<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

«المقابسات» للتوحيدي: المفكر يصف الحياة الثقافية في القرن الهجري الرابع

 

ابراهيم العريس

 

... إني نقلت هذا الكتاب والدنيا في عيني مسودَّة، وأبواب الخير دوني منسدَّة، لثقل المؤونة ولقلة المعونة، وفقد المؤنس، وعثار القدم بعد القدم، وانتشار الحال بعد الحال. هذا، مع ضعف الركن واشتعال الشيب وخمود النار وسوء الجزع، وأقول شمس الحياة، وسقوط نجم العمر، وقلة حصول الزاد، وقرب يوم الرحيل... وهذا كله جرى في مجالس مختلفة من مشايخ الوقت بمدينة السلام.

ترد هذه العبارات لأبي حيان التوحيدي في مطلع المقابسة الحادية والتسعين من كتابه المقابسات. وهي عبارات استند إليها عدد كبير من الباحثين في حياة «فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة» هذا للاستنتاج بأنه وضع المقابسات خلال مرحلة متقدمة من حياته، حيث يمكن اعتبار الكتاب واحدًا من آخر كتبه، واعتبار ما فيه نوعًا من تلخيص لأفكاره الأخلاقية والفلسفية والأدبية. ومع هذا فإن المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، يرى أن للكتاب أهمية أخرى، إذ يذكر في كتابه المثقفون في الحضارة العربية، أن المقابسات قد يتخذ أهميته من كونه يرسم صورة لجيل يجسم

نموذج المثقفين الذين يستهلكون الثقافة ويروِّجونها، ولكن من دون الارتباط بقضية بعينها... إنه جيل «المقابسات» جيل اللامركزية الثقافية التي تعكس اللامركزية السياسية.

ومن هنا يركز الجابري على كون القرن الرابع الهجري، الذي يصف المقابسات الحياة الثقافية فيه بأنه «بحق، عصر اللامركزية»: «عصر إمرة الأمراء» و«الدولة المستقلة». وكان عصرًا خاليًا من أي مشروع ثقافي أو سياسي للدولة ككل، حيث أصبحت كل إمارة، بل صار كل ذي جاه وسلطان «يزين مجلسه» بالعلماء والكتاب والأدباء والشعراء. فظهرت فئة من المستهلكين للثقافة الآخذين من هنا وهناك، «المتقابسين» الحريصين على «المشاركة» في كل علم والإدلاء فيه بدلو خلال المناقشات والمقابسات التي كانت تزخر بها «المجالس» الثقافية. وكان من بين هؤلاء المنطقي والمتفلسف والمتكلم والفقيه والنحوي والأديب والكاتب، «وكانت مشاركتهم في شتى المعارف والفنون خالية من أي مجهود إبداعي إلا نادرًا» في رأي الجابري. ومع هذا لا يفوت هذا الأخير أن يذكر أن موضوعات المقابسات تطاول أمورًا في غاية الأهمية مثل «تطهير النفس باجتناب شهوات الجسد» و«علم النجوم والفلك والنحو والفقه» و«الأخلاق» و«الناموس الإلهي» و«الزمان والمكان» و«الألفاظ والمعاني» و«كتمان السر» و«الحياة والموت» و«اللاهوت» و«الإنشاء والكلام الجيد» و«العلة والمعلول» و«الصداقة» و«النوم» وما إلى ذلك.

والحال أن هذا كله يجعل من المقابسات، إن لم يكن كتابًا في الفلسفة الخالصة، نوعًا من التلخيص للمستوى الفكري الذي كان سائدًا خلال العقود الأخيرة من حياة التوحيدي، طالما أن هذا الأخير يذكر في ثنايا كتابه، أسماء عدد كبير من «المثقفين» الذين شاركوا في النقاشات، من السامري إلى المصري ومن القوفي والصوفي وغلام زحل، إلى ابن عبدان والحراني، وصولاً إلى أبي سعيد السيرافي وأبي بشر متى (وهما اللذان تجابها في تلك المناظرة الشهيرة التي نجدها في كتاب آخر للتوحيدي هو الإمتاع والمؤانسة)، مرورًا بأبي الحسن العامري، وخصوصًا جماعة علماء الإسماعيلية الذين كانوا يروِّجون لأفكارهم تحت اسم جامع هو «إخوان الصفا» والذين كان التوحيدي أول من تحدث عن وجودهم وأفكارهم معتبرًا إياهم

جماعة تآلفت بالعشرة وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنهم قربوا به الطريق إلى النور... وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال...

على رغم أن حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون يقول إن عدد مقابسات الكتاب 103، فإن النص النهائي الموجود منذ زمن بعيد يضم 106 مقابسات ومقدمة وخاتمة... ومن الواضح اليوم أن أبا حيان أنفق سنوات طويلة من حياته وهو يجمع مواد هذا الكتاب. والمواد هي أشبه بتسجيل حرفي لجلسات كان يعقدها مثقفو زمنه وشهدها بنفسه، وكانت الحوارات فيها تدور من حول شتى الأمور التي كانت تشغل أذهان المثقفين في ذلك الزمن. أما سبب تأليف الكتاب فيتكهن به الباحث عبدالرزاق محيي الدين الذي وضع منذ أربعينات القرن العشرين واحدًا من أفضل الكتب وأوفاها عن التوحيدي وفكره، على النحو الآتي:

... أما سبب التأليف فهو، كما يبدو من المقدمة، ومن عبارات تناثرت في الكتاب، تحقيق رغبة تقدم بها أحد الأثيرين عنده: من جمع مسائل في الفلسفة، وأخرى تجري مجراها في الأدب والأخلاق، وكما يبدو أنه لم يستجب لتحقيق رغبة هذا السائل (الذي لم يرد اسمه صريحًا، على عكس ما كانت الحال في كتب التوحيدي الأخرى حيث كان غالبًا ما يذكر اسم الشخصية التي وضع الكتاب أو صنف من أجلها أو بناء على طلب منها). إلا بعد تلكؤ وتمنع منه، وإلا بعد تلطف وإلحاح من السائل.

ولا يفوت محي الدين أن يذكر هنا أن التوحيدي يتوجه مرات بالحديث إلى صاحب الرغبة في وضع الكتاب، ومع هذا يستنتج محيي الدين أن «يكون التوحيدي قد سيق إلى تأليف الكتاب برغبة في نفسه، يثيرها الحرص على جمع ما اقبسه واقتبسه من أعلام عصره ومشائخه في هيئة الكتاب». ولعل النتيجة التي تترتَّب على هذا والتي يلمح إليها عبدالرزاق محيي الدين هي «احتمال أن يكون أبو حيان قد اصطنع الحوارات جميعًا على لسان فلاسفة عصره، مع أنها أصلاً من وحي خاطره وبنات فكره». أما محمد كرد علي فإنه في كتابه أمراء البيان يتحدث عن المقابسات قائلاً إن

أكثره من محفوظ التوحيدي الذي ذكر فيه بعض ما وقع إليه من مفاوضات علماء مشهورين، كانوا في بغداد يختلفون إلى مجلس صديقه وأستاذه أبي سليمان المنطقي السجستاني، وعنه أكثر مروياته فيتذاكرون في موضوعات شتى في الفلسفة أو ما وراء الطبيعة والأدب وأكثرها من طريق السؤال والجواب، لرجال جمعت بينهم كلمة العلم والحكمة، وهذبت نفوسهم الآداب العالية، يتناجون بالأفكار الصحيحة والشاذة، ولم يفرق بينهم اختلاف نحلهم ومذاهبهم، وكان فيهم المجوسي والصابي واليعقوبي والنسطوري والملحد والمعتزلي والشافعي والشيعي.

ويورد كرد علي هنا أن مذهب هؤلاء في الفلسفة كان، على الأرجح، مذهب أرسطاطاليس

شأن معظم فلاسفة الإسلام أمثال ثابت بن قرة وحنين بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق وأحمد البلخي ومسكويه والقمي والسرخسي والنيسابوري، يطلقون في جلساتهم الخاصة عنان أفكارهم، ويخرجون عن القيود الكسبية قاصدين إلى هدف واحد، وهو معرفة حقائق الأشياء مجردة لا تشوبها المؤثرات.

ويخلص كرد علي محدثًا قارئه:

وإذا أحببت تعريف كتاب المقابسات بمصطلح أهل هذا العصر فقل: هو محضر جلسات المجمع العلمي البغدادي في القرن الرابع، وكان لا يحضرها إلا من يُدعى إليها، ويوافق من أكثر الوجوه على ما يلقى فيها.

وإذا كان كتاب المقابسات يعتبر، بين مؤلفات أبي حيان التوحيدي، التالي في درجة شهرته بعد كتابه الأشهر الإمتاع والمؤانسة فإنه في الواقع يمت إلى هذا الأخير بصلة ويشبهه إلى حد كبير، وإن كان يمكن في نهاية الأمر اعتباره مصوِّرًا للمناخ الثقافي البغدادي في ذلك الحين أكثر من تصوير الإمتاع والمؤانسة له. وللتوحيدي (الذي عاش على الأرجح بين العقد الثاني من القرن الهجري الرابع والعقد الأول من القرن الذي يليه، من دون الوصول إلى تحديد دقيق لعامي مولده ووفاته) الكثير من المؤلفات بين كتب ورسائل، ومنها البصائر والذخائر، مثالب الوزيرين، الصداقة والصديق، والإشارات الإلهية إضافة إلى الإمتاع والمؤانسة والمقابسات. وهذه الكتب تعتبر من تأليفه بالتأكيد، إذ ثمة أخرى تثار من حول انتسابها إليه أسئلة وشكوك. ولقد عاش التوحيدي حياة غريبة، حياة فقر، على رغم اتصاله بالوزراء، وكان دائم الشكوى والنواح دائم الجوع والقذارة، ولقد رُمي بالإلحاد والزندقة من قبل خصومه. وهو كان جلف الطباع متقلب الأهواء. وقيل أنه في آخر سنواته لجأ إلى زاوية في شيراز يتعبد فيها وينعى حظه التعس، كما يروى أنه قبل وفاته جاءه من أشفق عليه يطلب منه أن يستغفر الله على ما اقترف لعله يغفر له، فقال غاضباً: «أترونني أُقدم على جندي أو شرطي؟ إنما أُقدم على رب غفور».

*** *** ***

الحياة، الثلاثاء 4 يونيو 2013

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود