العقلُ لا يكون عقلاً إلا إذا كان نقديًّا
أحد أسباب إخفاق الحداثة العربية هو عدم وجود فلاسفة عرب
الأصوليَّة التي نواجهُها اليوم «بدعة» مستحدَثة
الديموقراطية لا تُرتهَن لصندوق الاقتراع فقط بل لـ«صندوق الجمجمة» أيضًا!

لقاء مع جورج طرابيشي

 

عند ذكر المفكر السوري جورج طرابيشي لا بدَّ للمرء من أن يتوقف مطولاً أمام إنجازاته الفكرية الكبيرة: فبالإضافة إلى ترجماته لمفكرين وفلاسفة وأدباء غربيين كبار، أمثال هيغل[1] وفرويد[2] وسارتر وسيمون دُه بوڤوار[3] وكزانتزاكي[4]، التي فاقت مئتي كتاب، وضع طرابيشي عددًا من الدراسات والأبحاث في مجالات الفكر والنقد الأدبي وفلسفة الحداثة والعَلمانية إلخ، منها: الماركسية والمسألة القومية، المرض بالغرب، الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية، شرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، وهرطقات: عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية.

غير أن أبرز المشاريع الفكرية التي تصدَّى لها جورج طرابيشي كان عمله الموسوعي «نقدُ نقدِ العقل العربي»، الذي يعتبره الباحثُ السوري عبد الرزاق عيد «أحد أهم ثلاث موسوعات فكرية تناولت التراث الفكري العربي–الإسلامي في القرن العشرين»[5]. فقد حاول طرابيشي، طوال 20 عامًا هي عمر مشروعه، الردَّ على مشروع الجابري من خلال إعادة قراءة التراث العربي وتوظيفه لاحقًا في معركة الحداثة في وجه دُعاة القدامة.

في غضون أيام يصدر كتاب طرابيشي الجديد هرطقات 2 الذي يقول عنه إنه سيأتي استكمالاً لمحاضرة ألقاها قبل أشهر في دمشق بعنوان «العَلمانية كإشكالية إسلامية–إسلامية».

حسن سلمان

* * *

 

حسن سلمان: شهدتْ مسيرتُك الفكرية محطاتٍ عدة، تنقَّلتَ خلالها من «البعث» إلى الوجودية، ومن الماركسية إلى الليبرالية، لتتوقف أخيرًا عند «نقد نقد العقل العربي». بعد هذه المسيرة الحافلة أين تجد نفسك؟ هل أنت في مرحلة نقد الذات (إعادة النظر في مسيرتك بالكامل) أم نقد الواقع العربي؟

جورج طرابيشي: أنا ابن جيلي. وجيلي عاش في 50 سنة ما قد تعيشه أجيالٌ أخرى في بلدان أخرى في 100 أو 200 سنة! حالُ جيلنا تشبه وضعًا روائيًّا عربيًّا، مثل وضع نجيب محفوظ الذي انتقل في 50 عامًا من الرواية التاريخية إلى الواقعية، ثم إلى الرمزية، فالتراثية، وانتهى أخيرًا إلى الرواية الميتافيزيقية[6]؛ أي أن نجيب محفوظ قطع في مسيرته الروائية الفردية، إبان 50 سنة، ما قطعتْه الروايةُ الأوروبيةُ في تطورها على مدى 300 سنة!

جيلنا وقع تحت ضغط متغيرات سريعة، شهد في أثنائها أحداثًا جِسامًا، مثل صعود النازية والماركسية وسقوطهما، وثورات التمرد الطلابية [أيار 1968 وما تلاه]، والتحولات التي طرأت على الفكر الأوروبي، بدءًا بالوجودية، مرورًا بـ«مدرسة فرانكفورت»، وانتهاءً بالبنيوية وبمدرسة ما بعد الحداثة. في الوقت نفسه، شهد العالمُ تطوراتٍ خطيرة، بدءًا من نهاية الحرب العالمية الثانية ونشوب الحرب الباردة، مرورًا بحركات التحرر الوطني و«العالم ثالثية» tiers-mondisme، وانتهاءً بسقوط المعسكر الاشتراكي ثم العولمة. كان على جيلنا أن يتفاعل مع هذه الأحداث كلِّها، أن يفسح لها مجالاً في وعيه، وأن يعرف كيف يتبنَّاها وكيف يتخذ منها، في الوقت نفسه، موقفًا نقديًّا. ومن ثَمَّ فما كان له، لو أراد أن يبقى على صلة بعصره – الذي قانونه التغيُّر الدائم –، أن يتبنَّى رؤية واحدة وثابتة.

أعتقد أن مسيرتي الشخصية تعكس مسار الجيل نفسه، حيث انتقلتُ من مذهب إلى آخر تبعًا لتغير المراحل، تطبيقًا لمبدأ النقد والنقد الذاتي الذي يُعتبَر الضامن الأول لاستمرار الهوية من خلال التغير والتلاؤم مع الواقع المتغير. وهذه المسيرة من التغيرات المتواصلة لا تعني إنكار كل ما تم تجاوُزه، بل العكس: فمن خلال التاريخ والتغير وتصفية الحساب تتم أيضًا عملية تراكُم وإعادة بناء. ولئن تجاوزتُ مراحلي القومية والوجودية والماركسية والتحليلية النفسية[7] فهذا لا يعني أني لم أحتفظ من هذه المحطات بعناصر مازالت تلعب دورها في المحصلة النهائية لمسيرتي الفكرية. وهكذا أستطيع اليوم أن أستفيد من جميع خبراتي السابقة كي أطوِّر رؤية مركَّبة ومعمَّقة للواقع الذي نعيشه – هذا الواقع الذي يمثل انعطافًا جديدًا في مسيرة العالم العربي من خلال انبثاق ظاهرة الأصولية المنداحة موجتها اليوم، التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في تحولي الفكري من نقد الرواية[8] إلى نقد التراث العربي الإسلامي كما تجلَّى في مشروع «نقد نقد العقل العربي»[9] الذي أخذ – ولا يزال – بُعدًا موسوعيًّا ما كنت أنا نفسي أتوقَّعه عندما شرعت فيه قبل أكثر من 20 عامًا!

ح.س.: يتهمك بعضُهم بأنك تمثَّلت مشروع محمد عابد الجابري الفكري، ثم انقلبت عليه. وهنا يحضرني سؤالٌ عن سبب لجوئك إلى البحث في التراث العربي؟ ثم عمَّ أثمر مشروعُك في نقدِ نقد الفكر العربي بعد أربعة مجلدات وضعتَها في هذا الشأن؟

ج.ط.: هذه ليست تهمة! فأنا نفسي صرحت، وكتبت مرارًا، أنني سُحِرْتُ في أول الأمر سحرًا حقيقيًّا بكتاب الجابري تكوين العقل العربي. وقد كتبت عنه حين صدوره في مجلة الوحدة أنه ليس كتابًا يثقِّف، بل كتابٌ يغيِّر أيضًا: فمن يقرؤه لا يعود بعد قراءته كما كان قبلها. وأعتقد أن هذا مديح كبير للجابري! ولكن هذا المديح نفسه هو ما جعلني أنتقل إلى موقع «نقد النقد» عندما اكتشفت، ربما من قبيل المصادفة البحتة، أن الجابري يصوغ إشكالياته، التي بدت لي في أول الأمر آسِرة، انطلاقًا من شواهد مزيفة، بل من شواهد يزيِّفها عن عمد لتخدم ما يصوغه من إشكاليات، بحيث يجبر قارئه أن يعطي عن هذه الإشكاليات الأجوبةَ التي يريد له أن يعطيها انطلاقًا من موقف إيديولوجي مسبَّق ومحدَّد.

ح.س.: عدا تزييف الشواهد، هل لديك مأخذ آخر على الجابري؟

ج.ط.: نعم، هناك مأخذ آخر يتمثل في توظيفه الإپستمولوجيا في خدمة الإيديولوجيا. وهي إيديولوجيا متعصِّبة لما يسميه بـ«العقلانية المغربية» ضد «اللاعقلانية المشرقية»، لـ«البيان» السُّني ضد «العرفان» الشيعي، وللإسلام «السياسي»، في خاتمة المطاف، ضد الإسلام «الروحي». ولكني مدين للجابري – ولأعترف بذلك –: فقد اضطرني إلى أن أُخضِعَ نفسي، قبل أن أُخضِعَه هو نفسه، لمراجعة حساب شاملة. وهكذا، عدا عن أنني تمكنت من اكتشاف المئات من الشواهد التي زيَّفها الجابري فقد أعدت بناء ثقافتي التراثية. وأنا لا أزال، منذ أكثر من 20 عامًا، مرتحلاً في طوايا هذا التراث، الذي قد يتطلب النفاذُ إليه عمرًا بكامله، وليس سنوات قليلة من العمر المتبقي!

ومادمتَ قد سألتَني عن سبب هذا الغوص في التراث، أقول: لقد شاءت صروف الحياة أن أبدأ الكتابة في نقد مشروع الجابري عندما هاجرت إلى فرنسا؛ وهنا، في المهجر والغربة، وجدت مع التراث، ومن خلاله، وطنًا بديلاً. أضف إلى ذلك أن هذه العودة إلى التراث قد تزامنتْ مع صعود موجة الأصولية التي تريد العودة بنا إلى قرون وسطى جديدة!

ح.س.: إذًا هل نستطيع القول إن مشروعك يدخل في إطار توظيف التراث في معركة الحداثة؟

ج.ط.: التراث وغير التراث. فالمواجهة مع أعداء الحداثة ودعاة القدامة معركة طويلة وشاقة، وأعتقد أنها لن تستغرق أقل من 50 أو 100 سنة مقبلة! ومواجهة هؤلاء «القداميين» لا يمكن لها أن تتم إلا من خلال منجزات الحداثة وفتوحاتها كافة على صعيد العلم والفكر؛ وكذلك من خلال الرجوع إلى المواقع التراثية نفسها التي يدَّعون أنهم يتحصَّنون بها[10].

وإنِّي، إذ أقول هنا إنهم «يدَّعون»، فأنا أعني تمامًا ما أقول. ذلك أن هذه الأصولية التي نواجهها اليوم هي، في نظري، «بدعة» مستحدَثة تمامًا؛ وحسبي على ذلك دليل واحد: فلو عدنا إلى التراث لما وجدنا أحدًا من الذين عاشوا في تلك العصور يقول عن نفسه إنه «إسلامي». كان هناك مسلمون ونصارى ويهود ومجوس، ولكن لم يكن هناك «إسلاميون»!

ح.س.: ما تفسيرك لتراجُع العقل العربي بعد فترة الانفتاح والازدهار التي عاشها في الماضي؟ وهل نحن في حاجة إلى مشروع نهضوي عربي؟ وما هي سمات مثل هذا المشروع؟

ج.ط.: من الصعب الإجابة في عبارات قليلة عن مثل هذا السؤال الذي سُوِّدتْ في الإجابة عنه كتبٌ بكاملها. لكني سأبدي هنا فقط تحفظًا على كلمة «عقل». فأنا أعتقد أن كثيرين من المثقفين العرب، مثلهم في ذلك كمثل الجمهور الذي يخاطبونه، لا يفكرون بعقلهم، بل بـ«عقليتهم» – والفارق بين الاثنين كبير! ولعل استئناف مشروع النهضة العربية، الذي يعاني اليوم من انتكاسة كبرى، إنما يرتهن لقدرة المثقف العربي على التحول من جديد من نصاب «العقلية» إلى نصاب العقل. فالعقل لا يكون عقلاً إلا إذا كان نقديًّا[11].

في المقابل، فإن ما يميِّز «العقلية» هو نزعتها إلى الدفاع والمنافحة والتبرير. وذلك هو أكثر ما يحكم الثقافة السائدة اليوم على الساحة العربية، خاصة على الفضائيات التي تُغلِّب المنافحة على النقد، وتهيِّج العاطفة المنفعلة بدلاً من أن تستفزَّ العقل الفاعل. وحسبي شاهدًا على ذلك أن المثقف العربي النقدي، عندما يكتب، فإن أول ما يلجأ إليه هو عقله؛ لكنه عندما يظهر على الفضائيات نراه في الغالب يتحدث بـ«عقليته»، آخذًا في الحسبان الجمهورَ واسترضاءه!

ح.س.: في كتابك الأخير هرطقات: عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية[12]، تنفي وجود فلسفة عربية حديثة، معتبرًا تجارب مفكرين، مثل عبد الرحمن بدوي وسمير أمين وحسن حنفي، لا تعدو كونها ترجمةً، أو توليدًا بواسطة الترجمة، لأفكار غربية. ألا ترى أن حكمك جائرٌ بعض الشيء؟

ج.ط.: مرة أخرى أقول: الفلسفة هي بنت العقل؛ بينما السائد اليوم في الساحة الثقافية العربية هو «العقلية». لذا أكاد أن أقول باستحالة وجود فلسفة عربية اليوم! قد يكون في هذا الحكم بعض التعميم؛ ولكن اضرب لي، مع ذلك، مثالاً على فيلسوف عربي واحد يستحق هذا الاسم، علمًا بأنني لا أعفي نفسي من هذا الحكم! وهذا شيء يدعو إلى الحزن، لأننا نعلم أن مَن صنع الحداثة الغربية هم الفلاسفة في المقام الأول[13]. أفلا نعزو إخفاق الحداثة العربية، في أحد أسبابه على الأقل، إلى غياب فلاسفة عرب؟!

ح.س.: في ورقتك التي قدَّمتها في مؤتمر «العَلمانية في المشرق العربي» الذي عُقِدَ أخيرًا في دمشق، خلصتَ إلى ضرورة المزاوجة بين الديموقراطية والعَلمانية، التي اعتبرت أنها طُوِّرت في مختبرات الغرب لتكون الدواء الشافي للداء الطائفي، مع أنك لم تعتبرها إيديولوجيا «خلاصية». كيف تفسر ذلك؟

ج.ط.: لا ديموقراطية بلا عَلمانية، لأنه في ظل العَلمانية فحسب يمكن للمرء أن ينعتق من «عقليته» – الدينية والطائفية – لكي يفكر، وبالتالي ينتخب، على أساس عقله. ولهذا أكدت في أكثر من بحث لي على أن الديموقراطية لا تُرتهَن لصندوق الاقتراع فقط، بل، أيضًا وأساسًا، لـ«صندوق جمجمة الرأس»[14]!

كيف نتصور أن تقوم للديموقراطية قائمةٌ متى علمنا أن السُّني لن يصوِّت إلا لمرشَّح سُنِّي، وكذلك الشيعي للشيعي، والكاثوليكي والأرثوذكسي للكاثوليكي وللأرثوذكسي؟! لنأخذ حالة خاصة مثل مصر: فعلى الرغم من أن الأقباط يشكِّلون ما بين 8 إلى 12% من المجتمع المصري فإن الوضعية الطائفية السائدة في مصر اليوم لا تؤدي إلى انتخاب نائب قبطي واحد؛ ولذلك تضطر الدولة إلى التدخل لتعيِّن بعض النواب الأقباط تعيينًا. ودونك أيضًا مثال إيران اليوم: فالسنَّة يشكِّلون نحو 20% من سكان إيران؛ ومع ذلك، ليس لهم في البرلمان سوى نحو 10 نواب من أصل 600 (هذا إذا لم تَخُن الأرقام ذاكرتي).

لماذا؟ لأن «الديموقراطية» المزعومة، في إيران ومصر وسائر الدول العربية، مفصومة عن العَلمانية. ولبنان – أعرق بلد ديموقراطي عربي – يقدم لنا شاهدًا أخيرًا على مأزق الديموقراطية عندما تُختزَل إلى مجرَّد صندوق اقتراع، فلا يكون الاقتراع إلا على أساس طائفي – علمًا بأن صندوق الاقتراع، بالمعنى الديموقراطي الحقيقي للكلمة، لا وجود له أصلاً في معظم البلدان العربية!

ح.س.: اعتبرتَ في ورقتك المذكورة أن الطائفية في الإسلام ليست حدثا طارئًا، لكنها أحد «ثوابت» الإسلام التاريخي. غير أن بعضهم يأخذ عليك أنك تعيد مشكلة الطائفية إلى نزاع ديني، فتُهمِل العامل الرئيسي، وهو النزاع السياسي والاجتماعي، على اعتبار أن صُلب المسألة الطائفية ومعناها هو الصراع على السلطة؛ وبالتالي، فهو نزاع سياسي–اجتماعي، وليس نزاعًا طائفيًّا دينيًّا. ما ردك على ذلك؟

ج.ط.: من قال إن الصراع الطائفي هو محض صراع ديني؟! أنا لم أتوقف مطولاً عند الصراع الطائفي في الإسلام إلا لكي ألفت النظر إلى وجوده المغيَّب عن الوعي، لا لأنفي اقترانه بصراع على السلطة والنفوذ الاجتماعي. وقد جاء تأكيدي على وجود الصراع الطائفي في الإسلام في معرض الردِّ على دعوة مَن يدَّعون أن العَلمانية اختُرِعَتْ في مختبرات الغرب كعلاج للصراع الطائفي في المسيحية. ومن دون أن أنكر أن العَلمانية اختُرِعَتْ فعلاً في مختبرات الغرب، لست أرى ذلك حجةً لعدم تطبيقها في العالم العربي. إذ لو أخذنا بهذا المنطق لكان علينا أن نرفض تطبيق الديموقراطية في العالم العربي لأن الديموقراطية قد اختُرِعَتْ هي الأخرى في مختبرات الغرب! وعلى كلِّ حال، إذا كانت العَلمانية هي العلاج للصراع الطائفي، فحاجة العالم الإسلامي إليها لا تقل عن حاجة الغرب، لأنه مُبتلى بداءٍ طائفي أشد ضراوةً ومرارةً حتى من ذاك الذي عرفتْه أوروبا بين الكاثوليك والپروتستانت في مطلع الأزمنة الحديثة.

ح.س.: لكن بعض المفكرين يرى أن العَلمانيين العرب لم يستطيعوا أن يطوروا نموذجًا للعَلمانية قابلاً للتطبيق في العالم العربي. كيف ترد على ذلك؟ وما الحل برأيك؟

ج.ط.: لقد أثَرتُ أكثر من مرة، في ما كتبتُ عن العَلمانية، أن العَلمانية في العالم العربي ليست صيغة جاهزة برسم التطبيق، بل المطلوب إعادة اكتشافها وابتكارها وتطويرها لتكون متلائمة مع الواقع العربي ومتطلباته. أما العَلمانية المترجمة حرفيًّا فلن يكون مصيرها بأحسن من مصير تلك الفلسفة العربية التي قلت للتوِّ إنها مستحيلة الوجود لأنها بقيت مجرد فلسفة مترجَمة.

العَلمانية في الغرب، كما أبيِّن في كتابي القادم هرطقات 2 الذي سيصدر قريبًا[15]، قامت على أساس فصل الدولة عن الدين، وحُصِرَ مجالُها بالقطاع العام دون المجتمع. ولكني أعتقد أن الاكتفاء بالفصل بين الدين والدولة غير كافٍ على الساحة العربية، بل لا بدَّ للعَلمانية من أن تُعمِلَ مِعولَها في عمق المجتمع نفسه – وإلا فسنواجه مأزقًا كالذي يمزِّق تركيا اليوم بسبب انقسامها إلى دولة مُعَلمَنة ومجتمع متأسلم أو أعيدت أسْلَمتُه.

*** *** ***

التقى به: حسن سلمان
عن الشرق الأوسط، 23/01/2008


 

horizontal rule

[1] راجع بترجمته مثلاً: هيغل، المدخل إلى علم الجمال: فكرة الجمال (دار الطليعة، بيروت، طب 3: 1988) والفن الرمزي الكلاسيكي الرومانسي (دار الطليعة، بيروت، طب 2: 1986).

[2] ترجم طرابيشي عن الفرنسية أهم كتب زيغموند فرويد؛ راجع بترجمته مثلاً: سيغموند فرويد، موسى والتوحيد، دار الطليعة، بيروت، طب 5: 2004.

[3] سيمون دي بوڤوار، واقع الفكر اليميني، دار الطليعة، بيروت، طب 2: 1963.

[4] نيكوس كازانتزاكي، زوربا، دار الآداب، بيروت، طب 9: 2002.

[5] الإشارة هنا إلى موسوعة المفكر المصري أحمد أمين فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام وموسوعة المفكر المغربي محمد عابد الجابري نقد العقل العربي.

[6] راجع: جورج طرابيشي، الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية، دار الطليعة، بيروت، طب 3: 1988.

[7] راجع مثلاً: جورج طرابيشي، المثقفون العرب والتراث: التحليل النفسي لعُصاب جماعي، دار رياض الريس، بيروت، طب 1: 1991.

[8] راجع: جورج طرابيشي، عقدة أوديپ في الرواية العربية، دار الطليعة، بيروت، طب 2: 1987؛ الروائي وبطله: مقاربة اللاشعور في الرواية العربية، دار الآداب، بيروت، طب 1: 1994؛ وشرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، دار الطليعة، بيروت، طب 4: 1997.

[9] راجع: جورج طرابيشي، نظرية العقل، "نقد نقد العقل العربي" 1، دار الساقي، بيروت، طب 2: 1999؛ إشكاليات العقل العربي، "نقد نقد العقل العربي" 2، دار الساقي، بيروت، طب 2: 2002؛ وحدة العقل العربي الإسلامي، "نقد نقد العقل العربي" 3، دار الساقي، بيروت، طب 2: 2001؛ والعقل المستقيل في الإسلام؟ "نقد نقد العقل العربي" 4، دار الساقي، بيروت، طب 1: 2004.

[10] جورج طرابيشي، مذبحة التراث في الثقافة العربية المعاصرة، دار الساقي، بيروت، طب 1: 1993.

[11] راجع مثلاً: جورج طرابيشي، من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، بيروت، طب 1: 2000.

[12] جورج طرابيشي، هرطقات: عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية، دار الساقي، بيروت (بالتعاون مع "رابطة العقلانيين العرب")، طب 1: 2006.

[13] راجع مثلاً: جورج طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام، دار الساقي، بيروت، طب 1: 1998.

[14] راجع مثلاً: جورج طرابيشي، في ثقافة الديموقراطية، دار الطليعة، بيروت، طب 1: 1998.

[15] جورج طرابيشي، هرطقات 2: عن العلمانية كإشكالية إسلامية–إسلامية، دار الساقي، بيروت (بالتعاون مع "رابطة العقلانيين العرب")، طب 1: 2008.

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود