قصص قصيرة

 

قتادة الزبيدي

 

لعبة القدر

ارتمى فوق سريره - كما كل ليلة -. تأملها طويلاً. داعب بأنامله ليلها المنسدل إلى اللانهاية. لامس لماها برقة. لكنها بقيت متأملة دون حراك وهي بأوج بهائها همس بأذنيها: ما بالك حبيبتي! ألم يضنيك الشوق كما أضناني؟ قد بات جمري بركانًا تحت كوم رماد وأنت ما أنت؟! ألست تشعرين، ألست تضرمين؟ لكنها صمتت دون بوح فأدرك أخيرًا أن صورتها تلك لن تبادله ما أراد، فمزقها إلى فتات مزمجرًا يا إلهي لم الممات!

*

شرود الأفنان

على ناصية رصيف منفي وسط ظلام مدقع هدأ ذاك العويل المنبعث من حناجر البؤساء ليغادر كلٌّ إلى منزله دون من مسهما الشقاء: طفلة في الثالثة وأخوها الذي تجاوز الخامسة من عمره. كانا ملتفان متعانقان كما يلتف ساق الياسمين على لبلابة احتواها بعناقه وانسدلت ضمنه راكنة إلى صدره الآمن الوحيد. حاول تهدئة ثورة رعبها لتهدأ بعد أن أنهكها البكاء، بعد أن همس لها: أختي الحبيبة، لا تحزني إن الله معنا. سنحيا معًا على أمل أن يجمعنا قريبًا بوالدينا الذين غادرا ظلم الحياة وبؤس الحرب للتو.

*

شبح الانفصال

كل ليلة كانت تلك الطفلة تقصد ذاك الاحتواء، ذاك الحضن الذي ما أهداها إلا دفئًا ونقاء لتطلب من أمها أن تمرر أناملها الحانية فوق الجبين والوجنات، وذاك الشعر المبعثر في كل الأنحاء، لتبدأ الأم بدندنة لحنها المعتاد لحن عهد البقاء. وتلك الطفلة كانت تردد بعض الكلمات مع والدتها كل ليلة في ذات الوقت، لتغفو الطفلة أخيرًا وحيدة دامعة العينين تفصلها مسافات عن أمها، كل منهما في منزل مستقل. وتسهد الوالدة التي التهم أوصالها شبح الطلاق فلا الأم تحضن ابنتها ولا الابنة تحيا حضن أمها الفريد! لكن دموعهما التي أضنت المقل ستظل تتأمل، أتراه يتحقق يومًا الأمل!

*

بائعة الورد

يبزغ فجر كل يوم مع تبرعم وجناتها وتورد ابتسامتها. تلك الفتاة التي بعمر زهور الياسمين تحمل باقات ورودها متسولة في الشوارع، عل بعض من يحنو عليها يشتري منها شيئًا لتتمكن من العودة إلى منزل زوج أمها الجشع. أنهكها الجوع والتعب. أرادت بيع ورودها لتستكين لفراشها المهترئ الذي كان أحنى عليها من أم ليست بأم، لكنها ذاك اليوم ما علمت أنها لن تعود، إذ انكبت مسرعة نحو سيارة لتعرض ورودها فإذا بها تصدمها وتتناثر وريقات الورد متبعثرة في شتى الأنحاء، وتعلو الصرخات وتثور الأصداء حين هوت تلك الطفلة أرضًا باسمة كما كانت إذ باتت في حضن رب السماء!

*

متأسلمون

صمت يسود الموقف. الجميع مذهولون من هول ذاك الظلم الذي أدى إلى فتح الأفواه حينًا، وتناثر دموع كما غيث استوائي حينًا آخر. إذ ما زال ذاك الملتحي المدعي تأسلمًا يجلد تلك المرأة المسلمة التي غطت كافة أعضاء جسدها من أخمص القدم إلى الشعر والوجه، بحجة أنها تواصلت مع أصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي. آهات القهر تنساب كما بركان هزَّ أوصال الجميع، وتلك الدماء النافرة من جسدها أدمت القلوب والوجدان. انتهى ذاك الموقف أخيرًا، ليلقى تصفيقًا حارًا من جميع الحضور في القاعة. نعم... لقد حاز ذاك المشهد على جائزة أجمل فيلم قصير!

*

امرأة من ماس

وحيدة تحيا مع ابنها الذي هجرها أباه ليرتمي بين أحضان أخرى. فكانت له أمًا وأبًا... سندًا وعونًا على مصاعب الحياة. كانت تقوم بأعمال منزلها بقدميها إذ ما كتب لها أن يكون لها ذراعان، لتلتفت لتعليم ابنها أفضل وأكمل العلوم. ثم في المساء، كانت تمسك بأصابع قدميها سلل القش، إذ كانت مصدر رزقهما الوحيد. ذات يوم، بات ابنها في ريعان شبابه، أقبل نحو قدميها، كما كل يوم، مقبلاً تلك الماسات التي لن تقدَّر يومًا بأي ثمن، قائلاً: أماه.. فيم نقص عقلك.. وأين كمال عقله؟!

*** *** ***

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني