حماية الآخر... هي حماية الذات

محمود خليل

 

إن توازن الأمم والشعوب وتقدمها الحضاري يكمن في تنوعها الثقافي والعقيدي، لأن حضارتنا، في المحصلة، هي نتاج تراكمات آلاف السنين من هذا التنوع، وكل إلغاء للآخر هو انكماش للذات وخواء على جهلها الذاتي.

نحن نعلم يقينًا إن كل فرد هو "الآخر" والآخر هو"أنت أو أنا" من وجهة نظر حيادية وموضوعية إنما هي صيرورة الحياة والمعادلة التي تتوازن على جانبيها قيم المجتمع الروحية.

إن أي إلغاء للآخر هو إلغاء الذات وتقزيمهما ومن ثم هدمها على مراحل وإزاحتها خارج تلك المعادلة.

إن نظريات "ما بعد الحداثة" والمتعلقة بعلم الاجتماع تقترب من مفهوم "إن حماية الآخر هي أفضل وسيلة لحماية نفسك". إن هذا المفهوم، بقدر ما هو حديث العهد، يعبر عن قراءة عميقة لسيكولوجية الإنسان المعاصر وقدرته على استيعاب كينونات المشاكل والعلائق الموجودة بين أفراد المجتمع الواحد "كأفراد" والمجتمعات عمومًا.

إن حماية "الآخر"، شريكك، هي حصانة ومنعة قوية لأسوارك البيتونية المُكلفة، ولحُراسِك المأجورين. عندما يشعر "الآخر" بالأمان ويشعر بأنك حريص على حمايته قبل حماية نفسك فهو سيحميك كما تحميه أنت فلا نحتاج إلى تلك الأدوات والأسلحة القذرة لقتلنا.

لا نستطيع العيش فرادى في هذا العالم، إلا إذا عاقبك سجانك أن تعيشها مرغمًا، لذلك لا تحرم نفسك من الآخر ولا تؤذِ نفسك، فالآخر ليس كائنًا غريبًا وليس ذلك المختلف عنك عضويًا وروحيًا عدوًا لك وليس هو ذلك البعيد الذي ليس له علاقة بك والمكتفي بذاته؛ فهو قريب منك؛ فهو "أنت"... وأنت "هو".

كل الأشياء التي تراها وتتعامل معها، كل تلك المجاميع التي تشكل الآخر موجودة من أجلي فقط، طالما أراها وأشعر بها وأقيم علاقات معها، هذه العلاقات التي بيني وبين العالم، والتي بيني وبين الآخرين، هي سر وجودي وشرط استمرار حياتي.

عندما نؤمن جميعًا كأفراد بأن "أنا" هو "أنت"، و"أنت" هو "أنا"، و"هو" هو "إنا" أو "أنت"، إيمانًا وقناعة عقلية تحليلية، حينها تتلاشى أسباب الخلاف.

الاختلاف والخلاف مصطلحان مختلفان جدًا في المعنى، مع تشابههما في اللفظ اللغوي والاشتقاقي.

المرأة مختلفة عن الرجل ومع ذلك تصبح له زوجة وأختًا وابنةً وعمةً وخالةً وكذلك العكس، الناس مختلفون أفرادًا وجماعات وأممٍ، هذا أمر ضروري كاختلاف الأنثى والذكر في المثال المذكور.

إن إقصاء الآخر "المُختلف" هو الجهلُ بعينه، والجاهلُ شقيٌ ومترهلٌ بالعادةِ يُعذِبُ نفسهُ ويرهقُ الآخر بنفس الوقت، كمن يضربُ أختهُ فقط لكونها "أنثى" وهو يذرف الدموع عليها فيما بعد، كما كانت عادة بعض العرب القدامى عند وأدهم لبناتهم: كانوا يوارونها التراب وهم يبكون على فعلتهم تلك في نفس الوقت.

الاختلاف "نعمة" وليس "نقمة" كما يراها الجهلاء، الذين لم يتغذوا من المعرفة والثقافة بعد، أنهم بمرضهم العقلي سيزدادون تخلفًا وشقاء ودونية، "لا شماتة" وإنما قراءة موضوعية تحليلية.

إن النسبة العالية من القتل والتقتيل قديمًا وحديثًا ناجمة عن ثقافة الإقصاء ومصادرة حق الآخر في التعبير.

حدثت مجازر بشرية كثيرة في المجتمعات بسبب اختلاف العقيدة والعرق واللون. وهل العقيدة واللون والعرق هي صناعة فردية رغبوية؟ وهل الكردي خَلقَ نفسه حتى يتم إنكاره وإقصاءه من قِبلِ العرب والأتراك والفرس؟ وهل السود هم من لونوا أجسادهم كي يكرههم ويقتلهم البيض؟ وهل المسيحي والمسلم واليهودي والذردشتي قد اختاروا لأنفسهم تلك الديانات والمعتقدات؟ إنها أسئلة مطروحة برسم مثقفي المجتمع، برسم كل فرد وكل مؤسسة وجماعة، وهيئات المجتمع المدني، وأحزابه.

قامشلو، 1-7-2012

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود