دون جوان

 

عزيز التميمي*

 

لا أدري لماذا تذكَّرتُه ليلة البارحة. كنت مارًّا في الطريق ذاته إلى المقهى. وبعد سهرة طويلة، مفعمة بالارتياح، عدت والظلمة والسكون يستجيبان لوقع خطواتي ولذاك الصدى المنعكس هنا وهناك.

ابتسمتُ وأنا أجتاز حاجز الأشجار الكثيفة. همستُ للذاكرة. لا بدَّ للسخرية أن تكون! كنت هنا... توقفت. استدرت نحو الأشجار. لا... بل هناك، بجانب شجرة الصفصاف. نعم، هناك بالتأكيد. رأيت هلال المئذنة من خلال فجوة شكَّلتْها أغصانُ شجرة الصفصاف. التفتُّ لأحصي عدد الخطوات التي أضعت بعدها اتجاه الطريق، بعدما قفزتْ صورتُه، بكامل جبروته، وسط الطريق، ليُجبِرَني على مراجعة كلِّ الاحتمالات الممكنة فيما لو واصلتُ المشي. بعد لحظات، قررت الهرب في الاتجاه المعاكس. قلت: ليقُلِ التاريخُ عني ما يقول... إنه دون جوان!

حواسي كلُّها تترقب اللحظة التي يغرز فيها أنيابه في جزء من جسمي المنشغل بالجري والانفعال. أركض بكلِّ طاقتي، وربما بِطاقةٍ تولَّدتْ فيَّ تحت تأثير الخوف، ولم تكن ضمن الطاقات المألوفة فيَّ. بعد أن تمكَّن منِّي الإعياءُ وقفت، والانهيار يصف حالتي: دمدمة، لهاث، بل زفرات حادة وشخب متواصل، ونَقْرُ طبولٍ في كلِّ خلية من جسمي، ثم السكون والظلمة وصدى الخطوات، وشيء من الألفة ومراجيح الذاكرة.

كنت أبتسم دائمًا وأنا أتذكَّر كيف أفتعلُ الأعذار كي أتملَّص من العودة إلى البيت لأتحاشى دون جوان. لماذا صرت أخاف دون جوان؟ دائمًا أسأل نفسي، وألَمْلِمُ إجابات بائسة، أعلن أسبابًا واهية، وأخفي حقيقة تؤلمني كثيرًا. ربما الكلمات التي سمعتُها عن دون جوان والقصص الآخذة في الانتشار: دون جوان مزَّق جسم طفلة تسير متخلِّفة وراء أبيها بضعة خطوات... حميد الأعرج – الذي أُصيبَ بإعاقة دائمة – كنت أظنها بسبب حادث سيارة، واكتشفت فيما بعد أن دون جوان هو السبب... الكذَّاب الذي راح يقصُّ مشهدًا مروعًا في المقهى. أنا أعرف أن معظم كلامه كذب وتهويل، إلا أنني وجدت نفسي مصغيًا إليه، بل يثير فيَّ ردودَ أفعال سلبية كلَّما اشتبك المشهدُ دراميًّا في مخيِّلتي. أرتجف تحت ملابسي وتنشبُ القشعريرة في حقول جلدي. يا إلهى! حميد الأعرج؟ معقول؟! لقد تمزَّقتْ كلُّ الغضاريف وحبال العصب. معقول؟!

أرفض، أُذعِنُ، أرمي رأسي إلى حافة الكرسي، أجدُني ضمن امتداد الطريق والأشجار، وحفيفٌ ينبئ بكارثة. أتحسَّس فخذيَّ وساقيَّ وعجيزتي، ثم أدور لأغرس نظراتي في مشهد الفم المفتوح والأنياب الحادة، وأصمُّ أذني. إنها الصرخة: لا... لا... وأهدأ، لأسمع كلَّ شيء عنه، على الرغم من معرفتي الجيدة به.

