كيف يهدد الحياة في إفريقيا قد ينتقل ليهدد
باقي القارات.
6.
النيازك القاتلة
توجد الأرض في مرمى النيران، العديد من الشهب والنيازك التي تدخل
الغلاف الجوي لكنها تتفتت عند الاحتكاك به وتتلاشى على شكل غبار أو
حصوات صغيرة. ولكن ماذا لو كان حجم النيزك كبيرًا؟ في هذه الحالة ستكون
النتائج كارثية بكل المقاييس. لكن الأمر ليس مستبعدًا، لقد حدث هذا ذات
مرة وأدى إلى انقراض ثلثي الكائنات الحية فوق الأرض أشهرها الديناصور.
وحدث أيضًا مؤخرًا بمقاييس أقل في منطقة الأورال بروسيا سنة 2013 حيث
أصيب حوالي 950 شخص على الأقل بأضرار متفاوتة الخطورة نتيجة تحطم
الزجاج واهتزاز المباني. الخوف الأكبر إذن يكمن في إمكانية اصطدام
الأرض بنيزك كبير. مثل ذلك الذي أطلق عليه العلماء أبو فيس
Apophis وهو نيزك يبلغ وزنه
عشرون مليون طن اكتشف سنة 2004 توقع العلماء اصطدامه بالأرض سنة 2029
غير أن حسابات تقديرية أخرى تقول أنه يمكن أن يمر ما بين الأرض والقمر
بحيث يمكن رؤيته بشكل واضح بالنهار، لكن حتى في هذه الحالة يقدر
العلماء أن قربه من الأرض سيجعل جاذبيتها تؤثر على تغيير مساره
وبالتالي سيذهب أبو فيس كي يعود من جديد ليصدم الأرض سنة 2036. إذا ما
صدقت هذه التوقعات فإن قوة الانفجار ستفوق آلاف المرات قنبلة هيروشيما.
7.
سيطرة الآلات الذكية
يسير التطور التكنولوجي بخطوات جد متسارعة. طبقًا لقانون مور تتطور
الحواسيب كل 18 شهر وإذا استمر الوضع على هذا النحو فسنكتشف في
المستقبل أننا لم نعد نتربع على قمة سلم الكائنات الذكية. نحن اليوم لا
نخترع آلات يمكن أن تبرمج كي تساعدنا على القيام ببعض الأعمال المرهقة
والروتينية، بل نطور آلات قادرة على أن تبرمج نفسها بنفسها. هذا معناه
أننا سنصل إلى آلات تمتلك استقلاليتها التامة عن الإنسان. إن جوهر
الكائن البشري هو أنه كائن متناه فماذا سيكون عليه الحال لو سادت الكرة
الأرضية كائنات لا محدودة القدرة كائنات خالدة لا تعرف الموت. العديد
من الدراسات تشير إلى أن نسبة ذكاء الإنسان هي في انخفاض مستمر والسبب
هو الاعتماد الكبير الذي نعرفه اتجاه الآلات. نحن نزداد غباء بقدر ما
تزداد الآلات ذكاء هذه واحدة من مفارقات هذه الحضارة.
8.
البيولوجيا التركيبية
وهي الهندسة البيولوجية التي تعمل على التلاعب بجينات الكائنات الحية
الطبيعية، وتركيب كائنات جديدة تظهر لأول مرة على الأرض. يتحدث العلماء
مثلاً عن بكتيريات قادرة على توفير الإضاءة بالليل أو الطاقة عوض
البترول والغاز الطبيعيين، أو هندسة نباتات لها القدرة على العيش في
ظروف قاسية بحيث يمكن زراعتها على المريخ وتركها هناك كي تعمل على
تحويل مناخ هذا الكوكب ليصير صالحًا للعيش، أو كشفها المبكر لبعض
الأمراض التي تصيب الإنسان كالسرطان وغيرها من التطبيقات التي يقال
عنها أنها واعدة. لكننا لا نعلم إذا ما كان صناعة هذه النظم البيولوجية
الجديدة عن طريق تغيير سلاسل الحمض النووية ستكون ملائمة للطبيعة وآمنة
لصحة الإنسان. إن التدخل السافر في الحياة والتلاعب بها بهذا الشكل من
الممكن أن يؤدي إلى ظهور فيروسات أو كائنات خارجة عن السيطرة. فأن نخلق
حيوات جديدة صناعية هذا قد يشكل تهديدًا كبيرًا للحياة الطبيعة.
خلاصة
هذه فقط عينة صغيرة من الأخطار المحدقة بالجنس البشري، وهي بالتأكيد
ليست الوحيدة الموجودة على اللائحة. ثمة أخطار أخرى مرعبة مثل العواصف
الشمسية التي قد تشل الأقمار والأجهزة الإلكترونية. والتجارب العلمية
الخطيرة مثل تلك التي تجري في مصادم الهيدرونات الكبير في سويسرا والذي
يقال أنه يمكنه أن يؤدي إلى حدوث ثقب أسود داخل الكرة الأرضية. وكذلك
المشروع السري الذي يسمى هارب
Haarp
الذي يهدف إلى التحكم في المناخ وتحويله إلى سلاح. إضافة إلى بداية ضعف
الحلقات المغناطيسية التي تحمي الكرة الأرضية من الأشعة القاتلة
للشمس.. إلخ. هذا دون الحديث عن الخطر غير المتوقع الذي قد يفاجئنا
تمامًا دون أن يكون قد دخل في حسباننا.
الكثير من العلماء مثل العالم الفلكي هوبير ريفز
Hubert reeves يؤكدون أننا دخلنا
ما يطلقون عليه "الانقراض السادس"، وطبعًا كل هذا يحدث بسبب المشروع
الحضاري اللاعقلاني الذي أعلن ديكارت شعاره في القرن
17
والقاضي بجعل
الإنسان "سيد ومالك الطبيعة"، وهو الشعار الذي رفع مشيل سير بديلاً له:
علينا أن نتحكم في التحكم. إنه أمر يتطلب منا إعادة تشكيل حضارة جديدة
على أسس ومبادئ مغايرة لما سبق. نحن في حاجة إلى أنوار جديدة وهو أمر
ليس بالهين لأنه يفترض منا القيام بمسح الطاولة على المستوى الحضاري
العام، لكنه رهان أساسي لإنقاذ الجنس البشري ما عدا هذا فإن الحل
الوحيد الذي سيظل بين أيدينا هو أن نقوم ببناء سفينة نوح جديدة تنقلنا
إلى كواكب أخرى!
*** *** ***