|
منقولات روحيّة
تُعتبَر نظريةُ وحدة الوجود من ألصق النظريات بالفكر الفلسفي القديم. فقد ظهرت في الفلسفة الهندية، حيث كانت مدرسة الـﭭيدنتا اللاثنوية تعلِّم أن جميع أشكال الحياة، من حياة الآلهة إلى حياة أحقر الخلائق، هي ذات واحدة جوهرية: آتمن. وظهرت أيضًا في الفلسفة الصينية، وخاصةً في الحكمة الطاوية التي دعا إليها الحكيم لاو تسُه؛ وفي الفلسفة اليونانية، حيث نادى بها كسينوفانس القولوفوني، مؤسِّس المدرسة الإيلية، وكذلك پرمنيدس، والرواقية، والمدرسة الفيثاغورية، والأفلاطونية المحدثة. و"وحدة الوجود" تعني، مجملةً، أن الكل هو الإله وأن الإله هو الكل. وقد انقسم معتنقوها إلى طائفتين هما: - أصحاب وحدة الوجود الإلحادية: وهم الذين يعتقدون أن العالم وحده هو الموجود الحق، وليس الإله سوى مجموع الأشياء الموجودة في العالم. - أصحاب وحدة الوجود الإيمانية: ويرون أن الإله وحده هو الحقيقي، وما العالم إلا مجموعة من تجلِّياته التي ليس لها وجود من دونه.
1 لست
أخفي أنني ترددت قليلاً حين طلب مني الأب رافي
حلاوة إلقاء محاضرة حول التصوف في بطريركية
الروم الكاثوليك بدمشق. فقد شعرتُ ببعض الخوف
من هذا الطلب الذي أحسستُ وكأنه يتجاوزني،
حتى إني فكرت في الاعتذار. إذ ماذا في وسع
مهندس عَلماني أن يقدم جديدًا في بيت مَن
يُفترَض أنهم رُعاة أحد أكثر المناحي الدينية
روحانيةً في عالمنا؟! ثم
حسمت أمري، وقررت المجازفة بالحديث عن مفهومي
الخاص لهذا المنحى الذي كان له أكبر الأثر في
إعادتي إلى الإيمان بألوهة شاملة تتجاوزنا،
هي، في الوقت نفسه، في قلب كلٍّ منا. وأبدأ
حديثي من هنا عن ذلك "المنظور الآخر"
الذي ربما كان، من بعض جوانبه، هو التصوف،
متوقفًا أولاً أمام...
أربع
وثلاثون سنة قد انقضت منذ أن
عُرِضَ على الأكاديمية الملكية الإسبانية
خطابٌ استهلالي discurso de recepción
تقدم به، لدى انتمائه إلى الأكاديمية،
المستشرقُ المختص بالدراسات العربية المدعو
ميغيل آسين پلاثيوس [1871-1944]، وكان في شرخ شبابه
آنذاك. ولا أزال أذكر إلى الآن الأثرَ الذي
تركتْه في نفس والدي قراءةُ الكتاب المذكور
المسمَّى الأخرويات الإسلامية في
الكوميديا الإلهية، وهو أثر امتزج فيه
الإعجابُ بالدهشة، وكاد أن يبلغ حدَّ الفزع،
على الرغم من أن والدي كان من أوائل الذين
قاموا بنشر آراء آسين في إيطاليا. ذلك أن
الطرافة والجرأة واتساع الأفق التي اتسم بها
افتراضُ آسين، والنتائج التي توصل إليها،
أحدثت وقعًا شديدًا. ولا أزال أحمل في ذهني
ذكرياتٍ غير مكتملة الوضوح عن الأصوات
المتنافرة التي ارتفعت في نقد المستشرق
الشاب، وفي نقد دانتي، في جو الحماس المحموم
الذي تميزت به احتفالاتُ العام 1921 بمرور
ستمائة سنة على وفاة دانتي؛ كما أني أحمل
ذكرياتٍ مبهمةً عن حماس المؤمنين بنظرية
آسين، وخيبة الأمل المريرة التي مُنِيَ بها
مقدِّسو دانتي، والأصداء العميقة المتلازمة
لكلٍّ من التأييد والاستنكار – هذه المشاعر
جميعها أثارها كتابُ آسين مما لم يسبق إليه أي
سفر آخر طوال مئة عام. ثم ما لبثت أن طغت في
كلِّ مكان أصواتُ المعارضين الذين لم يؤمنوا
بنظرية آسين ممن اعتمدوا في ذلك على الحجة أو
المنطق، أو من الذين آمنوا في أول الأمر ثم
أخذ إيمانهم يضعف ويخور، وكان في عدادهم
والدي. وقد ردَّ عليهم آسين في كتابه تاريخ
سجال ونقده]
ببراهين حية مقنعة، وشيجة الاتصال بموضوع
الجدل. ثم ما عتمت حدةُ الجدل أن خفَّتْ
وانتهى الأمر، كعادة الأمور في مثل هذه
الحال، بأن خلَّف النزاعُ وراءه عددًا من
المسائل يحيط بها سوءُ التفاهم والالتباس. ***********
|
|
|