|
يا
لها من حماقة! "الحرب...
يا لها من حماقة!" – عبارة قالها مرة الشاعر
الفرنسي جاك بريفير. في ودي أن أكرر هذه العبارة
إلى ما لا نهاية، أن أربط اسمي بها أيضًا.
الحرب حماقة بالمطلق. العسكريون
الاستراتيجيون الطامحون – حمقى! الجنرالات،
القادة الميدانيون، واضعو الخرائط والخطط
الحربية، – حمقى! صنَّاع الأسلحة،
حمَّالوها، المتغنُّون بها، – حمقى! الداعون
إلى الحرب، المهلِّلون لها، – حمقى. هؤلاء
كلهم لهم جدٌّ واحد هو قايين [قابيل]. أما
أحفاد هابيل فمازالوا موسومين بقدر جدِّهم. الحرب رأس الحماقة، خلاصتها.
والحماقة لا تُمازَح. الحرب، لأنها أقصى
العنف، فهي من سهولة. العنف يكمن في السهولة.
كذلك الرفض، حيث تُقمَع الرغبة في تعلُّم
القبول – وهو فن. السهولة التي تبدأ بصفعة من
مدرِّس أو واعظ على خدِّ طفل أخطأ في تلاوة
النشيد، ولا تنتهي بصفع مدينة وتأديبها
بالصواريخ. المدن على الخرائط الحربية
تظلِّلها نياشين الجنرالات وتثقبها
دبابيسُهم. ثقوب صغيرة تتحوَّل على أرض
الواقع – الواقع؟! – إلى حفر ضخمة وبحيرات من
الدم ومساحات شاسعة من الدمار. كيف ننجو من
حماقة "الأنا" العسكرية المتضخِّمة إذ
يفور الغرورُ خارج القبعات؟! پابلو
بيكاسو، "غيرنيكا" (1937). إذا كانت السياسة إحدى
تجلِّيات العقل، فإن قهرها وكفَّها تحطيم
للعقل. كل ما يبتكره العقل ويبنيه تدمِّره
الحرب. الجسر والمنارة والمدرسة والبناية –
وأصلها هندسة – تطلع من الحياة وتتطلَّع
إليها إنسانًا يتجلَّى ويبدع. السياسة ليست
ضد الكرامة. السياسة فعل حرية إذا ما تجنَّبت
الضحالة وأخذت في الرؤية. السيف ليس "أصدق
إنباء من الكتب"، بل "الرأي قبل شجاعة
الشجعان". السيف "تكنولوجيا" (سهولة)،
والكتب والرأي "معرفة" (مثابرة). والرجل
ليس بسلاحه بل بأصغريه: قلبه ولسانه، كما رأى
علي بن أبي طالب، أحد الرائين الكبار. لم يكن
المهاتما غاندي بلا كرامة، ولا نلسون
مانديلا، ولا الدالاي لاما. هؤلاء مثالات
للابتعاد عن خيار السهولة؛ مثالات للاقتراب
الصعب والمثابر من الجوهر والأعماق؛ مثالات
للامتلاء والتواضع. صراع الشبيه هنا دائمًا
يحطِّم النصَّ واللغة، يحوِّلهما أصلاً إلى
أجزاء وأغراض لذلك الصراع. كما كان دائمًا
يحطِّم العقل ويؤسِّس على حماقة ونزاع أخوة
وأبناء عمومة: قايين وهابيل، إسماعيل وإسحق،
يوسف وإخوته، هاشم وأميَّة، عباسي وفاطمي،
إسبارطي وطروادي – وصولاً إلى بعثي عراقي
وبعثي سوري، "فتح" و"فتح الانتفاضة"،
حركة "أمل" و"حزب الله"، حكومة
الجنرال ميشال عون والقوات اللبنانية، 8 آذار
و14 آذار... – فيما السؤال الطبيعي، السياسي
والعقلاني، التاريخي والمتجدِّد: "إلى
أين؟" يتم تجاهله. ألسنا ندفع اليوم ثمن نفي
العقل السياسي؟ – ونموذجه الصريح الراحل
ريمون إده، وهو، عن حق، شهيد المنفى. كان تسيغموند فرويد نصح
للقيِّمين على تجميع اليهود في فلسطين بهدف
إنشاء دولة بعدم تنفيذ ذلك المشروع "لأن
هذه المنطقة مثقلة بالحضارات" (مثقلة!).
والحق أن هذه المنطقة مثقلة أيضًا بـ"الحماقات"! ***
*** *** عن
السفير، 17/7/2006
|
|
|