كان يعيش في مجمع القمامة والنفايات؛ وما ترميه البيوت من الأزبال كانت ملاذًا له وزادًا. سقط معظم شعره، وبدا قبيحًا، نحيفًا، بجلده الأملس العاري ورأسه الكبير. لم يكن رأسُه متناسقًا مع جسمه. فالرأس كبير، وأذناه مبتورتان، وبطنه وعجيزته تبدوان متداخلتين الواحدة في الأخرى، وأطرافه الأمامية والخلفية معوجَّة، وذيله دائما ين فخذيه الخلفيتين.

كنت أضحك كثيرًا كلما رأيته يمرق، هاربًا من خطر الكلاب الشرسة التي تهجم على القمامة بين الحين والحين. يبتعد، يختبئ وراء حجرٍ أو شجرة صغيرة، ويرقب من هناك الأمور عن كثب. كثيرًا ما تعرَّض للأذى من جموع الكلاب الشرسة التي لا تسمح للضعفاء والمرضى والكهول بالظهور في دروب المدينة وضواحيها، وخصوصًا في مجمع القمامة. لكنه يمتاز بجرأة، رغم ضعفه، وسلوك خبيث بعض الشيء. فهو يقترب من الأنثى التي يتصارع من أجلها الأقوياء، وفي غمرة انشغالهم بالصراع، يتودَّد إليها، يداعبها، رغم عدم اهتمامها به كثيرًا، ثم يتمادى، فيحاول أن يجرِّب قواه. يقفز عليها مرة، مرتين، إلا أنه يفشل. وحينما تضجر منه الأنثى تنحاز صوب الأقوياء. ولمَّا لم يزلْ يلاحقها، يتنبَّه إليه كلبٌ شرس، فيوقف الصراع مع خصمه، ويهجم عليه، ليختفي البائس في زحمة الاشتباك العنيف. يعوي بصوت منطفئ بعد انفضاض الصراع وابتعاد الأنثى وفرسانها، ثم يسحب جسمه المنهك إلى أقرب كوة في القمامة ليأمن شرور الآخرين. ويتكرَّر هذا المشهد.

كثيرًا ما أراه ممدَّدًا، لا يحرِّك طرفًا، والذباب يشكِّل غمامة فوقه. أعتقده فارَقَ الحياة. غالبًا ما يتحرك فيَّ شعورٌ نحوه ممزوج بالعاطفة والسخرية. أضحك مع نفسي كثيرًا، وأنا أستذكر مشاهد المعارك الخاسرة التي يكون طرفًا فيها، بقصد منه أو بغير قصد. وقد تأكدتْ لي جسارتُه حينما لمحتُه يتسلَّل إلى بيتنا، ويسرق دجاجة سمينة من دجاجات والدتي، التي كانت حذرة جدًّا منه ومن أمثاله.

ذات ليلة، كنت أقرأ وأكتب في وقت متأخر. سمعت صوت قرقعة خفيفة عرفت منها أنه دخل دارنا. كنت متحمِّسًا لرؤيته ومتابعة حركاته الدقيقة وهو يستكشف المكان ويحدِّد غايته. قلت في نفسي: لو سرق هذه المرة دجاجة سيُفتضَح أمرُه. فوالدتي متوجِّسة من أُوَيْقات آخر الليل. صارت تستيقظ في وقت كهذا، خصوصًا بعد سماعها صوت أذان الفجر. إذن من الممكن أن تسبِّب له الأذى، وتنفثُ فيه كلَّ غضبها، بعد أن يسرق منها دجاجة أو أكثر. حملت له بعض الخبز المبلِّل بالماء المعمول خصيصًا للدجاج، وصفَّرتُ له بصوت حَذِر. انتبه، لم يتوجَّس كثيرًا. اقترب، وأخذ يأكل، وينظر إليَّ، ويلتفت أحيانًا صوب القن. وبعد أن انتهى، انصرف نحو القن. حاولت أن أحميه من غضب والدتي، فنهرتُه وخرج. كانت نظراتُه لي تبدو أكثر ألفة، إلا أنني متوجس منه لسبب لا أفهمه.

الكلُّ صار ينعته بالكلب السافل، عديم الذوق، عديم النبل، الذي لا يحمل من وفاء أبناء جنسه شيئًا. كنت متأكدًا من سفالته، إلا أنني متعاطف معه. صار يدخل بيتنا باستمرار، فأعطيه ما أجده أمامي من طعام. ويبدو أنه تصرف إزاء أفعالي بنبل هذه المرة: لم يعد يفكر بقنِّ الدجاج، بل كان يأتي ويقف بباب الغرفة، فأفهم مراده. وبين الحين والحين، أراه يقترف جرائم من وجهة نظري. رأيته مرة يهجم على كلب هَرِمٍ لا يقوى على المشي، ويأخذ منه نُتَفَ الطعام التي كانت بحوزته. ومرة أخرى لمحتُه يسرق لحمة تَصارَعَ عليها كلبان، وابتعد بها مستغلاً انشغالهما بالصراع. حقدتُ عليه وقتها، وكرهتُه أكثر من كرهي له حينما دخل غرفتي، ذات ليلة، وبال فوق وسادتي.

وبعد المجاعة والقحط، اختفى مثل بقية الكلاب. منهم من قال إنه مات من الجوع، ومنهم من قال إنه هاجر إلى أمكنة أخرى أغنى من مدينتنا. ونسيته تمامًا، حتى إنني صرت أروح وأجيء في الطريق ذاته، دونما أية ومضة فكرية تشدُّ ذاكرتي إليه – حتى ليلة البارحة. كنت قلقًا لسبب أجهله. وما زاد من قلقي كلامُ أحدهم في المقهى عن كلب سبَّبَ له الإزعاج وهو عائد إلي بيته، سالكًا طريقي نفسه. وكَثُرَ الكلام عن عودة بعض الكلاب، التي باتت أكثر جسارة وشراسة من قبل. وقد تميَّز من بينها كلبٌ أرقط، ذو رأس كبير. قلت في نفسي: ربما كان دون جوان. إلا أنني أعرفه جيدًا، بقوائمه المعوجَّة وجسمه المشوَّه. لم أصدِّق كثيرًا ما سمعتُه، على الرغم من تسلُّل الخوف إلى نفسي. رأيته ضمن جوقة كبيرة من الكلاب، يجامع أنثى دون خوف من أحد – لا بل الكلُّ واقف يتأملون.

رأيته أكثر من مرة يرافق أنثى، دون مضايقة من الكلاب الشرسة، وكأنه تسيَّد عليهم. أسمع صوتَه يهدر هنا وهناك، وأتذكَّر حميد الأعرج، والطفلة الصغيرة، وحوادث كثيرة سمعتُها عنه. وعلى الرغم من أفعاله العنيفة، لم تتخذْ سلطاتُ المدينة أيَّ إجراء ضدَّه. سمعت أحد الجيران يتكلَّم وهو مارٌّ بالقرب من باب دارنا:

-       إنه كلب مسعور وحقير، لا أدري لماذا يتركونه هكذا؟!

كان يتلفَّتُ في مشيته خوفًا من دون جوان، الأمر الذي دعاني للتقليل من مشاوير ذهابي إلى المقهى. وربما صرت أفتعل الأعذار كي أقضي الليل عند أحد زملائي. ومع ذلك، لم أكن متأكدًا من صِدْقِ ما يُروى حوله من شراسة وعنف. كنت أراه مرات ومرات برفقة إناث يقصُدنَه من الأحياء البعيدة. وحينما يدخل مجمع القمامة، كان كلُّ الصغار والضعفاء يهربون أو يختبئون.

كان واقفًا في تلك الليلة التي اعتقدتُ أنه مات فيها بعد أن تعالى صوت الرصاص، وذكر أحدُ أقربائي أن حملة شُنَّتْ ضدَّ الكلاب الشرسة والمسعورة. كان واقفًا مثل بطل، في كامل عُدَّته الحربية، رافعًا رأسه. تأمَّلتُه للحظة. أدركت حجم الخطر المُحْدِق بي وأن حَذَرَ الأيام الماضية كلَّه ذهب هباءً. هي لحظات فقط ليكون مصيري مثل الآخرين. وربما سيقول الناس: حميد الأعرج، وفلان، وفلان، والمرحوم شكيب. نعم... هكذا سوف يُقال عني. وهو واقفٌ يتأملني، فاغرًا فاه، حتى إن أنيابه تقطر سائلاً وسخًا، ولسانه يغرف الريح كمروحة. في وجهه سِماتُ بطولية وتحدٍّ واضح.

تجاهلتُه للحظة، وكنت مترددًا بين التوقف والمشي. ولأنني لا أحتمل الخِزْيَ الذي سأصف به نفسي لو هربت، مررتُ قريبًا منه، والدمدمة تنقر في صدري. همست: لو يتذكَّر أيامه معي، لو يتذكَّر فقط! بعد لحظات هرب شيء في داخلي، فوجدت نفسي أركض مسرعًا حتى آخر الطريق.

في مساء آخر، هزمني طيفُ دون جوان الذي تمثَّل في شجرة الصفصاف. راودَني إحساسٌ بأنه يستهدفني. إلا أنني، على الرغم من كلِّ ما حلَّ بي، طفا من أعماقي شعورٌ يوحي لي أن كلام الناس هو الذي صَنَعَ لدون جوان صورةً أكثر ترويعًا. حتى فوجئتُ به، ذات ليلة، بعد أن تعالى عواء جروٍ صغير بجوار دارنا أثار نخوتي. تناولتُ عصا والدتي الموضوعة عند باب القنِّ، وأسرعتُ نحو الصغير المغلوب على أمره، لأفاجأ بدون جوان يقبضُ بفكَّيه على رقبته. تفرَّستُ فيه، فقرأتُ في عينيه تحديًا واضحًا واستهتارًا طاغيًا. أخذني الغضبُ، وهويتُ على رأسه بالعصا، فارتطمتِ العصا بالأرض، بعد أن تراجع بضع خطوات بحركة رشيقة، ورمى الجرو الصغير، وصار متأهبًا لردِّ فعل إزائي. عيناه قدحتا شررًا، وزأر بي زئيرًا أكَّد لي مدى حماقتي. استندتُ إلى الجدار صامتًا، إلاَّ من لهاثي وزفرات غضبي. لكنه انسحب بعيدًا بخطوات واثقة.

في الأيام التالية، صرت أسمع العواء الصاخب في الليل، دون أن أبادر إلى فتح الباب لمجرَّد النظر إلى المشهد. أقنعت نفسي أنني لا أقدر على مواجهته – هذا إذا لم أكن مستهدفًا من قِبَله. راح دون جوان يدخل بيتنا، ويأكل ما يشتهي من الدجاج والفراخ، بعد أن مرضت والدتي، فلم تعد هناك أية مقاومة تُذكَر. وكرَّر فعلتَه مع البيوت المغلوبة على أمرها، كبيتنا، التي لا تملك وسائل دفاع عن النفس. استمر دون جوان في أفعاله، دون أن يُتَّخَذَ ضدَّه أيُّ إجراء قانوني، وكأن كلَّ أجهزة الأمن في المدينة تواطأتْ معه.

بَسَطَ دون جوان سيطرتَه على كلِّ كلاب المدينة التي، ما إن تراه، حتى تضع ذيولها بين أفخاذها الخلفية، وتنكِّس رؤوسها، وتمرُّ بجانبه متشمِّمة إياه، فيفهم هو حركاتها على أنها طقوس تعبيرية للولاء والألفة. صارت الإناث يقصدْنَه من شتى أرجاء المدينة، ويظهرن معه في أوقات متعة في أمكنة متعددة. ولما حاولتْ البلدية، كردِّ فعل لا بدِّ منه، كإجراء روتيني، إخراجَ دوريات بقصد اغتياله، ما لبثت المحاولة أن فشلتْ بعد هجوم دون جوان على أحد أفراد الدورية في بيته وتمزيق جسمه، مما اضطرَّه إلى الرقود في المستشفى عدة أشهر.

أثيرت الأخبار حول ذكاء دون جوان، وتعرُّفه إلى الأشخاص الذين يحاولون إيذائه. وزاد خوفي بعد أن توقعتُ هجومًا عنيفًا من دون جوان ضدِّي، خصوصًا بعد محاولتي إيذائه، وأيقنتُ أنَّ خطرًا حقيقيًّا صار يهددني. قررت بعدئذٍ عدم الذهاب إلى المقهى. استمر ذلك عدة أشهر، حتى زارني أحد زملائي مستفهمًا عن غيبتي، فتعلَّلتُ له بشتى الأعذار. وصار يزورني بين الحين والأخر، فأرافقه إلى المقهى، وأضطر أحيانًا إلى تغيير طريقي، فأدور حول المدينة.

فكَّرتُ كثيرًا بإيجاد أساليب أجدى في مواجهة ذلك الخطر – مع أنني أرى دون جوان يدخل بيتنا، بين الحين والآخر، ويأكل ما يحلو له من الطعام من بقايا دجاجات والدتي، ويخرج دون أن يثير أية مشاكل معي؛ أو بالأحرى، أنا الذي لا أحاول إثارة أية مشاكل معه، لأنني لا أصدر أية نأمة أو حركة توحي له بوجودي. كنت أرتجف، ويقشعر جلدي، حين أسمع صوت نباحه يهدر هنا وهناك. أتأمل قامته، أراه مرة أخرى؛ أتأمل وجوده، ثم ألمحه في غمرة انشغالي بنعلي، يشق الأدغال ويحضر كالسهم. أتابع الأخبار. ضحية جديدة: عبود، الموظف في محطة القطار، سَلَكَ طريقي نفسه، وحدث ما حدث. يُدَقُّ الباب، ولا أفتح. لا أزور أحدًا في الليل.

قلت: أن يسلم الإنسان على نفسه في هذا الزمن الصعب أمر غاية في الأهمية! لم تبقَ لدى والدتي المريضة سوى دجاجة واحدة. ولا كلب في نواحي المدينة كلِّها يقف في وجه دون جوان، الذي استحوذتْ عليه الصفاتُ الذئبية، وتحوَّل إلى سفَّاح ضد أبناء جنسه. فكلُّ أنثى يجامعها يمزِّقها بأنيابه الحادة. أتوجس. أتسائل: لماذا لم يستخدم أحدٌ الرصاص ضدَّه؟! وأعود وأرضخ لاستنتاجاتي: الكلُّ متواطئ معه! هكذا الظلم! أرتجف.

حين سمعت صوت القرقعة الخفيفة عرفت أنه دون جوان. قلت: إنه حضر في غير موعده. نعم، إنه هو، يقف بباب القن. هي دجاجة واحدة... فليأخذها. فكرت بتغيير البيت – بيعه مثلاً – واستئجار آخر. هي مشكلة إقناع والدتي فقط. التفتَ صوبي، اقترب مني. كانت نظراتُه توحي بشيء. دخل الغرفة، دار حولي، سار عدة خطوات في الغرفة، وعاد ليقف أمامي، وفي عينيه حيرة واضحة. بدا هادئًا، حائرًا. نكَّس رأسه، تراجع قليلاً، نظر في وجهي، اقترب، وقف قبالتي تمامًا، مدَّ رأسه وتشمَّم ملابسي، ثم لَحَسَ رقبتي، وصار يقبِّل وجهي بفمه، كأنه مشتاق إليَّ. أحسستُ بشعور غريب نحوه. ثم دسَّ رأسه في حضني، وعوى بصوت خافت، كأنه طفل محموم. بقي هكذا لفترة، ثم رفع رأسه المتراخي، وتَراجَع رويدًا رويدًا، وغادر الغرفة والدار.

لم أعد أراه في المدينة. فقط أتذكَّره كلما سلكتُ ذلك الطريق أو رأيت قنَّ دجاج.

وكنت أبكي لذلك.

*** *** ***


* قاص وروائي عراقي مقيم في أمريكا.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود