بـلـوك نـوت 3

حياة أبو فاضل

 

إذ يُخفي الشاعرُ خوفًا وألمًا

ذاك المساء، من على شاشة تلفزيون "المستقبل"، دخل أدونيس بيوت العالم العربي، وقال ما قال. وصباحًا تحاورتُ وثلةَ أصدقاء حول ما باح به. شعرتُ بأنه قدم كلامًا مختلفًا لكلِّ مُشاهد في كلِّ بيت. كلٌّ فهم كلامه على ذوقه، والقليل القليل أدرك أن ما لم يقلْه أدونيس كان أبلغ بكثير مما قال.

قال ما معناه إن بيروت رمزٌ للعالم العربي، تختصره، وإنه غاضب! فالرمز والأصل على تخلُّف مستمر، لأن الشعب العربي تحجَّر. إذن بيروت بنظر أدونيس هي مثل DNA للوطن العربي! وهل هناك "وطن" عربي؟! هل ننتمي إلى أوطان أم إلى أديان وطوائف ومذاهب؟! – هذا ما لم يسأله أدونيس. إلا أنني سمعته يتهم – مُحِقًّا – أننا جميعًا لا نفهم معنى أن يكون لنا وطن وأرض تحملنا ومجتمع ننمو فيه ونتطور، لأن التطور غاية وجودنا أصلاً. وألمع إلى أننا تقوقعنا داخل قشور ما سميناه مؤسسات دينية، ولم نسعَ أبدًا إلى بلوغ جوهر التعاليم السامية لنتحرر.

أدونيس، أيها الغاضب عن حق! لم أسمع منك شماتةً أو حقدًا أو نكران جميل. سمعتك عميقًا، بالغًا الجوهر، نازعًا الحُجُب المعيقة للوعي. سمعتك داعيًا إلى صحوة صارت في أهمية الهواء للحياة لمن يريد أن يستمر كادحًا في عالم ينهشه القوي الجاهل. وأجمل ما قلتَ للصغار: "ثوروا على آبائكم!" – وعلى كلِّ مَن يحد من انطلاق الأجيال الجديدة إلى وعي حركة الوجود، لا كما نعرفها، بل كما هي في الحقيقة: حركة تطور، لا يحدها تحجر وخوف وحقد وطمع وتسلط وقمع وجهل – جهل أسود معتم، جلب لنا كوارثنا العبثية، بدءًا من فلسطين، إلى لبنان بالأمس، إلى العراق اليوم، وإلى الأكثر بكثير – إنْ لم ننتفض.

أدونيس! رأيت داخل عينيك ألمًا كبيرًا، وابتسامتك حجبتْ خوفًا كثيرًا على عالم عربي، أنت ابنه الذي اختار أن يولد فيه، ولم تتركه حقًّا إلى غرب تحرَّر مما يكبل العلوم والفنون، وما تحرَّر بعدُ من أطماع مادية سلطوية. فالأرض، بما عليها، امتداد لأرضك، والآخر امتداد لك، لأنك أزلت الحجبَ كلَّها في مسيرة فهم ووعي لجوهر الوجود. وهذا ما تريده لكلِّ عربية ولكلِّ عربي. هذا كل ما تريده.

* * *

 

تجربة الوجود الحرَّة

هذا رأي. وما قاله سيادة المطران جورج خضر في مقاله "شهوة المال" رأيٌ قيِّم مختلف. وكل ما نختبره، في مساراتنا كلِّها، ثم نفلسفه، يبقى "رأيًا". والفرق بين الرأي والحقيقة لا ثبات له: فللحقيقة وجوهٌ كثيرة نلتقطها بحسب درجة وعينا. لذا فإن اختبار اقتناء المال والثروة والسلطة اختبار شخصي، مثله كمثل كلِّ ما يمر به الإنسان في مسيرة تطوره. حتى المؤسسات الدينية تمر بهذا الاختبار، فإذا سقطت في فخِّه، لا تعود تقوم.

والحكاية ليست حكاية "عبادة". فالعلاقة بالخالق لا يرسمها غنى ولا فقر. هي في الضمير الذي لا انتماء مؤسسي له. في الضمير الواعي يكمن سر الوجود – وعي يصلنا بـ"المصدر"، فنطمئن على الرغم من وجه الوجود السلبي الآخر الذي يحمل الفقر والمرض والألم والظلم والظلام. نلعب، ونعرف أن المغامرة بسيطة. فالمعلِّم قال ما مُفاده: "الخالق يهتم بك، اخترْ لكَ طريقًا وامشِ!"

وكي يصل الإنسان إلى بُعد وعيٍ يُغنيه عن أشياء الحياة، فلا يبقى لقلبه غير اشتهاء الله، عليه، أولاً، أن يشبع مما تهدي الحياة، إيجابًا وسلبًا. فهدايا الحياة ضرورة لا تلغيها "لاءات" التعاليم – وإلا ما كانت الحياة! والبرهان أنها باقية تجذب الإنسان. والذي يتخطَّى صادقًا يكون مرَّ باختبارها وشبع منها على مدى حيوات كثيرة، أو بنعمة من الخالق – عزَّ وجل.

ويتكلم المطران عن العطاء، فيقول إن "الفرح مباح في الكسب فقط إذا أعطيتَ الفقراء مما لديك". وهذا محزن لأنه فرح مشروط! فالخالق الذي خلق من طاقته الكلِّية أرضنا الرابعة العظيمة، وخلق الإنسان ليتمتع بالحياة، لم يضع شروطًا للحزن أو للفرح، ولم يكن في قلبه إلا حب لا حدود له، لمخلوقاته كلِّها. أعطى من دون شروط. وأعظم ما أعطى الحرية، بأبعادها كلِّها. ومع تطور الوعي البشري، كانت الحكمة والتعاليم التي خرجت من الضمير الإنساني الذي يحرك هذا الوعي على مرِّ العصور، على بقاع الأرض كلِّها. ثم كان العلم الذي كشف بعض أسرار هذه الحكمة.

هناك أغنياء يشاركون الآخرين في ما يملكون، وهناك منهم مَن لايشارك، قال المطران. والكل، يا سيدي، تحميه الحرية، والمؤسسات الدينية الكبيرة الغنى حرة في أن يشاركها الفقراء ثرواتها، وحرة في أن تحجبها. وأجمل ما قال المعلِّم: "لا تدينوا كي لا تُدانوا." فهو عرف سرَّ لعبة الوجود. عرف أن الفعل والقول والفكر، مثل كلِّ ما في الوجود من مادة كثيفة ولطيفة، هي مجرد طاقة تتفاعل، كما تقول الفيزياء الكوانتية اليوم. لذا سنحصد ما نزرع. فتبادل الطاقة يشكِّل نظام الكون الذي يحافظ على توازن الوجود. وكل جدار يفصل الإنسان عن حرية تطور وعيه، إلى أيِّ دين أو وطن انتمى، يساهم في إبطاء مسيرة تطور الجنس البشري إلى بُعد وعيٍ يكشف وجهًا للحقيقة آخر جديدًا – وجهًا يهدي الإنسان إلى معرفة وحدة الوجود. فالشر هو وجه الخير الآخر، والغنى والفقر وجهان لعملة واحدة، والاختبار جميل. هذا ما قاله الصوفية الكبار، على مدى العصور.

* * *

 

حديث الدجاج عن آلة بلا قلب

على كتف جبل تناثر هضابًا وأوديةً تتحاور كلَّ مساء، ضيعةٌ من لبنان، بيوتُها قليلة، ما إن انحسر عنها الثلج حتى خرج سكانُها ودواجنُهم إلى الشمس. وداخل العشب الطويل الأخضر، وقفت دجاجتان تتبادلان الكلام.

-       أسمعتِ ما قاله أبو إلياس لزوجته عن مرضٍ أصاب دجاج الشرق الأقصى، فأرعب الجنس البشري لأنه فتَّاك بالبشر أيضًا؟!

-       "ما معنى فتاك؟!" سألت الحمراء الجميلة.

-       يعني قاتل... يمرض الدجاج، وينتقل المرض إلى الإنسان، ويموت الجميع!

ضحكت الجميلة وقالت:

-       أخيرًا تمكنَّا من زرع الرعب في قلب الإنسان!

وركض صوص أبيض والتصق بصدرها.

-       "ماما، ماما، أدفئيني!" قال، فضمَّتْه تحت جناحها وهمست:

-       سيأتي دورُه متى صار فرخًا كبيرًا. فللبشر أعياد كثيرة، وستأخذه أم إلياس إلى ذاك المكان المعتم البشع وتذبحه، ثم تحوِّله إلى وليمة، فيأكلون لحمه الطري ويشبعون.

وكان صمت. ثم قالت الأولى:

-       إن لم يأكلنا أبو إلياس، سيأكلنا الواوي على كلِّ حال! وأبو إلياس أحق، فهو يوفر لنا مسكنًا وطعامًا، ويسمح لنا بالتجول في الحقول، فلا يحبسنا داخل جدران عالية، مثل دجاج مزارع الإسمنت، حيث ينبت الصيصان داخل علب معدنية بلا أم ولا أب.

وتطلعت إلى ديك يقف لامع الريش تحت ضوء الشمس، لا يهمه أمر إنفلونزا الدجاج، لا تهمه إلا دجاجات ستخضعن لنزواته الكثيرة. هزت رأسها وقالت:

-       كم يشبه الإنسان!

-       "لذلك نمرض"، قالت الجميلة. "فالإنسان عبث بقانون الطبيعة حين سجن الدجاج والأبقار وكلَّ ما سيأكله داخل جدران عالية، ومنع عنها ضوء الحرية والمساحات الخضراء. يطعمها الهرمونات والڤيتامينات، ويُسمِعُها الموسيقى لتبيض أكثر أو لتدرَّ شلالاتٍ من الحليب. جعل منها آلةً مثله، وخرَّب توازُن الحياة."

-       "وهل الإنسان آلة؟" سألت الأخرى.

-       أصلاً هو إنسان. إلا أنه بمرور الزمن تحول إلى آلة بلا قلب. ينام ويستفيق كالآلة، يأكل كالآلة، يتناسل كالآلة، يركب آلة، ويذهب إلى عمله حيث تعمل عنه الآلة التي اسمها كمپـ... كمپو...

-       "كمپيوتر، كمپيوتر، يا عزيزتي"، قالت الجميلة.

-       سمعت إلياس يقول لأبيه: "اشترِ لي كمپيوتر، مثل رفاقي في المدرسة." وهكذا سيتحول إلياس إلى آلة، لا تفكر، ولا تحب، ولا تفهم أسرار الحياة، لأنه لن يفتح كتابًا من بعدُ، ولن يقرأ السماء وما تُخبر عنه، ولا الطبيعة وما تخبِّئ، ولن يفهم بوح الشعر ولا تغاريد الأنغام... سيصير الكومپيوتر عالمه كلَّه.

-       "وحين سيحمل الهواء مرض إنفلونزا الدجاج إلى أماكن كثيرة من الأرض، سينبض قلبها بألم كثير لما يفعله البشر بالبشر، بالحيوان، بالطير، بالنبات، بالهواء، و..."، قال الصغير من تحت جناح أمه.

وسكتت الدجاجتان. فوقفت ريما، إبنة أبي إلياس، التي كانت مختبئة تستمع إلى حوار أدهشها. فهي ما كانت تعرف أن للدجاج لغة وقلبًا!

* * *

 

رومانسيُّ الحلم والحقيقة

"كلامي لأجيال لم تولد بعد. [...] المعرفة قوة. [...] وإن فيكم قوةً لو فُعِّلَتْ لغيَّرتْ وجه التاريخ."
– أنطون سعادة

قبل مئة سنة ونيف، مدَّ يدَه آذارُ وأتى به إلى هذه البقعة من الأرض، فتًى للربيع. وكانت سوريا، الممتدة هلالاً خصيبًا شمال الجزيرة العربية، تنتظر مَن يدق بابها المغلق لتستفيق. وكأنما من صغره أدرك سرَّ "الرسالة" التي حمل، شغوفًا بكلِّ حرف من حروفها، بكلِّ حبة تراب من الوطن الكبير، متمكنًا من شرح معنى الأمة والوطن والمجتمع والانتماء إلى الأرض وإلى الآخر، كأساس لكلِّ معرفة ترقى بالإنسان إلى أسمى ما يطمح إليه.

رومانسيًّا تكلم. ولمعت عيناه بحلم حوَّله إلى حقيقة من خلال مؤلَّفاته التي رسمتْ نسيجًا متماسكًا لبناء أمَّة كانت قوية، حكى عنها التاريخُ القديم. وكان عليه إفساحُ مكان لائق بها على صفحات التاريخ الحديث. ولم تُخِفْهُ العوائق الكثيرة، وفي مقدِّمها الطائفية.

لم يُحبَط. فالمعرفة النابعة من روحه وضميره أخبرتْه أنْ "لا مفر من النصر، مهما طال الزمن". فتاريخ الأمم لا يقاس بالسنين، بل بالوعي الذي ينتشر ويجمع ويوحِّد. وجذب إليه أكثر مثقفي لبنان وسوريا وفلسطين والعراق. وبدأت الخطوة الأولى في مسيرة طويلة، خارج المنطق السياسي والطائفي العربي للنصف الأول من القرن العشرين – ذاك المنطق المنغلق المريض، المستمر إلى يومنا هذا. قال ما مُفاده: تعدد الأديان لا يفرِّق، والدين علاقة خاصة بين الإنسان والخالق، ولن تكون نهضةٌ ولا إنسانٌ جديد ما لم يُفصَل الدينُ عن الدولة.

أدرك خطر الهجمة الصهيونية على فلسطين، فحاربها مخلصًا، خِلافًا لِمَن حاربها صُوَريًّا، متآمرًا. والصهيونية، الآتية على ظهر حلم أسود يمتد "من النيل إلى الفرات"، أخافها حلمُ سعادة بأمَّة سورية قوية، فلسطين أحد أركانها. وهكذا أزيح من درب الصهاينة، وحُكِمَ عليه بالإعدام بلا محاكمة في وطنه، واستشهد واثقًا من أن فكره العظيم سيظل يتفاعل حتى يتحقق ما جاء من أجله.

و"القوة" التي تكلم عليها سعادة لا علاقة لها بالبطش والاستبداد. تكلَّم على قوة المعرفة التي توحِّد في ظلِّ الحق والخير والجمال. أقلية فقط فهمتْ عمق رسالته، وكثيرون حملوها وتسلقوا بها إلى تحقيق مطامحهم الخاصة. إلا أنها باقية مفتاحًا لأمَّة ستقوم من الموت مهما طال الزمن. وأنطون سعادة حمل مفتاح قيام أمَّة موحَّدة أحبَّها حتى الموت.

* * *

 

لهنَّ بالأسُس والأولويات

سيدات العالم العربي على درب التغيير، بصرف النظر عن عناوين لقاءاتهن. إلا أنهن مازلن متغاضيات عن جدية أولويات بناء الشعوب والأوطان، كمحو الأمية مثلاً، في عالم عربي لا يكف عن التذمر مما يأتيه من الخارج من نكبات على مرِّ العقود، وما من مستفيق متحرر من عصبيات الانتماء القبلي والعائلي والديني والإقطاعي. والمرأة العربية محلَّل سفكُ دمها متى قرَّر والدُها أو زوجُها أو شقيقُها أنها تجرأت ومدَّت يدها على "شرف" العائلة–القبيلة الكبيرة المخنوقة داخل خيمة مقفلة، على الرغم من القصور والحدائق والمؤتمرات.

هذه المرأة – تحديدًا – مسؤولة، كالرجل تمامًا، عن زمن انحطاط عربيٍّ مستمر على مرِّ القرون. فهي التي أنشأت الرجال على ما كانوا عليه بالأمس وعلى ما هم عليه اليوم، ولا تطالب حتى بحقِّها في القراءة والكتابة! ومتى اجتازت أشواطًا في ميادين العلم والثقافة السياسية، نسيت أن كثيرات غيرها من بنات وطنها يعانين ظلمًا، مثل ظلم المستعمر وسارق الأرض تمامًا، داخل بيوتهن، ممنوعة عليهن الشمس، ومقطوع عنهن الهواء، كأنهن من دون أرواح!

فأي فرق بين ظالم آتٍ من الخارج ليخطف فرح الحياة وبين ظالم من أهل البيت يخطف السعادة كلَّ يوم ولا ينشر إلا الظلام؟! كل كلمة تخرج من فم حاكم أو مستعمر، من فم امرأة أو رجل، وتحمل قمعًا وكبتًا للحريات وقسوةَ قلب وحقدًا، أيًّا كان مصدرها، ترتفع جدارًا في وجه كلِّ تطور إنساني، وتؤدي إلى تخلف بشع، ذقنا طعمه، ومازلنا نعاني منه، فضلاً عن نكباتنا الآتية من الخارج التي تبقى غير أساسية في بنية مجتمعاتنا، مهما امتدَّ خطرُها، مقارنةً بخطر الداخل.

على المرأة أن تعي هذه الحقيقة، لأنها تتفوق على الرجل بالحدس وبالقدرة الكبيرة على المحبة الصادقة، ولأنها، الأم المربية، تستطيع أن تفتح بصيرة أولادها منذ الصغر على مبادئ المساواة والرأفة والعدل والمحبة، وتعلِّمهم التناغم مع نظام الكون الرائع، فتغيِّر وجه الحياة، لو شاءت، ولو طرقت أبواب المعرفة الشاسعة.

تحية إلى المرأة العربية! فسعيُها طويل ومهمتها شاقة، ولا تتغير إلا معها. فليتها تبدأ اليوم من الجذور!

* * *

 

وَجَعُكَ الغاضبُ، يا سيِّدي!

وقفتَ شامخًا، وقرعتَ باب بيتي. ومن خلال الزجاج المحجَّر، رأيت ثوبك الطويل الأبيض، وما عرفتك. كنت تعبة، مستلقيةً على الأريكة الملونة، وكدت ألا أفتح. لكنني فجأة عرفتك، يا معلِّم، فقفزت فاتحةً الباب. ودخلتَ هادئًا، صامتًا. أما أنا فهمست: "للحظة كدت ألا أفتح لك!" وانتهى الحلم.

لم أرَ وجهك. إلا أني قرأته، وعرفت وجعك. حبة القمح التي بذرتَها قبل نحو ألفي سنة لم تنبت بعد، وأنت تتوق ليوم الحصاد. وكل ما مرَّ منذ ذلك الزمن أعطى الإنسانية مؤسسات حملتْ تعاليمك بحسب ما فهمها مَن أسَّس ومَن جاء بعده. ثم تحولت التعاليم إلى طقوس للمناسبات، وظلت تنتمي إلى الماضي. ذلك أن الفكر الإنساني توقف عند مسألة مجيئك لخلاص البشر من الخطيئة، وأنك صُلبتَ من أجلهم، ثم قمت من الموت. وكل الفكر الجديد الذي أتيتَ به مُناقضًا للتحجر والبغض والعنف لدى العبرانيين وتعاليمهم لم يُفهَم إلا من باب أنهم "الجذور" وتعاليمك "الأغصان". وكل الحب الذي فاض من قلبك ليتحرر الإنسانُ من الخوف والعبودية بقي خارج قلب الإنسانية النابض بالجهل والعنف على مرِّ العصور – وأشده اليوم في فلسطين المصادَرة وشعبها المصلوب المُهان.

لم تنبت حبةُ القمح بعد. وأنت غاضب، سيدي، ضَجِر، لأن الإنسان علق في شرك تكرار الحكاية كالببغاء. لم يتطور وعيُه ليفهم البعد الأعمق لتعاليمك. وحين احتجزك في طقوس الاحتفالات، أدخلك في فنون مخيلته، في الأدب والمسرح والنحت والموسيقى والسينما، ووقف هناك!

كم يثيرنا تكرارُ مشاهد عذاباتك يوم الصلب! وكم نذرف دموعًا! وكم ننسى أن الإنسان لا يزال يمارس العنف والإبادة على أخيه الإنسان، على الرغم من تعاليمك وتعاليم مَن أتى من المستنيرين قبلك، يهودًا وغير يهود، ومَن أتى بعدك، عن الرأفة والمحبة والأخوَّة.

فيا سيد، أما آنَ أوانُ فسحات وعيٍ أعمق وأوسع لإنسان الألفية الثالثة؟ أما من نافذة جديدة على جمال اختبار أسرار الحياة خارج قبضة الماضي التي تجهد في شدِّنا إلى الوراء؟

أنت على وجع غاضب، يا سيد، لأن الإنسان عالق، وحبة القمح لم تنبت بعد!

* * *

 

"الأنا" المُكابِرة المدمِّرة

كل ما خرج من خيال الإنسان إلى الحقيقة على مرِّ الأزمنة، في مسار تطوير سُبُل بقائه على كوكب الأرض، كان صدًى لنظام خارج متناول الحواس. فراشات الربيع الملونة تشق طُرُقها إلى الأزهار داخل الهواء في عفوية وبلا حاجة إلى دليل. كذلك النحل، والطيور المقيمة والمهاجرة، تتبع نمطًا خاصًّا في مساراتها ولا تضيع أبدًا. والأسماك الصغيرة والكبيرة والحيتان والدلافين وكل مَن داخل الأنهار والبحار والمحيطات يسير وفق نظام غير منظور، لا يخطئ ولا يُخِلُّ في تناغم بيئته، ومثله كائنات سطح الأرض قاطبة – إلا الإنسان!

في مسار بحثه، سقط الإنسان في فخ شهواته ومصالحه الخاصة، وعرف الخوف، رفيق الطمع وقسوة القلب، فانحرف عن نظام الوجود غير المنظور وفقد الشعور بانتمائه إلى الكل، فكبرت "أناه"، وازداد بطشُه، وبَعُدَ عن المسار الطبيعي لسيرورة الوجود البسيطة، المتناغمة. وحكاية "التنازُع على البقاء"، ضخَّمها الفكرُ البشري إلى درجة القبح. صحيح أن ثمة في النظام الطبيعي "بقاءً للأقوى"، إنما لا "تنافُس" في عملية "البقاء" هذا. فالكائن الضعيف يسقط في بساطة من غير شعور بالانهزام، ويستمر القوي، في بساطة أيضًا، بلا غرور ولا شعور بالانتصار. فلا تخطيط لإزالة الآخر وإذلاله إلا لدى الجنس البشري المستكبر.

هذي "الأنا" المُكابِرة، لو تعرف كم أنها جزء من كلٍّ رائع تكمِّله. إلا أنها ليست الكل ولا المحور. من دونها الكل ناقص، ومن دونه هي لا شيء. هذي "الأنا" هي سبب الحروب المدمِّرة على كرِّ العصور. لا تعرف الرأفة ولا التواضع ولا أيَّ ممرٍّ إلى سرِّ الوجود الذي تدركه أصغر نملة تدب على سطح الأرض وفي داخلها. وإنسان اليوم أكثر ضياعًا منه في أيِّ زمن مضى. فالنظام الأمريكي المتغطرس قابع في قعر الجهل، قابض على عنق البشرية جمعاء، مخرِّب، متسبب في الدمار أينما حل، يسيِّره فكرٌ إقصائي مريض، لم يزرع سوى الشر في تركيبة الوجود المربَكة اليوم، الفاقدة الرونق والنظام.

فأي تدخل سيعيد إليها التوازن الذي يضيع دائمًا على يد الإنسان القوي الجاهل المستبد؟ ومتى؟

* * *

 

نـمـوذج آخـر

ذاك المساء كان "هو" الهدية، يلفُّها ورقُ الغيم ووشاح الثلج، ويضيئها نجمٌ ساطع جاء يعلن بدء علاقة جديدة بين كواكب السماء وبين أهل الارض. وبإشارة من النجم الآتي من الشرق، جاء مجوسٌ من بلاد فارس – يا للهول! – محمَّلين هدايا ترمز الى معنى ولادة طفل "هدية" للأرض وللكون كلِّه. ومن طبقة وعي سامية، نزل ملائكةٌ ولفتوا رعاةً الى حدث عجيب في مغارة متواضعة من بيت لحم. وضجَّ المكان بزائرين كُثُر أتوا من جهات الأرض كلِّها. وكان أن تحول الحدثُ إلى مطبٍّ سياسيٍّ قضَّ مضجع ملك ذاك الزمان والمكان، وجرَّ خوفه الى مآسٍ ودماء وأطفال يُذبَحون كما أطفال هذا الزمن والمكان نفسه، وكأن الجهل ما توقف بعد!

بقي الغموض يلف "هدية" أخذها قومٌ وأساؤوا فهمها. جاء مخلِّصًا قيل، وقبل به كُثُر، وكُثُر رفضوه. أما هو، فأحب الجميع وما نطق إلا بالمحبة: البذرة الأولى للمعرفة ولعقد صلح بين الإنسان والإنسان، بينه وبين مظاهر الوجود كلِّها. وسقطت البذرة على صخرة قاسية، فما أتيح لها أن تمدَّ ذراعيها للشمس. ولما أصابه جهلُهم وطمعُهم، ثار وقلب أشياءهم وأدرك أن ما يقول سيبقى لأجيال لم تولد بعد. واليوم، بعد ألفيتين، مازالت "الرسالة" بانتظار أجيال لم تولد بعد!

هذا الشريط ظل يمر بفكرها كلما زيَّنت شجرة الميلاد. تأخر عصرُ الاستنارة والفهم، تأخر فك رموز "الرسالة"، على الرغم من أن المؤسسات الدينية الكثيرة، المنقسمة حولها، تحملها بتقاليدها وطقوسها المتوارَثة التي يمارسها كُثُر بعيدون عن فكر المعلِّم مسافات ضوئية شاسعة، قابعين في ظلام يعود إلى زمن الإنسان الأول الذي كان يقتل ليأكل ويستمر.

تضع Father Christmas أحمر على غصن منخفض، ثم تدخل ابنتُها الصغيرة حاملةً ورقةً عليها خربشة، وتضعها أمامه ضاحكة: "أريد كل هذي الهدايا!" كانت تعرف أن هذه الدمية الرائعة لن تأتي بالهدايا، وتسأل:

-       هل رأيتِ الحقيقي يومًا؟

-       لم أرَه... صغيرةً، مثلك، انتظرتُه كثيرًا. في المدرسة كنا نعرف حين يأتي حاملاً أكياس الشوكولا أنه Mister Royal، يضحك مثله، وله الكرش المدوَّر نفسه. أما في البيت فننام باكرًا قبل أن يأتي.

-       وهل رأيتِه كبيرةً؟!

ولم تعرف بما تجيبها. أتقول لها إنها عرفتْ مَن يحتفلون بعيد ميلاده اليوم؟ أتبوح لها بأنه أهداها خطَّ تواصُل، وكالأطفال تطلبه ساعة تشتاق أو تحتاج إلى حنان أو إكسير للروح؟ أتقول إنه أهداها شفاءً واهتمامًا؟ فهو يتوق إلى التواصل العفوي – مثلنا تمامًا – ليذكِّرنا بأننا أيضًا مثله، لو نفيق؟

-       لم لا تقرأين بصوت عالٍ ما كتبتِه على الورقة، فيسمع ويأتي بالهدايا التي تحبين؟

-       أريد أن أراه... أريد أن أرى الحقيقي...

وعرفت أن ابنتها مثلها، وستعرف "الحقيقي" يومًا لو أبقت شعلةَ طفولةٍ تضيء دربها.

* * *

 

بين المطلق والفرد

"كنتُ كنزًا مخفيًّا، فأحببتُ أن أُعرَفَ، فخلقتُ الخلق، فبي عرفوني."
– حديث قدسي

"فلأتكثَّر، لأراني في تنوع الأشياء."
– بريهَدارَنيَكا أوپنشاد

إشارتان إلى إرادة الخلق، مختلفتا المنشأ، متشابهتان في المعنى والقصد. والقصد من الخلق، تقول الأوپنشاد الهندية، اختبارٌ غريب ممتع، حيث يتحول "الفاعل" إلى "مفعول به" لذاته. والنصوص المقدسة الهندوسية تسمي هذا ليلا أو "اللعبة الكونية". وما من تفسير منطقي لهذه "اللعبة". فالعلاقة بين المخلوقات والمطلق تبقى بلا تفسير أو استنتاج منطقي، وعلينا أن نتقبل الأشياء كما هي. ويجدر القول إنه لا يمكن لجزء من الخليقة أن يعكس المطلق كاملاً، بينما المطلق بكامله حاضر في كلِّ جزء من الخليقة: فهو مركز الوعي في كل مخلوق.

هنا يحضر الكلام عن الحب. رسالة من الأوپنشاد تقول إن كلَّ حبٍّ هو حب موجَّه إلى الله – جل وعلا –، وكل رضا يأتي نتيجة اتصال مع الله، "الأقرب إلينا من حبل الوريد"، وكل حبٍّ غايته الذات الكونية فيمن نحب، فنعرف السعادة. وكلما تمكنَّا من نسيان ذواتنا، ينجذب فكرُنا إلى اختبار السعادة. وما النزوع إلى نسيان النفس إلا ضغط من "المطلق" ليظهر في الجزء... فيُعرَف.

هكذا الحب: توق إلى الاندماج بين المطلق والمطلق "النسبي" المتجلِّي في الفرد. أي أن هناك انتفاءً لوهم ثنائية "الفاعل" و"المفعول به" في الحب. وفي التأمل أيضًا عودة إلى الاندماج. بينما غياب الحب سعيٌ إلى الانفصال يتسبب في البعد عن المطلق واللجوء إلى الحقد والبغض، مهدِ الحروب والهدم والإبادة. وهذا وجه الخليقة الآخر: جزء من "اللعبة" لا بدَّ منه.

لذا فإن الوجود هو ليلا، "اللعبة الكونية" بحسب التعاليم الهندوسية اللاثنوية، وإنسان الحاضر بلغ ذروة عصر انتفاء الحب، عصر الحروب والانفصال. ومَن منَّا غافل عن حقد الحفنة العالمية من المتنفذين، الساعين إلى السيطرة على العالم؟ فهؤلاء، ومَن ينفذ مخططاتِهم اليوم من أمريكيين وإنكليز، يشكِّلون وجه الوجود القاتم المنتشر فوق فلسطين وأفغانستان والعراق والسودان، ومنها إلى العالم أجمع. وجه ٌجاهل مؤلم لا بدَّ منه – إلى أن يشرق الوعيُ لدى الظالم والمظلوم.

فمتى يشرق؟!

* * *

 

حدثتْني "المُلهِمات" قائلات

لم يأتِ صوتُها من خزانة الأحلام. سمعتُها تناديني. فتحت عيني، ثم عدت إلى النوم. وبعد حين، سمعتُها ثانية تهمس:

-       عدنا إلى جبل أولمپُس لنشاهد الألعاب... تعالي...

-       "مَن أنت؟" سألت.

-       أنا پوليمنيا، ملهمة القصائد الغنائية. ألهمتُكِ يومًا، وكتبتِ أغاني جميلةً، وما عرفتِني... تعالي...

ولم أعد أعرف إن كنت أحلم أو سمعت حقًّا ما سمعت. وما الفرق في أية حال؟ وتذكرتهن...

تسع شقيقات جميلات، لقبهن "الملهمات" musa. هن بنات زفس، كبير الآلهة في جبل أولمپُس، وأمُّهن منيموسيني، "الذاكرة". يا لسعادة مَن تحبه "الملهمات"! فمهما أرهقَه الحزنُ وأخذتْه الهموم، ينسى حزنَه وهمومَه متى سمع جواري "الملهمات" ينشدن، ويصاحب الفرح. تلك هدية "الملهمات" إلى البشر. والزمن لا يؤثر فيهن: فهن أبدًا شابات جميلات، تخصصت كل منهن في مجالها: كليو ملهمة التاريخ، أورانيا ملهمة الفلك، ملپوميني ملهمة التراجيديا، ثاليا ملهمة الكوميديا، ترپسيخوري ملهمة الرقص، كاليوپي ملهمة البلاغة، إراتو ملهمة المرثيات، إفترپي ملهمة الموسيقى، وپوليمنيا ملهمة الشعر الغنائي. ولا أعرف لِمَ اختارتْني پوليمنيا للقاء حلمتُ به مذ قرأت عنهن أول مرة وأنا صغيرة.

ثم تذكرت أنهن قلن مرة: "نعرف كيف نقول أكاذيب تبدو كالحقائق، إلا أننا نقول الحقيقة لو أردنا." والغريب أنهن صديقات أپولون، إله الشمس/الحقيقة. وقررت أنني سأذهب لرؤيتهن بعد السنين على غيابهن عن شاشة الأرض، علَّهن يخبرنني عن الزمن: أمتحرك هو أم واقف؟ يتقدم أم يعود القهقرى؟ وأغمضت جفني، وهمس فكري: "پوليمنيا، أنا قادمة صباح الأحد، فانتظِرنني على شرفة جبل أولمپُس الشرقية عند الساعة العاشرة."

كنَّ معًا، ساحرات، على رؤوسهن أكاليل البنفسج، وكأن فساتينهن من هواء ملون. وكان ضحك وغناء، وشربنا معًا الأمبروسيا، كوثر الآلهة المسكر اللذيذ، ثم تناولتُ قلمًا وصفحة بيضاء.

-       كليو، هل تكذب كتبُ التاريخ؟

-       "يكذب مَن يكتب التاريخ"، قالت، "ثم يمر وقت قصير أو طويل وينكشف الكذب. التاريخ توأم المصالح والعقائد. هناك مَن يكتب صادقًا، إنما يأتي مَن يُسدِل الستارَ على الحقائق. والحقيقة الوحيدة الثابتة النابعة من قلب التاريخ أن هناك دومًا صعودًا إلى عصر ذهبي، ثم هبوط، ثم سقوط، فزوال... حقيقة تنطبق على الأمم، وعلى الحكام، وعلى الأفراد، من بدء التاريخ حتى زوال الوجود."

-       أورانيا، ماذا عن علم الفلك؟

-       الكواكب خلايا جسم الكون، لها مساراتها، وفي تناغمها استمرار لمسيرة الكون. كل ما على الأرض يؤثر ويتأثر بكلِّ نبضة من نبضاتها، من بدء الوجود حتى زواله.

كانت ملهمة كتابة التراجيديا، ملپوميني، ضاحكةً حتى الدمع!

-       "أمازلتِ تلهمين كتابة المآسي؟" سألتُها. ضحكت قائلة:

-       التراجيديا هي وجه الكوميديا الآخر. أما كتبَ شكسپير التراجيديا والكوميديا بالريشة نفسها وبالحبر ذاته؟ ألهمتُه، وبين كتَّاب الألفية السابقة وحده فهم أن البكاء والضحك توأمان... اسألي ثاليا لتعرفي أكثر.

ثاليا، ملهمة الكوميديا، تكاد لا تبتسم وتجيب:

-       في الكوميديا فلسفة الحياة في عمقها... نضحك ونعرف أن الضحك لا يدوم، ونبكي ونعرف أن البكاء لا يدوم. الكوميديا لعب، وكذلك التراجيديا، لعب يلغي الكثير من ضجر الوجود.

وللرقص ملهمتُه ترپسيخوري، ألهمت مراحله كلَّها، واليوم تقول:

-       حين يصمت الصوت ويتوقف الكلام، فلا يبقى مطيةً للفكر، يلبس الفكرُ الجسمَ ليعبِّر عما به.

-       وإيقاع الموسيقى، أين دوره؟

-       "الموسيقى في أثناء الرقص صدًى لحركة الجسم، وليس العكس"، أجابت ملهمة الرقص.

كاليوپي، ملهمة الملاحم، قالت إنها ألهمت كثيرًا، وتابعت:

-       أما اليوم، فالملاحم إلى زوال، وقد أصبح بلا عمل ما لم أبتكر فنًّا جديدًا.

-       "والموسيقى، كاليوپي، أليس بينكن مَن تلهم الموسيقى؟" فقالت:

-       بلى، تلهمها إفترپي. والموسيقى تأتي مباشرة من تناغم دوران الكواكب، ويحملها الهواء وهدير الماء إلى خيال الإنسان.

-       ومن يلهم الحب؟

-       "أفروديتي"، أجابت، "فلا علاقة لنا بالحب."

-       والدكن زفس أحبَّ كثيرًا حتى بلغ شواطئنا، حيث نزل إلى صيدون وخطف ابنة ملكها إفروپي [أوروپا] بعدما انقلب ثورًا جميلاً، فحملها فوق الأزرق المتوسط إلى بلادكم، ولا علاقة لكن بالحب؟! أليس الحب فنًّا مثل كلِّ الفنون؟!

وتحدثنا عن أفروديتي وأدونيس، عن عشتروت وأدونيس وعن الشقائق الحمراء تزهر كلَّ ربيع تحيةً لعلاقة الإنسان بالأرض: تعطيه، فيرويها بدمه، وتعود لتعطيه. علاقة أخذ وعطاء بين الأم وأبنائها. وتقدمت پوليمنيا، فأخذت وجهي بين يديها، وقالت:

-       تتكلمين في حب عن جيا، أمِّنا الأرض. وهذا جميل في زمن لا يهم إنسانَه إلا ما يقتلع من قلب الأرض في قسوة، ومن دون شكر. علامات جهل كثير في زمن انحطاط يقود إلى زوال. جزء من دورة حياة ستنتهي، لتبدأ بعد قليل دورةٌ جديدة مع نضارة وعي جديد.

تحدثنا في الأسرار، ونسينا الألعاب الأولمپية. وقبل أن أغادر أهديت "الملهمات" بنفسج حديقتي كلَّه عند كلِّ ربيع. فقالت إفترپي، ملهمة الموسيقى:

-       لطالما مررنا بحديقتك، وكلما أخذنا منها أزهرتْ أكثر.

وأمسكتْ بيدي. ووضعتْ إيراتو، ملهمة المرثيات، يدها اليسرى على جبيني، وأعطتْني پوليمنيا، ملهمة الشعر الغنائي، حجرًا صغيرًا أخضر لحفظ أسرار القلب، ووعدتْني بأن أبقى في ذاكرتهن، مثلما كنت على مرِّ الأزمنة.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود