|
النسبيَّة وجذورها قصة فكرة عظيمة*
لماذا لا تقدِّم المضيفاتُ الغداءَ عندما تعبُرُ الطائرةُ منطقة اضطراب، بل تنتظرن هدوء الجو؟ الجواب البديهي هو: إذا سكبنا لك القهوة إبان الطيران خلال ثقب هوائي فإن ثيابك هي التي ستشربه! ويصير السؤال أهم إذا صغناه على النحو الآتي: لماذا تتمكن المضيفات من تقديم الطعام عندما تخرج الطائرة من منطقة الاضطراب؟ وهنا الجواب بديهي أيضًا: فعندما يكون الطيران هادئًا يمكن لنا أن نأكل وأن نشرب في سهولة تمامًا، كما لو كنَّا على أرض ساكنة. وهذه الحقيقة التجريبية مذهلةٌ إذا نظرنا إليها عن كَثَب: فعندما تكون الشروط الجوية مناسبة يمكن للطائرة أن تطير بسرعة 1000 كم/ساعة. ومع هذا، لا يلحظ المسافرون أيَّ أثر لهذه السرعة المنتظمة. والحال كذلك بالنسبة إلى أية مركبة مغلقة: فعندما نكون في داخلها، لا نلحظ أيَّ أثر فيزيقي لسرعتها المنتظمة. إن هذا التأكيد العام مهم جدًّا. فما هو إلا مبدأ النسبية. ويتعذَّر علينا أن نتصور من كلِّ ما ذكرناه كيف أن لهذا المبدأ صلةً بالطاقة النووية، وكيف يمكن لشخص أن يكبر شقيقَه التوأم بسنوات، وكيف يمكن تفسير الفارق بين حركة كوكب عطارد مع الحساب الكلاسيكي لهذه الحركة. ولا شيء يدل على كيفية قَلْبِ هذا المبدأ للمفاهيم العلمية المتعلقة بالزمان والمكان... هكذا يقدم لنا بانِش هوفمان كتابه هذا. وبانِش هوفمان عالم فيزياء شارك أينشتاين في عدد من الأبحاث، واهتم بالتبسيط العلمي، فوضع كتبًا عدة في هذا المجال.
من كتب بانِش هوفمان الأخرى الهامة وكتابه النسبية وجذورها، يقع في ستة فصول. ينقلنا هوفمان في رحلة تبدأ مع نظرة اليونان القدامى، الذين اعتقد أغلبُهم أن الأرض مركز الكون. ويروي لنا المؤلِّف كيف تطورتْ هذه الرؤيا بفضل أعمال كوبرنيكوس وكپلر وغاليليه؛ – وهو يشرح بالتفصيل أعمال هذا الأخير المتعلقة بالحركة – ثم نيوتن وقانون الجاذبية العام، وقانون الحركة وولادة الزمان والمكان المطلقين. يحدِّثنا المؤلِّف من بعدُ عن الضوء وقياس سرعته والنظرية الكهرطيسية لمكسويل والأثير Ether الذي كان يُفترَض فيه أن يكون الوسط الذي تنتقل فيه الأمواج الكهرطيسية.
النسبية وجذورها لبانِش هوفمان وهنا يبدأ دور أينشتاين، حين قدَّم في العام 1905 مذكرةً علمية كانت من نتائجها ولادةُ "النسبية الخاصة" Special Theory of Relativity وانهيار مفهومي الزمان والمكان المطلقين، ليصبحا مرتبطين. فزيادة سرعة جملة يُبطئ جريان الزمن فيها بالنسبة إلى جملة ساكنة، في حين أن الكتلة تزداد مع السرعة، ويتقلَّص الطول في اتجاه الحركة، وتصير الكتلة mass والطاقة energy كائنًا واحدًا.
ألبرت أينشتاين (1879-1955) وفي العام 1915، طلع أينشتاين بنظريته في "النسبية العامة" General Theory of Relativity. ففي حين اهتمت النسبية الخاصة بالجُمَل التي تتمتع بحركة مستقيمة ومنتظمة، اهتمت النسبية العامة بالجاذبية وبالقوى الأخرى المختلفة. وقد حاول أينشتاين إحالة كلِّ شيء إلى الهندسة، فَعُدَّتِ الجاذبيةُ تشوُّهًا في "الزمان–المكان"، والمادة بدورها صارت نتوءًا فيه. يهم هذا الكتاب كلَّ مَن أراد فهم النسبية فهمًا مبسَّطًا. *** *** *** * Banesh Hoffmann, Relativity and Its Roots, Scientific American Books, New York, 1983, 176 pp.; in French: Histoire d’une grande idée : la Relativité, Éditions Belin, 2000, 189 pp.
|
|
|