الصحوة الدينية والصحوة الشعبية

 

ندرة ع. يازجي

 

منذ سنين ليست بالقليلة، ومسامعنا تتلقى – وإذا كان من الأنسب أن أتحدث عن نفسي؛ كنتُ أتلقى –، بقرف واشمئزاز، عباراتٍ من مثل (القاعدة) و(الصحوة الدينية)، وكأن الإيمان الحقيقي رجلٌ هرم يغفو ويصحو على مقعده تحت وقْعِ ضربات الخُطََب والشعارات التي يتحفنا بها من تسَّموا بِـ (الأصوليين). ولفترةٍ طويلة ظلََّتْ تطالعنا، بين الحين والآخر، الأخبارُ المشئومةُ لهؤلاء وصورُهم وصورُ جرائمِهم المُقِّززة على شاشات الفضائيات. ولربما استطاعوا، بقَدْرٍ ما، أن يوصلوا إلى أذهان البعض من السُذَّج قناعةً مفادها أن السير على طريقهم هو المُوصِلُ إلى إحقاق الحقوق المهدورة من معيشية أو دينية أو وطنية. وهكذا، ولعقودٍ خلتْ، كادت القاعدة وأضرابُها، ومنجزاتُهم الإنسانية والتاريخية، تسيطرُ على أخبار وكالات الأنباء وأجهزة الإعلام. وعندما كان أحدنا يجلس مع نفسه أو مع آخرين ويفكِّر لوحده، أو معهم، باليوم الذي سينتهي فيه هذا المسلسل البغيض والطويل من النفاق والإجرام، كان يسود جو من التشاؤم أو التفاؤل القلِق أو الحذِر.

والآن وبعد إطلالة هذه الوجوه السَمْحة البهيَّة البريئة، وامتلاء الميادين والساحات بها في أكثر من مكان في هذا الشرق الأوسط اليتيم، وإشراقها على كل الشاشات في أرجاء المعمورة. هذه الوجوه التي تحمَّلت شتى أصناف المعاناة، وبقيت قادرة على الابتسام والغضب ورفع القبضات وعلى اعتماد شعارات وأفكار بعيدة عن اللغو والعنف. الآن يمكننا الشعور بأن مرحلة جديدة ومختلفة، واعية ومتحضِّرة قد بدأت. الآن فعلاً نستطيع أن نشهد بداية النهاية لمسلسل الإجرام والنفاق الذي كتبه وأخرجه مفكرون وضعوا المصالح الآنية والأنانية لمن يمثلون، بالاشتراك مع مسعوري القاعدة وأشباههم، وتركوا تمثِّيله وتنفيذه لشبيبةٍ عطلوا لها كلَّ آليات التفكير والشعور السليمين.

الآن بدا جليًّا – ما أشكلَ على البعض – أن طريق الوصول إلى الحقوق والطموحات ترسمه الأيدي النظيفة، وتعِّبدُه الإرادة الشعبية المسالمة والمثابرة والحازمة في الوقت نفسه، وليس هو الطريق الذي يُرصَفُ بالجثث المقطَّعةِ الأيدي والأرجل، وبالأشلاء الممزقة بالسيارات المُفخَّخة والأحزمة الناسفة، ليس هو الطريق الذي تنعَبُ في زواياه غربان ثقافة القتل والموت، ثقافة أشباه الوحوش. وتَبيَّنَ أن باب الحريَّة بالتأكيد ستفتحه نداءات الأخوَّة وتكريس شعور المواطنة القاضي على نَتَن الطائفية والعشائرية والعنصرية، وليس بالضرورة أن يُفتَحَ هذا الباب باليدّ المُضَرَّجة بالدماء.

الآن نستطيع أن نتفاءل، أن نفرح، أن نثق بقرب تفكُّك وتراجع وانحلال الفكر المبني على الحقد والهلوسات الظلامية، ومنظماته، وكل العقائد والمنظومات المنبثقة والمعتمدة على هكذا فكر، أو ما يمُتُّ له بصلة.

اتضَح الآن أن التمسُّك بالسلوك اللاعنفي، وبالقيم الإنسانية والديمقراطية، وتنمية الحسِّ الأخلاقي، والوعي الوطني والإنساني، والمشاعر الدينية الأصيلة المتفقة مع البساطة وصفاء النفس، وليس اتّباع وسائل الشر والإجرام، وإثارة النَعَرَات والأحقاد بين الناس والجماعات، هو الطريق لتحقيق الأهداف الشعبية المُحقة، وهو في الوقت نفسه حبل النجاة الوحيد لكل من انحرف وأساء لمصلحة وكرامة وحريَّة شعبه.

*** *** ***

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود