وظيفة الأدب في نظر تيار "عبر النوعية"

 

بطرس الحلاق

 

يكثر النقاش منذ بضع سنوات وفي مصر بالذات حول قضية التجنيس الأدبي. وقد يكون إدوار الخراط، من خلال مقولته "عبر – النوعية" المنظر الرئيسي لها والداعي إليها بوصفها آية على الحداثة في الأدب[1].

لعل هذه الإشكالية، المهمة في مضمونها، أكثر منها أهمية في إحالاتها الفكرية والوجودية، أي في ما تحدده للأدب من وظيفة متميّزة متفرّدة، مما يجعلها تلتقي والإشكالية التي أثارتها كافة الفترات التأسيسية في الأدب العالمي. فتكون إذ ذلك خصوصيتها في شموليتها النابعة من تربتها الخاصة الفردة لا في فرادتها على وجه الإطلاق.

1 - هذه الفرادة إذن نسبية ونسبيتها متأتية من عنصرين يبدوان لي جليين.

الأول أن قضية التجنيس لازمت الفكر الأدبي المعاصر منذ نشأته الأولى وعبر تحولاته المتعددة وذلك بصور شتى. فمن الثنائية الكلاسيكية العربية التي بعثها الإحيائيون واعتمدوها (الأدب شعر ونثر[2])، فإلى الثلاثية الغربية المفترضة التي أدخلها المقتبسون الأوائل (الأدب إما تمثيلي وإما ملحمي وإما غنائي[3])، إلى موقف أحمد فارس الشدياق الذي داعب المقامة والشعر الكلاسيكي متعاليًا عليهما ومقوضًا لأسسهما، وناغش الفن السردي الرومانسي الغربي مستعليًا عليه، فكان أول من صاغ –عمليًا[4]- الإشكالية الجديدة حول ماهية الجنس الأدبي، وربما كان منطلق المحاولات التجنيسية اللاحقة والمؤطر لها على صعيد الممارسة كما على صعيد الفكر بفضل الشكوك التي بذرها في العقول: في باب الفن السردي منذ المحاولات الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وحتى اكتمال الرواية الواقعية على يدي محفوظ، وفي باب الشعر من خليل المطران الذي كان أول من طرح السؤال حول ماهية الشعر[5] وحتى مجلة "شعر"... وأخيرًا في التيار الجبراني – المنفلوطي الذي تعاد صياغة مفهومه الآن من خلال تيار عبرالنوعية، الذي ترقى إنجازاته الأدبية الأولى إلى فترة اكتمال الرواية الواقعية، التي تصدت لها منذ البدايات، ودون أن تخرج إلى العلن، محاولات بدر الديب والمسعدي[6].

فكل مرة إذن بادر أديب موهوب إلى الكتابة أثار، عمليًا وأحيانًا نظريًا، التساؤل الأساسي "ما هو الأدب؟" فطرح في نفس الآن إشكالية التجنيس الأدبي.

العنصر الثاني في نسبية هذه الإشكالية العاصرة، أراه في أن هذه المحاولات نفسها جرت في الآداب الغربية في فتراتها المفصلية، على الأقل، مستعيدة كل مرة الطرح نفسه للأجناس الأدبية، معدلة إياه بالبتر والإضافة والتفصيل، ابتداء من هوراس اللاتيني إلى ميلتون الإنكليزي (توفي عام 1674) إلى الرومانسيين الألمان (على مفرق القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) إلى هيجل وفيكتور هوجو (في القرن التاسع عشر) فإلى جويس (في القرن العشرين). والمثير في التحديدات الأوروبية هذه أنها تحيل إلى موقف أرسطي متوهم، لا علاقة له بما وضعه أرسطو كما أثبت ذلك جيرار جينيت[7] وأنها في نهاية المطاف ليست إلا إسقاطات لحاجات العصر على فكر المعلم الأول.

فقِدم قضية التجنيس في الأدب العربي الحديث كما في الأدب العالمي ينزع الفرادة عن مقولة "عبرية" الجنس الروائي المطروحة حاليًا، لا سيما بعد أن أتى فريدريك شليغل منذ قرنين بتحديد للرواية – والشعر عنده يدخل في باب الرواية- لا يزال ساري المفعول كما يبدو:

إن الرواية لا تزال في صيرورة وماهيتها الذاتية تقتضي أن تبقى أبدًا في صيرورة دون أن تصير يومًا[8].

فإذا كانت هناك فرادة ففي الملابسات الوجودية بل الماورائية التي تكتنف هذا السؤال وتعتمله في السياق الفكري العربي الراهن.

2 - هذا السياق له عندي معلمان رئيسيان، يندرجان في ما يسمى الرومانسية الأم، وهي غير الرومانسية الفرنسية المبتورة نسبيًا، وغير الرومانسية الإنكليزية التقنية نوعًا ما. وهذان المعلمان هما: التيار الجبراني-المنفلوطي، على تباعد ما بين المؤلفين، والذي اعتبره تأسيسيًا على الإطلاق، وتيار مدرسة يينّا الألمانية (حوالي عام 1800) التي قوّضت مفهوم الأدب القديم وأسست للمفهوم الحديث في الأدب الغربي وفي كل أدب جاراه.

2. 1 أما مدرسة يينّا فألخصها، بتبسيط شديد، بهذه السمات الرئيسية[9]:

أ - وظيفة الأدب انطولوجية. فبعد أن رسم الفيلسوف كانت الحدود المعرفية للعقل، فاصلاً إياه عن النظرة الماورائية، ومقرًا بعجز العقل عن "قول الكائن"؛ وبعد أن أظهر الدين (وهو عندهم المسيحية) عدم قدرته عن "قول الوجود"، توجب على الأدب أن يضطلع بهذه المهمة. إلا أن هذه لا تقوم على معرفة واقع موضوعي، باعتبار تقابل الذات والموضوع، فالواقع عندهم لا وجود له بذاته، بل على إنتاج الواقع انطلاقًا من الذات، أي من الأدب.

ب - انطلاقًا من هذا، فالأدب جنس واحد، لا أجناس متعددة كما عند أرسطو أو ما فُهم منه، وذلك لأن الأدب يتماهى مع الوجود الذي يرونه "مِلئًا فوضويًا، متّسقًا في فوضويته". وهذا الجنس ذاتي، أي يركب الذات ويخلق الموضوع، أي في نهاية المآل يخلق كل ما هو كائن.

ج- ينجم عن ذلك أن هذا الجنس الواحد، كما الملء الفوضوي، شامل لكل الصيغ والمضامين والأنواع من جهة، ولانهائي يخلق ذاته من ذاته بالتدمير والاستعادة[10]، من جهة ثانية، ولذا فهو من جهة ثالثة مستقل عن اللغة –الأداة الشائعة، ذات الصفة التعبيرية المباشرة.

د- هذا الأدب يشكل الإنسان الكاتب ويكوّنه، بكل معنى الكلمة، بوساطة المرأة. فالمرأة هي الوسيط بين الإنسان وذاته، وبتعبير ديني: هي الشفيع بين الإنسان وإنسانيته. أما هي فمكتملة أصلاً وبطبيعتها. وهذا ما يبدو بوضوح من خلال روايات التنشئة التي أنتجها هذا التيار وعلى رأسها روايتا شليغل ونوفاليس[11].

هذا الجنس الأدبي الذاتي الواحد عند جماعة يينّا يحل محل الأجناس الأدبية الطبيعية عند اليونان، ويخلق عالمًا جديدًا وإنسانًا جديدًا، لأن الذات فيه تمتص الموضوع الكائن، عكسًا للأجناس اليونانية القديمة حيث كانت الذات تتماهى مع الموضوع بل تذوب فيه بسبب الاتّساق الكلي بين الإنسان والطبيعة. فهو إذن بدء جديد، من منظور آخر، لما أوجده اليونان ثم قضت عليه المسيحية والعقلانية والعلوم معًا.

2. 2 من المثير أننا نجد كثيرًا من هذه الملامح في النظرة الأدبية عند جبران والمنفلوطي (وهذا ما أسميه الموقف الجبراني-المنفلوطي، وأعلم أن في الجمع بينهما ما يثير الاستغراب لدى الكثيرين، فالمفارقة عندي في تشابههما رغم تباينهما الهائل في الثقافة والمشرب). ولهذا السبب اعتبر موقفهما تأسيسيًا في الأدب العربي، قبل التيار الواقعي وأكثر منه بأضعاف، مع أن هذا التيار فرض نفسه، ابتداء من "زينب"، على النقد العربي وكأنه الأصل. ومن هذه الملامح:

أ - كلاهما رفضا الثنائية العربية القديمة في الجنس الأدبي (شعر/نثر) والثلاثية الغربية الكلاسيكية (ملحمي/ تمثيلي/ غنائي)، وقالا بوحدانية الجنس الأدبي الذي أسمياه "شعرًا"، فالأديب عندهما هو الشاعر، وأدبهما، ومعظمه في باب النثر، عمل شعري[12].

ب - وكلاهما منح الأدب استقلالية شبه كاملة عن الحياة، إذ أنه يحل محل الحياة ويعبّر عنها بل ويكونّها. فالشاعر عند جبران يأتي من الروح الكلية ويعود إليها بعد أن يلقي الحقيقة بين البشر ويعلن لهم عن سر إنسانيتهم، ولا يقترن بأي من مواصفات اللغة أو المجتمع. والأدب عند المنفلوطي (وذلك واضح كل الوضوح في مقدمته للنظرات) يقابل الواقع، ويجعل من الإنسان إنسانًا، إذ يهديه إلى نفسه ثم يفضح أمامه هذا الكون المبكي من فرط شقائه، فيجعل منه أديبًا "يفضي" بحزنه معبّرًا عن شقاء العالم. فالأدب ينتج الأدب ولا يكاد يماس الواقع إلا لمامًا.

ج- وكلاهما وضع المرأة حجر أساس ليس فقط للأدب بل للإنسان نفسه، فهي وسيطته إلى نفسه وشفيعته أمامها. يبدو ذلك بجلاء في رواية "الأجنحة المتكسرة" التي، قبل أن تكون نقضًا للإقطاعيتين الدينية والمسيحية –وهو نقض ساذج إذا ما قورن بما عاصره وسبقه من كتابات[13]- هي أولاً رواية تنشئة، محورها المرأة والحب، على منوال روايتي شليغل ونوفاليس، تدخل الإنسان إلى المعنى. وإن كانت كتابات المنفلوطي أكثر حياء وسذاجة في هذا المجال، إلا أنها تحيل، إذا ما نزعت عنها رومانسيتها وفجاجتها، إلى دور الحب، أي المرأة، الرئيسي في تكوين الإنسان.

د- وتتويجًا لذلك كله، فالأدب عندهما نبوءة، ليس بالمعنى الديني المبسط على الإطلاق، بل بمعنى الحلم والتأسيس لعالم جديد مغاير مبني على تفتق الذات من خلال مفهوم الحب. وهذا ما يفسر استنباطهما الواضح للكتب السماوية لا، كما يعتقد غالبًا، اندراجهما فيهما أو تقليدهما لها. أي أن الأدب في النهاية يحل محل الفكر-العقل ومحل الدين في قول الكائن وخلق الوجود. وعلى هذا يجب أن تحمل نبرة جبران الوعظية وكذلك قول المنفلوطي وهو الأزهري:

إنما الدين حسنة من حسنات الأدب،

أو

سلطان الوجدان ولا سلطان الأديان.

وأخيرًا، كما نظرت مدرسة يينّا إلى قديم الغربيين، اليونان، معلمًا للتجاوز استبدلته برؤية أخرى تؤسس لعالم جديد، كذلك نظرت الجبرانية –المنفلوطية إلى قديم الساميين، أي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد والقرآن الكريم، معلمًا للتجاوز، لا للتقليد، فخلقت عالمًا آخر، قد يكون صوفيًا، ولكنه على كل حال غير ديني بالمعنى الشائع.

الإشكالية المعاصرة

ألاحظ أن ما يشبه هذه الإشكالية هو الذي يحتل الساحة النظرية الأدبية في موضوع التجنيس الأدبي، منطلقًا من حدى الثنائية التقليدية في الأدب العربي ومن مكانين جغرافيين مختلفين. فالكتابات المصرية تنطلق من النثر (الرواية) لتستنبط الشعر، بينما هناك تيار آخر يمثله أنسي الحاج في لبنان ينطلق من الشعر ليستبطن النثر عبر ما سمّاه، في مقدمة ديوانه لن الصادر عام 1960، "قصيدة النثر". ولكن التيارين يلتقيان عند الملامح نفسها وهي تحيل إلي ما سبق عرضه في كثير من الوجوه، أذكر أهمها:

أ - لا تمييز حاسمًا بين النثر والشعر، فالجنس الأدبي كلّ يتقاطع فيه المنحيان بتعدد أشكالهما، فالشعر عند أنسي الحاج قد ينكسر عموده وتتراجع غنائيته ويصبح سرديًا، ولكنه يبقى شعرًا بفضل رؤيته وبنيته وقصده. والسرد، عنده كما عند الخراط، قد يتجاوز قوانينه التقليدية وينبني على الأنا ويتسم بالرؤيا الشعرية وحتى بالإيقاع الشعري، ويبقى سردًا. والغريب أن هذا النتاج سمّي "عبر نوعي"، وهي نفس التسمية التي أطلقت على نتاج يينا trensgénérique.

ب - هناك فسحة كبيرة بين الأدب والواقع، فالأول ليس صورة عن الثاني، بل لا يمكن توسله مباشرة لتغيير الواقع، كما يرى ذلك الأدب الملتزم أو "الأدب العضوي" على طريقة غرامشي مثلاً، وإن كان له وظيفة تكوينية إنشائية. فللأدب استقلاليته الناجزة وإن كانت غير مطلقة.

ج- للأدب وظيفة تفسيرية وتكوينية للإنسان والكون، ويعبر عن موقف آخر جديد ويسعى لإنجازه في تأسيس عالم مختلف. فحيت يقول أنسي الحاج:

ما يسمونه الأزمنة الحديثة هو انفصال عن زمن العافية والانسجام... الشاعر الحر هو النبي العراف والإله... إنه انتفاضة فنية ووجدانية معًا أو، إذا صح ، فيزقية وميتافيزيقية. (مقدمة "لن")،

يرجّع صداه قول إدوار الخراط عن الحب عند بدر الديب إنه

أساسًا حي ميتافيزيقي وقيمي ومعرفي في وقت معًا، أي ما يمت بأوثق صلة إلى قضايا الاونتولوجيا والأكسولوجيا والابستمولوجيا معًا. (الكتابة عبر النوعية، ص31).

فوظيفة الأدب عندهما تحل محل الفلسفة – إن كان هناك فلسفة في الفكر العربي المعاصر- ومحل الدين الذي في وضعه الحالي لا يفي بالغرض. فالأدب هو الكاشف لإنسانية الإنسان دون الفلسفة والدين.

د- وفي هذا السياق، تبرز المرأة السبيل الوحيد لإنجاز هذه الوظيفة. تبقى هنا أيضًا الوسيطة بين الإنسان ونفسه، أو كما قال أنسي الحاج في مقابلة إذاعية مؤخرًا أنها من يهيئ الرجل ليكتشف أجمل ما فيه ويتماهى معه. وما المرأة عند الخراط، عبر تحولاتها ورموزها المتعددة، إلا هذا الوسيط. وكذا الأمر عند بدر الديب وإن قاله بكثير من الخفر.

فإن كان طموح أصحاب يينا أن يجترحوا لعصرهم الإشكالي ما اجترحه اليونان في زمنهم، وإن كان حلم المنفلوطي وخاصة جبران أن يستعيد في سفر جديد كتابة الأسفار المقدسة عند الأديان السماوية الثلاثة، فإن التيار الحديث يبدو مفتقرًا لمرجعية من هذا الطراز يناطحها، إلا أن الأدب عنده يؤسس، وإن من بعيد وبتشاؤم مطبق، لعالم جديد يكون الحب جوهره.

هكذا يبدو أن أهمية التساؤل الخراطي حول مقولة عبر النوعية لا تكمن في فرادته، بما أنه وريث تقليد عريق أكاد أقول عراقة الأدب، بل في أنه يتابع، لصالح عصرنا الراهن وأدبنا، سلسلة طويلة من التساؤلات الشبيهة في الأدب العالمي، ويستكمل ما بدأه عصر النهضة مستعيدًا في سياق معاصر المنظور التأسيسي الجبارني–المنفلوطي. خصوصيته، التي هي أيضًا خصوصية هذا المنظور، أنه اكتشف من موقعنا العربي الخاص ما اكتشفته آداب أخرى من مواقعها الخاصة أيضًا، فالشمولية لا تأتي إلا من باب الخصوصية.

يشير هذا التساؤل إلى حالة فنية أدبية وأخرى إنسانية. ففنيًا تشير عبر النوعية إلى القطيعة الحاسمة التي بلغها الأدب العربي المعاصر في علاقته مع الأدب القديم والإحيائي وقطاع بأكمله من الأدب الحديث. ينتهي عصر الفراهيدي ويفقد الشعر آخر مواقعه المميزة له في تراثنا ليشع في النثر ويعيد تشكيله.

تختتم معركة النثر والشعر ونخرج من الثنائية القديمة. طبعًا لا يعني هذا القول على الإطلاق أن الشعر انقضى زمنه، بل يعني، من جهة، أن الشعر قد وجد له أماكن أخرى يأوي إليها، وأنه، من جهة أخرى، انعتق نهائيًا من ربقة العروض والمقاييس الجنسية القديمة. كما أنه لا ينعى كل نمط سردي لا يدخل في باب عبر النوعية، كما يوصّفه إدوار الخراط وقبله أنسي الحاج على طريقته، فأنماط سردية كثيرة باقية أو ستظهر، إذ أنه حتى حركة يينّا، على هيجانها المحتدم وقدراتها الفكرية الهائلة (فأصحاب يينّا ليسوا فقط أدباء، بل كانوا أولاً فلاسفة من الطراز الرفيع)، لم تكتسح الحيّز الأدبي، وإن هزّته هزًا عنيفًا جعلت عملاقه غوته يشك بنفسه – حسب تعبير بلانشو- بل أدخلت فيه قطيعة تاريخية لا رجوع عنها، واستمر الأدب بأنماطه المختلفة على شكل آخر. إن هذا القول يشير بالأحرى إلى أن نظرية الأدب الموضوعي الذي تجلى في سرد الرواية الواقعية قد أصبح إشكاليًا وأن الأدب النثري في نموذجه المتألق حتى السبعينات قد انحسر. الأدب يدخل مرحلة مخاض جديد.

أما على المستوى الإنساني العام فإن لعبر النوعية دلالات ذات أهمية قصوى. فكأن الأدب يصبح، عند أهم كتابنا وأثراهم – هذا إن صح توصيفنا لهذا التيار- طريقنا الوحيد للحياة، مفتاحنا المتبقي للمعنى، الضمانة المتبقية لوجودنا كأفراد أحياء وكأمة حية، في هذه الفترة من تاريخنا، بعد كافة هذه الهزائم التي منينا بها. فلا سياسة ولا فلسفة ولا اجتماعًا فصيحًا ولا دينًا هاديًا لإنسان العصر في ما يواجهه من تحديات هائلة... بالأدب وحده تبدو منوطة مهمة الإجابة عن الوجود، وجودنا، وعن سعادتنا كأفراد. وقد يبقى هذا الأدب كذلك حتى ندخل فعلاً التاريخ من جديد من باب الإنتاج والحرية والاجتهاد والتفتق الإنساني والجماعي.

وعندها قد نفتقد مثل هذا الأدب، وقد يعود كاتبنا إلى الدين والعقلانية كما عاد شليغل، مؤسس مدرسة يينّا، إلى الكاثوليكية، وكما غاب جبران في صوفية غائمة ابتداء من النبي، ولكنا نكون قد كسبنا أقله موقعًا آخر.

*** *** ***


 

horizontal rule

[1]  خاصة من خلال كتابه الكتابة غير النوعية، دار شرقيات، القاهرة 1994، وهو يرصد هذا التيار من خلال كتاب كثيرين منهم: بدر الديب، يحيى الطاهر عبد الله، اعتدال عثمان، منتصر القفاش ونبيل نعوم.

[2]  هكذا اصطفوا علمين برزا في كلا الجنسين، هما المتنبي والهمذاني، وعارضوهما وقلدوهما ما طاب لهم. فقلَّ أن قام أديب ذو شأن لم يضع المقامات وأحيانًا لم ينظم الشعر على طريقة المتنبي وإن لم يبلغ أحدهم في ذلك شأو ناصيف اليازجي.

[3]  يعبر عن ذلك نظريًا سليمان البستاني في مقدمته لترجمة الإلياذة التي وضعها شعرًا، وعمليًا ما قام به المراش وسليم البستاني ومن تبعهما من اقتباس للجنس الروائي ومارون النقاش وأبو خليل القباني ويعقوب صنوع ومن تبعهم في مجال المسرح.

[4]  يبقى مؤلفه الساق على الساق فيما هو الفارياق الصادر في باريس عام 1855، معلمًا أساسيًا لم ينل بعد ما يستحقه من التحليل، على المستوى الأدبي.

[5]  من خلال مجلته المجلة المصرية المؤسسة عام 1900 ومن خلال مقدمة ديوانه الصادر عام 1908.

[6]  بدر الديب ألف كتاب حرف الـ"ح" عام 1948 ولم ينشره إلا في عام 1985 والثاني وضع حدث أبو هريرة قال... عام 1946؟ ونشره عام 1979.

[7]  راجع:

Gérard Genette: "Introduction à l'architexte"

وهو فصل من كتاب بعنوان "Théories des Genres" صدر عن دار Seuil، في باريس، عام 1986.

[8]  التعبير الفرنسي وقد اقتبسته من المرجع الأول المذكور أدناه في 9، ص 112 هو:

"Le roman est encore en devenir; et c'est son essence proper de ne pouvoir qu'étenellement devenir et jamais s'accomplir"

[9]  أعتمد في هذا التلخيص على كتابين فرنسيين هما:

1 – Ph. Lacoue-Labarthe et J-L. Nancy: "L'absolu littéraire", Seuil, Paris, 1978;

2 – Jean-Marie Schaeffer: "La naissance de la litérature, la théori estétique du romantisme allemend", Paresses de I'Ecole Normale Supérieure, 1983.

[10]  ووسيلتها السخرية، I'Ironie وشكلها الأدبي الأمثل هو ما يسمونه Witz وأحيانًا fragement. انظر المرجعين السابقين

[11]  رواية F. Schlegel بعنوان لوساند Lucinde، ورواية  Novalis بعنوان هنري ده أفتردنغين Henri d'Ofterdingen، وقد صدرتا في الأعوام الأخيرة من القرن الثامن عشر.

[12]  من المفارقات الدالة أن الشعراء العرب المعاصرين الذي اعترفوا بدينهم لجبران تأثروا بما يسمى كتاباته النثرية لا بشعره.

[13]  يمكن أن نذكر في هذا المجال وعلى سبيل المثال لا الحصر كتابات فرح أنطون وشبلي شميل وعبد الرحمن كواكبي.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود