هل أوصلت رواية "زاجل" النصرالله تفاصيل السرد كما ينبغي؟!*

 

سعاد العنزي

 

رواية زاجل للكويتي خالد النصر الله، هي رواية تنتمي لذلك القسم المهيمن الآن على الأدب الكويتي، الذي يركز على أدب المهمشين والمعزولين عن المجتمع كالبدون، والوافدين، وأبناء الكويتيين من جنسيات ثانية عربية وغير عربية.

كما شاهدنا في العامين الأخيرين بروز هذا التيار في الأعمال الروائية التالية: في حضرة العنقاء والخل الوفي للروائي الكبير اسماعيل فهد اسماعيل، الراصدة لحياة بطلها البدون منسي ابن أبيه، كذلك رواية سلالم النهار لفوزية السالم تتبنى صورة كل من البدون، والكويتيين المحطمة والمتداعية في بركان الفقر الأخلاقي والمادي، ورواية سعود السنعوسي ساق البامبو وموضوعها الرئيسي الكويتي الهجين من أم فلبينية، ورواية حذاء أسود على الرصيف للمبدعة باسمة العنزي حيث تتقاطع هموم البدون والفلسطينيين، وفي رواية زاجل للنصر الله صورة مصري فقد أباه وتبناه عمه الكويتي، الذي بقي مجهول الاسم طوال الرواية. إذن نحن لا نتحدث عن رواية هي الأولي من نوعها، بل هي رواية تنطلق من توجه روائي سائد الآن في الرواية الكويتية.

مدار الحكاية

الرواية تسرد خلال 205 صفحة، مقسمة على سبعة عشر فصلاً، يبدأ كل منها بجملة أو سؤال يلخص هذا الفصل. فيها بطلان رئيسان: بيشوي وعمه، حيث بيشوي يعرض لحكايته مع عمه، ولا يكشف عنها إلا في منتصف الرواية، ليتضح إنه عمه بالتبني، كأب له، وليس أكثر من هذا، بيشوي يعلم من هو أبيه، ويعلم إنه مسيحي أيضًا، ولكنه لا يعلم من هي أمه، يتوه دومًا في تفاصيل أفكاره بحثًا عن ذاته المهمشة والتابعة للعم، فهويته معتمدة كليًا على عمه، فلا حياة خاصة، ولا اهتمامات مختلفة ومغايرة لاهتمام عمه، عمه يقرأ ويكتب، وهو يقرأ، يحاول الكتابة، ويتلصص على أسرار عمه الكتابية في وقت نومه. فهو شخص معتمد اعتمادًا كليًا في حياته على هذا العم، وهذا ما سنفسره لاحقًا عند تناول ضمائر السرد، إذ يعاني من أزمة هوية، يبحث عن ذاته، ويتألم جراء هذا البحث، كما يقول مرارًا في الرواية: "أن تبحث عنك. أن تمارس جريمة بحقك" (الرواية، ص 178). حكاية العم تكمن في أنه كاتب مشهور، وقع في حب ابنة زوجة أبيه، من زواج غير معلن، التي كانت مثقفة وتراسله دومًا، فتمت بينهما علاقة عاطفية انتهت بالزواج، وبعد الزواج كان هناك أزمة الغزو العراقي، الذي قضى على هذه الأسرة فأصبح هذا العم مبتورًا هو الآخر من الأهل.

زمنيًا: يبدو أن القصة تدور فيما بين الثلاثين عامًا، حيث تتقاطع مع فترة الغزو، أما الأمكنة فكان المكان الرئيسي هو الكويت، والتنقل بين الجابرية حيث يتحقق مفهوم بيت الأسرة، والاجتماعات الأسرية، والشالية بوصفه مكان للمرح والراحة والاستجمام، والعمارة التي لا يسكنها إلا المشبوهون، والمعزولون عن المجتمع، أو الوافدين. أما الدول العربية فلبنان ومصر أيضًا كانتا حاضرتان بشكل عرضي في الرواية.

وما هو لافت للنظر في الحديث عن الزمان والمكان أنه يضع عبارة تتصدر أول الرواية: "المكان دون الزمان، أصم. الزمان دون المكان، عدم. من فصل الظرفين إذًا؟!". وهو هنا يشير إلى حقيقة أنه ليس هناك انفصال بينهما نهائيًا ولا يمكن أن ننظر إلى الزمان منفصلاً عن المكان، وهذا ما هو متعارف عليه، ولا نعلم أيضًا من فصل بينهما، على الأقل بفهمنا المعاصر للزمان والمكان؟!

عرضية العنوان

العنوان حقيقة، هو من نمط العناوين العرضية، حيث عبر عن حكاية العم مع هدى في تبادل الرسائل بينهما، وعبر أيضًا عن بعض المشاهد في استخدام البريد الالكتروني، غير هذا لا نجد العنوان معبرًا عن النص كله بقدر ما هو يعبر عن جزء من الأحداث، ومن هنا نجده أخل بوظيفة العنونة.

سرد الحكاية

بالالتفات إلى تقنية السرد في تقديم الحكاية نجد أن الرواية قام بسردها راويان، الأول هو بيشوي، والثاني هو العم، بيشوي يستخدم ضمير المخاطب، والعم يستخدم ضمير المتكلم، الأول تناول حيزًا كبيرًا من السرد، والآخر سرد بعض الفصول الخاصة بحكايته. بيشوي كان ساردًا جزئي المعرفة، بينما العم سارد كلي المعرفة. بيشوي سارد أساسي معتمد على الآخرين بشكل كبير في السرد: العم، أيمن، هبة (فتاة كويتية من أم مصرية)، بينما العم لم يقدم إلا تفاصيل حكايته الخاصة، وهذا يعطي السرد حيزًا من الموضوعية، ولكن في كون بيشوي جزئي المعرفة هو أمر له تفسيره المقبول لأنه هوية ممزقة ومعتمدة إنسانيًا على امدادات العم. فمعرفته هشة ضئيلة، مرجعيتها الوحيدة الآخرين، ومنهم العم وأيمن. واستخدامه لضمير المخاطب، على الرغم من صعوبة تقبلنا له في بداية السرد، هو استخدام موفق لأن هذه الرواية قدمت على شكل السرد المتساوق يعتمد على تقنية الفلاش باك كثيرًا، فيما يخص حكاية العم... وبيشوي في استخدامه لضمير المخاطب، كأنه يجمع تفاصيل حكايته ويتأمل ذاته في مرآة الماضي، ويحقق مع ذاته، ويحاول استفزاز المتلقي، القارئ بالمخاطبة.

السارد الثاني، العم، تعمَّد حذف بعض التفاصيل من ذاكرة السرد، من مثل فقده لهدى، كيف فقد هدى وأسرتها، كما إن الرواية انتهت، عند اقتراب سفر بيشوي إلى مصر من دون أن يلمح حتى إلى إن كان سيرجع للكويت أو سيستمر في مصر كنهاية مفتوحة، قابلة لأكثر من تأويل، وهذه حقيقة إيجابية في السرد، الذي لا يقدم الحكاية مرة واحدة، بل يعطي المجال لخلق أفعال قراءة متعددة للرواية.

نقد في بنية الحكاية

فكرة الرواية كفكرة وبنية سردية ليست جديدة تمامًا، وهي قريبة من أعمال روائية كويتية سابقة للنص، من مثل: في حضرة العنقاء... والخل الوفي لاسماعيل فهد اسماعيل، ورواية سماء مقلوبة لناصر الظفيري، ورواية ساق البامبو لسعود السنعوسي. فمن حيث الفكرة، كما هو بطل سعود السنعوسي ممزق بين أمه الفلبينية وأبيه الكويتي المتوفى، نجد أن بيشوى ممزق بين أب ميت، وأم مفقودة، محروم من الحياة في بلده الأم، مصر، ويعيش بالتبني في الكويت، فهو نصف كويتي تبعًا لظروف التنشئة، ومصري تبعًا لوالديه المصريين، وهبه كذلك كويتية من أم مصرية. بل حتى في الديانة، لم يخل الأمر من تبعية لرواية ساق البامبو، حيث بيشوي مسيحي يتوق لتعلم الإسلام، وهوزيه مقسم بين الديانتين. وفي حالة هبة واهتمام العم وبيشوي بها، هو أمر بتفاصيله متقاطع لتفاصيل علاقة بطل سماء مقلوبة بنجوى هو وفلاح، عند قراءة هذه التفاصيل في كلتا الروايتين وجدت تقاطعًا كبيرًا من التأثر، خصوصًا عندما بدأ يغار من العم بسبب هبه. ومن حيث استخدام ضمير المخاطب يبدو أنه جاء بناء على الاقتداء برواية في حضرة العنقاء... والخل الوفي، حيث في العنقاء أتى هذا الضمير في سياق كتابة منسي رسالة لابنته، بينما هنا في رواية زاجل، كان حوارًا ذاتيًا مع النفس، ومحاولة للتفاعل مع القارئ.

ما أود قوله هنا: إن الروايات السابقة أصيلة (مبتكرة) نوعًا ما، وليس تمامًا، بينما رواية زاجل انطلقت من بنية وأفكار هذه النصوص، مما جعلها رواية تابعة لنصوص سابقة لها في الرواية الكويتية، ويؤثر على دهشة التلقي، بسبب كونها صيغة ثانية لعمل سابق، لم تقدم رؤية خاصة بهذا التقليد لجزئيات تلك الأعمال.

ولكن هذا لا ينفي أبدًا جمال الرواية، وتمكن الروائي من أدواته السردية، ونتمنى أن نقرأ له أعمالاً لاحقة تتضح فيها هويته الإبداعية أكثر.

*** *** ***

القدس العربي


 

horizontal rule

*  خالد النصر الله، زاجل، نوفا بلس، الطبعة الأولى، 2013.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني