|
الإيديولوجي
تناولتُ فطوري في ذلك الصباح، ثم وقفت أمام المرآة. عاينت الصور الموشومة على صدري وظهري. طلبت من زوجتي أن تمسح إحدى الصور بمنديل مبلَّل بماء دافئ، ثم ودَّعت أولادي الثلاثة وأنا أنظر إلى ساعتي. فقد حان موعد ذهابي إلى العمل. عملي هو أن أقف عند إشارة مرور، حيث تتقاطع عدة شوارع مزدحمة. وعندما تصير الإشارة حمراء، أقوم بالتجول بين السيارات الواقفة، عارضًا الرسوم المنقوشة على جسمي، التي هي ليست سوى صور لعبوات من إنتاج شركة ببسي كولا. فأنا أحد أعضاء فريق رجال الدعاية الجوَّالين التابعين لقسم الدعاية بالشركة، الذي أبدعه خيالُ أحد مديري الدعاية السابقين. كان والدي أحد الأعضاء الأوائل لهذا الفريق، وقد ورثت هذا العمل عنه. يبدأ عملي في السابعة صباحًا، ويستمر حتى الرابعة عصرًا. قواعد العمل تحتِّم عليَّ أن أقف في مكان يحدِّدونه لي عاري الصدر، سواء ذلك كان في أيام الصيف القائظ أو في أيام الشتاء القارس. أتجول بين السيارات دون كلام، مهما سمعتُ من مضايقات أو تعليقات أو استفزازات. فالحالة الوحيدة المسموح لي فيها بالكلام – بل وباستخدام الأيدي والأرجل – هي عندما نشاهد أولئك الأعداء البغيضين، أي رجال الدعاية الجوالين لشركة كوكاكولا. نخضع كلَّ أسبوع لجلسة تُسمَّى بجلسة الدعم النفسي، حيث يقوم رئيس الفريق بإلقاء محاضرة علينا يشرح فيها مزايا ببسي كولا ومساوئ كوكاكولا، ويهنِّئنا على العمل العظيم الذي نقوم به، أي نشر استهلاك ببسي كولا بين الناس والنضال من أجل زيادته. وهو – أي رئيس فريقنا – خطيب مفوَّه، تلهبنا خطبُه حتى نتحمَّس في نهاية كلِّ جلسة، فنقف جميعًا مصفقين مدة نصف ساعة متواصلة. أنا شخصيًّا لم أكن في حاجة إلى مثل هذه الجلسات، لأنني تربيت عليها منذ صغري على يد والدي، الذي كان جل حديثه في بيته ومع جيرانه وأصدقائه مدحًا وتبجيلاً للببسي كولا وقدحًا وذمًّا للكوكاكولا. عندما التحقت بالعمل في فريقه قال لي: "يا ولدي، من الآن فصاعدًا سوف تحمل أعباء مهمات عمل شريف، وسيكون لك هدفٌ سامٍ في هذه الحياة. لا تهتم أبدًا كم سيعطونك من أجر، بل اسأل نفسك دومًا كم قارورة ببسي كولا قد شُرِبَتْ بفضلك. عند ذلك ستحقِّق ذاتك، وستعرف معنى السلام الأبدي. وإياك، يا ولدي، والتعامل مع أولئك الحثالة الذين ينقشون على أجسامهم صور تلك القوارير الحمراء النتنة!" توفي والدي منذ عشرين عامًا، وفوق قبره تنتصبُ شامخةً زجاجةُ ببسي كولا ضخمة من الرخام. ومازالت روحي حتى اليوم تستلهم أبي وكلماته في حياتي. في إحدى المعارك التي دارت رحاها بيننا وبين رجال كوكاكولا، قاتلت بشجاعة، ونلت وسامًا على ذلك، على الرغم من أنني نُقِلْتُ في نهايتها إلى المستشفى. وسأبقى مخلصًا وفيًّا لهذه المبادئ، وسأحارب في كلِّ معركة قادمة حتى الموت، لأني لا أخاف الموت. فحتى لو متُّ سأذهب إلى الجنة. أجل، سأذهب إلى الجنة. فهذا ما قاله لي والدي. *** *** ***
|
|
|